تربية الطلبة على القيم “منهجية علمية وتطبيق عملي للمعلمين”

 مفهوم القيم

القيم هي مجموعة من المعتقدات والاتجاهات الإيجابية، التي يكتسبها المتعلم من بيئته (الأسرة، المدرسة، المجتمع)، لتكون بوصلة سلوكه، وأساس شخصيته.

وعرفها بعض الباحثين: بأنها الأحكام التي يصدرها المرء على أي شيء مهتدياً في ذلك بقواعد ومبادئ مستمدة من القرآن والسنة، وما تفرع عنهما من مصادر التشريع الإسلامي أو تحتويها هذه المصادر، وتكون موجهة إلى الناس عامة، ليتخذوها معايير للحكم.

 أهمية القيم للطلبة

  • تساعد القيم الطالب على بناء شخصية قوية متماسكة، قادرة على التعامل بإيجابية مع زملائه ومعلميه.
  • تجعل القيم الطالب محبوباً وموضع تقدير بين زملائه ومعلميه، مما يعزز مكانته في المجتمع المدرسي.
  • تمنح القيم الطالب القدرة على ضبط نفسه وتجنب الانجراف وراء سلوكيات سلبية منتشرة بين الأقران مثل الغش أو التنمر.
  • يعيش الطالب الذي يتحلى بالقيم شعوراً بالرضا والسعادة الحقيقية، مما يزيد من دافعيته للتعلم والنجاح.
  • عندما يلتزم الطلاب بالقيم، تسود بينهم روح التعاون والاحترام، فيسهم ذلك في جعل المدرسة مكاناً يسوده الأمن والودّ.
  • تسهم القيم في تربية طلبة قادرين على مواجهة التحديات، والمشاركة في بناء مجتمع عادل.

 مصادر القيم

تتعدد مصادر القيم التي تشكّل شخصية الفرد وتوجه سلوكه:

  • الدين: يعدّ المصدر الأهم للقيم، إذ يزود الإنسان بالمفاهيم والتشريعات التي تنظم حياته، ويبين طرق غرس القيم وتطبيقها كما في القرآن الكريم.
  • الأسرة: هي المدرسة الأولى التي يتعلم منها الطفل القيم الدينية والاجتماعية والعادات والتقاليد، وتشكل أساس شخصيته واتجاهاته.
  • المجتمع: يرسخ القيم من خلال ما يتعارف عليه من عادات وثقافة عامة تنتقل عبر الأجيال لتصبح جزءاً من وعي الأفراد.
  • الإعلام: يسهم في تشكيل أو تعزيز القيم عبر ما يقدمه من معارف ورسائل توعوية، وقد يكون أداة للتغيير أو التأثير السلبي إذا لم يُحسن توجيهه.
  • المواقف التعليمية: تسهم في تشكيل القيم عند الطلبة؛ فتكرار التجربة يورث استنتاجات وسلوكيات ثابتة، فقد تنشأ قيم سلبية عند طالب يربط بين قول الحقيقة والعقاب، بينما تولد قيم إيجابية عند آخر يرى في الخطأ فرصة للتعلم، ومن هنا تأتي أهمية تدريب الطلبة على كيفية التعلم لضمان غرس قيم صحيحة وبنّاءة.

 أدوات وأساليب عملية لحث المعلمين على غرس القيم

فيما يأتي أدوات وأساليب عملية لغرس القيم عند الطلبة مع أمثلة واقعية من البيئة التعليمية:

  • القدوة العملية للمعلم: المعلم حين يلتزم بالقيم عملياً يصبح مرجعاً سلوكياً.

    مثال: عندما يحافظ المعلم على المواعيد بدقة رغم الظروف الصعبة كقطع الكهرباء أو تأخر المواصلات، يتعلم الطلبة قيمة الانضباط.

    • المواقف الصفية اليومية: اغتنام الموقف العابر لغرس قيمة.

    مثال: إذا تشاجر طالبان في الصف على مقعد، يمكن للمعلم أن يحوله إلى درس تطبيقي عن قيمة العدل والمساواة، فيعيد توزيع المقاعد بطريقة منصفة أمام الجميع.

    • القصص والسرديات: استخدام القصص القصيرة أو المرويات الشعبية.

    مثال: يحكي المعلم قصة طفل نزح من مدينته حمص، لكنه شارك في مساعدة غيره من الأطفال الأضعف منه، ليغرس قيمة التعاون والإيثار.

    • المشروعات الصفية: تكليف الطلبة بعمل جماعي فيه قيمة تربوية.

    مثال: يطلب المعلم من تلاميذه تنظيف ساحة المدرسة معاً بعد نشاط، ليغرس قيمة المسؤولية الجماعية، أو تصميم ملصق جداري يحمل عبارة “مدرستنا بالأمانة تزدهر”.

    • المكافأة والتعزيز: تعزيز السلوك القيمي عبر التشجيع.

    مثال: يكافئ المعلم الطالب الذي أعاد قلماً وجده على الأرض لصاحبه، فيغرس قيمة الأمانة.

    • النقاش والحوار الموجّه: فتح باب النقاش حول المواقف الواقعية.

    مثال: يسأل المعلم: “لو رأيتم أحد زملائكم يغش في الامتحان، ما التصرف الصحيح؟” ثم يوجه الحوار نحو قيمة الصدق والنزاهة.

    • المسرح والتمثيل: استخدام الدراما التعليمية، كتمثيل أدوار بين الطلاب حول مواقف تتطلب الصدق والأمانة: إيجاد محفظة، الغش في الامتحان، الاعتراف بالخطأ.

    مثال: يمثل الطلاب مشهداً عن طفل يكذب لينجو من العقاب، ثم يناقش الصف النتائج السلبية للكذب، فتترسخ قيمة الصدق.

    • الربط بالمجتمع المحلي: إخراج القيم من حيز الصف إلى البيئة.

    مثال: تنظيم زيارة لدار أيتام في إعزاز، أو الأحياء المتضررة من الحرب في إدلب، ليشارك الطلاب في نشاط ترفيهي معهم، ما يعزز قيمة التعاطف والمسؤولية المجتمعية.

     غرس القيم من خلال نموذج التاءات الأربع

    يهدف هذا النموذج إلى تكوين السلوك القيمي الفاضل عبر أربع مراحل متكاملة، وهي: التيقظ القيمي، التعقل القيمي، التخلق القيمي، والتمثل القيمي، ويقوم على مخاطبة الفطرة والعقل والذات.

    مكونات النموذج:

    1. مخاطبة الفطرة: إثارة استعدادات الخير الكامنة في الإنسان.
    2. مخاطبة العقل: الإدراك العقلي للقيم وفهمها.
    3. مخاطبة الذات: إرادة الفرد وانصهار المكونات السابقة في سلوكه.

    مراحل النموذج مع أمثلة واقعية

     المرحلة الأولى: التيقظ القيمي (الانفعال الوجداني)

    تهتم هذه المرحلة بإثارة انتباه المتعلم وتنبيهه إلى ما فيه من أصول فطرية طيبة، وتذكيره بما فيه من كوامن الخير ودوافع الصلاح وقابليات الارتقاء الوجداني، وتعمل على إيقاظ ما فيه من استعدادات روحية سامية تحقق للإنسان معنى وجوده وحقيقة رسالته، ويتم خلالها استثارة وجدان الإنسان ومداركه العقلية ودفعه للارتقاء في سلم الكمالات النفسية، وتكون بؤرة الخطاب التربوي في هذه المرحلة (عاطفة الإنسان ووجدانه)، ولعل هذا ما يفسر قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

    ويمكن أن نستخدم لتعزيز التيقظ القيمي طرائق تربوية متعددة منها: الموعظة، السؤال، الترغيب، القصة، ضرب الأمثال.

    مثال واقعي: تنظيم حملة مدرسية لتعزيز قيمة الصدق، بحيث يُطلب من الطلاب سرد مواقف صادقة عاشوها، ما يثير اهتمامهم العاطفي ويحفز وجدانهم للالتزام بالصدق.

     المرحلة الثانية: التعقل القيمي (التفكير العقلاني)

    نعني بمرحلة التعقل هنا الإدراك المعرفي والاقتناع العقلي بالقيمة المتعلّمة، وتأسيس فهم واع لها من حيث معناها وأهميتها ومجالاتها ومؤشراتها السلوكية ودورها في تحقيق سعادة الفرد في الدنيا والآخرة، بحيث تصبح هذه القاعدة المعرفية والإدراكية قاعدة يبنى عليها السلوك، ولذلك كان التأكيد على غرس الإيمان في النفوس وغرس العقيدة الصحيحة ثلاث عشرة سنة في مكة لبناء شخصية الصحابة قبل الهجرة.

    ويمكن أن نستخدم لتعزيز التعقل طرائق تربوية متعددة منها: الحوار والمناقشة، الاستقصاء، حل المشكلات، السؤال، الاستنباط، الاستقراء، الاستدلال، تحليل الأحداث والمواقف.

    مثال على التعقل القيمي:

    قوله تعالى ﴿‏فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الأفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ ‏سورة الأنعام‏:‏ 76-78‏ ‏.

    مثال واقعي للمدارس: عقد ورش عمل في المدارس حول أهمية التعاون في العمل الجماعي، بحيث يقوم الطلاب بحل مشروع جماعي، ثم مناقشة كيف ساهم التعاون في إنجاح المشروع، فيفهمون قيمة التعاون بوعي عقلي.

     المرحلة الثالثة: التخلق القيمي (السلوك القيمي)

    التخلق القيمي هو التدرب على القيمة ورياضة النفس عليها وحملها على السلوك بمقتضاها ومجاهدتها على الالتزام بمتطلبات القيمة العملية بالمطاوعة والتدرج والتدرب والرياضة، ومعلوم أن الفرد قد يواجه في عملية تخلّقه بخلق جديد أو قيمة جديدة صعوبة ومشقة، وهو يحتاج في هذه المرحلة إلى تدريب ومران ورياضة ومجاهدة حتى يرتقي في سلوكه القيمي تدريجياً ويتغلب على الصعاب والتحديات التي تواجهه.

    ويمكن أن نستخدم لتعزيز التخلّق القيمي طرائق تربوية متعددة منها: التطبيق العملي، الاقتداء، الصحبة، التعزيز.

    مثال واقعي: تدريب الطلاب على مساعدة زملائهم في الواجبات الدراسية، أو دعم الطلاب الجدد في المدرسة، لتصبح قيمتهم في التعاون والمساعدة جزءاً من سلوكهم اليومي.

     المرحلة الرابعة: التمثل القيمي (الرسالة القيمية)

    التمثل هو قمة الهرم في البناء القيمي، حيث يتم الالتزام العملي بالقيمة بصورة متكررة وثابتة ودائمة، مع الاعتزاز بها ودعوة الآخرين إلى تمثلها، وتتحول فيها القيمة إلى سجية وعادة وطبع لا تنفك عن ذات الإنسان.

    ويمكن أن نستخدم لتعزيز التمثل القيمي طرائق تربوية متعددة منها: الدعوة، الصحبة، المعايشة.

    مثال واقعي: طالب يلتزم دائماً بمبادئ الأمانة والنزاهة في أعماله المدرسية، مثل تسليم الواجبات بصدق وعدم الغش في الامتحانات، ويصبح قدوة لزملائه في المدرسة، ويشجعهم على الالتزام بالقيم نفسها.

    إن غرس القيم في نفوس الطلبة ليس عملاً عابراً، بل هو مشروع متكامل يبني الشخصية ويؤسس لنهضة المجتمع، والمعلم هو المحرك الأساس لهذه العملية التربوية. لذا أيها المعلّمون الأكارم، أنتم صُنّاع القيم في قلوب أبنائنا قبل أن تكونوا ناقلي معارف لذهنهم، وكل موقف في الصف فرصة، وكل كلمة أو تصرف منكم قد يزرع في الطالب قيمة تبقى معه العمر كله، وتذكّروا أن بناء إنسان ملتزم بقيمه أعظم من أي نجاح دراسي عابر، فاجعلوا رسالتكم أن تخرّجوا جيلاً مؤمناً بقيمه، فخوراً بها،

    وسوم

    عن الكاتب

    د عبد المهيمن ديرشوي

    دكتوراه في المناهج وطرائق التدريس

    اقرأ لـ د عبد المهيمن ديرشوي