الأطفال في ظل الحروب
مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية
نوفمبر 21, 2022
3 دقائق
مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية
نوفمبر 21, 2022
3 دقائق
كلمة “الحرب” ليست كأي كلمة، إنها كلمة تحمل في مطاويها معانٍ مؤلمة، فآثار الحرب تُشبَّه بآثار البركان، فالبركان يغيّر معالم الأرض وكذلك الحرب تُحدث تغييرات جذرية في حياة الأفراد والجماعات، وفي ظل الحروب لا ينجو أي فرد من حِمم تصيبه فتؤثر فيه.
كلمة “الأطفال” هي أيضاً ليست كأي كلمة، فعند ذكر هذه الكلمة يتبادر إلى أذهاننا معانٍ رائعة ولطيفة كالبراءة والنقاء والجواهر النفيسة، وللأسف تأتي الحرب لتحرم الأطفال من جمال الطفولة وتهدد نموهم، فالأطفال الذين يعيشون في ظل الحروب يتأثرون بما يجري نفسياً وجسدياً.
نشير في هذه المقالة إلى آثار الحروب في نفوس الأطفال، ونؤكد دور الأسرة في تحصين الأطفال ومساندتهم، ونختم المقالة بالقواعد التربوية العامة لصحة الطفل النفسية التي ينبغي مراعاتها حفاظاً على سلامة أطفالنا.
عندما يتعرض الأطفال إلى خبرات صادمة تتعدى أحداث الحياة العادية، وتهدد الطفل بشكل كبير، فإن حاجاتهم، على الصعيدين الفيزيولوجي والنفسي، تتأثر مما يؤدي إلى زعزعة النمو المتجانس عنده، وربما يترك أثره عليه مدى الحياة، ومن ناحية أخرى وفيما يتعلق بالناحية التطورية تشير الدراسات الحديثة إلى أنّ هناك علاقة واضحة بين تعرّض الطفل الصغير للصدمات والأحداث الخطرة وتطور الوظائف الدماغية، وتؤكد على الأهمية البالغة لعاملين متكاملين هما: الخبرات التي يمر بها الطفل في سنواته الأولى وتأثيرها على شخصيته وقدراته، الدور الكبير الذي يلعبه العامل الوراثي في عملية النمو لدى الإنسان. (شيخاني، 2014)
قد تظهر الآثار النفسية عند أطفال الحرب من خلال مجموعة من الأعراض التي تنعكس سلباً على أدائهم الدراسي، وتؤدي إلى اضطراب في حياتهم الانفعالية نتيجة الحرمان الفجائي، ومن هذه الأعراض اضطراب النوم والأحلام المزعجة وقضم الأظافر وظهور بعض المظاهر العصبية على وجوههم والذعر من سماع الأصوات العالية المشابهة للطلقات النارية أو أصوات الطائرات المحقة فوق بيوتهم وأراضيهم. (فواز، 2011)
إن ردود الفعل العاطفية تختلف من طفل إلى طفل آخر في طبيعتها وحدتها، ولكن هناك بعض التشابه العام في كيفية شعور الطفل عندما يتعرض لتهديد الظروف الصعبة والنزاعات، ورد الفعل المسيطر خلال الظروف الصعبة هو الخوف على الجميع، وخوفه قد يظهر في مخيلته والتي قد تثار بشكل غير منطقي عند سماعه بعض الأخبار، مما يزيد ويفاقم خوفه، وأكثر ردود فعل الأطفال نتيجة الخوف هي الغضب وينصب غضبه عادةً على الأهل والرفاق والجيران لعدم قدرته على صبّ غضبه على مسببي المشكلة، إن الظروف الصعبة والنزاعات تقوّض الروتين اليومي للطفل مما يطور لديه الشعور بعدم الأمان وتفاقم مستوى الضغط عليه وتزداد حاجته إلى إعادة الطمأنة. (شيخاني، 2014)
آنا فرويد في دراستها مع دوروثي بيرلنغهام على الأطفال الذين عايشوا حرب الأطفال الإنجليز بالقنابل خلال الحرب العالمية الثانية، أظهرت أن العالم الطفولي يعتمد بشكل كبير على الأم، وهذه النتائج وغيرها جعلتها مؤيداً قوياً تنادي بضرورة حماية الحقوق الطبيعية والرغبات الخاصة بالطفل، وترى آنا فرويد أنّ مرحلتي الرضاعة والطفولة مهمة كمقدمة لعملية نضج جيدة، لذلك نراها تؤكد في علاجها على أهمية اتجاهات الدعم والحماية والتعليم. (انجلر، 1991)
تؤدي الأسرة دوراً مهماً في تحصين الطفل ضد الضغوط على اختلاف أنواعها من خلال سلوك الأهل المتّزن أمامه وقت الأزمات، وفي الحالات المعاكسة يدفع الأهل الخائفون والانفعاليون بالطفل إلى المزيد من الاضطراب والقلق لأنهم القدوة. (فواز، 2011)
إن ضرورة وجود الأسرة إلى جانب الطفل هو واقع أكّد عليه مجمل العاملين في مضمار الطفولة، وهذه الضرورة تصبح أكثر إلحاحاً عندما يعيش الطفل ضمن وضعيّات تهدد طمأنينته النفسية، كوضعيّة الحرب ومختلف مظاهر العنف المرافقة لها، وهذا ما أكّدته أعمال دوروثي بيرلنغهام وآنّا فرويد لدى دراستهما لسلوك الطفل الإنكليزي خلال العرب العالمية الثانية. (نصار، 1991)
وضعت آسيا الجري (2020) ثلاثين قاعدة تربوية للمربي (الأب، الأم، المعلم، وكل من يقوم على تربية الطفل أو مسؤول عن رعايته) هي:
آثار الحروب لا تميز بين مراهق وراشد أو طفل رضيع وطفل يحبو، إنها تترك جروحاً في شخصية وحياة كل فرد، وتختلف الآثار من طفل إلى آخر، ولكننا نلاحظ بوضوح دور الأسرة في تحصين الطفل وتحسين الصحة النفسية للطفل.