اضطراب لعب ألعاب الإنترنت

يحضُن هاتفه المحمول مُقبلًا بكلّ حواسه وجوارحه نحوه، منعزلًا عن كلّ ما يحيط به، موجود بصورة جسده فقط، أما فكره وعقله وحواسه فهم أسرى لدى تلك الشاشة، يترك الهاتف لمدة قصيرة فيثور كبركان، وتندلع نار الشوق في قلبه وتضطرب حاله، وما هي إلا دقائق ثم يعود إلى هاتفه، وفي هذه اللحظة يهدأ بركان غضبه ويبتسم ثم يغيب عن الواقع، ويبقى مرتبطًا بتلك الشاشة، وإن سألته: ماذا تفعل؟، سيردّ بسرعة وتضجر: دعني، أنا ألعب لعبة “PUBG”.

لعبة “PUBG” إحدى ألعاب الإنترنت، انتشرت حديثًا بين أفراد المجتمعات، وفي الفقرة السابقة وصف لإحدى الحالات التي نلاحظها باستمرار، فالإقبال على لعب ألعاب الإنترنت والانشغال بها، أصبح ظاهرة واضحة؛ وهناك دول تنبّهت إلى خطر هذه الألعاب، فكما ورد في (ويكيبيديا): الأردن أعلنت رسميًا مطلع شهر تموز 2019 حظر لعبة “ببجي” القتالية الشهيرة، وصرّح مصدر مسؤول في هيئة قطاع الاتصالات الأردنية أن كافة التقارير، وأبرزها تقرير منظمة الصحة العالمية، أكدت أن للعبة نتائج سلبية كبيرة، من أبرزها “الإدمان” و”العصبية والاستفزاز” و”العزلة الاجتماعية” و”تفكك الأسر”، وهذا ما استدعى حظر التطبيق داخل الأردن.

هذا المقال يسلّط الضوء على المشكلة ويوضح بعض الآثار السلبية للألعاب الإلكترونية، ومن خلاله سيتم التعريف باضطراب لعب ألعاب الإنترنت وتشخيصه، إضافة إلى تقديم بعض المقترحات التي تُعين على الوقاية منه.

أولا: الألعاب الإلكترونية:

عرَّفها الهدلق (2013) بأنها: “نشاط ينخرط فيه اللاعبون في نزاع مفتعل ومحكوم بقواعد معينة بشكل يؤدي إلى نتائج قابلة للقياس الكمي، ويطلق على لعبة ما بأنها إلكترونية من خلال توفرها على هيئة رقمية ويتم تشغيلها غالبًا على التلفاز وجهاز الحاسوب والفيديو والهواتف النقالة والأجهزة الكفية المحمولة”.

وألعاب الإنترنت هي ألعاب إلكترونية، يتم اللعب بها مباشرة عبر الإنترنت، ويمكن أن يلعب المستخدِم مع أشخاص آخرين من أماكن مختلفة.

ثانيًا: آثار سلبية للألعاب الإلكترونية:

الاستخدام المستمر لتلك الألعاب يؤدي إلى اضطرابات ومشكلات تزداد يومًا بعد يوم، وتترك آثارها السلبية في حياة الفرد، ونجد هذه الآثار واضحة، من خلال الاطلاع على بعض الدراسات السابقة، ففي دراسة قويدر (2012) توصلت الباحثة إلى أن أغلبية الأطفال يفضلون الألعاب الرياضية والحربية والقتالية، وهذا ما يجعلهم عرضة للسلوكيات العدوانية نظرًا لممارستهم المتكررة لهذا النوع من الألعاب التي تنسب إلى مجتمعات بعيدة كل البعد عن مجتمعاتنا سواء من ناحية القيم أو من ناحية السلوكيات أو من ناحية العقيدة الدينية، كما أشارت إلى تأثير الألعاب الإلكترونية على سلوك الأطفال فهي تعمل بتخطيط من صانعيها على زرع السلوك العدواني في شخصية الطفل، ولصغر سنه فهو لا يعي مدى خطورة هذه الألعاب على السلوك والقيم والتقاليد والدين، فتنمي السلوك العدواني لدى الطفل جراء الممارسة المتكررة لهذه الألعاب وتجعله يميل إلى الجريمة والقتل بطريقة لاشعورية وبذلك يحدث اصطدام بينه وبين أبناء جنسه أو حتى مع الكبار، كما أنها تجعله يميل إلى العزلة الاجتماعية والانطواء على نفسه مما يؤثر سلبًا على نموه الفكري والشخصي والاجتماعي.

وبيّنت نتائج دراسة الزيودي (2015) أنّ المعلمين يرون أن ثمة مخاطر لهذه الألعاب، من حيث دورها في حوادث العنف المدرسي بأنواعه، كما أنهم يدركون حجم الآثار الصحية السلبية نتيجة إدمان الأطفال على هذه الألعاب، كمشكلات البصر والسمع، وبالنظر إلى وجهة نظر أولياء الأمور، فقد بينت نتائج الدراسة أن الأهالي يواجهون معاناة حقيقية نتيجة سهر الأطفال في ممارسة الألعاب الإلكترونية، مما يؤثر في مجهوداتهم الدراسية، فضلًا عن استحواذ هذه الألعاب على وقت وعقول أطفالهم، مما تسبب في عدة مشكلات داخل الأُسر، كضعف التواصل الأسري بين أفراد الأسرة، وبروز نزعة الأنانية لدى الأطفال، كذلك أبدى أفراد العينة من الأهالي قلقهم مما تحتويه هذه الألعاب من مشاهد عنف ولقطات جنسية.

وفي دراسة الخليفة (2016) أظهرت إحدى النتائج تأثر علاقات الأطفال مع الآخرين نتيجة اللعب بألعاب الإنترنت الإلكترونية، وانعكس ذلك على رغبتهم في ممارسة اللعبة في الواقع مع الأصدقاء والإخوان، وحب العزلة، وتفضيل اللعب على المشاركة في الأنشطة المدرسية، والتحدث بأحاديث شخصية ومختلفة في أثناء اللعب والانزعاج من الخروج مع الأسرة والتوقف عن اللعب، وكذلك الانزعاج من طلبات الإخوة الصغار عند اللعب وتفضيل اللعب منفردًا.

وأشارت نتائج دراسة رمضان (2020) إلى أن تأثير اللعبة على العلاقات الاجتماعية يميل نحو الجانب السلبي، حيث أوضحت النتائج أن اللعبة شغلت أفراد العينة عن العلاقات الواقعية مع الأصدقاء ومع أفراد الأسرة، كما أنها تسبب كثيرًا من المشكلات مع كليهما أيضًا.

كما توصلت دراسة القحطاني (2021) إلى عدة نتائج أهمها: ممارسة الأطفال للألعاب الإلكترونية يعزز من إثارة روح التنافس بين الأطفال، وتصحبها عادةً انفعالات مصاحبة للحظات الفرح (الفوز)، ولحظات الغضب (الخسارة) مما يقلل من تحكم الأطفال في انفعالاتهم، وأظهرت نتائج الدراسة أن ممارسة الأطفال للألعاب الإلكترونية لأوقات طويلة تسبب لهم حدوث أضرار صحية، كضعف البصر وفقدان الشهية.

ثالثًا: الإدمان الإلكتروني:

يُعرّف فطاير (2001) الإدمان بأنه: عملية بناء علاقة حُبّ مرَضيّة بين جهتين: الإنسان والموضوع الإدماني، وهو علاقة تأخذ وقتًا حتى تتطور، وكل مدمن يأخذ طريقه وخصوصياته في تطور هذه العلاقة.

علاقة الحب بين الفرد والموضوع الإدماني من جهة واحدة، فالشخص المدمن يحب الشيءَ الذي أدمن عليه ويتعلق به.

وردَ في العصيمي (2010) أنّ أوّل ظهور لمصطلح الإدمان الإلكترونيّ كان في العام 1995م، وذلك عندما نشر الأديب الأمريكيّ أونيل O’Neill مقالة تحت عنوان: «سحر وإدمان الحياة على شبكة الإنترنت» والتــــــي نشرت في صحيفة نيويورك تايمز، ولم يحظَ هذا المفهوم بالقبول الفوريّ من قبل الصّحفيّين والأكاديميّين ومتخصّصــي الصّحـــــــــــة النّفسية، حتّى قدّمت عالمة النفس الأمريكيّة كيمبرلي يونج Kimberly Young في السنة التالية نتائج دراستها في الورقة البحثيّة بعنوان: «إدمان الإنترنت: ظهور اضطراب إكلينيكي جديد»، وكان ذلك في الاجتماع السّنويّ للرّابطة النّفسيّة الأمريكيّة، ومنذ ذلك الحين ظهرت مصطلحات عديدة تؤكّد وجود ذلك الإدمان منها: الإدمان الإلكترونيّ، إدمان الإنترنت، الاستخدام المرضيّ الإلكترونيّ، الاستخدام القهريّ للإنترنت، اعتماديّة الإنترنت، وهوس الإلكترونيّات.

رابعًا: تشخيص اضطراب لعب ألعاب الإنترنت:

“اضطراب لعب ألعاب الإنترنت” يأتي نتيجة لعب ألعاب الإنترنت لدرجة إعاقة الفرد اجتماعيًا ومهنيًا وأسريًا ودراسيًا، والآثار التي يتركها قد تؤدي إلى تدهور حياة الفرد وتمتد إلى المجتمع.

حُددت السمّة الرئيسة للاضطراب والأعراض في “المقابلة التشخيصية الموجزة للاضطرابات النفسية” (2017) الصادرة عن جامعة بوخم الألمانية، بناءً على معايير DSM-5 (الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي APA) و ICD-10 (التصنيف الدولي للأمراض والمشكلات المتعلقة بالصحة الصادر عن منظمة  الصحة العالمية):

  1. السّمة الرئيسة لاضطراب لعب ألعاب الإنترنت: الاستخدام الواضح والمتكرر والمستمر لألعاب الإنترنت.

2. الأعراض:

عند استيفاء ثلاثة أعراض من الأعراض الآتية خلال مدة /١٢/ شهرًا :

1) التفكير كثيرًا في ألعاب الإنترنت.

2) الشعور بالضيق عندما لا يتمكن من اللعب أو اللعب للتغلب على المشاعر المجهدة بشكل أفضل.

3) اللعب دائمًا لفترة أطول أو مواجهة مشكلات في التقليل من التحكم في سلوكيات اللعب الخاصة.

4) صراعات ( مهنية أو خاصة ) بسبب سلوك اللعب أو إهمال أنشطة أو أشخاص مهمين.

5) الكذب على الآخرين حول سلوك اللعب.

6) ملاحظة الأعراض السابقة على مدة من الزمن لا تقل عن اثني عشر شهرًا.

– شِدّة الاضطراب:

تكون درجة الشِّدّة (شِدّة الاضطراب):
خفيفةمتوسّطةشديدة
استيفاء أعراض أقلّ وأخفّ وإعاقة أقلّأعراض واضحة سلوك اللّعب لساعات إعاقة واضحة في العلاقات الاجتماعيّة والعمل والمدرسةأعراض واضحة أشدّ وأصعب سلوك اللّعب لساعات طويلة ضعف شديد في العلاقات الاجتماعيّة والعمل والمدرسة

رابعًا: مقترحات للوقاية من اضطراب لعب ألعاب الإنترنت:

فيما يأتي بعض المقترحات للذين يستخدمون ألعاب الإنترنت:

  • الاطلاع على النتائج والآثار السلبية لهذه الألعاب.
  • تحديد مدة محددة يوميًا لاستخدام هذ الألعاب ويفضل ألّا تتجاوز الساعتين، والالتزام بالمدة المحددة، تمهيدًا للإقلاع عن تلك الألعاب.
  • تقليل ساعات اللعب تدريجيًا، مع الحرص على ملء الفراغ بشيء نافع كالرياضة، أو الرسم، أو تعلم مهارة جديدة، أو قراءة كتاب، وغيرها من الأنشطة المفيدة.
  • اللجوء إلى أنشطة محببة عند الشعور بالضيق أو التوتر، كالمشي، أو التأمل، أو ممارسة تمارين الاسترخاء، أو زيارة صديق، أو الكتابة، وغيرها .

كما ننصح أولياء الأمور بما يأتي:

  • الحرص على بناء علاقة إيجابية مع الأولاد والاحتواء الأسري، وتهيئة المناخ الأسري الآمن.
  • تشجيع الأولاد على ممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة، والألعاب الحركية المتنوعة.
  • الانتباه إلى الأولاد عند استخدام الهاتف المحمول ومتابعتهم برفق.
  • توعية الأولاد بخطورة هذه الألعاب وآثارها السلبية.
  • توجيه الأولاد إلى اكتساب عادات ومهارات مفيدة وتشجيعهم على ذلك، كالقراءة، أو الخط العربي، أو الرسم، أو الأعمال اليدوية المختلفة.
  • مساعدة الأولاد على تنظيم أوقاتهم، ووضع برنامج ليومهم.

وننصح المتخصصين في مجال الإرشاد النفسي بما يأتي:

  • تصميم برامج إرشادية وقائية، بهدف الإرشاد والتوعية بهذه المشكلة وسبل الوقاية منها.
  • التوجيه العام والتثقيف من خلال الإصدارات المقروءة والمسموعة والمرئية، واستثمار وسائل الإعلام ووسائل التواصل الحديثة للوصول إلى كل فئات المجتمع.

المراجع:

  • إبراهيم، نداء. (2016). إيجابيات الألعاب الإلكترونية التي يمارسها أطفال الفئة العمرية (3-6) سنوات وسلبياتها من وجهة نظر الأمهات ومعلمات رياض الأطفال[رسالة ماجستير منشورة، جامعة الشرق الأوسط]. قاعدة البيانات العربية الرقمية “معرفة”. {ص20}
  • الخليفة، هند. (2016). أنماط استخدام ألعاب الإنترنت الإلكترونية وآثارها: دراسة على عينة من الأطفال الذكور في المجتمع السعودي، الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية. (11). 17-62. دار المنظومة.
  • الزيودي، ماجد. (2015). الانعكاسات التربوية لاستخدام الأطفال للألعاب الإلكترونية كما يراها معلمو وأولياء أمور طلبة المدارس الابتدائية بالمدينة المنورة. مجلة جامعة طيبة للعلوم التربوية. 10(1). 15-31.
  • فطاير، جواد. (2001). حياة في أزمة الإدمان. دار الشروق. {ص72}
  • القحطاني، روان. (2021). انعكاسات ممارسة الألعاب الإلكترونية على أطفال المرحلة الابتدائية: دراسة ميدانية من وجهة نظر الأمهات. مجلة شباب الباحثين. (6). 778-819.

مواقع الشابكة

وسوم

عن الكاتب

أحمد حمشو

باحث في التربية والإرشاد النفسي

اقرأ لـ أحمد حمشو

اقرأ ايضاً عن علم النفس