أزمة الهُوية لدى الشباب
باسم عبد الحميد يوسف
مايو 22, 2023
8 دقائق
باسم عبد الحميد يوسف
مايو 22, 2023
8 دقائق
هل تتساءل من أنت؟ ما هو هدفك، أو ما هي قيمك؟ إذا كان الأمر كذلك فقد تمر بما يسميه البعض أزمة هُوية.
ولكن قبل ذلك ماذا تعني الهُوية؟ وما هي أزمة الهُوية؟ وكيف تأثرت الهُوية لدى الشباب العربي وبالأخص الشباب السوري بعد بدء الحرب؟ سنتعرف على ذلك في المقال التالي.
إن قضية الهُوية قضية محورية شغلت بال كل الناس على اختلاف ألسنتهم وعقائدهم، إذ أن كل جماعة أو أمة تعوزها الهُوية المتميزة ليمكنها المعيشة والمحافظة على وجودها، فالهُوية هي التي تحفظ سياج الشخصية، وبدونها يتحول الإنسان إلى كائن تافه فارغ غافل تابع مقلد مطموس الشخصية مسطح الثقافة، لأن للهُوية علاقة أساسية بمعتقدات الفرد ومسلماته الفكرية، وبالتالي تحديد سمات شخصيته فتجعله إنساناً ذا قيمة ولحياته معنى وغاية.
جاءت كلمة الهُوية لتحدد الكثير من المعاني في العصر الحديث، وهو ما جعلها اهتمام الباحثين في العلوم الإنسانية بكافة فروعها على صعيد علم الاجتماع والنفس والسياسة، وتعد الهُوية من أساسيات البناء الثقافي والاجتماعي لدى الإنسان في جميع الثقافات، ومعاني الهُوية كثيرة وهناك مرادفات مختلفة للهُوية، فهناك ما يسمى بالذات، والنفس، والإدراك الذاتي، والصورة الذاتية، والهُوية الذاتية، والأنا، والأنا العليا.
(Shafeabadi&Naseri,2004,para1)
وهناك تعريفات متعددة للهُوية فحسب إركسون ” تشير الهُوية لتلك الشخصية التي تميز الفرد من حيث فلسفته الأخلاقية والعقلية، التي يشعر عندها أنه نشيط جداً وأنه موجود، وكأنه صوتاً داخلياً يناديه “هذا أنا”
(Erikson,1994,p.19)
كما يمكن تعريف الهُوية بأنها “التصور الذي يكونه الفرد أو الجماعة عن خصوصيتهما وقيمهما الخاصة”.
(علي، 2010، ص 4)
وتعرف الهُوية أيضاً بكونها حالة دينامية غير ثابتة، يعاد بناؤها باستمرار بسبب الاختلالات التي تعترض حياة الإنسان، وتتشكل على الدوام عبر صيرورة متواصلة قوامها التفاعل المستديم بين الفرد وذاته وبينه وبين المحيط. (شند وشاهين والخواص، 2015، ص516)
كما أن الهُوية تفهم أو تترجم على أنها “ماض متأصل في حياة الفرد، هذا الماضي يخطط كل مراحل حياة الفرد بما فيها من تقاليد وصفات وطباع وعادات وثقافة” وهي كذلك مأخوذة ومستنبطة من المجتمع، وأن الهُوية ليست عاملاً بيولوجياً أو جنسياً أو لون بشرة كغيره من المكونات النفسية والجسمية، ولكن الهُوية هي بعد متفاعل مكونة من استعدادات فطرية ومعطيات اجتماعية وثقافية وعائلية أخرى. (كوسة، 2005، ص41)
يمكن النظر للهُوية بأنها تتكون من وجهين يكمل بعضهما بعضاً، وهما الهُوية الأيديولوجية والهُوية الاجتماعية
الهُوية الأيديولوجية: وتضم ما يلي:
جاء مصطلح “أزمة الهُوية” لأول مرة من عالم النفس التنموي والمحلل النفسي إريك إركسون (Erikson) حيث قدم أفكار أزمات هُوية المراهقين وكذلك أزمات منتصف العمر، معتقداً أن الشخصيات تطورت من خلال حل الأزمات في الحياة.
وأطلق إيريكسون (Erikson) أزمة الهُوية على الحالة التي يمر بها المراهق حيث يكون في هذه المرحلة غير قادر على تحديد ما يريده، وهذا ما يوصله إلى حالة من التشتت والفقدان، وهي أزمة يمر بها أغلب المراهقين في وقت ما، ويعانون منها من عدم معرفتهم ذاتهم بوضوح، أو عدم معرفة المراهق لنفسه في الوقت الحاضر، أو ماذا سيكون في المستقبل، فيشعر بالضياع والتبعية والجهل بما يجب أن يفعله ويؤمن به، وهي علاقة عن طريق النمو يمكن أن تؤدي إلى الإحساس بالهُوية أو إلى مزيد من الانهيار الداخلي وتشتت الدور أو تمييع الهُوية. (Erikson,1994,p.19)
في ضوء نظرية إركسون ينظر إلى أزمة الهُوية بوصفها أزمة نمائية تنشأ عن التغييرات الفسيولوجية وتوقعات المجتمع، وكغيرها من الأزمات النمائية الأخرى فهي ليست أزمة بمعنى تهديد أو محنة بقدر ما هي موقف نمائي يقتضي تجاوزه تحديد هُوية الأنا، أما إذا فشل في هذه المهمة فسيعاني من التشوش والارتباك. (الجزار، 2010، ص16)
وأزمة الهُوية ليست مفهوماً فلسفياً لا ينتمي إلى علم النفس، بل هو مفهوم سيكولوجي بحق، وذو صدق نسبي، ويمكن التحقق من وجوده. (عسكر، 1990، ص88)
وعادة ما تحدث أزمة الهُوية في ظل عدم وجود هُوية ناضجة قادرة على تجاوز المشكلات والصعوبات والخبرات السلبية في الحياة وحلها، أو قد تكون ناتجة عن ضعف الذات في التوافق والانسجام مع الأنظمة المعرفية والثقافية السائدة، لذلك فإن تحقق الهُوية الناضجة لدى المراهق تقلل من حدوث أزمة الهُوية.
(Devi&Jyotsana,2016,p124)
إن وجود أزمة هُوية ليس حالة قابلة للتشخيص، لذلك لا توجد “أعراض” نموذجية، كما هو الحال مع البرد أو الأنفلونزا، بل هناك علامات قد تدل على أنك تواجه أزمة هُوية:
من الطبيعي تماماً أن تتساءل عن هويتك، خاصة وأننا نتغير طوال حياتنا، لكن عندما يبدأ في التأثير على تفكيرك أو أدائك اليومي، فقد تواجه أزمة هُوية. (Knox College,2023,para2)
وإذا كانت الهُوية تمثل قضية مهمة في كل مراحل نمو الإنسان، فإن أهميتها تزداد بدرجة كبيرة في مرحلة الشباب كمرحلة حرجة يمثل فيها تحقيق الهُوية تحدياً ومطلباً أساسياً للنمو، على اعتبار أن كل مرحلة من المراحل تتضمن مهام ومطالب رئيسة للنمو يؤدي النجاح في إجادتها إلى مزيد من النضوج النفسي والاجتماعي وتقدم النمو باتجاه السواء. (الجزار، 2010، ص24)
في مراحل إركسون من التطور النفسي والاجتماعي، يحدث ظهور أزمة هُوية خلال سنوات المراهقة حيث يكافح الناس مع مشاعر الهُوية مقابل ارتباك الأدوار، على الرغم من أنه غالبا ما ينظر إليها على أنها تحدث في أعمار معينة، على سبيل المثال؛ في سن المراهقة أو أثناء “أزمات منتصف العمر”، يمكن أن تحدث أزمة الهُوية لأي شخص، في أي عمر، وفي أي مرحلة من حياة المرء.
في كثير من الأحيان يمكن أن تنشأ أزمات الهُوية أو غيرها من مشكلات الصحة العقلية بسبب ضغوط الحياة الرئيسة، ولا يجب أن تكون هذه الضغوطات سيئة بطبيعتها، لكنها لا تزال تسبب الكثير من التوتر، مما يجعلك تتساءل عن هُويتك وما الذي تقدره.Chang HK,2018,p98))
يميل الناس إلى تجربة أزمة هُوية في مراحل مختلفة من الحياة، لا سيما في نقاط التغيير الكبير التي تكون في مرحلة الشباب، بما في ذلك: بدء علاقة جديدة، وإنهاء الزواج أو الشراكة، وتجربة حدث صادم، وإنجاب طفل، والتعرف على حالة صحية، وفقدان أحد أفراد أسرته، وفقدان أو بدء وظيفة، والانتقال إلى مكان جديد.
ويرى إركسون كما فعل فرويد أن الشخص في هذه المرحلة يكون مستعداً استعداداً حقيقياً للألفة الاجتماعية والارتباط مع شخص آخر. وقبل هذا كان سلوك الشخص الجنسي مدفوعا بالبحث عن هُوية الأنا، غير أن اكتساب الإحساس بالهُوية الشخصية بالانغماس في عمل منتج يميز هذه المرحلة ويؤدي إلى تكوين بين شخصي جديد قطباه الألفة من ناحية والعزلة من ناحية أخرى، ووصف إركسون للشخص القادر على الألفة والمودة يشبه شبهاً كبيراً تعريف فرويد للشخص السوي، أنه ذلك الشخص القادر على الحب والعمل. (جابر، 1990، ص182)
إنّ ما طرأ ويطرأ على مناحي الحياة اليومية للشباب من تغيرات ومستجدات بفعل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتي تزداد وتيرتها تسارعاً في العصر الحالي وتغير أساليب الحياة معها، يجعل من العسير الحديث عن وحدة الهُوية وتماسكها، وهذا بدوره يولد حالات من الصراع داخل فئة الشباب، بفعل الأنظمة الإدراكية وصعوبة التكيف معها، وتظهر أزمة الهُوية عبر مجموعة من المظاهر وهي:
ولا شك أن هذه المظاهر نجدها جلية في الوطن العربي، فدراسة أحمد نوري محمود 2011 وصلت لأن الشباب لديهم أزمة هُوية يمكن تعليلها بسبب الظروف الاجتماعية والسياسية غير المستقرة وما ينجم عنها من الشعور بالقلق والتوتر وما تحدثه من تأثيرات سلبية في نفوس الشباب، وكذلك فإن تتابع الأحداث السياسية والظروف الأمنية غير مستقرة أيضاً تمثل سبباً في حدوث أزمة هُوية ثقافية لدى الشباب. (نوري، 2011، ص3)
ويبدو جلياً أن هناك أزمة هُوية دخل فيها السوريون مؤخراً، بالتوازي مع أزمة الموت والتشرد والحروب المتعددة الأطراف المستمرة منذ انطلاق الثورة السورية المشهورة بتفاصيلها الكثيرة وتشابك خيوطها، وبإمكاننا القول إن السواد الأعظم من السوريين غرقوا في أزمة الهُوية، فمن تبقى داخل سورية انفصلوا عن شعورهم الوطني، بدرجات مختلفة، بسبب تعدد ألوان المتحاربين وداعميهم، وبسبب تنوع الولاءات والانتماءات الأيديولوجية والفكرية، فضلًا عن كم البؤس القاهر الذي وقع عليهم خلال السنوات الأخيرة، وقد تم توجيه السؤال لعدد من النازحين في شمال غربي سوريا من قبل كاتب المقال حول ما تعنيه الهُوية لهم وأين يجدون نفسهم وتشابهت أقوالهم بالإحساس بعدم الانتماء لهُوية محددة، وكانت أغرب الإجابات من أحد النازحين عندما قال: أنا لا أشعر بالانتماء سوى لخيمتي وأسرتي ولا أنتمي لأي أحد أبعد من ذلك.
تتضمن بعض استراتيجيات التعامل مع أزمة الهُوية ما يلي:
مما سبق نجد أن الهوية تمثل ذات الشخص وما يميزه عن غيره وتعبيره عن الأنا، كما أن أزمة الهوية لا ترتبط بعمر معين بل يمكن أن تحدث في أي مرحلة من العمر، وأن للهوية جوانب متعددة تؤثر في حياة الشخص، وأن أزمة الهوية أكثر ما تكون شيوعاً لدى الشباب وكل تلك المظاهر أصبحت جلية لدى الشباب السوري وعليه فلا بد من العمل على التعامل مع هذه الأزمة حتى لا تتطور لديهم وتعيق حياتهم، كما لا بد من العمل على برامج إرشادية وحملات توعية للشباب الجامعي بالذات لأهمية الهوية لديهم ضمن هذه المرحلة الخطيرة التي يمرون بها في ظل الحرب.