مفهوم الذات في علم النفس

يعدّ “مفهوم الذات” موضوعاً مثيراً ومعقداً يجذب اهتمام العديد من الباحثين والمختصين في مجال علم النفس. تتناول هذه النظرة المفصلة للذات الإنسانية جوانب عديدة تشمل تصور الفرد لنفسه ومفهومه عن هويته، بالإضافة إلى التأثير البيئي والاجتماعي على تكوين الذات.

سنقوم في هذا المقال باستكشاف مفهوم الذات في علم النفس بمزيد من التفصيل، حيث سنبحث في كيفية تطور فهمنا للذات وتأثير هذا التطور على تصوراتنا الشخصية. سنتعمق في أهمية فهم الذات وتأثيرها على سلوك الإنسان وصحته النفسية. كما سنلقي نظرة على بعض النظريات والمفاهيم الرئيسية في هذا المجال وكيف يمكن استخدامها لفهم أفضل لطبيعة الإنسان وتطوره.

تعريف مفهوم الذات

مفهوم الذات في أبسط صوره هو مجموعة من المعتقدات التي يحملها الفرد عن نفسه ومن استجابات الآخرين. فهو يجسد إجابة السؤال: ” من أنا؟ ” فإذا كنت تريد العثور على مفهومك الذاتي، فاذكر الأشياء التي تصفك كفرد؛ ما هي صفاتك؟ ماذا تريد؟ ما هو شعورك عن نفسك؟ (Cherry, 2022)

تصورنا لذاتنا مهم لأنه يؤثر على دوافعنا ومواقفنا وسلوكياتنا، كما أنه يؤثر أيضاً على ما نشعر به تجاه الشخص الذي نعتقد أننا نحن عليه، بما في ذلك ما إذا كنا أكفاء أو نتمتع بقيمة ذاتية.

يميل مفهوم الذات إلى أن يكون أكثر مرونة عندما نكون أصغر سناً وما زلنا نمر بمرحلة اكتشاف الذات وتكوين الهوية، مع تقدمنا ​​في العمر ومعرفة من نحن وما هو مهم بالنسبة لنا تصبح هذه التصورات الذاتية أكثر تفصيلاً وتنظيماً.

يعتقد  Carl Rogers (1959)  أحد مؤسسي علم النفس الإنساني أن مفهوم الذات يتكون من ثلاثة مكونات مختلفة:

  • وجهة نظرك عن نفسك (الصورة الذاتية)
  • مقدار القيمة التي تضعها على نفسك (احترام الذات أو تقدير الذات)
  • ما تتمنى أن تكون عليه حقاً (الذات المثالية) (Mcleod. 2023)

الصورة الذاتية

وهذا ليس بالضرورة أن يعكس الواقع؛ ففي الواقع قد يكون لدى الشخص النحيف المصاب بفقدان الشهية صورة ذاتية يعتقد فيها الشخص أنه سمين.

تتأثر الصورة الذاتية للشخص بعدة عوامل، مثل تأثيرات الوالدين والأصدقاء ووسائل الإعلام، وما إلى ذلك.

قام Kuhn (1960) بالتحقيق في الصورة الذاتية باستخدام اختبار العشرين عبارة.

طلب من الناس الإجابة على سؤال “من أنا؟” في 20 طريقة مختلفة.

ووجد أن الإجابات يمكن تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين. كانت هذه الأدوار الاجتماعية (الجوانب الخارجية أو الموضوعية للفرد مثل الابن والمعلم والصديق) والسمات الشخصية (الجوانب الداخلية أو العاطفية للفرد مثل اجتماعي، وغير صبور، وروح الدعابة)

قائمة الإجابات على السؤال “من أنا؟” ربما تتضمن أمثلة على كل نوع من الأنواع الأربعة التالية:

  1. الوصف الجسدي: أنا طويل، ولدي عيون زرقاء…إلخ.
  2. الأدوار الاجتماعية: نحن جميعاً كائنات اجتماعية يتشكل سلوكنا إلى حد ما من خلال الأدوار التي نلعبها، إن الأدوار التي نقوم بها كطالب، أو ربة منزل، أو عضو في فريق كرة القدم لا تساعد الآخرين على التعرف علينا فحسب، بل تساعدنا أيضاً على معرفة ما هو متوقع منا في المواقف المختلفة.
  3. السمات الشخصية: هذا هو البعد الثالث لأوصافنا الذاتية. أنا مندفع… أنا كريم… وأميل إلى القلق كثيراً،…إلخ.
  4. العبارات المجردة: يمكن أن تتراوح هذه العبارات من “أنا إنسان” إلى “أنا كائن روحي”…إلخ.

عادة ما يصف الشباب أنفسهم أكثر من حيث السمات الشخصية، في حين يشعر كبار السن بأنهم محددون إلى حد أكبر من خلال أدوارهم الاجتماعية.

احترام الذات

يشير احترام الذات والمعروف أيضاً باسم تقدير الذات إلى المدى الذي نحب به أنفسنا أو نقبلها أو نوافق عليها أو إلى أي مدى نقدر أنفسنا.

يتضمن احترام الذات دائماً درجة من التقييم، وقد يكون لدينا نظرة إيجابية أو سلبية لأنفسنا.

إن احترام الذات العالي يؤدي إلى:

  • الثقة في قدراتنا الخاصة.
  • قبول الذات.
  • عدم القلق بشأن ما يعتقده الآخرون.
  • التفاؤل.

أما تدني احترام الذات، أي أن يكون لدينا نظرة سلبية عن أنفسنا، فيؤدي إلى:

  • انعدام الثقة.
  • تريد أن تكون أو أن تبدو مثل شخص آخر.
  • القلق دائماً بشأن ما قد يعتقده الآخرون عنك.
  • التشاؤم.

هناك عدة طرق لقياس احترام الذات منها اختبار الإدراك الموضوعي (TAT)، وهو عبارة عن رسم كاريكاتوري محايد يُعطى للمشارك، والذي يتعين عليه بعد ذلك ابتكار قصة حول ما يحدث.

على الرغم من أن تقدير الذات قد يتقلب، إلا أننا في بعض الأحيان نستمر في تصديق الأشياء الجيدة عن أنفسنا، حتى عندما يكون هناك دليل على عكس ذلك، وهذا ما يُعرف بتأثير المثابرة.

فقد أظهر Miller and Ross (1975) أن الأشخاص الذين اعتقدوا أن لديهم خصائص مرغوبة اجتماعياً استمروا في هذا الاعتقاد حتى عندما حاول المجربون حملهم على الاعتقاد بعكس ذلك.

هل يحدث نفس الشيء مع الأشياء السيئة إذا كان لدينا تدني احترام الذات؟ ربما لا، ربما مع تدني احترام الذات قد يكون كل ما نعتقده عن أنفسنا سيئاً.

يعتقد Argyle (2008) أن هناك 4 عوامل رئيسية تؤثر على احترام الذات هي: (Mcleod. 2023)

  1. رد فعل الآخرين

إذا أعجب الناس بنا، وجاملونا، وبحثوا عن صحبتنا، واستمعوا بانتباه واتفقوا معنا، فإننا نميل إلى تطوير صورة ذاتية إيجابية، وإذا تجنبونا وأهملونا وأخبرونا بأشياء عن أنفسنا لا نريد سماعها فإننا نطور صورة ذاتية سلبية.

  • المقارنة مع الآخرين

إذا كان الأشخاص الذين نقارن أنفسنا بهم يبدون أكثر نجاحاً وسعادة وثراءً وأفضل مظهراً منا، فإننا نميل إلى تطوير صورة ذاتية سلبية، ولكن إذا كانوا أقل نجاحاً منا فإن صورتنا ستتغير.

  • الأدوار الاجتماعية

تتمتع بعض الأدوار الاجتماعية بمكانة مرموقة، على سبيل المثال؛ طبيب، طيار، مذيع تلفزيوني، لاعب كرة قدم رئيسي، وهذا يعزز احترام الذات، وبعض الأدوار الأخرى تحمل وصمة عار، على سبيل المثال؛ سجين، أو مريض في مستشفى للأمراض العقلية، أو جامع القمامة، أو شخص عاطل عن العمل.

  • تحديد الهوية

تصبح أدوارنا الاجتماعية جزءاً من شخصيتنا، فنحن مع مرور الوقت نُعرف من خلال المناصب التي نشغلها، والأدوار التي نلعبها، والمجموعات التي ننتمي إليها.

الذات المثالية

إذا كان هناك عدم تطابق بين الطريقة التي ترى بها نفسك أي صورتك الذاتية وما تريد أن تكون عليه أي ذاتك المثالية، فمن المحتمل أن يؤثر ذلك على مدى تقديرك لنفسك.

لذلك هناك علاقة وثيقة بين الصورة الذاتية، والأنا المثالية، واحترام الذات، قد لا تكون الذات المثالية للشخص متسقة مع ما يحدث فعلياً في حياته وتجاربه، ومن هنا قد يوجد فرق بين الذات المثالية للإنسان والتجربة الفعلية، وهذا ما يسمى التناقض.

عندما تكون الذات المثالية للشخص والخبرة الفعلية متسقة أو متشابهة جداً، توجد حالة من التطابق، ومن النادر أن توجد حالة من التطابق التام؛ فجميع الناس يواجهون قدراً معيناً من التناقض.

يعتمد تطوير التطابق على التقدير الإيجابي غير المشروط، ويعتقد Rogers أنه لكي يتمكن الشخص من تحقيق الذات يجب أن يكون في حالة من التطابق.

يقول Argyle أن هناك أربعة عوامل رئيسية تؤثر على تطوير التطابق هي:

  1. الطرق التي يتفاعل بها الآخرون (وخاصة الأشخاص المهمين) معنا.
  2. كيف نفكر ونقارن بالآخرين؟
  3. أدوارنا الاجتماعية.
  4. إلى أي مدى نتعرف على الآخرين؟

تطور مفهوم الذات

يبدأ مفهوم الذات بالتطور في مرحلة الطفولة المبكرة، وتستمر هذه العملية طوال العمر، إلا أنه بين مرحلة الطفولة المبكرة والمراهقة يشهد مفهوم الذات أكبر قدر من النمو.

بحلول سن الثانية يبدأ الأطفال في تمييز أنفسهم عن الآخرين، وفي عمر 3 و4 سنوات يفهم الأطفال أنهم منفصلون ومتفردون؛ وفي هذه المرحلة تكون الصورة الذاتية للطفل وصفية إلى حد كبير وتعتمد في الغالب على الخصائص الجسدية أو التفاصيل الملموسة، ومع ذلك فإن الأطفال يهتمون بشكل متزايد بقدراتهم، وبحلول عمر 6 سنوات تقريباً يستطيع الأطفال توصيل ما يريدون ويحتاجون إليه. لقد بدؤوا أيضاً في تعريف أنفسهم من حيث الفئات الاجتماعية.

بين سن 7 و11 عاماً يبدأ الأطفال في إجراء مقارنات اجتماعية والتفكير في كيفية نظر الآخرين إليهم، ففي هذه المرحلة يصبح وصف الأطفال لأنفسهم أكثر تجريداً؛ يبدؤون في وصف أنفسهم من حيث القدرات وليس فقط التفاصيل الملموسة، ويدركون أن خصائصهم موجودة في سلسلة متصلة. على سبيل المثال سيبدأ الطفل في هذه المرحلة في رؤية نفسه على أنه رياضيٌ أكثر أو أقل من الآخرين، وليس مجرد رياضي أو غير رياضي. في هذه المرحلة تبدأ الذات المثالية والصورة الذاتية في التطور.

تعدّ فترة المراهقة فترة أساسية لمفهوم الذات؛ وعادة ما يكون مفهوم الذات الذي تم تأسيسه خلال المراهقة هو الأساس لمفهوم الذات لما تبقى من حياة الفرد. خلال سنوات المراهقة يختبر الناس أدواراً وشخصيات وأنفساً مختلفة. بالنسبة للمراهقين، يتأثر مفهوم الذات بالنجاح في المجالات التي يقدرونها واستجابات الآخرين التي تقدرها لهم. يمكن أن يساهم النجاح والقبول في زيادة احترام الذات وتعزيز مفهوم الذات في مرحلة البلوغ. (Vinney, 2018)

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن علم النفس