الإيكولاليا لدى أطفالِ اضطرابِ التوحُّد، الأسبابُ والعلاجُ

يُعتبَر موضوعُ اللغةِ والنّطق والكلام من الموضوعات المهمّةِ التي شغلَت القدماءَ والمحدَثين من علماءِ اللغة والكلام والطّب وعلمِ النّفس وعلمِ الاجتماع والتّربيةِ، وغيرَهُم من العلماء في مجالات التّخصُّصات المختلفة، وقد أكَّدَ هؤلاء جميعاً على أهمّية عاملِ اللغة والكلام في القدرة على الاتّصال بالآخر، والتّوافقِ في النّموِّ العقليِّ والفكريِّ والاجتماعيِّ والنّفسيّ.

وفي هذا الصددِ يؤكِّد علماءُ النّفسِ أهمِّيةَ اللغةِ؛ خاصّةً خلالَ السّنوات المبكّرة من عمر الطّفل، حيث إنها تُظهِر رغبتَه في التحدُّث أمامَ الآخرين، وسرعان ما يتحوَّل من كائن متمركز حول الذّات إلى كائن اجتماعيٍّ، يمكن أن يرى ويدركَ ويفهم وجهة نظر الآخرين. (أمين، 2005، ص.13). وتعرف جمعية السمع الأمريكية اللغة على أنها American Speech and Hearing Association عمليةٌ معقَّدة وجهازٌ ديناميكي برموز متَّفقٍ عليها، تُستخدَم بأساليبَ متعددةٍ للتواصل، ولا تنفصل أيُّ لغة في العالم عن التراث الثقافي والاجتماعي والتاريخي، كما أنَّ لكلِّ لغةٍ مكوِّناتٍ تتعلّق بالجانب الصوتي والنّحوي والصّرفي والدّلالي والسّياق الاجتماعي (البراجماتي).

 أمّا الكلامُ فهو وسيلةُ التّواصلِ الأساسيةُ والتي تتطلَّب سلوكاً حركياً وتناسقاً عضلياً عصبياً دقيقاً؛ حيث تتَّحد أصواتُ الكلام بطرقٍ مختلفة لتكوِّنَ اللغة. (الظاهر،2010، ص.17).

أمّا التواصلُ اللغويُّ فشكَّل لها التقاربُ الَمعرفيُّ convergence of knowledge هدفاً محورياً، حيث أوضحَ ريلي (1985:7) Riley أن تحقيقَ ذلك يتطلّب التّفاوضَ وتبادلَ وجهاتِ النّظر حول المعاني خلالَ التّفاعل بين الأفراد، ذلك الذي يؤكِّد على المعنى المقصود. (الفرماوي،2006، ص.18).

واضطراباتُ التّواصلِ مجموعةٌ من المشكلات المتعلّقةِ بالكلام واللغة، والمعالجة السمعية. وربما تتراوح اضطراباتُ التّواصل بينَ الترديد الصّوتي لمقاطعَ صوتيةٍ -كما هو الحال في اضطراب اللجلجة-والخطأ في نطق بعض الكلمات، إلى العجزِ التامِّ عن استخدام الكلام واللغة في التّواصل كما هو الحال في اضطراب الحُبْسَة. (أبو حلاوة، د.ت، ص.3).

تعريف الإيكولاليا Echolalia:

كما ذكر سيمون (1975,Simon) يتكوّن تعبير إيكولاليـا من مقطعين، الأول Echo، ويعني صدى الصّوت أو التّصدية أو التّرديد، أما المقطع الثّاني، وهو Lalia فيشير ضِمنياً إلى اللغة، وقد يتكافأ التّعبير الأجنبي مع ما يمكن أن نطلقَ عليه باللغة العربية الاضطرابَ الصَّدَوي، أو المحاكاةَ الآلية، أو حديث المصاداة. حيث إنّ الفرد بمقتضَى هذا الاضطرابِ يميل إلى تكرار ألفاظٍ معينةٍ أو جُملٍ محدَّدةٍ صادرةٍ عن شخصٍ آخرَ أو فيلمٍ أو أغنيةٍ في المواقف المختلفة دونما علاقة، وإمّا أنّه بذلك يفسِّر الموقفَ أو يتفاعل مع الآخر.

وكما ذكرَ (1986 ,Catherin) إنّها حالةٌ كلاميّة تتميّز بالتّرديد القسري اللاإرادي لما يقوله الآخرون من كلماتٍ أو مقاطعَ أو أصواتٍ بصورة تبدو وكأنّها صدًى لهم. (عبد الجليل،2008، ص.8).

مظاهر الإيكولاليا (المصاداة): هناك مظاهرُ لهذا التّردُّد تتمثّل في:

  1. كما ذكر رشاد موسى (2002) يبدأ الطّفل التوحُّدي بترديدِ هذه الكلمات باللهجةِ نفسِها التي يسمعها مِن حولِه أو من التّلفاز أو أغنية الأطفال التي يحبّها.
  2. وكما جاء في سمير السعد (2001). أن الطّفل يردِّد الكلامَ بشِدّة الصّوت والنّغمةِ التي تُوجَّه إليه نفسِها.
  3. ويذكر بشير يوسف (2005). أن الطّفل يقوم بتكرار آخرِ كلمةٍ فقط في الجملة التي يسمعها. (عبد الجليل، 2018، ص. 12).

أنواع الإيكولاليا:

في ضوء العرض السّابق فإنَّ من المهمِّ القولَ لاختصاصيِّ التخاطب، أو من يقومون على رعاية الطّفل التّوحُّدي أن يحدِّدوا نوعيّةَ الكلام الإيكولالي لديه؛ فالإيكولاليا قد تكون لأغراضٍ اتّصالية، وتسمَّى حينئذٍ بالإيكولاليا التفاعلية أو الاتصالية .Communicative/interactive, E ،أو يكون تكرارُ الطّفل التّوحُّدي للعباراتِ للأغراضٍ غيرِ التفاعلية أو اللااتّصالية، فلا يتوقّع استجابة ما من أحدٍ تُجاهَ كلامِه الإيكولالي  وحينئذٍ تسمَّى بالإيكولاليا غير التفاعلية أو اللااتصالية Non .communicative/ Non interactive E وفي كلا الحالتين فإن الإيكولاليا قد تكون من النّوع الفَوري؟ أو من النّوع المؤجَّل. (الفرماوي،2006، ص. 235).

أولاً: الإيكولاليا الفوريّة Immediate Echolalia: يعرِّف فاي، وشولر (1980:32, Schuler Fay) الإيكولاليا الفوريّة بأنها التّكرارُ عديمُ المعنَى لكلمةٍ أو كلمات قد صدرت للتوِّ من شخصٍ آخرَ إلا أن بريزانت، ودوشان (1981:336 ,Prizant&Duchan  ) قد اعتبرا هذا المفهوم قاصراً؛ فالإيكولاليا ربما تخدم وظائفَ اتصالية ًكثيرةً للطفل التوحُّدي؛ ولهذا فهي ليست بلا معنى.

ثانياً: الإيكولاليا-المؤجَّلة Delayed Echolalia يعرِّف سيمون (1975:1445 ، Simon)الإيكولاليا المؤجَّلة بأنها قيامُ الفرد بتكرارِ عبارة أو سؤال ما كان قد سمعه من شخص آخرَ بعد مرور فترة من الوقت، قد تكون أيّاماً أو أسابيعَ، أو شهوراً، وقد تصلُ إلى سنة. وقد يكون هذا الفردُ قد سمع العبارة أو السّؤال المكرَّر من التّليفزيون كالإعلانات أو الأغاني أو حتى قرأها في الكتب، والإيكولاليا المؤجَّلة يمكن أن تخدمَ وظائفَ اتصاليةً عديدة للطفل التّوحُّدي. (نصر الدين، عبد السميع، 2020، ص. 51).

أسباب الإيكولاليا Echolalia: أشار الدوخي والصقر (2005) إلى عدد من الأسباب:

  1. أنّ الطفلَ يحاولُ فهمَ معنى الكلمة التي يردّدها؛ لذا نحاول إيضاح الكلمة له بأقرب صورة بصرية عملية تسهِّل عليه فهمَ المعنى.
  2. أو لأن بعضَ الأصوات يصعبُ على الطّفل ذي اضطراب التّوحُّد سماعُها فيكرِّرها ليتأكَّد ممّا سمع، مثل صوت الدّال والباء؛ لذا فإنَّ إطالة بعض الأصوات قد تساعد على سماعها بشكلٍ أوضحَ.
  3. وتستخدم أحياناً للإحساسِ المفرطِ بعدم الأمان، وفي بعض المواقف تشيرُ إلى رغبة الطّفل ذي اضطراب التوحّد في التواصل مع المحيطين به. (كاشف، 2018، ص. 7).

علاج الإيكولاليا لدى أطفال اضطراب طيف التوحُّد:

الطّريقة الأولى: طريقة تعليم الاستجابة الصحيحة:

وهي طريقةٌ أخرى لعلاج الترديد، وتتماشى مع الفرَضية التي تقول: إنّ التّرديد غالباً ما يحدث عندما يُطرَح سؤالٌ على الفرد أو يتمُّ إعطاؤه أوامرَ لا يعرفُ الاستجابةَ الصحيحة لها. ويتمُّ ذلك من خلال تعليمِه الاستجابةَ الصحيحة فوراً بعد طرح السؤال مثلاً (ما هي العصافير؟ – طيور) ثمّ يتمُّ تعزيزُ التّرديد، وفي النّهاية إخفاءُ التلقين. على أيِّ حال، هذه ليست طريقة عملية للتعامل مع الترديد وذلك لسببين هما:

  • لأنّها تعزِّز التّرديدَ لبعض الوقت.
  • لأنّها ستحتاج إلى تعليم الطفلِ الإجاباتِ الصّحيحةَ لكل سؤال يمكنُ أن يُطرَح عليه.

الطّريقة الثانية: طريقة التلقين – التأنّي – التأشير Cues-Pause-Point

ويُعتقَد أنّها الطريقةُ الفُضلى للتعامل مع التّرديد، وهي تتضمّن استخدامَ أفضل ما في الطُرقِ السّابقة جميعاً، إضافةً إلى أنها تعمل على تعليم مهارة مهمّة للأطفال ذوي التّوحُّد وهي التّأني وهذه الطّريقةُ تُعرَف بِاسم طريقة Point وترجمتها الحرفية هي التلقين – التأني – التأشير Cues- Pause   – Pause

الطريقة الثالثة: طريقةُ “أنا لا أعرف”

لقد وجَد بعضُ الباحثين أنّ الطّفلَ التوحُّدي غالباً ما يستخدمُ التّرديدَ عندما لا يكون قد تعلَّم الاستجابةَ الصّحيحة للسؤال، أو الأمرِ المطلوبِ منه تنفيذُه. وهذا يبدو واضحاً جداً في الاختبار الذي قاموا به لمعالجة التّرديد؛ حيث إنهم علَّموا الأطفالَ ذوي اضطراب التوحُّد قول عبارة ” أنا لا أعرف” للأسئلة التي كانوا يقومون بترديدها سابقاً، ولم يعرفوا إجاباتِها. وحتى لو أصبحت ” أنا لا أعرف” عبارةً يتمّ ترديدُها، فهي الإجابةُ الأكثرُ تكراراً، والتي ستحصل عليها من أيِّ طفل عندما تسأله سؤالاً لا يعرف إجابته. وهناك فائدة إضافية لهذه الطّريقة، وهي أنّها تخبر الطّفلَ الذي طرح السّؤال بأنه يحتاج لتعليم الإجابةِ الصّحيحةِ للطفلِ التّوحُّدي. (حمد الله، د.ت، ص.4-8).

يجبُ على الآباء تشجيعُ أشكالٍ مختلفةٍ من التّواصل؛ لتجنُّب الإيكولاليا عند الأطفال، كذلك يجب تعريضُ الطّفلِ إلى مجموعة متنوّعة من الكلمات والعبارات، وبمرور الوقت يستطيعُ كثيرٌ من الأطفال التّغلبَ على الإيكولاليا بالممارسة الطبيعية، أيضاً يمكن علاجُ الإيكولاليا من خلال مجموعةٍ من الطرق الآتية:

جلسات التّخاطب: يلجأ مصابو الإيكولاليا إلى جلسات التّخاطب المنتظمة لتعلُّم كيفيّة التعبير عمّا يفكِّرون فيه؛ إذ يستخدمون التقنيات السلوكية والإشارات اللفظية والبصرية وطرق التّعلم والمراقبة الذّاتية والتّعزيز الإيجابي لتحسين التّواصل مع الأطفال.

مضادات الاكتئاب أو القلق: لا يعتمد الأطباءُ عليها في علاج الحالة نفسها، لكنها تساعد على استعادةِ هدوءِ مُصابي الإيكولاليا، إذ إن التأثير المهدِّئ يمكن أن يساعد على تقليل شدّة الحالة، نظراً لأنّ أعراضَ الصّدى قد تزداد عندما يكون الطّفل متوتّراً أو قلِقاً. (سلام،2021، فقرة).

الخاتمة:

وبناءً على ما سبق نجد أن مشكلةَ ترديدِ الكلام من المشاكلِ الشّائعةِ لدى أطفال اضطراب طيف التّوحُّد، والتي تُعيق اتصالهم بالعالم الخارجي وتزيد من حالة الانغلاق والعُزلة لديهم. ومن خلال المقال تمَّت مناقشةُ عددٍ من الطرق التي يمكن العملُ من خلالها لعلاج مشكلةِ الإيكولاليا لدى أطفال اضطراب طيفِ التّوحُّد.

قائمة المراجع:

  • الظاهر، قحطان. (2010). اضطرابات اللغة والكلام. دار وائل للنشر.
  • نصر الدين، محمد، عبد السميع، محمد. (2020). برنامج تدريبي قائم على النمذجة لتنمية الحصيلة اللغوية لدى ذوي اضطراب الإيكولاليا الأوتيزميين. المجلة العلمية للتربية الخاصة، المجلد 2 (العدد 4)، 21-72.

http://search.shamaa.org/PDF/Articles/EGSjse/SjseVol2No4Y2020/sjse_2020-v2-n4_021-072.pdf

  • أبو حلاوة، محمد السعيد. (د.ت). اضطرابات التواصل. كلية التربية بدمنهور، جامعة الإسكندرية.
  • أمين، سهير. (2005). اضطرابات النطق والكلام التشخيص والعلاج. عالم الكتب.
  • Haffner، Gary. (د.ت). علاج الترديد (المصاداة) (منذر حمد الله. مُترجم). مركز الأمير ناصر بن عبد العزيز للتوحد الجمعية السعودية الخيرية للتوحد. (العمل الأصلي نشر في د.ت).
  • كاشف، إيمان فؤاد محمد. (2018). اضطراب المصاداة وعلاقته باللغة التعبيرية لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد. مجلة التربية الخاصة، (العدد23)، 1-33.

https://slpemad.files.wordpress.com

عبد الجليل، إبراهيم. (2018). مقياس الإيكولاليا (المصاداة- ترديد الكلام). أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

الفرماوي، حمدي علي. (2006). نيروسيكولوجيا معالجة اللغة واضطرابات التخاطب (موجهات تشخيصية وعلاجية وأسرية). مكتبة الأنجلو المصرية.

سلام، إيمان. (2021). الإيكولاليا عند الأطفال ماهي؟ وكيف نتعامل معها؟. موقع طبيبي. تم الاسترجاع بتاريخ 2023-2-4. على الساعة 8مساءً.

https://tabieby.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7/

وسوم

عن الكاتب

عمار مطر

اقرأ لـ عمار مطر

اقرأ ايضاً عن التربية الخاصة