المراهقة وأزمة الهوية

     تعتبر المراهقة مرحلة من مراحل نمو الفرد، تتضمن تغيرات بيولوجية ونفسية اجتماعية وقد حظيت باهتمام كثير من الباحثين، وهذا التغيرات قد تؤدي إلى اضطرابات سلوكية مسببة أزمة للنمو في هذه المرحلة بحیث یمثل حلها مطلباً أساسياً لاستمرارية النمو السوي ونقطة تحول نحو النضج الشخصي اللازم لاستمرارية النمو السوي، وفي ظل هذا الموقف قد یجد المراهق نفسه تحت وطأة فقدان الهویة.

مفهوم أزمة الهوية:

   وتعد أزمة الهویة من الظواهر النفسية الهامة التي بمكن اعتبارها نقطة تحول للمراهق والتي یجب أن یتجنب فیها الخبرات التي تؤثر علیه بشكل سلبي، والتي قد تؤكد شعوره بالقهر وضعف القدرة على التعبیر عن ذاته، فیعیش كاتماً بین جوانحه كل آرائه بحیث لا یستطیع التعبیر عنها إلا همساً في ظل رقابة صارمة تحیطه بالقیود، وفي ظل هذه الظروف قد یدفعه ذلك إلى تمثل صورة من صور السلوك التي قد تبدو منحرفة أو متطرفة فنفقد بذلك الوسيلة والغایة معاً (مرسي، 2019).

    في حين حدد عالم النفس التنموي إريك إريكسون ثماني مراحل أزمة تميز حياتنا منذ الولادة وحتى الموت، إن تحقيق الهوية مقابل نشر الهوية هو الأزمة الخامسة التي يمر بها الأفراد أثناء تنقلهم في سنوات المراهقة التي يحتمل أن تكون عاصفة، الأزمة هي واحدة من القابلية المتزايدة للتغيرات التنموية الخاصة المرتبطة بالبلوغ، يعاني المراهقون من تغيرات سريعة في بناء، الجسم والهرمونات والعواطف والقدرات المعرفية، ربما لأول مرة في الحياة، يفكرون في أدوارهم في المجتمع، بما في ذلك حياتهم المهنية وقيمهم ودورهم بين الجنسيين، هناك مزايا لاستكشاف هويتك خلال سنوات المراهقة، وفقاً لإريكسون، من المهم التفكير بجدية في هذه القضايا والتوصل في النهاية إلى حل كافٍ بحيث يكون المسار الذي تسلكه في مرحلة البلوغ هو المسار الذي اخترته بوعي، تظهر الهوية القوية ليس فقط من هذا التأمل الواعي لهدف حياتك، ولكن أيضاً من النجاح في حل تحديات النمو التي تميز سنوات الطفولة السابقة، يقول التفكير إن امتلاك هوية قوية في مرحلة المراهقة يعتمد جزئياً على امتلاكك إحساسًا قوياً بالثقة في مرحلة الطفولة، والاستقلالية في مرحلة الطفولة، والقدرة على اللعب في مرحلة ما قبل المدرسة، وأخلاقيات العمل القوية في سنوات الدراسة الابتدائية، قد تعود قضايا الطفولة إلى الظهور لاحقاً في الحياة أيضاً، قد تواجه مشاكل في اتصالك بالعمل في سنوات شبابك إذا شعرت أنك في طريق مسدود، وبالمثل قد تواجه مشكلات مرتبطة بالحياة اللاحقة في سنواتك الأولى، قد يواجه الشباب الذين يتعاملون مع وفاة شخص قريب منهم، أو حتى مرضهم العضال، مشاكل نفسية اجتماعية مرتبطة بمرحلة البلوغ اللاحق(Susan, Krauss, 2012)

الشعور الهوية مقابل اضطراب الهوية Ego Identity vs. Role Confusion:

    هذه المرحلة هي مدة المراهقة adolescence التي تبدأ من سن البلوغ وتنتهي في سن الثامنة عشر أو العشرين من العمر، والمهمة خلال مدة المراهقة هي التعرف على هوية الأنا ego identity وتجنب صراع الهوية role confusion، إن مدة المراهقة إحدى اهتمامات أريكسون المهمة التي يرى فيها الأساس لتشكيل أنماط التفكير في كل المراحل القادمة، إن هوية الأنا ego identity تعني معرفة الفرد لأناه، وكيف يضع هذه الأنا بدقة بين أفراد المجتمع، وهذا يستدعي التكلم عن كل ما تعلمه عن نفسه والحياة ووضعها بشكل متفاعل وموحد بما يسمى بصورة الذات self-image والشيء الأساس في هذا أن يكون الفرد إنساناً ذا معنى وفاعل في المجتمع، والمهمة الأساس هي التعرف على استجابات المراهق المختلفة وإعطاؤه دوراً وأنموذجا واضحاً وفتح قنوات الاتصال الاجتماعية معه، وأكثر من هذا يجب أن يوفر المجتمع طقوساً واضحة لهذه الانتقالية rites of passage لتحقيق انجازات أكيدة تساعد المراهق على تمييز نفسه بين كونه مراهقاً أو طفلاً، كما إن المراهق يستطيع أن يثبت للمجتمع بأنه يتمتع بالقدرة على تحمل المسؤولية مع نفسه ومع ما تفرض عليه العائلة والمجتمع، وإحدى اقتراحات أريكسون للمراهق هي الترويح النفسي psychological moratorium ولا سيما عن طريق القيام بالرحلات والسفر والتنزه، وأن بذل الكثير لتحقيق نجاح ممكن وسريع يستدعي تأملاً لمعنى هذا النجاح، وهناك شيء في غاية الأهمية بما يتعلق بهوية الأنا ego identity لدى المراهق هو ما يؤديه من دور معين في المجتمع أو في ثقافة فرعية subculture لا تتسم بالتساهل في عملها، وأريكسون يطلق على هذا الميل من سوء التكيف بالتعصب fanaticism، والمعتقدات التعصبية ليس فيها خيار، والمراهقون بالطبع معروفون بمثالتيهم وميلهم إلى عد الأشياء أما سوداء أو بيضاء فقط، الذي يقوم بالترويج لهذه المعتقدات سيحاول جمع المراهقين حوله والتأثير في أسلوب حياتهم من دون اعتبار لحقوقهم بالرفض، إن النقص في الإحساس بالهوية ربما يكون أكثر الصعوبات الحالية، وأريكسون يشير إلى الميل في هذا الحقد إلى ما يسميه بالنبذ repudiation، إنهم ينبذون أعضاء جماعتهم، وأكثر من هذا ينبذون حاجاتهم للإحساس بالهوية، وبعض المراهقين يسمحون لأنفسهم بالانصهار fuse ولا سيما مع نوع من الجماعات توفر لهم تفصيلات للإحساس بالهوية مثل ممارسة التثقيف الديني والتنظيمات العسكرية وجماعات تأسست على نوع من الكراهية وجماعات أعفت نفسها من الشعور بالألم عن حاجات المجتمع الأساسية، وبهذا ربما سيصبحون متورطين بنشاطات تخريبية أو بالإدمان على المخدرات أو الكحول أو بالانسحاب إلى أوهام نفسية، ويؤكد أريكسون في هذه المرحلة على التوصل إلى خاصية الأمانة والصدق fidelity وتعني الإخلاص والولاء والقدرة على التعايش مع المعايير الاجتماعية، إن الأمانة والصدق هما رؤية المجتمع بأجمل ما يكون وأن تجد مكانا في مجتمعك، مكانا يعطيك الفرصة لكي تعطي وتسهم (ناصر، 2012).

تعريف أزمة الهوية Identity Crisis

    يعرف موسين (Mussen) النضال أو الكفاح الذي يفرض على المراهق وهو يحاول ان يحصل على الإحساس أو الشعور بالهوية متصف بالثقة والاطمئنان، وتنشأ عندما يفشل الفرد في تحديد هويته، وارتباك الدور، وغموض الهدف، والانعزال عن الآخرين، وضعف العلاقات الاجتماعية (نجيب، محمد، 2016). 

    تعرف حسب (السيد، الشيخ، 2015) بأنها نقطة تحول نمائية يتشوش فيها وعي المراهق بذاته ويشعر فيعا بالحيرة والضياع، فتدفعه اما الى الإحساس بالذات والدور الاجتماعي أو إلى المزيد من الانهيار الذاتي وتشتيت الدور، ويتوقف حل المشاكل فيها على ما يقوم به لاستكشاف البدائل بين وجهات النظر المتباينة في مجالات الحياة وإعادة حلها من خلال الالتزام بالمعايير الاجتماعية السائدة (المطوع، 2019).

  وتعرف حسب الزهراني، الزهراني (2017) بأنها حالة عدم معرفة الفرد لذاته بوضوح في الوقت الحاضر، وماذا سيكون مستقبلا، وتتمثل في رتبتي الهوية الأقل نضجاً الانغلاق والتشتت (الزهراني، الزهراني، 2017).

    من خلال ما سبق يتضح أن ازمة الهوية يمكن القول إنها مشكلة ترتبط بمرحلة النمو في المراهقة، يتضمن غموض وارتباك في الدور.

مظاهر أزمة الهوية:

يشير (Erikson) إلى مظاهر أزمة الهوية التي تتضمن كل ما هو عكس ثبات أو تحقيق الهوية وهي كالآتي:

عدم معرفة الذات حاضرة أو ما سيكون عليه مستقبلاً.

الشعور بالضياع والتبعية والجهل بما يجب أن يفعله أو يؤمن به.

الإحساس بالحيرة والغرابة والانهيار الداخلي.

الإحساس بعدم القيمة.

الإحساس العميق بعدم التنظيم على المستوى الشخصي والقصور وعدم وجود هدف في الحياة.

قلة التركيز والاستغراق في اجترار الهموم الذاتية والخيالات الخاصة به.

صعوبة النوم والاستيقاظ.

العجز عن اختيار الموضوعات التي تتناسب مع ذاته من تعلم وعمل وغيرها.

العجز عن الاستفادة من المساندة المتاحة بواسطة الأدوار الاجتماعية (الزهراني، الزهراني، 2017).

عوامل مرتبطة بأزمة الهوية:

     إن التحول في الخبرات الجسدية والنفسية للمراهق، والتفاوت بين الشعور الذاتي ورؤية الآخرين للمراهقين تؤدي جميعها إلى أزمة الهوية، وفي هذا الصدد يشير بول جودمان (Paul, Goodman) إلى أن أزمة الهوية تتشكل لدى الشباب بسبب إحساسهم بالضياع والتمزق في مجتمع لا يساعدهم في فهم من هم؟ ولا يجد لهم فرص في الحياة تساعدهم على الإحساس بقيمتهم الاجتماعية والالتزام بالقيم والأهداف والتعريف عن ذواتهم.

    ومما يزيد من مظاهر الأزمة لدى المراهق هي سرعة معدلات التغيير الاجتماعي التي تفصل الماضي عن الحاضر، وتعزلهم عن الكبار، مما يزيد من مشاعر الاغتراب واللامبالاة، والانعزال عن العديد من القضايا التاريخية إذ يعاني الطلبة مضطربو الهوية من ارتفاع وجهة الضبط الخارجية، وضعف تقدير الذات، وسوء التوافق الاجتماعي، والخجل، والقلق، وطول فترة التعليم، مع عدم استغلال أوقات الفراغ بشكل جيد.

    كما أنّ أزمة الهوية تعد نتيجة متوقعة للإخفاق في تحديد الهوية، أي أنّ الفرد غير قادر على تحديد مستقبله المهني والتعليمي، كما يتضمن شعوره بالاغتراب وعدم وجود الأهداف وفقدان المعنى، مما يؤدي إلى اضطراب الذات والوصول إلى هوية سلبية تفتقر إلى العلاقات البين شخصية (السعدي، 2017).

رتب أزمة الهوية:

ووفقا لمنظور (Marcia) الذي يصنف الهوية إلى أربع رتب هي:

تحقيق الهوية ldentis Achievement ويشير إلى مرور الفرد بالأزمة أو الاجتماعية والانتهاء إلى تكوين هوية واضحة من خلال تطوير التزامات أو معتقدات يأخذها على نفسه في ضوء استكشافات بديلة التحديد شخصيته.

تعليق الهوية Identity Moratorium يشير إلى الإخفاق في اكتشاف الفرد لهويته من خلال استمرار المحاولة من وقت لآخر الاختبار وتجريب الخيارات المتاحة دون الوصول لقرار نهائي وبدون التزام حقيقي بخيارات محددة ومقبولة في تحديد شخصيته.

انغلاق الهوية ldentity Foreclosed ففيها يظل الفرد ملتزمة بأهداف وقيم وعادات تطورت خلال الطفولة، واقترحت من أفراد أخرين عادة ما تكون انعكاسات لرغبات والديه أو من لهم سلطة عليه بوجه عام؛ لذا يكون هم الفرد اشباع توقعات الأخرين أكثر من البحث عن ذاته وتحديد شخصيته، مما يصل به الأمر إلى الاعتمادية بدلا من الاستقلالية وما يترتب عليها من صراعات ومشكلات نفسية.

تشتت الهوية Identity Diffusion في حين يشير تشتت أو انتشار الهوية إلى عدم التزام الفرد بخيارات واضحة في سبيل تحديد الشخصية نظرا لعدم مروره بخبرات أو بأزمات اجتماعية أو نفسية، حتى وإن واجه بعض الخيارات فإنه لا يعطي أي التزام تجاه الدور المترتب على ذلك، مما يصل بالفرد إلى العلاقة السطحية وتدني تقدير الذات لديه (الزهراني، الزهراني، 2017).

عوامل مساعدة:

تشير Kendra, Cherry, 2021)) إلى أنّ في كثير من الحالات، هناك أشياء يمكنك القيام بها للمساعدة في حل أزمة الهوية بنفسك، تتضمن بعض الأشياء التي قد تكون مفيدة عندما تواجه أسئلة حول هويتك ما يلي:

استكشاف معتقداتك واهتماماتك: عندما تشكك في إحساسك بالذات، قد يكون من المفيد أن تنظر إلى الداخل وتفكر في الأشياء التي تحبها، ما الذي تهتم به؟ هل هناك أشياء لم تعد تحبها؟ يمكن أن يكون طرح الأسئلة واستكشاف هوايات واهتمامات جديدة طريقة مفيدة للتعرف على نفسك بشكل أفضل.

التفكير في أهدافك: اقض بعض الوقت في التفكير في أهدافك في الحياة، ماذا تريد أن تحقق؟ ما هي أنواع الأشياء التي تجلب لك أكثر الفرح والسعادة؟ قد تكون أزمة الهوية علامة على عدم تلبية بعض الاحتياجات حالياً، لذا فإن إيجاد طرق لتلبية تلك الاحتياجات يمكن أن يجلب إحساساً أكبر بالرضا في حياتك.

الحصول على الدعم: يمكن أن يساعد وجود الأصدقاء والعائلة للاعتماد عليهم، تعد شبكة الدعم الاجتماعي القوية جزءاً مهماً من الرفاهية العقلية ويمكن أن تكون أيضاً وسيلة للحصول على ردود الفعل والتشجيع الذي تحتاجه لتشعر بالراحة مع هويتك، يمكن أيضاً أن يكون الأصدقاء وأفراد الأسرة والنوادي الاجتماعية والمجموعات الدينية ومجموعات الرياضات الجماعية ومجموعات الدعم أماكن رائعة للعثور على الدعم الذي تحتاجه.

    من خلال ما تم عرضه نجد أنّه من الأهمية بمكان لإنماء الوعي المجتمعي حول مرحلة المراهقة ولا سيما في ظل التغيرات الثقافية والفكرية التي رافقت الحرب السورية للثورة السورية، وذلك قد يتطلب إيجاد مراكز خدمة وتأهيل خاصة للمراهقين تعنى بالبناء النفسي الاجتماعي واكتساب المهارات الحياتية، يضاف إلى ذلك ضرورة إشراك الأهل ومقدمي الرعاية والمعلمين والفاعلين بالمجتمع في ذلك، كما من يعتبر وجود برامج جماعية داعمة للمراهقين يعتبر من التداخلات الوقائية والنمائية الأساسية لهذه المرحلة وما تنطوي عليه من تغيرات.

المراجع العربية:

-ناصر، عقيل (2012). نظرية أريك اريكسون. مجلة كلية التربية، جامعة بابل، العدد (6). (227)

-مرسي، منى (2019). فعالیة الإرشاد النفسي البنائي في تخفيف أزمة الهویة لدى طالبات جامعة القصيم. مجلة كلیة التربیة، جامعة الأزهر، العدد (182). (161)

-الزهراني، علي، الزهراني، لطيفة (2017). التماسك الاجتماعي وعلاقته بكل من الاغتراب الثقافي وأزمة الهوية والقيم الأخلاقية لدى طلاب وطالبات المرحلة الثانوية. المجلة الدولية التربوية المتخصصة، العدد (3)، المجلد (6). (103). (103)

-السعدي، رحاب (2017). أزمة الهوية وعلاقتها بالرضا عن الحياة لدى الشباب الجامعي الفلسطيني في الجامعات الإسرائيلية (جامعة حيفا أنموذجاً). مجلة جامعة النجاح (للأبحاث العلوم الإنسانية)، المجلد (32)، العدد (7). (1289)

-المطوع، عبد العزيز (2019). تأثير استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في أزمة الهوية لدى طلبة الجامعة – تويتر انموذجاً في ضوء بعض المتغيرات. مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد (20)، العدد (1). (84)

-نجيب، محمد، محمد، هبة (2016). أزمة الهوية لدى طلاب الجامعة. مجلة البحوث التربوية النوعية، جامعة المنصورة، العدد (41). (84)

المراجع الأجنبية:

-Kendra, Cherry, (2021). What Is an Identity Crisis?

https://www.verywellmind.com

-Susan, Krauss, (2012). Are You Having an Identity Crisis? https://www.psychologytoday.com/us/blog/fulfillment-any-age/201203/are-you-having-identity-crisis

وسوم

عن الكاتب

هشام الشيخ

باحث في الإرشاد النفسي

اقرأ لـ هشام الشيخ

اقرأ ايضاً عن علم النفس