مدرسة المستقبل

إن مظاهر التقدم والرقي الحضاري التي نراها ونجدها اليوم في دول العالم المتقدم، هي نتاج طبيعي للتقدم الكبير الذي أحرزته هذه الدول في مجال إعداد ثرواتها البشرية وتنميتها، مما أدى إلى توليد قوة بشرية على مستوى عال في كافة مجالات الحياة النظرية والتطبيقية.

ونظراً لما يشهده العصر الحاضر من تغييرات سريعة متلاحقة في جميع المجالات، خصوصاً الثورة التقنية، فقد ظهر في الآونة الأخيرة اتجاه أو تصور يسعى إلى استشراف المستقبل، عله يساعد في تهيئة الأمم للمتطلبات المختلفة للمستقبل.

ولأن المدرسة تؤدي دوراً رئيساً في نهضة الأمم ورقيها، فقد كان البحث في مستقبل المدرسة أحد اهتمامات التربويين، ومن هنا ظهر على السطح التربوي ما يسمي بمدرسة المستقبل.

وحيث إن المجتمع عبارة عن أفراد تربطهم عادات وتقاليد ونظم واحدة، فإن مهمة المدرسة هي إعداد الفرد ليعيش في هذا المجتمع حياة اجتماعية صالحة، لذا فالمدرسة هي إحدى مؤسسات هذا المجتمع، والطريقة المثلى لإعداد الأفراد لهذه الحياة هي أن يحيوا في المدرسة حياة اجتماعية حقيقية.

وهذا ما قاله فروبل (إن المتعلمين لا يأتون إلى المدرسة ليتعودوا الحياة بل ليحيوا بالفعل).   (أبو السندس، 2002)

طبيعة مدرسة المستقبل:

في الحقيقة إن التربية تعد أكبر عملية حياتية في المجتمع البشري، وهي ليست عملية سهلة أو بسيطة ولكنها عملية معقدة ومركبة، وهي ليست مسؤولية جهة معينة في المجتمع ولكنها مسؤولية المجتمع كلـه، كما أنهـا يجب أن تتم في مرحلة الطفولة، حيث عدم النضج والطواعية ومن ثم سهولة إتمامها كما حدث ويحدث في الدول المتقدمة. (هيكل، ٢٠٠٢)

هذا وقد نحى التربويون من خلال ما ورد في الأدب التربوي ثلاثة مناح في النظرة إلى مدرسة المستقبل:

الأول: النظرة الجزئية:

حيث ينظر إلى مدرسة المستقبل من خلال عنصر واحد، بحيث يظن إن تطوير هذا العنصر كفيل بنقل المدرسة إلى أن تكون صالحة للمستقبل.

الثاني: النظرية التقنية:

وهي التي تفترض وتركز على الجانب التقني المعلوماتي في التدريس، وتفترض أن ثقافة المعلومات تمتلك عصا سحرية لنقل المدارس من مدارس بدائية تقليدية إلى مدارس المستقبل، مدارس القرن الحادي والعشرين، مدارس الألفية الجديدة، المدارس الإلكترونية، المدرسة الذكية.

الثالث: النظرة الشمولية:

وهي النظرة التي تفترض أن تطوير المدارس عملية معقدة يشترك فيها عناصر عديدة وتتأثر بعوامل كثيرة، ويرى أصحاب هذه النظرة أن تطوير المدرسة لصنع ما نسميه مدرسة المستقبل يحتاج إلى جهد متعدد الأبعاد، وترى هذه النظرة أننا لا نتعامل مع مدرسة خيالية نختلقها في أذهاننا، بل نتعامل مع مدرسة على أرض الواقع بكل عوائقه وبكل نواقصه وبإمكاناته المتواضعة، مدرسة مرتبطة تطوراً وتأخراً بمنظومة ومؤسسات المجتمع الأخرى، ولعل هذه النظرة هي النظرة الواقعية التي تلامس مشاعر وعقول الكثيرين منا. (البراهيم، 2021، 3)

وعليه إذا أردنا أن نخطط لمدرسة المستقبل فعلينا أن نجعلها تنطلق من:

  1. إن الإنسان هو مقصد التربية وغايتها.
  2. التعليم أعظم استثمار للمجتمع.
  3. أودع الله في الإنسان من المواهب والقدرات والطاقات وجعـل لـه مـن وسائل الإدراك التي يتعلم بها الكثير، قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، وعلى المدرسة أن تستثمر كل ذلك.
  4. الطفل يتعلم بالحركة وبالبحث والاكتشاف، ويتعلم باللعب، ويتعلم من أقرانه، أكثر مما يتعلم بالتلقين.
  5. إذا لم يقترن التعليم باتجاهات ووجدانيات فسيبقى جامـداً لا يتحمس لـه الطلاب، وينتهي دوره بانتهاء الاختبار.
  6. التعليم تدريب لا ينفصل عن المجتمع ولا يؤدي دوره ما لم يلاحظ الطالب ثمرته في الحياة.

      (الإدارة العامة للتعليم بمنطقة عسير،2002)

مميزات مدرسة المستقبل:

إن الصفات التي تميز هذه المدرسة حكمت بها (موسوعة البحث التربوي) وأقره (المؤتمر الدولي لأساتذة الإدارة المدرسية) والمعالم الرئيسة التي تتميز بها هذه المدارس هي:

1. إن الوظيفية الأساسية التي يجب أن تضطلع بها مدرسة المستقبل هـي رفع مستوى المعيشة للإنسان وذلك بتأدية خدمات عديدة لهذا المجتمع بكافة.

2. مدرسة المستقبل يفترض أن تستخدم البيئة معملا للتعلم، فلن يكون التعليم واقعيا إذا اقتصر على الجدران الأربعة لحجرة الدراسة أو المكتبة، فهي تهيئ لطلبتها الاتصال وتفتح أبوابها لتتبادل الخبرة مع المؤسسات المتنوعة، وتقوم بالرحلات الهادفة، فيكسـب طلابهما الخبرات العلميـة بالعملية المشروعات التي يقوم المجتمع بتنفيذها.

3. مدرسة المستقبل يفترض أن تشرك الأهالي في رسم سياسة المدرسة وتخطيط برامجها، فهي تعد مشروعاً اجتماعياً واسع المجال، والبرامج العامة التي توضع لهذه المدرسة يناقش بصورة تعاونية.

4. مدرسة المستقبل عليها ممارسة سياسية التجاوز لكل المعاملات الإنسانية، وتعمـل على تطويرها، فيتعلم الطلاب مهارة الاتصال بالتحـاور الفعال في نواحي الحياة المختلفة، فكل من المدرسة والمجتمع معامل حيـة، يتعلم فيها الطلاب أساليب التعاون بالممارسة الحقيقة وكسب المهارات.

5. على مدرسة المستقبل أن تعـد الفـرد لحياة ذات أهداف، ولهذا يجب أن تكون حياة الفرد في المدرسـة حيـاة ذات أهـداف، وبذلك تكون غنيـة بالتجـارب والخبرات العملية، فالمدرسة المعول عليها يجب أن تكون دوماً مركز إشعاع علمي واجتماعي وقومي، تسبق المجتمع في كل ميدان لتأخذ بيده إلى الأمام.

٦. وكذلك يتوقع من التعليم في مدرسة المستقبل أن يعيد النظر لكثير من قيمنا الإنسانية، التي ضمرت في خضم الحضارة المادية المعاصرة، مثل الصدق والتواصل والتعاون والتفاهم، وأن ينظر التعليم للأجيال القادمة كبشر أولاً وكعمالة ثانياً، وذلك من أجل مجتمع سليم واقتصاد قوي.

  (أبو السندس،2002)

نموذج مدرسة المستقبل بالمعايير الهندسية:

لتصميم نموذج مدرسة المستقبل تحت المعايير الهندسية التي تلبي متطلبات مستخدميها لجميع فئاتهم وأعمارهم وتحقيق الأهداف المرجوة، لابد من تصميـم وإنشاء المبنى المدرسـي (النموذج) بمشاركة التربويين لتطوير المعايير التربوية داخل هذا المبنى ليتوافق تربوياً وإنشائياً.

ولدراسة النموذج للمبنى المدرسي كنموذج مدرسي بنظرة مستقبلية لابد مـن مـراعـاة عـدة عوامل في تصميمه وتحديد مساحاته والخدمات المساندة له وقد ذكر باجبيل وفيومي (١٩٩١) هذه العوامل فيما يلي:

1. النمط العمراني والبيئة المحيطة بالمبنى.

2. دراسة المساحة الداخلية والخارجية للمبنى الدراسي.

3. توجيه المبني داخل الموقع ومدى تناسبه مع المرافق المحيطة به.

4. دراسة اعتبارات السلامة في تصميم الممرات والسلالم والمخارج بما يتناسب مع حجم المدرسة وعدد طلابها وتنوعهم.

5. دراسة النموذج المدرسي وإمكانية الإضافة للمساحات الداخليـة والخارجية في حالة النمو الطلابي.

المنهج في مدرسة المستقبل (مدرسة الدمج الشامل):

المنهج في مدرسة المستقبل يتسم بالشمولية والمرونة، فهو شامل لجميع الأطفال باختلاف قدراتهم وإمكاناتهم واستعداداتهم التعليمية.

فقد أشار البيان الصادر عن المؤتمر العالمي حـول تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أن (مرونة المنهاج الدراسي) تعني:

1. مواءمة المنهاج لاحتياجات الأطفال وليس العكس.

2. توفير الدعم التعليمي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في إطار المنهج الدراسي العادي وليس تطوير منهاج خاص لهم.

3. إعادة النظر في إجراءات تقييم أداء الأطفال وجعـل التقييم المستمر جزءاً لا يتجزأ من العملية التربوية.

4. توفير سلسلة متصلة الحلقـات مـن الدعم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة حسب الحاجة بدءاً بالمساعدة في المدرسة وانتهاء بالمساعدة خارج المدرسة.

5. توظيف التكنولوجيا لتيسير الاتصال والحركة والتعليم. (Ford،at,1992).

التصور المقترح لإدارة مدرسة المستقبل:

تتجه كثير مـن الـدول إلى تحويل مدارس التعليم العـام إلى مـدارس المستقبل التي تستخدم التقنيات الحديثة، ويطلق عليها اسم المدارس الذكية، ومن هذا المنطلق فإن الإدارة التي تقود هذه المدرسة وتسعى لتحقيق أهدافها، يجب أن تتسم بالعديد من السمات ومنها:

١. أن يتم اختيار مديري مدارس المستقبل من ذوي الخبرة والكفاءة، مع التركيز على معيار القدرات بحيث يكون مدير المدرسة قادراً على التطوير والتجديد والتعامل مع التقنية الحديثة.

٢. تغيير ثقافة العمل في إدارة المدرسة بتحويل مفاهيم مديري المدارس بالاتجاه إلى الإدارة بالفريق، والاعتماد على أسلوب الإبداع وحل المشكلات.

٣. التركيز على التعلم الذاتي المستمر والموجه لمديري المدارس، وتوظيف تقنية الاتصال المعلوماتي في التدريب.

٤. تصميم خطط العمـل ومراجعتهما باستخدام التقنية المتقدمـة المـزودة بمعلومات آنية وفق الحاجات المستقبلية.

٥. تكوين شبكات للتدريب والإشـراف وتبادل المعلومات بين مديري المدارس والإدارات ووزارة المعارف.

٦. استخدام أقراص الفيديو المتفاعلة كأسلوب تدريبي لمديري المدارس للمتابعة التجارب الناجحة.

٧. الاستفادة من الإنترنت في تنفيذ الأساليب الإشرافية والاتصال.   (العبد الكريم،٢٠٠٢).            

الخاتمة:

لقد جعل الله الإنسان خليفتـه فـي أرضـه ومـيـزه على سائر مخلوقاتـه مـدار التكليـف وتحمـل المسؤولية، وحثه على التفكير في مخلوقاته.

لذلك من واجبنا حتى نحافظ على أبنائنا لا سيما فئة ذوي الاحتياجات الخاصة أن ننظر فيما حولنا من مشكلات وتحديات تزداد تعقيداً يوما بعد يوم، وكيف يمكن لنا أن نتكيف في عالم سريع التغير تتحكم فيه تقنيات المعلومات والاتصالات وتداهمنا ونحن في غفلـة مـن أمرنا.

إن التغيرات السريعة والمتعاقبة التي يشهدها عالمنا المعاصر هذه الأيام قد تضخم هذا الخوف على المستقبل، وأظهرت تساؤلا كبيرا يطرحه الجميع وهو أين نقف في عصر التقدم التقني لمشاكلنا والتفجر المعرفي؟ .

المراجع:

١.الادارة العامة للتعليم بمنطقة عسير. (٢٠٠٢). ورقة عمل حول مدرسة المستقبل، جامعة الملك سعود، الرياض.

٢.البراهيم، سعاد إبراهيم. (2021). مدرسة المستقبل النموذج المؤسسي التربوي المأمول. متوفر بتاريخ 14/8/2022 على الرابط الآتي: https://2u.pw/VgfHl

٣. أبو السندس، عبد الحميد سلامة. (٢٠٠٢). الأسس الفلسفية والاجتماعية لمدرسة المستقبل، ندوة مدارس المستقبل، جامعة الملك سعود، الرياض.

٤. العبد الكريم، راشد. (٢٠٠٢). مدرسة المستقبل تحولات رئيسية، ندوة مدارس المستقبل، جامعة الملك سعود.

٥.هيكل، سالم حسن علي. (٢٠٠٢). تربية وتنشئة الفرد في إطار متوازن بين ثقافة مجتمعه والاحتكاك بالثقافات المجتمعية الأخرى، ندوة مدرسة المستقبل، جامعة الملك سعود، الرياض.

6.Ford, A., Davern, L., & Schnor, R. (1992). “Making sense” of the curriculum. Ins. Stainback & W. Stainback (Eds)., Curriculum Considerations in luclusive Classroom: Facilaiting Learning for all students. (pp. 37-61).

وسوم

عن الكاتب

آمنة إسماعيل

اقرأ ايضاً عن تعليم