تعميم السلوك المكتسب والمحافظة على استمراريته

لقد اهتم مجال تعديل السلوك بزيادة السلوكيات المرغوبة أو تقليل السلوكيات غير مرغوبة أو   تعليم سلوكيات جديدة أو ضبطها، سواء للعاديين أو لذوي الاحتياجات الخاصة، ولقد انصب اهتمام هذا المجال حديثا بشكل نسبي في المحافظة على استمرار هذه السلوكيات، وإمكانية حدوث هذا السلوك في مواقف مختلفة بعد الانتهاء من التدريب، لذلك بدأ العاملون في هذا المجال بتطوير تقنيات منظمة أكثر، للوصول بالمتدرب لتعميم هذه السلوكيات على المواقف الطبيعية التي يمر بها خارج مراكز التدريب. سنتعرف على معنى التعميم وأنواعه والتخطيط له وأهم الاستراتيجيات المستخدمة للوصول للتعميم.

تعريف التعميم

التعميم: “يعنى تعلم استجابة ما في موقف معين قد يؤدى إلى تأدية تلك الاستجابة في المواقف المشابهة للموقف الأصلي أو تأدية استجابات مشابهه للاستجابة الأصلية“(الخطيب، 2003، ص364)

يعرف “التعميم أيضاً في تعديل السلوك على أنه حدوث السلوك في وجود جميع المحفزات ذات الصلة خارج موقف التدريب”.

 (Miltenberger, 2015, p 395)

    كتعلم طفل شلل دماغي طريقة كيف يفرش أسنانه في المركز بعد أكل بسكوتة وأن يقوم بذلك أيضا في البيت بعد أكل بسكوتة أو الغداء أو الشبس وبعدة طرق غير الترتيب الذي قام به أثناء التدريب.

أنواع التعميم

تعميم المثير:

“عندما نتعلم الاستجابة لمثيرات محددة، فإننا نميل أيضا إلى إجراء تلك الاستجابة للمحفزات التي تواجهنا والتي تشبه المثيرات التي تعلمناها”. (Sarafino,2011, p297)

ويقصد بتعميم المثير؛ أن تعلم السلوك في الوضع التدريبي يجعله يحدث في أوضاع أخرى مشابهة له لكن دون أن ينفذ التدريب فيها. (الخطيب،2017، ص.251)

تعميم الاستجابة:

“انتقال أثر التعلم من استجابة تم تعديلها أو تشكيلها إلى الاستجابات الأخرى المناسبة”(بطرس ،2010، ص173)

أو إذا نتج عن تغيير سلوك ما تغيير في سلوكيات أخرى مشابهة له فالذي حدث يسمى تعميم استجابة. (الخطيب،2017، ص.251)

“يستخدم مصطلح التعميم للإشارة إلى انتقال أثر التدريب من موقف إلى آخر. أما المحافظة على استمرارية السلوك يشير إلى عامل الزمن، أي أن التغيير الذي يطرأ لا يختفي بمرور الوقت” (مقاومة الإطفاء) (الخطيب، 2003، ص365)

استراتيجيات تعميم السلوك:

التدريب مع السوابق اليومية

  1. غالبا ما تحدث التدخلات في بيئات ومع محفزات سابقة تختلف اختلافا كبيرا عن تلك التي ستكون موجودة في الحياة اليومية للشخص المستهدف عندما يحتاج إلى أداء السلوك المستهدف.
  2. كلما زادت الاختلافات بين التدخل والبيئات الطبيعية، قل احتمال تعميم السلوك. ونتيجة لذلك، تحتاج برامج تغيير السلوك إلى ضمان حدوث التدريب في ظل ظروف مشابهة قدر الإمكان لتلك الموجودة في البيئة المعتادة للشخص.
  3. لتوفير هذا التدريب، يبدأ محللو السلوك بسرد جميع الإعدادات والمواقف السابقة اليومية التي يجب على الشخص فيها أداء السلوك المستهدف.
  4. هناك ثلاث طرق لجعل التدخل والظروف الطبيعية متشابهة، وبالتالي تعزيز تعميم السلوك المستهدف:
  5. تلاشي أي مطالبات يتم استخدامها في تدريب سلوك لن يكون متاحا في البيئة اليومية للشخص.
  6. تتضمن الطريقة الثانية إجراء بعض أو كل التدريب على التدخل في البيئة الطبيعية للشخص.
  7. في النهج الثالث لجعل التدخل والظروف الطبيعية مماثلة لتعزيز تعميم السلوك المستهدف، يتم جلب جوانب البيئة اليومية إلى إعداد العلاج. (II, & Robert,1975)

 تهيئة الفرد لظروف التعزيز الطبيعية:

 من أكثر الاستراتيجيات الفاعلة في تعديل السلوك هي تعليم الفرد أنماط سلوكية تتقبلها البيئة، ولذلك فلا حاجة في تعلم أنماط سلوكية لا تتقبلها البيئة الطبيعية.

الاستراتيجية تعنى أن تعميم السلوك المكتسب يتطلب محاولة تعديله باستخدام ظروف الثواب والعقاب الموجودة في البيئة الطبيعية، ولابد أن تكون البيئة الطبيعية تعزز السلوكيات ولا تعاقب عليها، ولهذا من المقترح أن يتم تدريب الفرد على التعزيز من الأشخاص المهمين في حياة الفرد كالوالدين والمعلمين والرفاق وتقديم المعززات المناسبة عند أداء السلوك المرغوب.

 فبدلاً من الاعتماد على عامل الصدفة يقوم المعالج بالحيلولة دون قيام الأشخاص المهمين بعمل ما يناقض أهداف العلاج.

 التحليل للظروف البيئية يشمل على أن المعززات لابد أن تكون نابعة من البيئة الطبيعية، وتكون متوفرة عند المعلم والأب. (Stokes & Baer، كما ورد في الخطيب،2003)

التدريب والأمل:

معظم أبحاث التدريب والأمل (90٪) بينت أنه لا يوجد حاجة لبرمجة التعميم (أن أقوم بوضع إجراءات من أجل التعميم)، على افتراض أن التعميم الذي تم قياسه في تلك الدراسات كان كافيا لتحقيق الأهداف العلاجية لبرامج تعديل السلوك.

حيث تفترض هذه الاستراتيجية عدم القيام بأي إجراءات منظمة من أجل التعميم والاكتفاء بالتدريب على أمل حدوث التعميم الواجب حدوثه نتيجة التدريب. (Stokes & Baer,1977) بتصرف.

التعديل المتتابع:

بعد أن يتم إجراء تغيير معين في السلوك، ويتم تقييم التعميم، إذا كان التعميم غائبا أو ناقصا، يتم البدء في الإجراءات لإنجاز التغييرات المطلوبة عن طريق التعديل المتسلسل المنهجي في كل حالة غير معممة. التعديل المتسلسل هو مجرد إجراء تجريبي منهجي يضفي الطابع الرسمي على هذه المساعي العلاجية النموذجية ويسمح بتقييمها.

 الأساس المنطقي لهذه الاستراتيجية هو: إذا لم يكن من المحتمل أن يظهر التعميم المرغوب فيه بعد تغيير سلوك في حالة معينة، فإن الباحث أو الممارس يعمل على إحداث تغييرات بطريقة منظمة في الأوضاع التدريبية لكي تشبه تلك الأوضاع التي يريد أن ينقل أثر التدريب اليها. (Stokes & Baer,1977)

تدريب مجموعة من الاستجابات المكافئة وظيفيا

   تعليم مجموعة متنوعة من الاستجابات التي قد تحقق جميعها نفس النتيجة للعميل. تسمى الاستجابات المختلفة التي تحقق نفس النتيجة بالاستجابات المكافئة وظيفيا. أي أن كل استجابة تخدم نفس الوظيفة للشخص. (Miltenberger,2015, p 395)

مثال (عند تعليم طفل مهارات معرفية، جمع الأعداد مثلا، يتم تدريبه على عدد من الطرق للحصول على النتيجة ذاتها).

ونظرا لصعوبة تدريب الفرد في مواقف متنوعة فإنه يقترح أن يتم اختيار بعض المواقف الممثلة لجميع الأوضاع والمواقف المناسبة، فالسلوك يمكن أن يعالج ويعمم بسرعة إذا تمت معالجته في أوضاع مختلفة وأوقات متنوعة، وفي هذا الصدد يقدم بير الاقتراحات التالية: 

  • التدريب باستخدام مثال واحد لا يكفي للتعميم حتى لو كان مثالا جيد.
  • على المدرب استخدام أفضل مثالين أو ثلاثة في الوقت الواحد.
  • على المدرب اختيار أفضل الأمثلة من خلال التركيز على الأبعاد الوظيفية في البيئة الطبيعية. (Stokes & Baer كما ورد في الخطيب،2003)

التدريب بمرونة:

     التدريب يتم مع القليل نسبيا من التحكم في المحفزات المقدمة والاستجابات الصحيحة المسموح بها، وذلك لتحقيق أقصى قدر من أخذ العينات من المواقف ذات الصلة لنقلها إلى مواقف أخرى وأشكال أخرى من السلوك. (Stokes & Baer,1977)

يقترح بير ما يلي لتحقيق التعميم حسب هذه الاستراتيجية:

  • اشتراك أكثر من مدرب واحد
  • التدريب في أكثر من مكان
  • التدريب الفردي والجماعي
  • تنويع المعززات
  • التدريب في أوقات مختلفة
  • تنويع محتوى التدريب
  • تنويع خصائص الموقف التدريبي (Baer,1981، كما ورد في الخطيب،2003)

استخدام ظروف ثواب وعقاب يصعب على الفرد تمييزها:

      إن الجداول الزمنية المتقطعة للتعزيز مقاومة بشكل خاص للانطفاء، مقارنة بالجداول الزمنية المستمرة. يمكن اعتبار مقاومة الانطفاء شكلا من أشكال التعميم.

قد تكون السمة الأساسية للجداول الزمنية المتقطعة هي عدم القدرة على التنبؤ بها؛ أي استحالة التمييز بين مناسبات التعزيز ومناسبات عدم التعزيز حتى بعد حدوثها. وبالتالي، إذا أصبحت الظروف المتعلقة بالتعزيز أو العقاب غير قابلة للتمييز، فعندئذ يمكن ملاحظة التعميم.

تم تقديم تقريب محتمل لمثل هذه الحالة في دراسة أجراها شوارز وهوكينز (1970).  في تلك التجربة، تم تصوير سلوك طفل في الصف السادس بالفيديو أثناء دروس الرياضيات والإملاء، وفي وقت لاحق، بعد انتهاء كل يوم دراسي، عرض على الطفل شريط فصل الرياضيات ومنح المعززات وفقا لعدد المرات التي كانت فيها الوضعية الجيدة، وغياب لمس الوجه، وارتفاع الصوت المناسب واضحا على هذا الشريط. على الرغم من منح المعززات فقط على أساس السلوكيات المعروضة خلال فصل الرياضيات، فقد لوحظت تحسينات مرغوبة خلال فصل الإملاء أيضا. (Stokes & Baer,1977)

فنستطيع هنا استنتاج التعميم التالي: كلما زاد التمييز عند الطفل قل التعميم.

استخدام المثيرات العامة:

 تشمل هذه الاستراتيجية على محاولة تعميم السلوك المكتسب من خلال التدريب باستخدام المثيرات العامة التي تتوفر في البيئة الطبيعية، أي الامتناع عن التدريب في بيئات مصطنعة أو استخدام مثيرات غير مألوفة. (الخطيب، 2003، ص371)

وقدم ستوكس وباير (1976) في دراسة لهما مثال على ذلك:

تم تجنيد طفلين يظهران صعوبات تعلم لتعلم العديد من مهارات التعرف على الكلمات، وقد وجد أن كلا الطفلين تعلما المهارات بشكل جيد، ولكن لم يعممها أي منهما بشكل كافي أو مستقر على بيئات مختلفة إلى حد ما.

تم تعليم أحد الأطفال هذه المهارات وأظهر في الوقت نفسه كيفية تدريسها للطفل الآخر، وبالتالي العمل كمعلم أقران.

وعندما تم إحضار معلم الأقران إلى تلك الإعدادات، وقام هو بتعليم الطفلين أظهر كل طفل بالمثل تعميما متزايدا ومستقرا بشكل كبير، على الرغم من أنه لم تكن هناك أي عواقب للتعميم (أي لم يكن هناك تعزيز عند التعميم) (Stokes & Baer,1977) (فالمثير العام هو المعلم القرين من البيئة الطبيعية) 

دمج وسطاء التعميم المستقلين

     عرف وسيط التعميم بأنه “حافز يحافظ عليه العميل وينقله كجزء من العلاج” قد يكون الوسيط (إشارة أو تذكير) حافزا جسديا أو سلوكا يظهره الشخص. الوسيط لديه سيطرة محفزة على السلوك المستهدف، لذلك فإن السلوك يعمم خارج موقف التدريب عندما يكون الوسيط موجودا. (Miltenberger,2015, p405)

التدريب على التعميم:

إذا اعتبر التعميم استجابة في حد ذاته، فيمكن وضع حالة خطة معززة له، كما هو الحال مع أي سلوك آخر. (Stokes & Baer,1977)

   إذا تم تدريس سلوك ولم يتم عرض التعميم، فإن الأقل تكلفة من بين جميع التقنيات هو إخبار المستفيد عن إمكانية التعميم ثم طلب ذلك. وإذا حدث هذا التعميم بعد ذلك، فقد يشار إليه باسم “التعميم الموجه”. إذا كانت آثار هذه التعليمات نفسها ستصبح معممة (مما يؤدي إلى “تعميم معمم”). (Stokes & Baer,1977)

مثال: عند الطلب من طفل صعوبات التعلم كتابة ملاحظات حول الواجبات المنزلية لمادة الرياضيات، ولكنه لم يعمم هذا على مادة العلوم، ثم أدربه على أن يعمم كتابة الملاحظات للواجبات المنزلية لمادة العلوم. فإذا قام بتعميم هذا السلوك على باقي المواد يسمى تعميم التعميم.

التنظيم الذاتي:

في العملية العلاجية يقوم المعالج بمساعدة الفرد على أداء السلوكيات المطلوبة، مما جعل الكثيرين إلى وصف تلك العملية بتعديل السلوك الموجه، ونتيجة لذلك اتهم البعض تعديل السلوك بأنه لا يولى اهتماما كبيرا بدور الشخص المتعالج، ولابد من التأكيد أن الهدف النهائي من عملية تعديل السلوك هو مساعدة الفرد على ممارسة الضبط الذاتي.

 فالأفضل أن يقوم الفرد بأداء سلوكياته بدون مساعدة؛ فيجب على الفرد أن يعتمد على نفسه في قيامه بالسلوكيات وتعميمها. ورغم أن الضبط الذاتي غير واقعي ومن الصعب تحقيقه، إلا أن البحوث العلمية أوضحت إمكانية تطبيق هذا الإجراء بفعالية، وفي كثير من الأحيان الفرد لديه القدرة على ضبط ذاته واستنادا إلى هذه الحقيقة شهد ميدان تعديل السلوك اهتماما متزايدا بدراساته استراتيجيات الضبط الذاتي وتطويرها. (الخطيب،2003، ص.272-273)

الخاتمة:

إن عملية التعميم مهمة جدا من أجل استمرار السلوك وانتقاله للبيئة الطبيعية للطفل، وهي عملية منظمة تحتاج لطرق واستراتيجيات عديدة حسب الحالة التي يعاني منها الطفل.

المراجع

الخطيب، جمال محمد. (2017). تحليل السلوك التطبيقي. دار الشروق.

الخطيب، جمال محمد. (2003). تعديل السلوك الإنساني. دار حنين، مكتبة الفلاح.

Martin, G., and Pear, G.,(2019). Behavior Modification: What It Is and How to Do It (11th Ed). Routledge.

Miltenberger, R. G., (2015). Behavior Modification: Principles and Procedures. (6th ed).  Cengage Learning.

Sarafino, E. P., (2011). APPLIED BEHAVIOR ANALYSIS: Principles and

Procedures for Modifying Behavior. JOHN WILEY & SONS, INC.

Skinner, B. F. (1965). Science and human behavior. Simon and Schuster.‏

Stokes, T. F., & Baer, D.M. (1977). AN IMPLICIT TECHNOLOGY OF GENERALIZATION’. Journal of Applied Behavior Analysis, 10(2),349-367.  https://doi.org/10.1901/jaba.1977.10-349

II, R., & Robert, W. (1975). The generalization of behavior modification procedures: A review – With special emphasis on classroom application.  Psychology in the Schools,12(4),432 – 448.

http://dx.doi.org/10.1002/15206807(197510)12:4%3C432::AIDPITS2310120412%3E3.0.CO;2-J

وسوم

عن الكاتب

مهند الحاج درويش

اقرأ ايضاً عن تعديل السلوك