التدريس المعكوس خيار جديد أمام المدرسين والطلبة Flipped Learning

 مقدمة

اتجهت العديد من المؤسسات التعليمية في عدد كبير من الدول إلى تطبيق فكرة التدريس المعكوس أو ما يسمى بالتدريس المقلوب، الذي وصف بأنه مستقبل التدريس من طرف العديد من المهتمين بتطوير طرائق التدريس، حيث عدوه الطريق الأسهل إلى تقنيات التدريس دون المساس بمبادئ التدريس التقليدي، والذي يعد التفاعل المباشر بين المتعلم والمدرس من جهة، وبين المتعلمين فيما بينهم من جهة أخرى مبدأً أساسياً لبناء العملية التعليمية التعلمية.

انطلق هذا النموذج التدريسي من فكرة بسيطة، وهي أن الوقت الثمين المخصص للقاعة الدراسية، من الأفضل استخدامه للتفاعل والعمل الجماعي، عوض ترك شخص واحد يتحدث خلاله.

ومن هنا، اكتسب مفهوم التدريس المعكوس انتشاراً واسعاً بين المدرسين في العديد من دول العالم، مما جعلهم يحدثون تغييراً في تنظيم قاعاتهم الدراسية، والانتقال إلى تصميم تعليمي عملي فعال، وأكثر إنسانية واهتماماً بالمتعلم.

فما هو التدريس المعكوس؟ وما ميزاته؟ وكيف يمكن تنفيذه؟ وما أدوار كل من المدرس والطالب فيه؟ وما التحديات التي تواجهه؟ وما التوصيات في شأنه؟

 مفهوم التدريس المعكوس

يعرف بأنه استراتيجية تعليمية ترتكز على أسلوب تعليمي جديد يعتمد على استخدام الوسائط التكنولوجية الحديثة وشبكة المعلومات العالمية بطريقة تسمح للمدرس بإعداد المحاضرات من خلال مقاطع الفيديو والملفات الصوتية وغيرها من الوسائط، ليطلع عليها الطلاب خارج القاعة (في المنزل مثلًا)، من خلال حواسيبهم أو هواتفهم الذكية قبل حضور الدرس، في حين يخصص وقت الدرس للمناقشات وحل التدريبات وتقديم التغذية الراجعة.

 ميزات التدريس المعكوس

للتدريس المعكوس العديد من الميزات، منها:

  1. يضمن المدرس الاستغلال الجيد لوقت المحاضرة، لتوجيه الطلبة وتحفيزهم ومساعدتهم، ويبني علاقات أقوى بينه وبين الطالب.
  2. يمنح الطلاب الفرصة للاطلاع الأولي على المحتوى قبل وقت الدرس، ويتيح لهم التعلم بالسرعة التي تناسبهم، وفي الزمان والمكان المناسبين.
  3. تسمح بتشغيل الطلبة أكثر من أي طريقة تعليمية أخرى، وتكون أكثر تشويقاً وجاذبية ونشاطاً لهم.
  4. يتحول الطالب إلى باحث عن مصادر معلوماته، وقادر على الاستخدام الأفضل للتقنية الحديثة في مجال التدريس.
  5. يصبح الطلاب قادرين على التعلم الذاتي باستخدام موارد معرفية مختلفة كالكتب أو الانترنت أو أي شيء آخر، وكذلك قادرين على العمل في فريق.
  6. يخفف عبء العمل على المحاضر، ولا يجعل منه العازف المنفرد في القاعة الدراسية، فهو ينقل مركز النشاط وفاعلية التعلم إلى الطالب نفسه.

 آلية تنفيذ التدريس المعكوس

إن النموذج الاعتيادي للتدريس يبنى على تقديم محاضرات أو تنفيذ عروض يشرح المدرس من خلالها موضوعاً معيناً، يليه تكليف المتعلمين بإنجاز الواجبات في المنزل، فالذي يبحث عن المعلومات ليس هو المتعلم، وإنما هو المدرس، أما وأن المعلومات والمعارف أصبحت اليوم في متناول الجميع، بفضل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة، فإن من المنطقي أن يبحث عنها المتعلم الذي يحتاج إليها وليس المدرس، ومن هنا، فإن طريقة التدريس المعكوس يركز على المتعلم وتجعله محوراً للعملية التعليمية، وبذلك لم يعد المتعلم جهازاً مستقبلاً ومجمعاً للمعلومات، وإنما هو عنصر فعال يساهم مع زملائه ومع الأدوات الذهنية والموارد المعرفية المتوفرة في البناء الفعال للمهارات والكفايات الضرورية.

وبما أن الفيديو هو أمر مهم جداً في التدريس المعكوس، فيمكن للمدرس إعداد مقاطعها مسبقاً وإعطاؤها للطلبة على شكل ملف متكامل، ويستطيع المدرس أن يعد الفيديوهات أسبوعياً أو شهرياً أو يمكن أن يعدها لفصل كامل ثم يوزعها على الطلبة في أقراص التخزين لكل طالب، هذا بالإضافة إلى إمكانية تنزيلها على شبكة الإنترنت.

ولتنفيذ التدريس المعكوس، هناك مرحلتان متتاليتان:

المرحلة الأولى: وخلالها يتعلم الطالب محاضرته في البيت، وفق طرائق وأشكال مختلفة:

  • فقد يتم ذلك عبر الكتاب المعتمد أو بالاعتماد على وثائق مختلفة.
  • عرض أشرطة الفيديو أو غيرها.
  • استخدام مختلف الأدوات الرقمية.
  • القيام بقراءات مقترحة من قبل المدرس أو مجموعة من المدرسين.

المرحلة الثانية: خلالها يحاول المتعلم في القاعة أن يطبق المعارف المكتسبة في البيت بجهده، حيث يقوم بإنجاز تمارين يقترحها المدرس، وفي هذا الوضع التعليمي، فإن الانتباه لم يعد مركزاً على المحاضر، وإنما على المتعلمين الذين يتفاعلون فيما بينهم، ويساعد بعضهم بعضاً، ومن شأن ذلك، أن يجعل المدرس يركز اهتمامه على المتعلمين الذين يعانون بعض الصعوبات.

دور المتعلم في التدريس المعكوس

في المنزل: يشاهد الطالب الفيديو التعليمي، ويدون الملاحظات والأسئلة خلال مشاهدة الفيديو.

في الجامعة: يحضر الطالب إلى الجامعة، وفي القاعة يناقش المدرس في الأسئلة وفي المشكلات التي واجهته والتساؤلات التي دونها في المنزل أثناء مشاهدته للفيديو.

دور المدرس في التدريس المعكوس

لقد أصبح دور المدرس هنا أكثر أهمية من ذي قبل، فبدلاً من المحاضرة الاعتيادية التي يلقيها على الطلاب في القاعة، أصبح يقوم بالأدوار الآتية:

  1. يعيد ترتيب القاعة الدراسية لتتناسب مع الأنشطة التي تتضمنها الوحدة الدراسية.
  2. يحدد بشكل متسلسل مع طلابه كيف يتعلمون؟ ومتى؟ وأين؟
  3. يتشارك مع طلابه في اختيار الأنشطة والتطبيقات والموضوعات التي يرغبون بها.
  4. يضع نظاماً تقويمياً مناسباً يقيس فهم الطلاب للموضوعات الدراسية بشكل واضح.

التحديات التي تواجه التدريس المعكوس

هناك مجموعة من التحديات التي قد تواجه التدريس المعكوس، منها:

  • عدم توافر الأجهزة والبرمجيات اللازمة الضرورية للتسجيل وإعداد المحاضرة لدى المدرسين.
  • عجز بعض المدرسين عن توظيف التقنية بمهارة لتطوير طرائق التدريس والتحفيز والتواصل مع الطلبة.
  • يعتمد التدريس المعكوس على توفر شبكة الإنترنت والأجهزة التقنية في منازل الطلاب، لذا لا يمكن تطبيقها لمن لا تتوفر لديه.
  • عدم توافر الوقت الكافي للمدرسين لإعداد المحتوي التعليمي خاصة الذين يدرسون أكثر من مقرر تعليمي.

 توصيات لتحسين التدريس المعكوس

لتنفيذ مثل هذا النوع من التدريس، يمكن التوصية بالآتي:

  • عمل دورات تدريبية وورش عمل للمدرسين على استخدام النماذج التعليمية الحديثة المعززة بالتقنية، ومنها إستراتيجية التدريس المعكوس.
  • تحميل الفيديوهات التعليمية الخاصة بكل مقرر على موقع الجامعة، بحيث تكون هناك مكتبة إلكترونية رسمية خاصة بالمقررات الدراسية، وتسهل حصول الطلبة على الفيديوهات التعليمية.
  • تطوير البنية التحتية سواء في الجامعة أو لدى الطلبة، وتزويدهم باشتراكات مجانية للإنترنت من قبل الشركات المانحة للخدمة.

المراجع

-أبانمي، فهد بن عبد العزيز. (2016). أثر استراتيجية الصف المقلوب في تدريس التفسير في التحصيل الدراسي والاتجاه نحو المادة لدى طلاب الصف الثاني الثانوي، مجلة القراءة والمعرفة، العدد (173)، ص21-48، مصر.

-أوزي، أحمد. (2017). بيداغوجية فعالة ومجددة، كفايات التعليم والتعلم للقرن الحادي والعشرين، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.

-الجابر، أحمد محمد. (2009): محاضرات في طرق التدريس، مكتبة مبارك: القاهرة.

-حسن، نبيل السيد محمد. (2015). فاعلية التعلم المعكوس القائم على تدوين المرئي في تنمية مهارات تصميم الاختبارات الإلكترونية لدى أعضاء هيئة التدريس بجامعة أم القرى، دراسات عربية في التربية وعلم النفس، العدد (61)، ص113-176، السعودية.

-فهيم، محمد حاتم (2010): إستراتيجيات تطوير التعليم، مكتبة دار القلم: الرياض.

-متولي، علاء الدين. (2015). توظيف إستراتيجية الفصل المقلوب في عمليتي التعليم والتعلم، المؤتمر العلمي السنوي الخامس عشر للجمعية المصرية لتربويات الرياضيات بعنوان: تعليم وتعلم الرياضيات وتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين- مصر.

-Butt, A. (2014). Student views on the use of a flipped classroom approach: evidence from Australia. Business Education & Accreditation, 6 (1), 33–43.

-Davies, R. S., Dean, D. L., & Ball, N. (2013). Flipping the classroom and instructional technology integration in a college-level information systems spreadsheet course. Educational Technology Research and Development, 61 (4), 563–580.

-Findlay-Thompson, S., & Monbouquette, P. (2014). Evaluation of a flipped classroom in an undergraduate business course. Business Education & Accreditation, 6 (1), 63–71.

Mary Beth Hertz.(2015). The Flipped Classroom: Pro and Con. https://www.edutopia.org/blog/flipped-classroom-pro-and-con-mary-beth-hertz. 15/10/2021

وسوم

عن الكاتب

د عبد المهيمن الديرشوي

دكتوراه في المناهج وطرائق التدريس، عميد كلية التربية في جامعة الزهراء

اقرأ ايضاً عن تعليم