تربية الطلبة على القيم “منهجية علمية وتطبيق عملي للمعلمين”
د عبد المهيمن ديرشوي
سبتمبر 21, 2025
5 دقائق
د عبد المهيمن ديرشوي
سبتمبر 21, 2025
5 دقائق
مفهوم القيم
القيم هي مجموعة من المعتقدات والاتجاهات الإيجابية، التي يكتسبها المتعلم من بيئته (الأسرة، المدرسة، المجتمع)، لتكون بوصلة سلوكه، وأساس شخصيته.
وعرفها بعض الباحثين: بأنها الأحكام التي يصدرها المرء على أي شيء مهتدياً في ذلك بقواعد ومبادئ مستمدة من القرآن والسنة، وما تفرع عنهما من مصادر التشريع الإسلامي أو تحتويها هذه المصادر، وتكون موجهة إلى الناس عامة، ليتخذوها معايير للحكم.
أهمية القيم للطلبة
مصادر القيم
تتعدد مصادر القيم التي تشكّل شخصية الفرد وتوجه سلوكه:
أدوات وأساليب عملية لحث المعلمين على غرس القيم
فيما يأتي أدوات وأساليب عملية لغرس القيم عند الطلبة مع أمثلة واقعية من البيئة التعليمية:
مثال: عندما يحافظ المعلم على المواعيد بدقة رغم الظروف الصعبة كقطع الكهرباء أو تأخر المواصلات، يتعلم الطلبة قيمة الانضباط.
مثال: إذا تشاجر طالبان في الصف على مقعد، يمكن للمعلم أن يحوله إلى درس تطبيقي عن قيمة العدل والمساواة، فيعيد توزيع المقاعد بطريقة منصفة أمام الجميع.
مثال: يحكي المعلم قصة طفل نزح من مدينته حمص، لكنه شارك في مساعدة غيره من الأطفال الأضعف منه، ليغرس قيمة التعاون والإيثار.
مثال: يطلب المعلم من تلاميذه تنظيف ساحة المدرسة معاً بعد نشاط، ليغرس قيمة المسؤولية الجماعية، أو تصميم ملصق جداري يحمل عبارة “مدرستنا بالأمانة تزدهر”.
مثال: يكافئ المعلم الطالب الذي أعاد قلماً وجده على الأرض لصاحبه، فيغرس قيمة الأمانة.
مثال: يسأل المعلم: “لو رأيتم أحد زملائكم يغش في الامتحان، ما التصرف الصحيح؟” ثم يوجه الحوار نحو قيمة الصدق والنزاهة.
مثال: يمثل الطلاب مشهداً عن طفل يكذب لينجو من العقاب، ثم يناقش الصف النتائج السلبية للكذب، فتترسخ قيمة الصدق.
مثال: تنظيم زيارة لدار أيتام في إعزاز، أو الأحياء المتضررة من الحرب في إدلب، ليشارك الطلاب في نشاط ترفيهي معهم، ما يعزز قيمة التعاطف والمسؤولية المجتمعية.
غرس القيم من خلال نموذج التاءات الأربع
يهدف هذا النموذج إلى تكوين السلوك القيمي الفاضل عبر أربع مراحل متكاملة، وهي: التيقظ القيمي، التعقل القيمي، التخلق القيمي، والتمثل القيمي، ويقوم على مخاطبة الفطرة والعقل والذات.
مكونات النموذج:
مراحل النموذج مع أمثلة واقعية
المرحلة الأولى: التيقظ القيمي (الانفعال الوجداني)
تهتم هذه المرحلة بإثارة انتباه المتعلم وتنبيهه إلى ما فيه من أصول فطرية طيبة، وتذكيره بما فيه من كوامن الخير ودوافع الصلاح وقابليات الارتقاء الوجداني، وتعمل على إيقاظ ما فيه من استعدادات روحية سامية تحقق للإنسان معنى وجوده وحقيقة رسالته، ويتم خلالها استثارة وجدان الإنسان ومداركه العقلية ودفعه للارتقاء في سلم الكمالات النفسية، وتكون بؤرة الخطاب التربوي في هذه المرحلة (عاطفة الإنسان ووجدانه)، ولعل هذا ما يفسر قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).
ويمكن أن نستخدم لتعزيز التيقظ القيمي طرائق تربوية متعددة منها: الموعظة، السؤال، الترغيب، القصة، ضرب الأمثال.
مثال واقعي: تنظيم حملة مدرسية لتعزيز قيمة الصدق، بحيث يُطلب من الطلاب سرد مواقف صادقة عاشوها، ما يثير اهتمامهم العاطفي ويحفز وجدانهم للالتزام بالصدق.
المرحلة الثانية: التعقل القيمي (التفكير العقلاني)
نعني بمرحلة التعقل هنا الإدراك المعرفي والاقتناع العقلي بالقيمة المتعلّمة، وتأسيس فهم واع لها من حيث معناها وأهميتها ومجالاتها ومؤشراتها السلوكية ودورها في تحقيق سعادة الفرد في الدنيا والآخرة، بحيث تصبح هذه القاعدة المعرفية والإدراكية قاعدة يبنى عليها السلوك، ولذلك كان التأكيد على غرس الإيمان في النفوس وغرس العقيدة الصحيحة ثلاث عشرة سنة في مكة لبناء شخصية الصحابة قبل الهجرة.
ويمكن أن نستخدم لتعزيز التعقل طرائق تربوية متعددة منها: الحوار والمناقشة، الاستقصاء، حل المشكلات، السؤال، الاستنباط، الاستقراء، الاستدلال، تحليل الأحداث والمواقف.
مثال على التعقل القيمي:
قوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الأفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ سورة الأنعام: 76-78 .
مثال واقعي للمدارس: عقد ورش عمل في المدارس حول أهمية التعاون في العمل الجماعي، بحيث يقوم الطلاب بحل مشروع جماعي، ثم مناقشة كيف ساهم التعاون في إنجاح المشروع، فيفهمون قيمة التعاون بوعي عقلي.
المرحلة الثالثة: التخلق القيمي (السلوك القيمي)
التخلق القيمي هو التدرب على القيمة ورياضة النفس عليها وحملها على السلوك بمقتضاها ومجاهدتها على الالتزام بمتطلبات القيمة العملية بالمطاوعة والتدرج والتدرب والرياضة، ومعلوم أن الفرد قد يواجه في عملية تخلّقه بخلق جديد أو قيمة جديدة صعوبة ومشقة، وهو يحتاج في هذه المرحلة إلى تدريب ومران ورياضة ومجاهدة حتى يرتقي في سلوكه القيمي تدريجياً ويتغلب على الصعاب والتحديات التي تواجهه.
ويمكن أن نستخدم لتعزيز التخلّق القيمي طرائق تربوية متعددة منها: التطبيق العملي، الاقتداء، الصحبة، التعزيز.
مثال واقعي: تدريب الطلاب على مساعدة زملائهم في الواجبات الدراسية، أو دعم الطلاب الجدد في المدرسة، لتصبح قيمتهم في التعاون والمساعدة جزءاً من سلوكهم اليومي.
المرحلة الرابعة: التمثل القيمي (الرسالة القيمية)
التمثل هو قمة الهرم في البناء القيمي، حيث يتم الالتزام العملي بالقيمة بصورة متكررة وثابتة ودائمة، مع الاعتزاز بها ودعوة الآخرين إلى تمثلها، وتتحول فيها القيمة إلى سجية وعادة وطبع لا تنفك عن ذات الإنسان.
ويمكن أن نستخدم لتعزيز التمثل القيمي طرائق تربوية متعددة منها: الدعوة، الصحبة، المعايشة.
مثال واقعي: طالب يلتزم دائماً بمبادئ الأمانة والنزاهة في أعماله المدرسية، مثل تسليم الواجبات بصدق وعدم الغش في الامتحانات، ويصبح قدوة لزملائه في المدرسة، ويشجعهم على الالتزام بالقيم نفسها.
إن غرس القيم في نفوس الطلبة ليس عملاً عابراً، بل هو مشروع متكامل يبني الشخصية ويؤسس لنهضة المجتمع، والمعلم هو المحرك الأساس لهذه العملية التربوية. لذا أيها المعلّمون الأكارم، أنتم صُنّاع القيم في قلوب أبنائنا قبل أن تكونوا ناقلي معارف لذهنهم، وكل موقف في الصف فرصة، وكل كلمة أو تصرف منكم قد يزرع في الطالب قيمة تبقى معه العمر كله، وتذكّروا أن بناء إنسان ملتزم بقيمه أعظم من أي نجاح دراسي عابر، فاجعلوا رسالتكم أن تخرّجوا جيلاً مؤمناً بقيمه، فخوراً بها،