المشكلات السلوكية والنفسية والأطفال شمال غرب سوريا
هشام الشيخ
ديسمبر 11, 2022
5 دقائق
هشام الشيخ
ديسمبر 11, 2022
5 دقائق
باتت الحروب والصراعات ومظاهر العنف الخطيرة هي السائدة في المجتمع السوري وذلك منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011 وحتى تاريخ إعداد هذا البحث، والنتائج التي تتركها تلك الحوادث على الفرد والأسر والمجتمعات لا يمكن تجاهلها، بالإضافة إلى الخسائر في الأرواح والممتلكات والإصابات الجسدية، تترك كذلك الحروب آثار نفسية واجتماعية وسلوكية عند الأشخاص الذين عايشوا تلك الأحداث من الصعب تجاوزها بسهولة.
ومع ارتفاع عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع، وازدياد المخاطر التي يواجهونها، يتعرض الملايين منهم إلى ويلات النزاعات العنيفة، بما في ذلك تهديدهم وأسرهم وأصدقاءهم بالقتل والإصابة، ويمكن لهذه التجارب العنيفة أن تترك أثارها على الأطفال طول حياتهم.
ففي سوريا وحسب إحصائية نشرتها منظمة الصحة العالمية لأعداد المصابين نتيجة الحرب تبين أن هناك ثلاثة ملايين شخص أصيبوا بجروح بينهم مليون ونصف مليون يعيشون اليوم مع إعاقة دائمة و86 ألفاً اضطروا للخضوع لعمليات بتر أطراف وأن ثلث مصابي الحرب أي حوالي 1 مليون هم من الأطفال وذلك حتى شهر كانون الأول من عام 2017 (عبد النور وآخرون ،2018).
ويؤكد صحة تلك الأرقام ما جاء في تقرير لليونيسف عن معاناة أطفال سوريا، حيث بين التقرير أن العنف ضدهم ازداد في عام 2016 بالاستناد للأرقام التالية:
وفي عام (2019) قدرت منظمة الصحة العالمية أن 17 % من البالغين المتواجدين في مناطق النزاع يعانون من اضطرابات طفيفة على متوسطة في صحتهم النفسية، تتطلب الحصول على دعم غير متخصص لحلها، بينما ارتفع عدد البالغين المصابين باضطرابات حادة على 5 %، وبافتراض أن هذه النسب تنطبق على الأطفال أيضاً، تشير التقديرات أن هناك 24 مليون طفل يعيشون في مناطق النزاع ويعانون من مستويات عالية من الإجهاد ولديهم اضطرابات نفسية طفيفة إلى متوسطة تحتاج إلى مستوى مناسب من الدعم، ولا ننسى السبعة ملايين طفل الذين يواجهون خطر الإصابة باضطرابات نفسية حادة (save the children, 2019).
وفي المقابلات التي أجريت مع الأطفال السوريين، تحدث كثير منهم عن الخوف والاضطراب الذي يعايشونه عند وقوع الضربات الجوية وعند سماعهم أصوات الطائرات عموماً، وذكر الأهالي في غزة أن أكثر ما يخيف 78%منهم هو أصوات القصف والطائرات (save the children, 2019).
وتظهر أعراض المشكلات السلوكية والنفسية لدى الأطفال بشكل واضح من خلال سلوكياتهم بسبب غياب القدرة على التعبير اللفظي لدى معظمهم، فتتحول طريقة التعبير لمظاهر سلوكية غير صحيحة بالنسبة للمحيطين به تسبب لهم مشاكل في التكييف غالباً وهذا ما أظهرته دراسة الجبالي (2009) التي هدفت لمعرفة مستوى انتشار المشكلات السلوكية بعد الحرب على غزة (السلوك العدواني، تشتت الانتباه، الخوف، التبول اللاإرادي) توصل الباحث لانتشار هذه المشكلات بنسبة مرتفعة لدى أطفال المدارس عينة الدراسة، (الجبالي، 2009).
يبين العزة (2002) أن الطفل المضطرب سلوكياً ونفيساً يسلك بشكل يجعل الآخرين يعرفون بأنّه يعاني من مشكلة معينة، ويتصف هؤلاء الأطفال بعجزهم عن بناء علاقات عادية مع الأطفال الآخرين أو الراشدين، ويعيشون في صراع مستمر مع الآخرين ومع أنفسهم وغالبا ما يتسم سلوكهم بالعدوانية والإزعاج بشكل يجعل الآخرين ينفرون منهم، كما ويميل البعض منهم إلى سلوك الانسحاب الاجتماعي والعيش في عالم خاص بهم (زغلول، 2007).
من المشكلات الرئيسية التي يجب الاهتمام بها عند الأطفال هي المشكلات السلوكية لديهم، وهي حسب ما ذكر الشربيني سلوكيات يقوم بها بعض الأفراد بطريقة مختلفة عن الأفراد الذين مثل سنهم وبشكل لا يتسق مع ما هو محرم من قبل المجتمع (الحريري، رجب، 2008).
تشير المشكلات السلوكية إلى سلوك متكرر الحدوث غير مرغوب فيه يثير استهجان البيئة الاجتماعية، ولا يتفق ومرحلة النمو، ويجدر تغييره لإعاقته (كفاءة الطفل الاجتماعية أو النفسية أو كليهما)، ولما لها من آثـار تنعكس على تقبل الفرد اجتماعياً على سعادته، وتظهر في صورة عـرض أو عـدة أعـراض سلوكية، ويمكن ملاحظتها مثل الكذب، والسرقة، والتخريب، وغيرها (سلامة، 1984).
يعرف الطفل بأنّه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه، وتنص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أن الأطفال لهم الحق في الأمن والحماية والسلامة (منظمة الصحة العالمية، 2019).
والجدير بالذكر ما يشير إليه (Siriwardhana & Stewart,2013) أن التهجير الداخلي أخطر على السكان من اللجوء من النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث أن اللاجئين مَحمِيُون بالقوانين الدولية في حين لا توجد حماية للمهجرين داخلياً لأنهم نزحوا داخل حدود الدولة التي يهربون منها، ويعتبر (الخطيب، 1989) أن التهجير من الآثار السلبية التي تفرزها الحرب، وحالة تولد مشاعر القلق والعجز والدونية والعدوان والانعزال، مما يؤثر بشكل خطير على التوازن النفسي والتكيف الاجتماعي وعلى التوجه نحو المستقبل (حسين، 2020).
تؤثر الحروب والبيئات غير المستقرة على المجتمع بمجالاته المتنوعة وحتى المكون البشري يكون أكثر تعرضاً وخسارة في هذه البيئات ولا سيما فئة الأطفال حيث تنتج عن هذه الحروب والظروف غير المستقرة مشكلات سلوكية ونفسية، فقد أظهرت نتائج دراسة جروبر (1996) أن الأطفال اللذين تعرضوا للحرب أظهروا مستويات أعلى من القلق، مع وجود صنوف متنوعة من المشكلات السلوكية كالعدوان والوشاية بالآخرين مقارنة مع ذويهم من الأطفال العاديين.
وهذا ما يتوافق مع دراسة نذر (2000) حيث تشير إلى وجود علاقة مباشرة بين التعرض للخبرات الصادمة مثل القصف وهدم البيوت وظهور ردود فعل النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة.
وزاد الاهتمام بدراسة مشكلات الأطفال على أنّها تمثل اعتلالاً في صحتهم النفسية، مما قد يؤثر تأثيراً سلبياً في سبيل تقديم نموهم وارتقائهم نحو الحياة بنجاح وسوية (مختار، 1999).
وبالتالي نجد أن فئة الأطفال في سوريا من أكثر المتضررين من الحرب في جميع الجوانب الجسدية والنفسية وكذلك الاجتماعية (كالفقر الشديد الذي أدى إلى التفكك الأسري، وازدياد حالات الحرمان الأسري) بالإضافة لفقدان معظمهم حقوقهم الرئيسية مثل حقهم في التعليم …الخ، مما جعل هناك حاجة كبيرة للاهتمام بالمشكلات المختلفة لديهم ومعرفة نسبة انتشارها وتحديدها بدقة بغية الوصول لحلول لها.
ومن خلال العمل في مجال الدعم النفسي الاجتماعي في محافظة إدلب التقينا مع عدد كبير من الآباء والأمهات الذين يشتكون من سوء تصرفات أبنائهم في المنزل أو المدرسة وعن تغير سلوكياتهم عن السابق بالإضافة لمشاكل أخرى مثل (التبول اللاإرادي، التدخين في عمر مبكر، تراجع التحصيل الدراسي، العدوان، مشاكل في النوم …إلخ)، وهذه الأعداد من الأهالي التي تعاني من ذلك تتزايد بشكل دائم، وأغلبهم بحاجة لمعرفة العوامل التي أدت المشكلات السلوكية والنفسية لدى اطفالهم وكيف يتعاملون معها.
وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي تناولت موضوع المشكلات السلوكية والنفسية عند الأطفال، إلا أنّها لم تتناول موضوع المشكلات السلوكية والنفسية الناجمة عن الحرب بشكل عام وفي مخيمات شمال غرب سوريا بعد الحرب بشكل خاص، ومن خلال ما ذكر في المقدمة من أهمية البحث في المشكلات النفسية والسلوكية للأطفال الذين عايشوا الحرب، ونتيجة طبيعة عمل الباحثان وبسبب ندرة الدراسات التي تناولت مشكلات الأطفال في سوريا بعد الحرب، ونظراً لأهمية المرحلة العمرية التي تتناولها الدراسة وهي مرحلة الطفولة، كان لا بد من تناول موضوع المشكلات السلوكية والنفسية لدى الأطفال في محافظة إدلب من حيث نسب انتشارها والتركيز على المشكلات السلوكية والنفسية الرئيسية.
تتمثل أهمية دراسة المشكلات السلوكية والنفسية للأطفال فيما يأتي:
من خلال ما تم عرضه فأنا لا أحاول القيام بإحصائيات أو تحليل للمشكلات لدى الأطفال وماهيتها، إنما اعمل على تسليط الضوء على واقع المعاناة بالنسبة للأطفال وأهمية وجود خدمات متقدمة ومختصة لهم باعتبارهم الفئة الأضعف وزهرة المستقبل القادم.