الاغتراب النفسي لدى طُلاب الجامعة
باسم عبد الحميد يوسف
مايو 20, 2023
7 دقائق
باسم عبد الحميد يوسف
مايو 20, 2023
7 دقائق
أصبح مصطلح الاغتراب يحتل مكانة هامة في العصر الحاضر، حيث أصبح من المألوف أن نسمع عن تفسير الحياة في عصرنا الحاضر من خلال مفهوم الاغتراب (زهران، 2004،ص103).
ويؤثر الاغتراب النفسي بشكل كبير على التحصيل الدراسي، لوجود مجموعة من العوامل المترابطة والمتفاعلة التي تؤثر على كلا المتغيرين ودرجة علاقتهما ببعضهما البعض (Ketonen,2017,p.18 )، و يمكن القول أنه كلما انخفضت درجة الاغتراب النفسي لدى الطالب، زاد استقرار حياته، وهذا يؤدي إلى زيادة اهتمامه بالتحصيل الأكاديمي والتخطيط لمستقبل جيد.(Buzzai et al,2021,p.17)
ولذلك لا بد أن يتعرف الطالب الجامعي على هذه ظاهرة الاغتراب النفسي نظراً لتأثيرها الكبير على تحصيله الأكاديمي ومختلف جوانب حياته والذي سنتناوله عبر هذا المقال.
يعتبر الاغتراب النفسي ظاهرة فلسفية ونفسية على حد سواء، و هذا المصطلح (Alienation) مشتق من الأصل اللاتين (Alienatio)، وقد استخدم في أكثر من مجال، مثل الفلسفة وعلم النفس والإحصاء وعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام(رضوان،2001)، وقد أشار خليفة (2003) إلى الاغتراب في اللغة يعني النزوح عن الوطن، والغريب هو البعيد عن وطنه، والاغتراب النفسي له مفهوم عام وشامل يشير إلى الحالات التي تتعرض فيها وحدة الشخصية للانشطار أو للضعف والانهيار، بتأثير العمليات الثقافية والاجتماعية التي تتم داخل المجتمع.( خليفة، 2003،ص23)
وتعرفه شقير (2005، ص8) بأنه شعور الفرد بالعزلة والضياع والوحدة وعدم الانتماء وفقدان الثقة والإحساس بالقلق والعدوان ورفض القيم والمعايير الاجتماعية والاغتراب عن الحياة الأسرية والمعاناة من الضغوط النفسية.
كما عرف نافيتا وسريديفي Navitha & Sreedevi,2019,p.434)) الاغتراب النفسي بأنه شعور الشخص بالانفصال عن الآخرين أو عن نفسه أو كليهما.
مما سبق نجد أن الاغتراب يعبر عن مدى بعد الشخص عن نفسه وعن الآخرين من حوله، وقد اعتبره أصحاب الفكـر والبـاحثون مـن الظـواهر الإنسانية المهمة والتي لها أبعاد مختلفة على جميع النـواحي النفسية والاجتماعيـة والاقتصادية، حيث تختلف حدته حسب مدى توفر العوامل المسببة للاغتراب لدى الفرد.(العقيلي،2004،ص2).
للاغتراب العديد من الأسباب، حيث قسمتها زهران (٢٠٠٤،ص103) إلى أسباب نفسية والتي تتمثل في الصراعات الدائرة بين الدوافع والرغبات الإنسانية المتعارضة مع بعضها البعض، وبين الحاجات الرئيسية والأساسية التي يحتاجها الفرد والتي لا يمكن إشـباعها في وقت واحد، مما يؤدي إلى حدوث التوتر الانفعالي والضغوط واضطراب الشخصية، أما السبب الثاني فيتمثل بالإحباط والذي يؤدي إلى الحد من تنفيذ الرغبات الأساسية أو الحوافز أو المصالح الخاصـة بالأفراد، ويرتبط الإحباط هنا بالشعور الكبير بالفشل والعجز التام والقهر وتحقير الذات، أما السبب الثالث فيتمثل بالحرمان الاجتماعي، حيث تتلاشى الفرص التي تعمل على إشباع الحاجات الإنسانية، حيث يحرم الفرد من الرعاية الوالدية والاجتماعية، أما السبب الرابع فيتمثل بالخبرات الصادمة، والتي تتمثل بالأزمات الاقتصادية، والاجتماعية والبيئية كالكوارث والحروب.
وهناك أسباب أخرى للاغتراب وتتمثل كما تشير شقير (٢٠٠٥،ص8 ) في نقص المودة والألفة بين الأفراد، والشعور بعدم القبول الاجتماعي من قبل الكثير من أفراد المجتمع، وغياب معنى الحياة وقيمتها لدى الفرد المغترب، وضعف الروابط الاجتماعية مع الآخرين، إضافة إلى ذلك زيادة التوتر والقلق، وما يترتب عنهما من استجابات سلبية كاللجوء إلى العدوان والإجرام والسرقة والسلب والتهور والعجز في تحمل المسؤولية، والنظرة السلبية والتشاؤمية للحياة، وشعور الفرد بعدم القيمة وعدم الأهمية وأن حياته أصبحت لا معنى لها، إضافة إلى الشعور بالانفصال النسبي عن الذات وعن الآخرين، حيث يؤدي ذلك فيما بعد إلى قيام الأفراد بتحقيق أهدافهم من خلال عمليات الغش واستخدام أمور غير ملائمة اجتماعياً.
ووجدت بعض الدراسات مثل دراسة شحاته وآخرون (Shehata et al.,2021,p.p.209-213) أن الشعور بالاغتراب النفسي يأتي نتيجة عوامل نفسية تتعلق بنمو الفرد، والعوامل الاجتماعية المتعلقة بالمجتمع الذي يعيش فيه، مما يجعله غير قادر على التغلب على مشاكل الحياة، حيث يحدث الاغتراب النفسي نتيجة التفاعل بين العوامل النفسية والاجتماعية.
ويرى شابروك وكوبر Schabroc & Cooper,2003,p.57)) أن ما يسبب مشاعر الاغتراب هو أن الفرد يبتعد عن الشيء الأساسي الذي يريد أن يكون، وبعبارة أخرى، فإنه يذهب بعيداً عن دوافعه الأساسية، وفي هذه الحالة نراه يفعل بعضاً من الأشياء القليلة التي ترغب فيها ولا تستطيع فعلها.
بالإضافة لما سبق فإن الاغتراب لدى طلاب الجامعة له أسباب إضافية حيث إن للمؤسسات التعليمية دوراً كبيراً في تعميق أو الحد من الاغتراب لدى الطلاب لما لها من دور في حاضر الطلاب ومستقبلهم، حيث تساعد في النمو والنضج النفسي والاجتماعي بالإضافة إلى دورها في إعداد الطلاب الصغار ودفعهم نحو المستقبل لمجالات الإنتاج والعطاء Ketonen,2017,p.18) ).
ويعني الاغتراب التربوي عدم قدرة المؤسسة التعليمية (طالب، مدرس، إدارة) على التكيف مع بيانات تكامل المعرفة التي توفرها تكنولوجيا الاتصالات التعليمية المتقدمة: الحاسوب والإنترنت ووسائل الاتصال السريع. (Morinaj & Hascher,2019,pp273-275)، فعندما يلتحق الطالب بالجامعة یبدأ مرحلة جديدة حیث قد يشعر خلالها بالفرق بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي، وقد يكون لديه شعور ببعض الأمور التي تعكر عليه الاستمرار في الدراسة الجامعية خاصة وأنه في سن المراهقة مما قد يجعله متقلب المزاج ویشعر أحياناً بالفتور أو التشاؤم وأحيانا بالحماس بسبب التغيرات النفسية التي تحدث له خاصة في العام الأول من التحاقه بالجامعة، فهم بحاجة إلى من يستمع إليهم ويقدر أفكارهم وينمي إبداعاتهم ويحترم آرائهم ومقترحاتهم، ويوفر لهم البيئة المناسبة كالسكن ومتطلباته وأن تكون حياتهم الجامعية مستقرة وميسرة.(الرفاعي،2019،ص ص205 -207)
كما تساهم العوامل الاجتماعية والمواقف الشخصية للطلاب في شدة اغترابهم النفسي بحيث يكون هناك نوع من الإقصاء والتمييز العنصري والقوالب النمطية الاجتماعية السلبية.
(Clark &Graves Seider,2020,p.3)
فعندما يرتفع مستوى الاغتراب النفسي لدى الطالب، يبدأ في الدخول إلى المرحلة الخطرة، وهذا يمثل مستوى سلبياً لأنه يؤثر على شخصيته. (Ketonen,2017,pp18-19)
الاغتراب النفسي ظاهرة متعددة الأبعاد، ويمكن أن تتلخص هذه الأبعاد فيما يلي:
(Li &Chen,2018,p1273)
أما بالنسبة لتلك المظاهر لدى الطالب الجامعي فإن الاغتراب النفسي يؤدي بالطالب الجامعي إلى ضعف الشعور بالانتماء وسوء التكيف مع المحيط الذي يعيشه وما يرافقه من عدم المبالاة وينتج عنه عدم الإحساس بالمسؤولية وما يترتب عنه من مصاحبات ومتغيرات نفسية، حيث قد يتعرض الشباب للفراغ النفسي الذي ينتج عنه بعض الاضطرابات. (يونسي،2012،ص7)
كما يؤدي ارتفاع مستوى الاغتراب النفسي للطالب الجامعي إلى ظهور بعض السلوكيات غير المرغوب فيها مثل العزلة الاجتماعية، وعدم وجود هدف واضح لحياة الطالب، وإغلاق حياته من الضوابط المعيارية التي تربطه قانونياً وأخلاقياً بمبادئ المجتمع والفرد، وعدم الشعور بالمسؤولية والذي بدوره قد يدفعه إلى بعض السلوكيات غير الطبيعية مثل العداء والتمرد وغيرها (Kalogeropoulos.et al., 2019,p.11).
و بالتالي فإن الاغتراب النفسي من الظواهر التي تنشأ مع الإنسان وتلازمه في جميع العـصور القديمة والحديثة والمعاصرة، حيث تختلف هذه الحالة من فرد إلى آخر، حسب طبيعـة الظروف التي يعيشها داخل البيئة المجتمعية التي ينتمي إليها، وتكون مقبولة في بعض الأحيان وسلبية في أحيان أخرى، أن الشعور بالاغتراب النفسي يأتي نتيجة عوامل نفسية تتعلق بنمو الفرد، والعوامل الاجتماعية المتعلقة بالمجتمع الذي يعيش فيه، مما يجعله غير قادر على التغلب على مشاكل الحياة، حيث يحدث الاغتراب النفسي نتيجة التفاعل بين العوامل النفسية والاجتماعية، ويتأثر الشباب الجامعي وبالأخص في سوريا بتلك الأسباب لما تفرضه ظروف الحرب والفوضى عليهم من ضغوط مما يسبب تراجعاً في التحصيل وظهور بعض الاضطرابات لديهم مما يستدعي وجود خدمات نفسية وإرشادية متخصصة للتعامل مع ظاهرة الاغتراب قبل أن تتطور وتظهر لديهم الاضطرابات النفسية أو تؤدي بهم لترك مقاعد الدراسة وحتى هجرة البلد بالكامل.