الشعور بالذنب بين الإيجابية والسلبية
هشام الشيخ
مارس 21, 2023
5 دقائق
هشام الشيخ
مارس 21, 2023
5 دقائق
ربما تكلمت بشكل جارح ومؤذٍ تجاه الآخرين، وربما تكون عالقاً باحتياجات عملك وأسرتك وتخاف من التقصير في واجباتك تجاههم، هنا قد تلوم نفسك أو تشعر بالذنب، والشعور بالذنب إذا تطور وبلغ أشده يمكن أن يجعلك تفشل في تحقيق ذاتك، وفهم احتياجات الآخرين، فما هو الشعور بالذنب؟ وهل الشعور بالذنب ضار بالكلية؟ هل هو مفيد بقدر معين؟ كيف أتعامل معه؟
الذنب حسب موقع (mindtools, d.n) هو المشاعر التي نشعر بها إذا خذلنا أنفسنا أو الآخرين بفشلنا في تلبية معيار معين، قد يتم الاعتراف بهذا المعيار على نطاق واسع (عدم وجود موعد نهائي وتأخير المشروع، على سبيل المثال)، ويمكن أيضاً أن يكون مفروضاً على الذات: تصور شخصي بأنك لم تلتزم بقيمك (para.2. حسب القيم والسياق الثقافي لكل مجتمع)
ويؤكد فونتين وزملاؤه Fontaine, al et, (كما ورد في الشبؤون، 2011) أن الشعور بالذنب والخزي هما من المشاعر السلبية التي يختبرها الفرد في حياته، ويرتبط هذان الشعوران بشكل كبير بتقدير ذات منخفض، فكلاهما يتضمنان إحساساً داخلياً بعدم الراحة والإهانة النفسية، سواء أكان بسبب نظرة الفرد الدونية لذاته، أم بسبب شعوره بأن الآخرين ينظرون نظرة سلبية (ص.60).
في حين يعرفه ستيفن Steven (كما ورد في صايمة، 2018) بأنّه “الضيق الناتج عن اعتقاد الناس أنهم انتهكوا معاييرهم الشخصية أو خوفهم من الآخرين أنهم سيدركون هذا الانتهاك”. (ص.12)
يقوم تورنييه turiniih حسب وهيب (2005) بتحديد نطاق الذنب الإنساني، حيث نرى بسهولة الدور الذي تلعبه مشاعر النقص في الشعور بالذنب، ففي حياتنا اليومية نحن نعيش غارقين في هذا الجو السقيم المشحون بالنقد المتبادل، إلى درجة أننا لا نكون منتبهين له فنجد أنفسنا منجذبين دون أن ندري إلى دائرة مغلقة لا يمكن التخلص منها؛ فكل توبيخ يثير شعوراً بالذنب في الشخص الذي ينتقد كما في الشخص الذي يقع عليه النقد، وكل إنسان يسعى إلى التخفيف من الذنب بأي طريقة ممكنة، سواء بانتقاد الآخرين أو بتبرير النفس (الفقرة.1).
حسب صايمة (2018) فقد لخص فرويد الشعور بالذنب بأنه صراع ناتج بين الأنا والأنا الأعلى، إذ يؤدي هذا الصراع لعدم التوازن بين هذه القوى، الأمر الذي يؤدي للاضطراب وبالتالي الإصابة بالشعور بالذنب، أما أصحاب النظرية المعرفية فيرون أن الشعور بالذنب ناتج عن القيام بعمل يتعارض مع قيم ومبادئ ضمير الفرد (والذي يتشكل من النمو الأخلاقي)، في حين يرى الوجوديون بأن الشعور بالذنب ناتج عن القيام بأفعال تقلل من قيمة ومعنى الحياة (ص.21-22).
من هنا نرى بأن الشعور بالذنب مرتبط بفعل أو قول تجاه الذات أو الآخرين، ينتج عنه تجاوز لقيم ومعايير تعد مكونات رئيسة لكينونة الفرد، سواء كانت معتقدات دينية أو اعتبارات ثقافية اجتماعية أو ما هو مرتبط بسياق اجتماعي ما.
حسب اندريه Andrei (2021) هناك آثار مرتبطة بالجانب النفسي والجسدي نتيجة الشعور بالذنب السلبي وهي:
أولاً: الجانب النفسي من خلال:
ثانياً: الجانب الجسدي:
تشير الدراسات إلى أن الشعور بالذنب يمكن أن يرفع هرموني التوتر الأدرينالين والكورتيزول، تساعد هذه الهرمونات في تحفيز جسمك على الاستجابة عندما تواجه تهديداً أو حدثاً مرهقاً. المشكلة هي أنه عندما تستمر المستويات العالية من هذه الهرمونات لفترة طويلة، تبدأ في الشعور بالضيق والانزعاج وقد تبدأ أيضاً في المعاناة من ارتفاع ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب السريع، وقرحة الإجهاد في معدتك، والالتهابات para.2))
قدمت هيلين لويس Helen, Lewis (كما ورد في الشبؤون، 2011) طرحاً للتمييز بين الذنب والخزي، حيث ترى أن الشعور بالذنب والخزي يختلفان في أمور شتى؛ فالخزي يتعلق بالأخطاء الأخلاقية أو بالإحباطات، في حين يتعلق الذنب بالأخطاء الأخلاقية فقط، وفي الخزي يركز الشخص على نواقص ذاته، في حين أنه في الذنب يركز على الحدث السلبي أو الخطأ الذي قام به، في الخزي يكون الشخص سلبياً وعاجزاً، بينما في الذنب يكون فعالاً ونشيطاً. ولقد كان لهذا التمييز الذي قدمته لويس تأثير كبير واضح في الدراسات السيكولوجية التي قام بها الباحثون في مجال الذنب والخزي (ص.66).
تشمل مستويات مشـاعر الـذنب حسب حنور (2012) ثلاثـة مستويات وما تؤدي إليه ارتفاعاً أو انخفاضاً.
انطلاقاً من تصنيف حنور لمستويات الشعور بالذنب، يمكن القول إن الشعور بالذنب حسب صالح (د، ت) له دور إيجابي في عملية إدامة العلاقات الاجتماعية والتكيف مع الآخرين، حين يدرك الفرد أنه ارتكب خطأ أو سبب أذى بآخرين ويعمد إلى إصلاحه بما ينال رضاهم، وهذا يعني أن الفرد الذي أحس بالذنب بسبب خطأ أو تصرف غير لائق ارتكبه وسعى إلى تصحيحه، دلّ ذلك على أنه يمتلك ضميراً حياً وصحياً (الفقرة. 3).
أما في التراث الإسلامي حسب عودة (2018) فقد عرّف الإسلام الإنسان بوصفه كائناً معرضاً للخطأ لا محالة، ولكنه في الوقت ذاته يسّر له السبيل للتكفير عن أخطائه دون الغرق في دوّاماتها، كما ورد في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، الأمر الذي يضع مخرجاً فعلياً للمرء من الإفراط في الذنب، إما بالتوبة في حال كان بينه وبين ربه، وإما برد الحقوق لأصحابها أو طلب السماح منهم بدلاً من جلد الذات وعقابها دون طائل (الفقرة.2).
يقول الله جل جلاله: {قل یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسرَفُوا عَلَىٰۤ أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُوا مِن رَّحمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ یَغفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: ٥٣]، ويفسر السعدي (2000) الآية أن الله يخبر عباده المسرفين بسعة كرمه، ويحثهم على الإنابة قبل ألا يمكنهم ذلك فقال: ﴿قُلْ﴾ يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين اللّه، مخبراً للعباد عن ربهم: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب. ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾ أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعاً من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود. (ص.1525-1526).
والحديث النبوي يقول (الندم توبة) كما جاء في سنن ابن ماجة (4252)، وحسب العيد (2008) روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم) (الفقرة.1).
يتضح هنا أن الشعور بالذنب يجعلك تشعر بإنسانيتك وأن الخطأ لا محالة واقع، لكن الغاية بعد وقوع الخطأ تتمثل في الاعتراف به وجعله سبيل لتحسين السلوك والأداء تجاه الذات والآخرين، وبالتالي تقبل الذات والآخرين رغم اختلافهم والتركيز على القواسم المشتركة معهم.
يشير روبنز (Robbins,n.d) لعدة نصائح تساعد على التعامل مع الشعور بالذنب المجهد وهي:
ختاماً:
ينطوي الشعور بالذنب على وجود تجاوز للمعايير والقيم الموجودة لدينا، مما يتسبب بضيق وتوتر نفسي وتدنٍ في تقدير واحترام الذات، إضافة لعدم تقبل الآخرين وخلل في العلاقات معهم، لنقل إن هذا الجانب السلبي للشعور بالذنب، في حين يكون الشعور بالذنب نفعي فعال من خلال جعلنا نشعر أكثر بإنسانيتنا ويعطينا إنذاراً لأفعالنا وتصحيحها سواء تجاه أنفسنا أو الآخرين، لا تهمل طلب المساعدة عند تشعر بالحاجة، لأن استمرار بشكل سلبي مؤثر قد يؤدي لاضطرابات أخرى.
https://www.mindtools.com/ajkye4s/dealing-with-guilt