التدخل المبكر في التربية الخاصة

يتعلم معظم الأطفال عن الظواهر المختلفة الموجودة في البيئة من حولنا منذ الميلاد وحتى دخول المدرسة، ومن خلال التفاعل مع هذه البيئة والخبرات المختلفة التي يكتسبونها ينمون ويتطورون بطرق منتظمة ومتنبأ بها، فهم يتعلمون عن العالم المحيط بنا والبيئة التي نعيش فيها، كما أنهم في هذه السنوات المبكرة يطورون أشکالاً مختلفة من التواصل، وكذلك يحققون مستوى من الاستقلالية، وهذه الخبرات المبكرة مع البيئة المحيطة ترتبط بأنماط ومعدلات النمو للأطفال، ومن هنا فإن الأطفال ذوي الحاجات الخاصة وبسبب معوقات النمو التي يواجهونها فإن أنماط ومعدلات النمو لديهم تختلف عن تلك التي لدى الأطفال ذوي النمو الطبيعي والذين لا يعانون من تحديات خاصة.

وحتى يتمكن الأطفال ذوو الحاجات الخاصة من إتقان المهارات الأساسية التي يتقنها معظم الأطفال العاديين، فإنهم يحتاجون إلى برامج تربوية خاصة مخطط لها ومطبقة في الطفولة المبكرة، ويتفق خبراء التدخل المبكر على أن البرامج المبكرة هي الأفضل. (الزريقات،٢٠٠٨،ص.٢١).

وانطلاقاً من هذه الحقيقة أصبحت قضية التدخل المبكر تطرح نفسها بكل قوة في الميادين العلاجية والتربوية، فمن الممكن تخفيف تأثيرات الإعاقة وربما الوقاية منها إذا تم اكتشافها ومعالجتها في وقت مبكر جداً، ولقد أصبح ممكناً في الآونة الأخيرة الكشف عن عدة اضطرابات في أثناء الحمل أو لدى الأطفال حديثي الولادة، وجدير بالذكر أن التعرف المبكر على مثل هذه الاضطرابات المرضية ومعالجتها قبل حدوث تلف في الجهاز العصبي أوغيره من أجهزة الجسم يمنع حدوث الإعاقة. (الخطيب والحديدي،1998،ص.20)

ما هو التدخل المبكر؟

يشير مصطلح التدخل المبكر إلى الإجراءات والممارسات التي تهدف إلى معالجة مشاكل الأطفال المختلفة، مثل تأخر النمو والإعاقة بأنواعها المختلفة والاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى توفير حاجات أسر هؤلاء الأطفال من خلال تقديم البرامج التدريبية والإرشادية، هذا وتتفاوت كثافة وتركيز برامج التدخل المبكر حسب نوع المشكلة، فالمدة الزمنية تختلف حسب حالة كل طفل، ويتمثل الغرض من برامج التدخل المبكر في مساعدة طفل ذوي الاحتياجات الخاصة على النمو والتطور إلى أقصى درجة يمكن الوصول إليها. (القمش والسعايدة ،٢٠١٤، ص.١١٣).

ويمكن تعريف التدخل المبكر على أنه مجموعة شاملة من الخدمات الطبية والاجتماعية والتربوية والنفسية تقدم للأطفال دون سن السادسة، الذين يعانون من إعاقة أو تأخر نمائي، أو الذين لديهم قابلية للتأخر أو الإعاقة، أو أنه العمل على التعرف مبكراً على التأخر والاضطرابات والإعاقات الموجودة عند الطفل ما أمكن، ومن ثم تقديم البرامج التربوية الفاعلة له، والخدمات المناسبة لحالته، للعمل على زيادة كفاءته وقدرته ومهاراته، والتقليل ما أمكن من نتائج الاضطرابات والإعاقة، إضافة إلى للخدمات المقدمة لأسرته لزيادة كفاءتها وقدرتها ما أمكن. (يحيى،2005، ص.369).

أهداف التدخل المبكر:

من أهداف التدخل المبكر التقليل من الآثار السلبية لحالات الإعاقة على نمو الطفل، والمنع قدر الإمكان من حالات تدهور الحالة، وكذلك مساعدة الطفل بقدر الإمكان على التكيف مع البيئة، والتقليل من فرص الفشل عند الالتحاق بالمدرسة أو المراكز الخاصة، وإحداث تغييرات جوهرية في شتى المجالات الجسمية والإدراكية واللغة والكلام وتوفير علاج مهني وطبي وطبيعي، وكذلك التقليل من جهد العائلة من خلال تدريبها وإرشادها إلى الطريق الصحيح، وتجنيب المجتمع الرعاية الصحية المكثفة وتكاليف التعليم، والتقليل من المشاكل السلوكية والسيطرة عليها. (يحيى،2005، ص.37).

مبررات التدخل المبكر:

ويذكر (الخطيب والحديدي،1998، ص35.) مجموعة من المبررات للتدخل المبكر في التربية الخاصة ومن أهمها:

  • إن التدخل المبكر يخفف من الآثار السلبية للإعاقة.
  • إن التدخل المبكر يزود الأطفال بأساس متين للتعليم التربوي والاجتماعي للمراحل العمرية اللاحقة.
  • هناك جدوى اقتصادية للتدخل المبكر أكثر من التدخل المتأخر.
  • إن التعليم الإنساني في السنوات الأولى أسرع وأسهل من التعلم في أية مراحل عمرية أخرى.
  • إن النمو لیس نتاج الوراثة فقط ولكن البيئة تلعب دوراً حاسماً وفعالا أيضا ما يزيد أهمية التدخل المبكر.
  • إن السنوات الأولى في حياة الأطفال المعوقين الذين لا تقدم لهم برامج تدخل مبكر إنما هي سنوات حرمان وفرص ضائعة وربما تدهور نمائي أيضاً.
  • إن التعلم الإنساني في السنوات المبكرة أسهل وأسرع من التعلم في أية مرحلة عمريه أخرى.
  • إن والدي الطفل المعوق بحاجة إلى مساعدة في المراحل الأولى لكيلا تترسخ لديهما أنماط تنشئة غير بناءة.
  • إن التأخر النمائي قبل الخامسة من العمر مؤشر خطر فهو يعني احتمال معاناة المشكلات المختلفة طوال الحياة.
  • إن التدخل المبكر جهد مثمر وذو جدوى اقتصادية حيث إنه يقلل النفقات المخصصة للبرامج التربوية الخاصة اللاحقة.
  • إن الآباء معلمون لأطفالهم المعوقين والمدرسة ليست بديلاً للأسرة.
  • إن معظم مراحل النمو الحرجة التي تكون فيها القابلية للنمو والتعلم في ذروتها تحدث في السنوات الأولى من العمر.
  • إن تدهوراً نمائياً قد يحدث لدى الطفل المعوق بدون التدخل المبكر، مما يجعل الفروق بينه وبين أقرانه غير المعوقين أكثر وضوحاً مع مرور الأيام.
  • إن مظاهر النمو متداخلة، وعدم معالجة الضعف في أحد جوانب النمو حال اکتشافه قد يقود إلى تدهور في جوانب النمو الأخرى.
  • إن التدخل المبكر يسهم في تجنيب الوالدين وطفلهما المعوق مواجهة صعوبات نفسية هائلة لاحقة.

أشكال التدخل المبكر:

1. التدخل المبكر في المراكز:

وفقاً لهذا النموذج تقدم خدمات التدخل المبكر في المركز أو المدرسة، وتتراوح أعمار الأطفال المستفيدين من الخدمات من سنتين إلى ست سنوات، وليس بالضرورة أن يتم تنفيذ برامج التدخل المبكر في مراكز متخصصة بخدمة الأطفال المعوقين، إذ قد تنفذ هذه البرامج في الحضانات ورياض الأطفال العادية تحقيقا لمبدأ الدمج، ومن حسنات هذا النموذج قيام فريق متعدد التخصصات بتخطيط وتنفيذ الخدمات، وإتاحة الفرص للطفل للتفاعل مع الأطفال الآخرين، ومن سيئاته مشکلات توفير المواصلات والصعوبات المرتبطة بها والكلفة المادية العالية.

2. التدخل المبكر في المنزل:

في العادة تقوم مدربة أو معلمة أسرية مدربة جيداً بزيارة المنزل من مرة إلى ثلاث مرات أسبوعياً، وخلافاً للتدخل المبكر في المراكز والذي يستخدم عادة في المدن، فإن التدخل المبكر في المنزل يستخدم عادة في الأماكن الريفية والنائية، حيث لا يوجد إلا أعداد قليلة من الأطفال المعوقين.

3. التدخل المبكر في كل من المركز والمنزل:

يلتحق الأطفال في المراكز لأيام محدودة، ويقوم الاختصاصيون بزيارات منزلية لهم ولأولياء أمورهم مرة أو مرتين في الأسبوع، حسب طبيعة حالة الطفل وحاجات الأسرة.

4. التدخل المبكر من خلال تقديم الاستشارات:

يقوم أولياء الأمور بزيارة دورية إلى المركز، حيث يتم تقييم ومتابعة أداء الأطفال وتدريب أولياء أمورهم، ومناقشة القضايا المهمة معهم

5. التدخل المبكر في المستشفيات:

ويكون ملائماً للتعامل مع مرضى الشلل الدماغي والصلب المفتوح والإصابات الدماغية.

6. التدخل المبكر من خلال وسائل الأعلام:

يستخدم هذا النموذج التلفاز أو المواد المطبوعة أو الأفلام أو الأشرطة… لتدريب أولياء الأمور ولإيصال المعلومات المفيدة لهم (زریقات، 2003). نقلاً عن القمش والسعايدة.

فريق العمل في برامج التدخل المبكر:

وقد ذكر (الخطيب والحديدي، 2004). مم يتكون فريق العمل في برامج التدخل المبكر وفيما يلي وصف موجز لأكثرهم أهمية:

1. اختصاصي النسائية والتوليد.

2. اختصاصي طب الأطفال.

3. الممرضات.

4. طبيب العيون.

5. اختصاصي القياس السمعي.

6. اختصاصي علم النفس.

7. الاختصاصي الاجتماعي.

8. اختصاصي اضطرابات الكلام واللغة.

9. اختصاصي العلاج الطبيعي.

10.اختصاصي العلاج الوظيفي.

11.المعلمون والمعلمات.

12.معلمات ومعلمو التربية الخاصة.

13.أولياء الأمور.

14. طبيب الأنف والأذن والحنجرة، حيث يعمل على تشخيص وعلاج جهاز النطق والسمع.

الخاتمة:

نستنتج مما سبق ضرورة الاهتمام بموضوع التدخل المبكر في التربية الخاصة، لما له من فوائد عظيمة يرجع نفعها للطفل المعاق بالدرجة الأولى، ولأسرته وكذلك المجتمع، وضرورة التعرف على أشكال التدخل المبكر ومبرراته وكذلك فريق العمل في برامج التدخل المبكر.

قائمة المراجع:

الخطيب، جمال. الحديدي، منى. (ط٣-٢٠٠٧). التدخل المبكر التربية الخاصة في الطفولة المبكرة. دار الفكر.

الخطيب، جمال. الحديدي، منى. (١٩٩٨). التدخل المبكر مقدمة في التربية الخاصة في الطفولة المبكرة. دار الفكر.

الزريقات، إبراهيم عبد الله. (ط٣-٢٠١٢). التدخل المبكر النماذج والإجراءات. دار المسيرة.

القمش، مصطفى نوري. السعايدة، ناجي منور. (٢٠١٤). قضايا ومشكلات معاصرة في التربية الخاصة. دار المسيرة.

القمش، مصطفى نوري. الجوالدة، فؤاد عيد. (٢٠١٤). التدخل المبكر الأطفال المعرضون للخطر. دار الثقافة للنشر والتوزيع.

يحيى، خولة أحمد. (2005). البرامج التربوية للأفراد ذوي الحاجات الخاصة. دار المسيرة.

وسوم

عن الكاتب

أحمد عبد الله

اقرأ ايضاً عن التربية الخاصة