اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

في تجربة الحياة قد نواجه أحداثاً قاسية ومؤلمة قد تهزّ أركان واستقرار وعافية حياتنا، تلك الأحداث التي تفاجئنا بشكل غير متوقع قد تترك آثاراً عميقة على النفس والروح. يشير اضطراب ما بعد الصدمة إلى حالة نفسية استثنائية يعيشها الفرد بعد تعرضه لصدمة تجاوزت طاقته العاطفية والنفسية في مواجهة التحديات.

إن هذا الاضطراب يمثل تفاعلاً طبيعياً للعقل والجسم في محاولة للتكيف مع التجارب المأساوية. وفي هذا السياق، سنستكشف الأبعاد المختلفة لاضطراب ما بعد الصدمة، وكيف يمكن أن يؤثر على حياة الأفراد وعلاقاتهم. سنلقي الضوء على الأعراض والتحديات التي قد يواجهها المصابون بهذا الاضطراب، وكذلك على الاستراتيجيات والدعم المتاح للمساعدة في التغلب على تلك التحديات.

ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟

تعرّف جمعية علم النفس الأمريكية اضطراب ما بعد الصدمة بأنه: “اضطراب قد ينجم عندما يعيش الفرد أو يشهد حدثاً يعتقد فيه أن هناك تهديداً للحياة أو السلامة الجسدية والسلامة ويشعر بالخوف أو الرعب أو العجز. وتتميز الأعراض بما يلي:

  • إعادة تجربة الصدمة في ذكريات مؤلمة أو ذكريات الماضي أو أحلام أو كوابيس متكررة.
  • تجنب الأنشطة أو الأماكن التي تذكر بالحدث الصادم، بالإضافة إلى انخفاض الاستجابة (التخدير العاطفي أو الخدر)، مع عدم الاهتمام بالأنشطة المهمة والشعور بالانفصال والغربة عن الآخرين.
  • الاستثارة الفسيولوجية المزمنة، مما يؤدي إلى أعراض مثل الاستجابة المفاجئة المبالغ فيها، والنوم المضطرب، وصعوبة التركيز أو التذكر، والشعور بالذنب بشأن النجاة من الصدمة عندما لم يتمكن الآخرون من ذلك”.

إن الأشخاص الذين شهدوا حدثاً صادماً مثل كارثة طبيعية أو حادث خطير أو عمل إرهابي أو الحرب والقتال أو الاغتصاب أو الذين تم تهديدهم بالقتل أو العنف الجنسي أو الإصابة الخطيرة، قد يكونون معرضين لخطر تطوير اضطراب ما بعد الصدمة(PTSD).

يمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة أيضاً داخل العائلات نتيجة للعنف والصراع المنزلي. وإساءة معاملة الشريك أو حتى عمالة الطفل يمكن أن تسبب اضطراب ما بعد الصدمة المرتبط بالأسرة مما يؤدي إلى تخلف عقلي واجتماعي مدمر.

ماذا يحدث عندما يعاني شخص ما من اضطراب ما بعد الصدمة؟

يذكر كاتب مقال Post-traumatic stress disorder (PTSD) على موقع Royal College of Psychiatrists أنه سيتعرض العديد من الأشخاص لأحداث مؤلمة طوال حياتهم. أفاد حوالي ثلث البالغين في إنجلترا أنهم تعرضوا لحدث صادم واحد على الأقل، ومع ذلك ليس كل من تعرض لحدث صادم سيصاب باضطراب ما بعد الصدمة.

يمكن أن يشعر العديد من الأشخاص بالحزن والقلق والشعور بالذنب والغضب بعد تجربة مؤلمة، وهذا لا يعني بالضرورة أن شخصاً ما يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. غالباً ما يعاني الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة من العديد من الأعراض التالية. يمكن أن تبدأ هذه الأمور على الفور، أو قد تستغرق بضعة أسابيع أو حتى أشهر لتبدأ.

في حالة اضطراب ما بعد الصدمة، سوف تتداخل هذه الأعراض مع أنشطتك اليومية وتسبب لك الشعور بالضيق الشديد. إذا ظهرت عليك أي من هذه الأعراض مباشرة بعد وقوع حدث صادم، فهذا لا يعني بالضرورة أنك ستصاب باضطراب ما بعد الصدمة.

إعادة تجربة الأعراض:

الذكريات: وجود ذكريات غير مرغوب فيها عن الحدث، والمعروفة باسم الأفكار المتطفلة، وهي مزعجة للغاية.

الأحلام: وجود أحلام مزعجة أو كوابيس حول هذا الحدث.

ردود الفعل الانفصالية: الشعور أو التصرف كما لو أن الحدث المؤلم يحدث مرة أخرى. في المواقف القصوى قد تتوقف عن إدراك ما يحدث من حولك.

الضيق الجسدي والنفسي: الشعور بالضيق الشديد والإثارة الجسدية (مثل التنفس السريع والنبض السريع) عند التعرض لأشياء تذكرك بطريقة ما بالحدث.

أعراض التجنب:

فقدان الذاكرة الانفصالي: عدم القدرة على تذكر أجزاء من الحدث المؤلم.

الانفصال: الشعور بالانفصال أو أنك لم تعد قريباً من الأشخاص الذين شعرت بالقرب منهم في السابق.

تجنب الحديث والتفكير: عدم الرغبة في التحدث أو التفكير في الحدث المؤلم.

تجنب الارتباطات: تجنب الذكريات والأفكار والمشاعر والأشياء والأشخاص والأماكن المرتبطة بالحدث الصادم. قد يشمل ذلك تجنب التلفاز أو وسائل الإعلام الأخرى التي تتحدث عن الحدث، خاصة إذا كان ذلك يسبب لك الضيق.

أعراض المزاج:

المعتقدات والتوقعات السلبية: التفكير بشكل سلبي في نفسك أو الآخرين أو العالم.

اللوم: إلقاء اللوم على نفسك أو الآخرين على وقوع الحدث الصادم أو عواقبه.

المشاعر السلبية: الشعور المستمر بالخوف أو الرعب أو الغضب أو الذنب أو العار.

فقدان الاهتمام بالأنشطة: عدم المشاركة أو الاهتمام بالأنشطة التي اعتدت الاستمتاع بها أو القدرة على القيام بها بانتظام.

غير قادر على الشعور بالمشاعر الإيجابية: غير قادر على تجربة السعادة أو الرضا أو مشاعر الحب.

أعراض اليقظة والتفاعل:

اليقظة المفرطة: الإفراط في الانتباه بما يجري من حولك وعدم القدرة على الاسترخاء.

الشعور بالذهول بسهولة: المبالغة في رد الفعل تجاه الضوضاء أو الحركات التي تذكرك بالحدث الصادم.

صعوبة التركيز: تجد صعوبة في التركيز على المهام التي كنت قادراً على التركيز عليها من قبل.

صعوبة في النوم: العثور على صعوبة في النوم والاستمرار في النوم. وعندما تغفو قد يكون نومك سيئاً وقد تراودك كوابيس.

التهيج: حدوث نوبات تكون فيها عدوانياً تجاه الأشخاص أو الأشياء. قد تكون هذه النوبات ناتجة عن تجربة شيء يذكرك بالحدث الصادم.

التهور: القيام بأشياء خطيرة أو مدمرة للذات.

ما مدى شيوع اضطراب ما بعد الصدمة بين الناجين من الصدمات؟

ليس كل من يعاني من الصدمة يصاب باضطراب ما بعد الصدمة؛ ويظهر هذا الاضطراب لدى 10 إلى 30 بالمائة فقط من الناجين من الصدمات. ومع الدعم والرعاية، غالباً ما تهدأ الأعراض المؤلمة خلال شهر واحد.

خيارات علاج اضطراب ما بعد الصدمة:

تختلف احتياجات الفئات العمرية المختلفة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). على سبيل المثال، العلاج بالنسبة للأطفال الصغار والمراهقين والبالغين يختلف تبعاً لشدة الصدمة التي يتعرضون لها. فطفل يبلغ من العمر ست سنوات شهد وفاة والدته سوف يتطلب نهجاً مختلفاً من المحارب القديم. إن تقديم المشورة للأشخاص من مختلف الأعمار يأتي مع مجموعة فريدة من أساليب العلاج التي يجب أن تتبع بدقة. حسب الأعراض المذكورة يقوم الطبيب النفسي أو خبير الصحة العقلية بوضع خطة علاج فردية لكل مريض.

العلاج النفسي: هو طريقة علاج شائعة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). الهدف من المعالجة المعرفية هو النظر في كيفية تفكير الشخص وشعوره عندما يقوم بمعالجة المعلومات. قد يستخدم المعالجون المطلعون على الصدمات المعالجة المعرفية التي تشجع الفرد على التواصل والتفكير في كيفية تأثير الصدمة على حياته. ونتيجة لذلك يتعلم المرضى التعامل مع الصدمات التي يتعرضون لها بطريقة مختلفة، لا تكون لها الأسبقية على أنشطتهم اليومية. والعلاج يستغرق إكماله في المتوسط اثني عشر أسبوعاً، لكن هذا يختلف من شخص لآخر.

تهدف طريقة علاجية أخرى تسمى العلاج بالتعرض المطول (PET) إلى ضمان مواجهة الفرد لهذه المشكلة وجها لوجه. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة والذين يفضلون تجنب المواقف أو الأشخاص الذين يثيرون ذكرياتهم المؤلمة، فإن العلاج بالتعرض الممتد قد يكون كذلك المساعدة في تخفيف القلق عن طريق إضافة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق والتدليك. وهذا يساعد الفرد على تحديد ما يتجنبه ومن ثم تعلم كيفية التعامل معها واحدة تلو الأخرى، وبالتالي تقليل التوتر والقلق.

يتم استخدام العلاج والأدوية المضادة للاكتئاب في حالات الاكتئاب الشديد. لأن اضطراب ما بعد الصدمة يعطل الناقلات العصبية في الدماغ، ويركز العلاج الطبي على موازنة المكونات الكيميائية للدماغ ومنع المصاب من اجترار الصدمة التي تعرض لها. ونتيجة لذلك، فإن الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة هم أكثر عرضة للمعاناة من الأرق والكوابيس قبل استخدام أي دواء، فمن الضروري زيارة أخصائي الصحة العقلية. من أجل تجنب الاعتماد وتحديد الآثار الضارة المحتملة، وسوف يقوم المتخصص بذلك بإجراء الاختبارات المناسبة.

إن اضطراب ما بعد الصدمة هو عملية تدريجية تتطلب من الشخص تحسين مزاجه ومواقفه من خلال اتخاذ إجراءات بناءة لتقليل مشاعر العجز. قد يتم إخراج الجهاز العصبي من وضع الاستجابة للتوتر من خلال القيام بأنشطة تعمل على تحسين الحركة، حتى إذا تم طلب إرشادات الخبراء. قد يستفيد الأفراد في العلاج العائلي أو الجماعي من تقليل مستويات التوتر لديهم وتحسين حياتهم من خلال الانخراط في التفاعلات الجسدية. يمكن تخفيف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) عن طريق اتباع نظام غذائي متوازن، والحصول على النوم الكافي، وممارسة أساليب الاسترخاء.

ختاماً:

إن اضطراب ما بعد الصدمة ليس مجرد موضوع دراسي، بل هو تجربة حية يمرون بها الأفراد، وفهم هذه التجربة يتطلب منا مزيداً من التفهم والتعاطف. يشير هذا الاستكشاف إلى ضرورة إقامة جسور من الدعم والفهم للمساعدة في تخطي هذه التحديات النفسية.

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية