نظرية التعلم البنائية

البنائية هي نظرية تعليمية تؤكد الدور النشط للمتعلمين في بناء فهمهم الخاص، وبدلاً من تلقي المعلومات بشكل سلبي، يفكر المتعلمون في تجاربهم وينشؤون تمثيلات عقلية، ويدمجون المعرفة الجديدة في مخططاتهم، وهذا يعزز التعلم والفهم بشكل أعمق.

في تفصيل أفكار البنائية، يذكر Arends (1998) أن البنائية تؤمن بالبناء الشخصي للمعنى من قبل المتعلم من خلال التجربة وأن المعنى يتأثر بتفاعل المعرفة السابقة والأحداث الجديدة. (Mcleod,2023)

الفلسفة البنائية

ليست المعرفة فطرية أو يتم استيعابها بشكل سلبي، وإنما يبنيها المتعلم.

الفكرة المركزية للبنائية هي أن التعلم البشري مبني، وأن المتعلمين يبنون معرفةً جديدة على أساس التعلم السابق، وتؤثر هذه المعرفة السابقة على المعرفة الجديدة أو المعدلة التي سيبنيها الفرد من تجارب التعلم الجديدة.

 التعلم هو عملية نشطة.

والفكرة الثانية هي أن التعلم عملية إيجابية وليست عملية سلبية.

تنظر النظرة السلبية للتدريس إلى المتعلم باعتباره وعاءً فارغاً يجب ملؤه بالمعلومات، في حين تنص النظرية البنائية على أن المتعلمين يبنون المعنى فقط من خلال المشاركة النشطة مع العالم مثل التجارب أو حل مشكلات العالم الحقيقي.

قد يتم تلقي المعلومات بشكل سلبي ولكن الفهم لا يمكن أن يكون كذلك، لأنه يجب أن يأتي من إقامة روابط ذات معنى بين المعرفة السابقة والمعرفة الجديدة والعمليات التي ينطوي عليها التعلم.

قيم John Dewey سياقات ومشاكل الحياة الواقعية باعتبارها تجربة تعليمية؛ فكان يعتقد أنه إذا كان الطلاب ينظرون إلى المشكلة بشكل سلبي فقط ولا يختبرون نتائجها بطريقة ذات معنى وعاطفية وتأملية، فمن غير المرجح أن يتكيفوا ويراجعوا عاداتهم أو يبنوا عادات جديدة، أو لن يفعلوا ذلك إلا بشكل سطحي.

 كل المعرفة مبنية اجتماعياً.

التعلم هو نشاط اجتماعي أي أنه شيء نقوم به معاً بالتفاعل مع بعضنا البعض، وليس مفهوماً مجرداً.

على سبيل المثال، يعتقد Vygotsky أن المجتمع يلعب دوراً مركزياً في عملية “صنع المعنى”؛ وبالنسبة له فإن البيئة التي يكبر فيها الأطفال ستؤثر على طريقة تفكيرهم وما يفكرون فيه.

وبالتالي فإن كل عمليات التدريس والتعلم هي مسألة مشاركة المعرفة المتكونة اجتماعياً والتفاوض بشأنها.

كل المعرفة شخصية.

كل متعلم لديه وجهة نظر مميزة، بناءً على المعرفة والقيم الموجودة.

وهذا يعني أن نفس الدرس أو التدريس أو النشاط قد يؤدي إلى تعلم مختلف من قبل كل تلميذ، حيث تختلف تفسيراتهم الشخصية.

التعلم موجود في العقل

تفترض النظرية البنائية أن المعرفة لا يمكن أن توجد إلا داخل العقل البشري، وأنها لا يجب أن تتطابق مع أي واقع في العالم الحقيقي.

سيحاول المتعلمون باستمرار تطوير نموذجهم العقلي الفردي للعالم الحقيقي من خلال تصوراتهم لهذا العالم.

عندما يدركون كل تجربة جديدة، سيقوم المتعلمون بتحديث نماذجهم العقلية باستمرار لتعكس المعلومات الجديدة، وبالتالي سيقومون ببناء تفسيرهم الخاص للواقع.

أنواع البنائية

تنقسم هذه السلسلة إلى ثلاث فئات واسعة: البنائية المعرفية استناداً إلى أعمال Jean Piaget، والبنائية الاجتماعية على أساس عمل Lev Vygotsky، والبنائية الراديكالية.

تنص البنائية المعرفية على أن المعرفة هي شيء يتم بناؤه بشكل نشط من قبل المتعلمين بناءً على بنياتهم المعرفية الحالية، ولذلك فإن التعلم يرتبط بمرحلة التطور المعرفي لديهم.

تهدف أساليب التدريس المعرفية إلى مساعدة الطلاب في استيعاب المعلومات الجديدة للمعرفة الموجودة، وتمكينهم من إجراء التعديلات المناسبة على إطارهم الفكري الحالي لاستيعاب تلك المعلومات.

ووفقاً للبنائية الاجتماعية، فإن التعلم هو عملية تعاونية، والمعرفة تتطور من تفاعل الأفراد مع ثقافتهم ومجتمعهم.

تم تطوير البنائية الاجتماعية من قبل Lev Vygotsky، الذي اقترح ما يلي:

 إن كل وظيفة في النمو الثقافي للطفل تظهر مرتين: أولاً على المستوى الاجتماعي، ولاحقاً على المستوى الفردي؛ أولاً بين الناس، ثم داخل الطفل.

تم تطوير فكرة البنائية الراديكالية من قبل Ernst von Glasersfeld (1974) وتنص على أن كل المعرفة يتم بناؤها بدلاً من إدراكها من خلال الحواس.

يبني المتعلمون معرفة جديدة على أسس معارفهم الحالية، وهذه المعرفة التي ينشئها الأفراد لا تخبرنا شيئاً عن الواقع، وتساعدنا فقط على العمل في بيئتهم، وهكذا فإن المعرفة تُخترع ولا تُكتشف.

تجادل البنائية الراديكالية أيضاً بأنه لا توجد طريقة للوصول مباشرة إلى الواقع الموضوعي، وأن المعرفة لا يمكن فهمها إلا من خلال التفسير الشخصي للفرد لتجاربه.

تؤكد هذه النظرية أيضاً أن الأفراد ينشئون فهمهم الخاص للواقع، وأن معرفتهم تكون دائماً غير كاملة وذاتية.

 يقول Ernst von Glasersfeld: إن الواقع الذي تم بناؤه بواسطة الإنسان يتم تعديله ويتفاعل دائماً ليناسب الواقع الوجودي، على الرغم من أنه لا يمكنه أبداً إعطاء “صورة حقيقية” عنه. (Mcleod,2023)

مقارنة بين أنواع البنائية

 البنائية الاجتماعيةالبنائية المعرفيةالبنائية الراديكالية
المعرفةيكون إنشاء المعرفة من خلال التفاعلات الاجتماعية والتعاون مع الآخرين.يكون بناء المعرفة من خلال العمليات العقلية مثل الانتباه والإدراك والذاكرة.يكون بناء المعرفة من قبل الفرد من خلال تجاربه الذاتية وتفاعلاته مع العالم.
المتعلمالمتعلم مشارك فاعل في بناء المعرفة والتعلم عملية اجتماعية.المتعلم هو حلال للمشكلات ويبني المعرفة من خلال العمليات العقلية.المتعلم هو المنشئ الوحيد للمعرفة والمعنى، وواقعه ذاتي ومتطور باستمرار.
المعلميقوم المعلم بتسهيل عملية التعلم من خلال توفير فرص التفاعل الاجتماعي والتعاون.يوفر المعلم المعلومات والموارد للمتعلم لبناء فهمه الخاص.يشجع المعلم المتعلم على التساؤل والتأمل في تجاربه لبناء معرفته الخاصة.
التعلمالتعلم هو عملية اجتماعية تنطوي على التعاون والتفاوض والتفكير.التعلم هو عملية فردية تتضمن عمليات عقلية مثل الانتباه والإدراك والذاكرة.التعلم هو عملية فردية وذاتية تتضمن بناء المعنى من تجارب الفرد.
الواقعالواقع مبني اجتماعياً وذاتياً، ولا توجد حقيقة موضوعية واحدة.الواقع موضوعي ويوجد بشكل مستقل عن المتعلم، لكن المتعلم يبني فهمه الخاص له.الواقع ذاتي ويتطور باستمرار، ولا توجد حقيقة موضوعية واحدة.
مثالالعمل الجماعي التعاوني في بيئة الفصل الدراسي.حل مسألة حسابية باستخدام العمليات العقلية.التفكير في التجارب الشخصية لبناء المعنى والفهم.

فلسفة البنائية في التدريس

 تدعم نظرية التعلم البنائية مجموعة متنوعة من أساليب وتقنيات التدريس التي تركز على الطالب والتي تتناقض مع التعليم التقليدي الذي يتم فيه نقل المعرفة بشكل سلبي من قبل المعلمين إلى الطلاب.

ما هو دور المعلم في الفصول الدراسية البنائية؟

البنائية هي طريقة للتدريس حيث بدلاً من مجرد إخبار الطلاب بما يؤمنون به، يقوم المعلمون بتشجيعهم على التفكير بأنفسهم، وهذا يعني أن المعلمين بحاجة إلى الاعتقاد بأن الطلاب قادرون على التفكير والتوصل إلى أفكارهم الخاصة.

تتمثل المسؤولية الأساسية للمعلم في خلق بيئة تعاونية لحل المشكلات حيث يصبح الطلاب مشاركين نشطين في تعلمهم، ومن هذا المنظور يعمل المعلم ميسراً للتعلم وليس معلماً.

يتأكد المعلم من أنه يعلم مفاهيم الطلاب الموجودة مسبقاً، ويوجه النشاط لمعالجتها ومن ثم البناء عليها.

تعتبر السقالات التعليمية سمة أساسية للتدريس الفعال، حيث يقوم الشخص البالغ باستمرار بتعديل مستوى مساعدته استجابةً لمستوى أداء المتعلم.

في الفصل الدراسي يمكن أن تشمل السقالات نمذجة المهارة، وتقديم تلميحات أو إشارات، وتكييف المواد أو النشاط. (Mcleod,2023)

ما هي مميزات الفصل الدراسي البنائي؟

يركز الفصل البنائي على التعلم النشط والتعاون وعرض المفهوم أو المشكلة من وجهات نظر متعددة وعلى التفكير والتركيز على الطالب والتقييم الحقيقي لتعزيز التعلم الهادف ومساعدة الطلاب على بناء فهمهم الخاص للعالم.

يسرد Tam (2000) الخصائص الأساسية الأربعة التالية لبيئات التعلم البنائية، والتي يجب أخذها في الاعتبار عند تنفيذ استراتيجيات التدريس البنائية:

  1. يتم تبادل المعرفة بين المعلمين والطلاب.
  2. يتقاسم المعلمون والطلاب السلطة.
  3. دور المعلم هو دور الميسر أو المرشد.
  4. تتكون مجموعات التعلم من أعداد صغيرة من الطلاب غير المتجانسين.

الأهداف التربوية لبيئة التعلم البنائية

  • البنائية تقديم الخبرة جنباً إلى جنب مع عملية بناء المعرفة (يقرر المتعلمون كيف سيتعلمون).
  • تقديم الخبرة بأبعاد متعددة (تجربة الحلول البديلة).
  • تشجيع التعلم في سياقات واقعية (المهام الواقعية).
  • تشجيع اختيار الطلاب وملكيتهم في عملية التعلم (التعلم يتمحور حول الطالب)
  • تضمين الخبرة الاجتماعية في التعلم (التعاون).
  • دمج طرق التوضيح المختلفة (النص والصوت والفيديو وما إلى ذلك)
  • تشجيع الوعي بعملية بناء المعرفة (التأمل، ما وراء المعرفة).

(Embracing the Learning Theory: Constructivism)

أمثلة على الأنشطة الصفية البنائية

  • التدريس/التعلم المتبادل: مجموعة مكونة من طالبين أو أكثر يعملون معاً ويعلمون بعضهم البعض.
  • التعلم القائم على الاستقصاء: يقوم الطلاب بإنشاء أسئلتهم الخاصة ويسعون إلى حلها من خلال البحث والملاحظات، وبعد التأكيد على الحجج الداعمة لإجابتهم يقومون بإنشاء روابط بين معرفتهم السابقة والمعلومات المكتشفة من خلال أبحاثهم، ويختتم الطلاب بتحديد الثغرات المحتملة وتطوير المزيد من الأسئلة للمشروع التالي.
  • التعلم المبني على حل المشكلات: يشبه التعلم المبني على الاستقصاء إلا أنه يركز على المشكلات في العالم الحقيقي، يعمل الطلاب في مجموعات للبحث عن الحلول الممكنة واكتساب مهارات قيمة من خلال العمل معاً. إن البحث عن الأدلة وإجراء الاتصالات واستخلاص النتائج كفريق يساعد الطلاب على تطوير مهارات الاتصال والتعاون أثناء حل مشكلات العالم الحقيقي.
  • التعلم التعاوني: نشاط مجموعة صغيرة مع اعتمادهم على بعضهم البعض، ومع أن معظم الأنشطة البنائية تعتمد على التعلم الجماعي، إلا أن الأنشطة التعاونية هي حيث يعتمد كل عضو في المجموعة على الآخرين لتحقيق الحلول فلا يوجد تقسيم للمهام في التعلم.

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية