رهاب الأجانب: فهم جذوره وآثاره

في استكشاف عالم السلوك البشري المعقد، يعتبر فهم سيكولوجية الكراهية للأجانب من بين الجوانب الرائجة والمعقدة. رهاب الأجانب، الذي ينبع من الخوف والعداء تجاه المجهول، يظهر بشكل متنوع مؤثراً على الأفراد والمجتمعات وحتى الدول. فهم الأسس النفسية للكراهية للأجانب أمر ضروري لفك طلاسم التحامل والتمييز الذي يمكن أن يتسرب إلى المجتمعات.

في جوهره يمثل رهاب الأجانب استجابة عاطفية للتهديد المتصور الناجم عن تلك الفئات الذين يُنظَر إليهم على أنهم غرباء، وينبع هذا الخوف غالباً من غريزة عميقة للحفاظ على الذات وحماية الهوية.

يتعمق هذا المقال في استكشاف الأبعاد النفسية لرهاب الأجانب، بهدف فك رموز التحيزات التي يمكن أن تتخلل المجتمعات. من خلال التفحص الدقيق للجذور النفسية لرهاب الأجانب نسعى ليس فقط لفهم أصوله ولكن أيضاً لتعزيز الوعي والتعاطف. يصبح هذا الفهم أساساً حاسماً لتعزيز التضمين، وتحدي الصور النمطية، وتعزيز مجتمع عالمي أكثر اتصالاً وانسجاماً.

ما هو رهاب الأجانب؟

تعرّف جمعية علم النفس الأمريكية مصطلح رهاب الأجانب Xenophobia بأنه “خوف قوي وغير عقلاني وأحياناً مرضي من الغرباء، ويتضح في المواقف العدائية أو السلوك العدواني تجاه الأشخاص من جنسيات أو مجموعات عرقية أو مناطق أو أحياء أخرى”.

يمكن أن يؤدي رهاب الأجانب في كثير من الأحيان إلى سلوكيات ومواقف تمييزية، مثل التحيز والعنصرية وحتى العنف. ومن المهم الاعتراف برهاب الأجانب ومعالجته لأنه يمكن أن تكون له آثار ضارة على الأفراد والمجتمع ككل.

يمكن أن ينبع هذا عادة من الاعتقاد العميق بوجود صراع بين المجموعة الداخلية للفرد والمجموعات الخارجية.

قد يشعر شخص لديه هذا الرهاب بعدم الارتياح في وجود أشخاص من مجموعة مختلفة، أو يرفض أن يكون أصدقاء أو يرتبط بهؤلاء الأفراد، أو قد لا يأخذ أفراد المجموعة الخارجية على محمل الجد، أو قد يعتقد أن مجموعتهم الداخلية متفوقة على المجموعة الخارجية.

في حين أن العنصرية هي الاعتقاد بأن عرقاً ما متفوق على عرق آخر، فإن رهاب الأجانب هو كراهية الغرباء على أساس الخوف، مما قد يؤدي بعد ذلك إلى مشاعر التعالي على هؤلاء الغرباء.

يعد رهاب الأجانب مشكلة لأن هذا النوع من التفكير يميّز الناس إلى أشخاص من محليين وآخرون دخلاء، مما قد يؤدي في النهاية إلى مواقف مثل الخوف والكراهية والازدراء.

ويمكن أن يؤدي رهاب الأجانب أيضاً إلى شعور الأشخاص بأنهم مستبعدون من الثقافة التي يرغبون في العيش فيها أو حتى العنف في الحالات القصوى، وبالتالي فإن رهاب الأجانب يمكن أن تؤدي إلى تجارب سلبية على المستوى الفردي والاجتماعي.

هل هو اضطراب عقلي؟

في مقالها حول رهاب الأجانب ذكرت  Olivia Guy-Evansأنه لا يتم التعرف على رهاب الأجانب كحالة صحية عقلية لأنه لا توجد معايير لها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5).

وقد ناقش بعض الباحثين ما إذا كان ينبغي إعطاء معايير رهاب الأجانب الخاصة بها أو جعلها نوعاً فرعياً من حالة أخرى. واقترح بوسان (2002) أن المواقف المتطرفة المتعلقة برهاب الأجانب ينبغي اعتبارها نوعاً فرعياً من الاضطراب الوهمي.

السبب وراء ذلك هو أن العنف الشديد بسبب رهاب الأجانب يجب أن يكون مؤشراً على حالة صحية عقلية، وعدم النظر إلى رهاب الأجانب المتطرف على أنه مرضي يمكن أن يؤدي إلى تطبيع هذه الآراء وإضفاء الشرعية عليها.

ولذلك يقترح الباحث أن يكون هناك “نوع من التحيز” ضمن معايير الاضطراب الوهمي، والذي يمكن أن يفسر المواقف والسلوكيات المتطرفة المعادية للأجانب.

في المقابل أكد آخرون أن رهاب الأجانب الشديد لا ينبغي أن يوصف بأنه حالة صحية عقلية، حيث يرون أنه مشكلة اجتماعية وليس مشكلة صحية.

في حين أن رهاب الأجانب يحتوي على كلمة “رهاب”، وهي حالة صحية عقلية يمكن تشخيصها، إلا أنه لا يُقترح أن يكون متطرفاً مثل الرهاب السريري الآخر الذي قد يعاني منه الأشخاص، مثل رهاب الخلاء أو رهاب الأماكن المغلقة.

وصحيح أن رهاب الأجانب ليس حالة صحية عقلية يمكن تشخيصها، إلا أنه يمكن أن يصبح أحد أعراض حالات الصحة العقلية الأخرى؛ على سبيل المثال يمكن أن تكون الآراء العنصرية المتطرفة التي تنبع من رهاب الأجانب أحد أعراض الاضطرابات الذهانية مثل الفصام.

وبالمثل يحدث رهاب الأجانب بسبب اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؛ فإذا أصيب شخص ما باضطراب ما بعد الصدمة بعد تعرضه للإرهاب والعنف في بلد آخر، فمن الممكن أن يتطور لديه مواقف رهاب الأجانب بسبب تلك التجربة. (Guy-Evans, 2023)

أنواع رهاب الأجانب:

هناك نوعان رئيسيان من رهاب الأجانب:

  • رهاب الأجانب ثقافياً:

يرفض الأفراد الذين لديهم آراء معادية للأجانب ثقافياً الأشياء أو التقاليد أو الرموز المرتبطة بمجموعة أخرى؛ مثل الملابس التقليدية لثقافة أخرى أو اللغات المختلفة أو الموسيقى التقليدية لثقافة أخرى.

يعتقد الأشخاص الذين يعانون من رهاب الأجانب ثقافياً أن ثقافاتهم وتقاليدهم متفوقة على تلك التي تنتمي إلى مجموعات أخرى.

قد يظهر هذا النوع من رهاب الأجانب عندما يقوم الأشخاص بإبداء ملاحظات سلبية حول الملابس التقليدية ثقافياً أو الإدلاء بتعليقات مهينة عندما يتحدث الناس من حولهم لغة أخرى.

  • رهاب الأجانب للمهاجرين:

يرفض الأفراد الذين يعبرون عن رهاب الأجانب للمهاجرين الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين يعتقدون أنهم لا يتناسبون مع مجتمعهم المحلي.

يتضمن ذلك رفض الأشخاص الذين لديهم ديانات أو جنسيات مختلفة وتجنب الأشخاص الذين لديهم ألوان بشرة مختلفة عنهم.

يعتبر الأفراد الذين يعانون من هذا النوع من رهاب الأجانب أن الأشخاص في مجموعتهم الاجتماعية أو الثقافية متفوقون على الآخرين، أو يتجنبون الأماكن المكتظة بالمهاجرين، أو يدلون بتعليقات سلبية حول الأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافات أو بلدان أخرى.

يمكن أن يكون سبب رهاب الأجانب معقداً؛ فقد يجادل علماء النفس التطوري بأن رهاب الأجانب قد تكون جزءاً من التراث السلوكي الجيني لأن الخوف من المجموعات الخارجية يحمي أسلاف البشر من التهديد.

ونتيجة لهذا لا يزال لدينا استعداد للحذر من المجموعات الخارجية وقد نشعر بميل أكبر لقضاء وقتنا مع أولئك الذين يشبهوننا.

العوامل التي تؤثر على المواقف المعادية للأجانب تعتبر داخلية وخارجية بشكل أساسي؛ فالعوامل الداخلية هي الوراثة والسمات الشخصية، في حين أن العوامل البيئية تقع في نطاق العلاقات بين المجموعات والتعليم.

بحثت دراسة أجراها Kocaturk and Bozdag (2020) في العلاقة بين سمات الشخصية والمواقف المعادية للأجانب. ووجدا أن أولئك الذين حصلوا على درجات عالية من “القبول”، المرتبط بالرحمة واللطف، كانت لديهم مستويات أقل من المواقف المعادية للأجانب.

وبالمقارنة تبين أن أولئك الذين سجلوا درجات عالية في النرجسية والاعتلال النفسي، كانوا مرتبطين بمستويات أعلى من المواقف المعادية للأجانب.

في حين أن بعض الناس قد يكونون أكثر ميلاً إلى رهاب الأجانب، فإن الكثير من المواقف هي استجابة متعلمة. على سبيل المثال إذا نشأ الناس مع أسر تكره الأجانب، فمن المرجح أن ينقلوا هذه المعتقدات إلى أطفالهم.

وبالمثل، إذا نشأ الناس في مناطق قليلة التنوع أو ذهبوا إلى المدرسة مع أشخاص من نفس الثقافة والعرق أو يتحدثون نفس اللغة مثلهم، فقد لا يكونون على دراية بأشخاص خارج ثقافتهم أو جنسيتهم.

قد يؤثر هذا النقص في المعرفة أيضاً على التسامح الذي قد يكون لدى شخص ما تجاه الآخرين، وقد يكون هناك شعور أقوى بالانتماء إلى المجموعة أو المجموعة الخارجية.

قد يصبح الأفراد المتسامحون سابقاً معرضين لآراء غير متسامحة، مما قد يغير آرائهم بنفس الطريقة التي قد يجد بها أصحاب الآراء المتعصبة معلومات تجعل وجهات نظرهم أكثر تطرفاً. (Guy-Evans, 2023)

أسباب رهاب الأجانب:

في مقالها رهاب الأجانب: الخوف من الغرباء ذكرت Lisa Fritscher أن هناك عدد من العوامل المختلفة التي يعتقد أنها تساهم في رهاب الأجانب:

– انعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي: غالباً ما يبحث الناس عن شخص ما لإلقاء اللوم عليه في أوقات الصعوبات الاقتصادية أو الاضطرابات الاجتماعية، وكثيراً ما يتم اتخاذ المهاجرين والأقليات ككبش فداء باعتبارهم سبباً لمشاكل المجتمع.

– ضعف الاتصال: الأشخاص الذين لديهم اتصال ضئيل أو معدوم مع أشخاص من ثقافات أو خلفيات أخرى هم أكثر عرضة للخوف منهم أو عدم الثقة بهم.

– تصوير وسائل الإعلام: يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أيضاً أن تغذي المواقف المعادية للأجانب، مثل استخدام السياسيين للدعاية السياسية لاستخدام رهاب الأجانب كسلاح للتلاعب بالتوترات العاطفية داخل المجتمع لتعزيز أجندتهم، ويمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تسهل أكثر من أي وقت مضى العثور على أفراد ومجتمعات متشابهة في التفكير ولديها نفس المواقف المعادية للأجانب.

كما يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تؤثر على آراء الأفراد إذا تم تقديم شيء لهم بطريقة يمكن أن تؤثر على وجهات النظر.

– الخوف من الغرباء: بشكل عام يكون الناس أكثر عرضة للخوف من الأشياء غير المألوفة. يمكن أن ينطبق هذا على المظهر الجسدي والاختلافات الثقافية. (Fritscher, 2023)

كيفية التغلب على رهاب الأجانب؟

  • العلاج السلوكي المعرفي:

يستخدم العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أساليب لتحدي الأفكار والمعتقدات غير المفيدة ويهدف إلى تعديلها إلى أفكار أكثر واقعية أو مفيدة.

قد ينجح هذا أيضاً إذا كان الشخص المصاب برهاب الأجانب يعاني من القلق أو المخاوف غير المنطقية من الآخرين.

  • السيطرة على الغضب:

يمكن أن تكون إدارة الغضب خياراً لأولئك الذين هم أكثر عرضة للانفجارات العنيفة أو التهديدية تجاه أولئك الذين ليسوا جزءاً من مجموعتهم.

من خلال إدارة الغضب يمكن للأفراد تعلم مهارات إدارة مشاعرهم السلبية مثل الخوف والقلق للتغلب على ذلك.

  • توسيع الخبرات:

أولئك الذين يدركون مواقفهم المعادية للأجانب ويريدون تغييرها قد يستفيدون من توسيع تجاربهم، فيمكنهم السفر إلى أجزاء أخرى من بلدهم أو إلى بلد آخر تختلف فيه الثقافة واللغة لمساعدتهم في التسامح مع الأشخاص الذين يعتبرونهم مختلفين عنهم.

يمكن أن يرتبط هذا بالعلاج بالتعرض، وهو ممارسة شائعة تستخدم مع الأشخاص الذين يعانون من الرهاب، مع فكرة أنه كلما تعرض الشخص لشيء مخيف، كلما قل خوفه بمرور الوقت.

  • التعليم:

يمكن للأفراد أيضاً تثقيف أنفسهم بطرق أخرى، مثل مشاهدة الأفلام الوثائقية التي تناقش الثقافات الأخرى أو قراءة الكتب أو حضور المحادثات أو الانضمام إلى المجموعات الاجتماعية لأولئك الذين يرغبون في معرفة المزيد عن الثقافات والأعراق واللغات المختلفة وما إلى ذلك.

  • النظر في أوجه التشابه مع “المجموعة الخارجية”:

بالإضافة إلى ذلك، عند التحدث مع الأفراد الذين يمكن اعتبارهم جزءاً من “المجموعة الخارجية”، قد يكون من المفيد البحث عن أوجه التشابه مع هذا الشخص، مثل الاهتمامات المشتركة. (Guy-Evans, 2023)

ختاماً:

في ختام رحلة استكشاف سيكولوجية رهاب الأجانب، ندرك أن هذا الظرف النفسي يعمق الفجوة بين الثقافات ويعقّد التفاعلات البشرية. إن فهم أسباب وآثار رهاب الأجانب يمثل خطوة أساسية نحو تشكيل مجتمع يستند إلى التفاهم والتسامح.

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية