قراءة في كتاب (التأديب الإيجابي في الصف الجامع الصديق للتعلم)

أعداد كبيرة وصفوف مزدحمة بالطلاب، وطلاب غير مؤدبين، ووقت الحصة الدرسية غير كاف، والمناهج كبيرة ولا يمكن تغطيتها خلال الوقت المخصص…

يردد كثير من المعلمين مثل هذه العبارات تعبيراً عن استيائهم، وعدم قدرتهم على التعامل مع المشكلات السلوكية للطلاب والتي تعيق عملية التعليم وتضيع وقت الحصة الدرسية، وتخفض بالتالي من مستوى ونتائج التعليم المرجوة. فما هو الحل الأمثل لمشكلات الطلاب السلوكية؟

هذا ما يجيب عنه كتاب (التأديب الإيجابي في الصف الجامع الصديق للتعلم)، من إصدارات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونيسكو”، للعام 2014، والذي يأتي بمئة وست صفحات.

يقدم لنا الكتاب أساليباً فعالة للتعامل مع هذه التحديات بطريقة إيجابية واستباقية، وذلك عبر تفادي سوء التصرف قبل أن يبدأ، وعبر التعامل بفعالية مع تحديات غير متوقعة، وعبر تشجيع تلاميذنا على الإصغاء والتعاون ضمن صف جامع صديق للتعلم.

ماذا سنتعلم من الكتاب؟

يضمّ ّهذا الكتاب خمسة أقسام رئيسية، ويحتوي كل قسم على أدوات يمكننا استعمالها لتهيئة بيئة تعلم إيجابي وفاعل لتلاميذنا؛ بيئة نوجه فيها تصرفاتهم بفعالية بدل الرد عليها بطريقة سلبية.

وقد طوّر هذه الأدوات اختصاصيون تربويون من خلال التجربة، وقد استعملوها بنجاح في الصفوف بين التلاميذ الصغار والكبار على حد سواء.

أقسام الكتاب هي:

أولاً: ما هو “الصف الجامع الصديق للتعلم”؟

ثانياً: فهم العقاب مقابل التأديب.

ثالثاً: بناء علاقات إيجابية بين المعلم والتلميذ.

رابعاً: تهيئة بيئة تعلمية إيجابية وداعمة.

خامساً: التعامل مع التلاميذ الذين يشكلون تحدياً بالنسبة إلينا.

أولاً: ما هو الصف الجامع الصديق للتعلم؟

يعرّف الكتابُ الصف الجامع الصديق للتعلم بأنه الصف الذي: ” يُرحب بالأطفال كلهم، ويعلمهم بغض النظر عن جنسهم أو شكلهم أو خصائصهم الفكرية أو الاجتماعية أو العاطفية أو اللغوية أو غيرها. وقد نجد في الصف أطفالاً موهوبين وأطفالاً يعانون إعاقات جسدية أو تعلّمية، وقد نجد أطفال شوارع وأطفالاً عاملين، وأطفالاً من جماعات مترحلة أو في مناطق نائية، وأطفالاً من أقليات لغوية أو دينية أو ثقافية، وأطفالاً من جماعات محرومة أو مهمشة، وبالتالي يكون الصف الجامع الصديق للتعلم صفاً يدرك فيه المعلم قيمة هذا التنوع في الصف ويتخذ الخطوات اللازمة ليضمن مجيء الفتيان والفتيات كافة إلى المدرسة.”

ويكمن التحدي بعد دخول الطلاب المدرسة في “تلبية احتياجاتهم التعلمية والمسلكية المختلفة لكي نجعلهم يرغبون في البقاء في صفوفنا.”

ثانياً: فهـــم العقـــاب مقابـل التأديب

يشرح هذا القسم المعنى الحقيقي لكل من العقاب والتأديب، وعن طبيعة العقاب الجسدي ونتائجه، وعن قوة التأديب الإيجابي.

يعرّف الكتاب العقاب بأنه قصاص يُفرض على شخص ما لخرقه القاعدة أو لإظهاره سلوكاً غير لائق، ويهدف العقاب إلى التحكم بالتصرف من خلال وسائل سلبية. ويتم استعمال نوعين من العقاب مع الأطفال عادة:

التأديب السلبي:

وهو العقاب الذي يتضمن توبيخاً لفظياً سلبياً واستنكاراً، ومن أمثلته:

التعابير الناهية: لا تفعل هذا!

التعابير الانتقادية: أهذا أفضل ما يمكنك فعله!

التعابير المهددة: إن لم تتوقف عن الكلام، فسأرسلك إلى مكتب المدير.

التعابير المستخفة: متى ستتعلم أن تكتب جيداً؟

العقاب الجسدي

هو العقاب الذي يتضمن ألماً جسدياً أو عاطفياً شديداً، ويهدف إلى إحداث الألم الجسماني، في حين يهدف العقاب العاطفي إلى إهانة الطفل وتسبيب الألم النفسي.

ومن المؤسف أن يركز النوعان السابقان كلاهما على سوء التصرف ولا يساعدان الطفل لا من قريب ولا من بعيد على تحسين تصرفه في المستقبل.

ويضرب الكتاب أمثلة وسيناريوهات عدة عن أطفال تعرضوا لمثل هذا العقاب وما نتج عنه من إضرار بشخصيتهم.

معنى التأديب

“التأديب هو ممارسة تعليم أو تدريب شخص على إطاعة قواعد التصرف أو قانون التصرف على المديين القريب والبعيد.”

“يهدف العقاب إلى السيطرة على تصرف الطفل، أما التأديب فيهدف إلى تطوير تصرف الطفل، لا سيما فيما يتعلق بالسلوك. وهو يهدف إلى تعليم الطفل على التحكم بالذات والثقة بالنفس عبر التركيز على ما نريد أن يتعلمه، وعلى ما يقدر على تعلمه. والهدف النهائي للتأديب يكمن في جعل الأطفال يفهمون تصرفهم، ويأخذون المبادرة، ويكونون مسؤولين عن خياراتهم، ويحترمون أنفسهم والآخرين.”

سبعة مبادئ لتأديب الأطفال الإيجابي

1.    احترام كرامة الطفل

2.    تطوير التصرف الاجتماعي البنّاء وضبط النفس

3.    زيادة مشاركة الطفل الفعالة إلى الحد الأقصى

4.    احترام احتياجات الطفل النمائية ونوعية الحياة

5.    احترام دافع الطفل ونظرته في الحياة

6.    ضمان الإنصاف (المساواة وعدم التمييز) والعدالة

7.    تعزيز التضامن

خطوات التأديب الإيجابي

  • وصف التصرف الملائم: (فليهدأ الجميع الآن، رجاءً)
  • إعطاء أسباب واضحة: (سنبدأ درس الرياضيات ويحتاج الجميع إلى الإصغاء بانتباه). هذا يعني أن الهدوء بسرعة سيظهر الاحترام للآخرين.
  • طلب الاعتراف بالقواعد: (هل ترون لماذا الهدوء مهم جداً؟) أو (متى يمكننا التحدث جميعاً من دون إزعاج الآخرين وإفساد فرصتهم بتعلم الدرس؟)
  • تعزيز التصرف الحسن: عن طريق اتصال بصري، وإيماءة، وابتسامة، ومنح خمس دقائق إضافية على وقت اللعب في نهاية اليوم، ونقاط إضافية، وذكر النجاح أمام الصف أو المدرسة (التقدير الاجتماعي هو أفضل مكافأة).

ويمكن أن يفشل التأديب الإيجابي إذا:

  • لم تتم مكافأة التلميذ أو الصف بكامله بالسرعة اللازمة.
  • كان التركيز على المهام أكثر من التصرفات. مثلاً: “من الجيد أنك أقفلت فمك وتوقفت عن الكلام” على عكس “من الرائع أنك راعيت الآخرين وهدأت بسرعة”.
  • استمرار التركيز على ما يقوم به التلميذ بشكل خاطئ وليس على ما يقوم به بشكل صحيح.

ثالثاً: بنــاء علاقــات إيجــابية بين المعلـــم والتلميـــذ

يتناول هذا القسم كيفية بناء علاقة إيجابية مع تلاميذنا، علاقة ترتكز على التفاهم والتعاطف.

إن المعلمين الذين يلجؤون إلى التأديب الإيجابي يحترمون تلاميذهم ويرعونهم ويدعمونهم، وهم يفهمون السبب الذي قد يدفع الطفل حتى يحسن التصرف أو يسيء التصرف، وهم يتعاطفون أيضاً مع قدرات الطفل ووضعه في الحياة، فتكون توقعات المعلم بشأن التلميذ واقعية، ويقبله كما هو وليس كما يجب أن يكون.

 ويشرح الكتاب الأسباب التي تجعل التلاميذ يسيئون التصرف، ومنها:

الحاجة إلى الانتماء:

إنّ الهدف الأول والأخير من سلوك أي تلميذ هو تلبية حاجة الانتماء، إذ إنّه يسعى من خلالها إلى إيجاد مكان له ضمن المجموعة ومن ثم الحفاظ على هذا المكان. وفي سبيل تحقيق ذلك ربما يحسن أو يسيء التصرف.

ويحتاج التلاميذ إلى استيفاء ثلاثة عناصر للشعور بالانتماء:

  • يحتاجون إلى أن يشعروا بأنهم يقدرون على إتمام المهام بطريقة تلبي احتياجات الصف والمدرسة.
  • يحتاجون إلى أن يشعروا بأنهم يستطيعون أن يتواصلوا بنجاح مع المعلمين والزملاء.
  • يحتاجون إلى أن يعرفوا أنهم يساهمون في المجموعة بطريقة مهمة.

 أما العوامل الثلاثة التي تؤثر على قدرة التلميذ على استيفاء هذه العناصر فهي:

  1. نوعية العلاقة التي تربط المعلم بالتلميذ، (علاقة مبنية على الثقة والاحترام المتبادل والتفاهم وليس الخوف).
  2. قوة جو الصف للنجاح (أي أن يشعر التلاميذ كلهم بأنهم موضع تقدير، وبأنهم يستطيعون العمل معاً بتعاون وفعالية).
  3. ملاءمة تركيبة الصف (كيف تتم إدارته).

لماذا يسيء التلاميذ التصرف؟

  • قد يكون العمل سهلا جداً أو صعباً جداً بالنسبة إلى التلميذ.
  • قد يكون العمل غير ممتع والتلميذ يشعر بالضجر.
  • قد لا تتلاءم طرائق التعليم مع أسلوب التعلم الخاص بالتلميذ.
  • قد لا يكون التلميذ مستعداً.

هذه الأسباب كلها قد تؤدي إلى إحباط التلاميذ، والتلاميذ الذين يسيئون التصرف هم تلاميذ محبطون بالإجمال، ولا يعتقدون أن بإمكانهم الانتماء عبر طرق مفيدة، ولذلك يسعون إلى الانتماء عبر إساءة التصرف.

وعلاوة على الأسباب المذكورة أعلاه، يعتقد أيضاً أن التلاميذ يسيئون التصرف لتحقيق أربعة أهداف، وهي على وجه التحديد:

 الانتباه، والتحكم، والانتقام، وتجنب الشعور بالفشل أو عدم الملاءمة.

ويذكر الكتاب عناصر مهمة أخرى تساعد في بناء العلاقة بين التلميذ والمعلم منها:

  • معرفة المعلومات عن تلاميذنا
  • تفهم ظروف حياة تلاميذنا
  • معرفة المعلومات عن عائلات تلاميذنا
  • التواصل بين المعلم والأهل

رابعاً: تهيئــة بيئــة تعلميـــة إيجــابيــة وداعمــة

حتى يطور التلاميذ تصرفات حسنة، يجب أن تخضع بيئة الصف الذي يتواجدون فيه لإدارة وتنظيم جيدين.

وتعرف إدارة الصف بأنها” الإجراءات، والاستراتيجيات، والطرق التعليمية التي يستعملها المعلمون لتهيئة بيئة صف تشجع على التعلم.”

وفيما يلي استراتيجيات فعالة لجعل بيئة التعلم إيجابية وداعمة للتلاميذ:

جعل البيئة التعلمية مريحة:

توفير مقاعد للجميع، رؤية الجميع، إشراك التلاميذ، التعلم التعاوني.

توضيح أعمال الصف الروتينية بالتفصيل:

تقلّ فرص إساءة التصرف عندما نوضح أعمال الصف الروتينية بالتفصيل، لأن تلاميذنا سيعرفون ما هو متوقع منهم وما يفترض بهم فعله، مثل حركة التنقل، وإدارة المواد والانتقال من نشاط إلى آخر، ودور التلميذ ضمن مجموعته.

وضع قواعد الصف مع التلاميذ والأهل

اعتماد أسلوب إداري يحفّز على القيام بالتصرفات الحسنة

يضع الكتاب استبانة لتحديد أسلوب الإدارة التي يتبعها المعلم في صفه، كالأسلوب التسلطي، والأسلوب الديمقراطي، وأسلوب اللامبالاة، ومن المهم على المعلم أن يسأل نفسه؛ هل يؤثر هذا الأسلوب على تحفيز التلاميذ للتعلم؟ وهل يؤثر على سلوكهم؟ هل يؤثر على كيفية تأديبي لهم، وعلى كيفية تفاعل التلاميذ معي؟ وهل تحسين أسلوبي هو أمر ممكن؟

خامساً: التعــامل مع التلاميــذ الذين يشكـلون تحديــاً بالنسبة إلينــا

يشرح هذا الفصل في الكتاب مجموعة طرق للتعامل مع المشكلات السلوكية للتلاميذ، بما في ذلك طرق منعها وكيفية حل النزاعات، وبعض تقنيات التأديب الإيجابي بحسب العمر والتقنيات اللازمة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

خاتمة

إنّ التحدي الذي يواجه المعلم والوالدين في علاج المشكلات السلوكية هو في تكوين ثقافة تربوية قائمة على فهم الخصائص النمائية للطفل، وعلى تمتين العلاقة معه، وعلى إشراكه في بناء قيم للسلوك الاجتماعي، والاطلاع على الأساليب الإيجابية في تعديل السلوك.

وسوم

عن الكاتب

حسن جعو

كاتب ومترجم في المجال التربوي

اقرأ لـ حسن جعو

اقرأ ايضاً عن تعديل السلوك