القِصَصُ الإلكترونيَّة وأهمِّيتها لذوي الاحتياجات الخاصَّة

تمهيد:

لا شكَّ أنَّ استخدامَ القصصِ الإلكترونيّةِ أصبح من بين المستحدَثاتِ التكنولوجية واسعةِ الانتشار في الوقت الحالي، حيث أصبحَت إحدى الأدواتِ المهمّة التي يعتمد عليها كثيرٌ من المعلِّمينَ في التدريس لتلاميذهم العاديِّين وذوي الاحتياجات الخاصّة، فالقصصُ الإلكترونيةُ قد تجعلُهم أكثرَ قدرةً على الإبداع، كما تمكِّنهم من العملِ الجماعيّ، ممّا يعملُ على تنميةِ المهارات الشخصيَّة لدَيهم.

وتُعَدُّ القصّةُ الإلكترونية في عصر التكنولوجيا الحديثةِ من الأساليب التي تعمل على تنميةِ شخصيةِ الطفل؛ وذلك لدورها الهامِّ في إكسابِ الطفلِ ذي الاحتياجات الخاصّة المفرداتِ اللغويّةَ السليمةَ، وتصحيحِ النطق اللغوي، فيصبحُ أكثرَ تحكُّماً في مخارجِ الحروف، وأكثرَ إتقاناً في نطقِه للكلمات، حيث إنّ الأطفالَ يميلون إلى القصص بشكل فِطري، كما أنَّها من أحبِّ البرامج وأكثرِها إمتاعاً له.

تعريف القصصِ الإلكترونية لذوي الاحتياجات الخاصة:

يمكن تعــريفُ القــصصِ الإلكترونية بأنّهــا نــصٌّ متعــدِّدُ الوسائطِ، يحتـوي علـى صـورٍ ثابتـة مـع وجـودِ موسيقى تـــصويريّة، تـــروي إحـــدى القـــصص أو فـــيلماً وثـــائقياً (Greenidge & Sylvester, 2009, P.286).

ويعرِّفها لال (2011) بأنّهــا “برنـامجٌ يعتمـدُ علـى النـــصوص المكتوبـــة، بالإضـــافةِ إلـــى مجموعـــة مـــن العناصر والمُثيرات المصوَّرة والمرسـومة والمتحرِّكـة، ويُقدَّم هـذا الكتـابُ الإلكـتروني المحوسَـبُ عـن طريـق الـــشبكات، والأقـــراصِ المُدمَجـــة مـــن خـــلال جهـــازِ الحاسـوب أو الهـاتف المحمـول” (ص.139).

كمــا عرَّفتهـــا فوغان Vaughan (2016) بأنهــا كتـبٌ بتنـسيقٍ رقمـيّ تُقـرَأ في المواقع المختلفة في الشبكة العنكبوتيـة باسـتخدام أحـدِ الأجهزة التقنيّة الحديثـة؛ مثـل الحاسـب الآلـي والجهـاز اللوحي والهاتف المحمول، وبالإمكان الحصولُ علـى القصص الإلكترونية مـن المواقـع المختلفـة مثـل موقـع Amazon، أو استعارتُها من المكتبة العامّة، وإرسالُها إلى جهاز الفرد الخاصّ. (P.8)

ويعرِّفها الكاتبُ بأنها: عبارةٌ عن مجموعةٍ من المواقفِ التعليمية لمهارات اجتماعيّة معيَّنة، يتمُّ تصميمُها باستخدام بعض برامج الحاسب الآلي معتمداً في تصميمها على مجموعة من الوسائط المتعدّدة والوسائط الفائقة؛ وذلك من أجل تحويل مكوِّنات وعناصر القصة التقليدية إلى صورة رقمية تفاعلية تحاكي الواقع، من خلال تفاعلِ الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع شخصيات القصة في أداء بعض المهارات الاجتماعية.

أهمِّية القصص الإلكترونية لذوي الاحتياجات الخاصّة:

تظهــر أهميــة القــصص الإلكترونيــة لذوي الاحتياجات الخاصة مــن خلال المميزات التي توفِّرها؛ فمثلاً تــوفر بعــض القــصص الإلكترونية خيارَ تسجيلِ صوت القارئ، بحيـث يمكـن للقـارئ الاسـتماعُ إلـى صـوته وهـو يقـرأ.

ويرى الكاتبُ أنّ القصة تؤثِّر في نفوس الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لأنّها تجذب انتباهَه وتستدعي خيالَه، ليعايشَ أحداثها، فيدرك القيم المبثوثة في أثنائها، ويأتي تأثير القصة من جانبين؛ أحدُهما المشاركة الوجدانية، حيث إنّ الطفل ذي الاحتياجات الخاصة يتابع حركة الأشخاص في القصة ويتفاعل معهم، فيفرح لفرحهم، أو يحزن لحزنهم، أمّا الجانب الآخر والذي يتمُّ بشكل لا إرادي، فنجد الطفل ذي الاحتياجات الخاصة يضَع نفسَه مكانَ شخصيات القصة، أو يضع نفسه إزاءهم، ويظل طيلة القصة يعقد مقارناتٍ بينه وبينهم.

ويوجز النبهان (2007) أهمّية القصص الإلكترونية، والتي يمكن أن تكون ذاتَ أهمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في النقاط الآتية:

  • تنمِّي القصةُ بصفة عامّة الانتباهَ لدى الأطفال.
  • تُعتبر القصةُ وسيلةً مهمّةً لبثِّ ثقة الطفل بنفسه وبالآخرين.
  • تمدُّ الطفلَ بخِبرات وتجارِب من الحاضر، وتعدُّهم لخبرات المستقبل.
  • تساعد الطفلَ على تنمية المعرفة والفهم، وتكوين القيمِ والمعتقدات والآراء الفردية.
  • تمنح الطفلَ معرفةً جيّدة بنفسه، وتساعده على تكوين مفهوم إيجابي.
  • تساعد الأطفالَ على تنميةِ علاقتهم وفهمهم لغيرهم من الناس الذين يعيشون معهم في بيئتهم.
  • الترفيهُ عن الأطفال وإسعادُهم.
  • الكشفُ عن التوافق الروحي والنفسي للطفل.
  • مساعدةُ الطفل على التكيُّف والتوافق النفسي. (ص.14).

كيفيّة قراءة القصص لذوي الاحتياجات الخاصة

يجب معرفةُ أنَّ طريقة سردِ القصة تختلف بين طفل وآخر، ويلعب الأهل والمربُّون دوراً بارزاً في كيفية سرد القصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة حسب إعاقتهم.

 وترى زغلول (د.ت) أنّ الطفلَ الكفيفَ يجب أن تكون حروف القصص لدَيهِ حروفاً نافرة (برايل) يمكنه من خلالها أن يقرأ ما يحلو له من قصص. أمّا بالنسبة لصور القصة، فيمكن للمربِّي أو المربية في الصفِّ، أو الأهل في البيت أن يفسّروا للطفل ممَّ تتكوّن عناصر الصورة.

أما بالنسبة للطفل الأصمِّ، فأيضاً يمكن أن يختار الطفل الأصمُّ القصة التي يريد، ويمكن أن نساعده في قراءتها أو أن يقرأها وحدَهُ. ولكن يجب الانتباه وتفسيرُ جميع الكلمات والتصوُّرات التي يمكن أن تكون صعبةَ الفهمِ عند الطفل الأصمِّ، خاصة الجمل المبهمة أو التي يمكن أن تحملَ أكثر من معنًى.

أما الإعاقات الذهنية، فطبعاً الأطفال الذين لديهم متلازمة داون أو الأطفال المتخلّفون عقلياً، فيمكن أن يفهموا أيَّ قصة من خلال تبسيط معانيها وتبسيط جملها، كما للأهل دوراً في تزويد أطفالهم بتفسيراتٍ دقيقة حول مختلف التصوُّرات للقصة.

الأطفال الذين لديهم طيف التوحُّد وصولاً إلى الأطفال مع متلازمة أسبارجر، هم أيضاً بحاجة لدعمٍ لغوي وربّما حركي وصوري؛ لكي يفهموا مُجرَيات القصة.

ويجب ألّا ننسى أنّ الصورةَ تلعب دوراً بارزاً في دعم التفسيرات التي يقدِّمها الأهلُ أو المربي على حدٍّ سواء؛ لتبسيط أحداث القصة ( https://nosaed.com/)

عناصر القصص الإلكترونية

هناك عناصرُ أساسيةٌ لبناء قصةٍ إلكترونية شائقة وفعّالة قائمة على الوسائط المتعدِّدة، وينبغي مراعاتُها في أيِّ قصة إلكترونية، وخاصة تلك المُعدَّة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حدّدها كوندي Condy (2012, p.269)  بالآتي:

  1. وُجهة النظر: وهي النقطة الرئيسية في القصص الإلكترونية التي توضِّح انطباعَ المؤلِّف، ووجهةَ نظرِه، وأيضاً تراعي وجهةَ نظر المشاهدين.
  2. السؤال الدرامي: وهو السؤال الذي يتمُّ طرحُه في بداية القصة لجذب انتباهِ الطفل إليها، ومتابعتِها لتلقي الإجابة عنه في نهاية القصة.
  3. المحتوى الانفعالي: وهو الأحاسيس والمشاعر التي تحملها القصص الإلكترونية، والتي يتأثّر بها المشاهدون، وتجذب انتباههم لمشاهدة القصة؛ مثل الإحساس بالخسارة أو الثقة أو الحزن أو الحسرة أو الفرح أو القبول وغيرها.
  4. السرد الصوتي: يساعد المشاهدين على فهمِ سياق القصة، ويشجِّعهم على متابعتها، لذلك لا بدَّ من أخذ وقتٍ للتمرين والتدريب على سردِ القصة، بحيث يمكن القيام بسردها في شكل محادثة، والاختيار الجيد للصوتِ المرادِ تضمينه في القصة من أجل ضمان التأثير في المشاهدين.
  5. المؤثِّرات الصوتية والموسيقى: فالمؤثرات الصوتية، والموسيقى المناسبة يمكنها أن تدعم الجانب الوجداني للطفل، فيمكن تشغيل موسيقا كخلفية للصورة أو لانفعالات محدَّدة يتطلَّبها الموقف في القصة.
  6. إيقاع القصة: وهذا يتضمَّن عرضَ الصوت والصورة والفيديو بإيقاع وسرعة مناسبَين، بحيث ينتقل المشاهد من مشهد إلى آخرَ بتسلسلِ منطقيّ وسرعةٍ مناسبة.
  7. الاقتصاد: وذلك بأن تكون القصةُ اقتصاديةً في الوقت والأحداث، بحيثُ لا تكون قصيرةً بطريقة تُخِلُّ بالمعنى، ولا طويلةً، تجعل الأطفالَ يشعرون بالملل.

أنواع القصص الإلكترونية:

 تتعدَّد أنواع القصص الإلكترونية حسب الهدف منها، وقد أوضحها حمزة (۲٠١٤) في الآتي:

القصص التعليمية: هي قصص تهدف إلى إكسابِ وتنميةِ مفاهيمَ وقيمٍ وسلوكياتٍ معيَّنة لدى الأطفال، فعادةً تستخدمها المعلِّمات في تقديم المعلومات في مجالاتٍ مختلفة، مثل: العلوم الرياضيات التربية الصحية والثقافية والبيئية والتكنولوجيا وغيرها، لتحقيق أهداف تعليمية محدَّدة.

القصص الشخصية: وفيها يقوم المؤلِّفُ برواية بعض تجارِبه الشخصية للأحداث المهمّة في الحياة، فيستفيد الطفلُ من الخبرات التي يمر بها الآخرون.

القصص التاريخية: وهي قصص تحكي عن أحداثٍ وشخصياتٍ تاريخية شهيرة، تساعد الطفلَ على فهم أحداث الماضي، وتخليدِ تلك الشخصيات في عقول الأطفال للاقتداء بها.

القصص الوصفية: وهي تعرض وصفاً للظواهر والقضايا والمشكلات من حيث المكان والزمان والمكوِّنات والمراحل الإجرائية التي تمرُّ بها (ص.338).

وهنا يرى الكاتب أنّه عند اختيار أيِّ نوع من أنواع القصص للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ينبغي مراعاةُ الاختلافات في القدرات العقليّة، أو الجسديّة، أو الحِسيّة، أو الخصائص السّلوكيّة، أو اللغويّة، أو التّعليميّة التي تميّزهم من الأطفال العاديين.

وأوضح كل من ماثيوزMatthews (2018,p.99) ‏ أن أنواع القصص الإلكترونية التي ينبغي تقديمُها للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يمكن تصنيفها إلى:

القصص الأخلاقية: وتهدفُ إلى غرسِ القيمِ الأخلاقية الحميدة في نفوس الأطفال، وتحبيبهم بالحقِّ ونُصرَته.

القصص الاجتماعية: وتهدف إلى تعريف الطفل بأنماط الحياة الاجتماعية في مجتمعه والمجتمعات الأخرى، وكيفية التعامل مع المجتمع بنواحيه وطبقاته كافّةً.

القصص التاريخية: وهي التي تُعيد سردَ الأحداثِ التاريخية، وتقدِّم الشخصياتِ التاريخيةَ التي تُعَدُّ أعمالها علامةً فارقة قديماً وحديثاً.

القصص الفكاهية: وتهدِفُ إلى الفكاهة ومتعة الطفل، وإزالة التوتُّر وتجديد النشاط.

قصص المغامرات: وتهدف إلى تنمية حبِّ الاستطلاع والاكتشاف من خلال عرضِ حياة بعض الرحّالة أو المستكشفين، أو استكشاف نمطِ حياة الناس في المجتمعات الأخرى.

القصص الرمزية: وتهدف إلى تقديم العبرةِ والموعظة للطفل، وتوجيهِه نحو السلوكيّات الحميدة، وتنفيرِه من السلوكيات السيئة.

خاتمة:

وعلى هذا فإن القصصَ الإلكترونيةَ يتَّضح دورُها في إكسابِ التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصةِ العديدَ من المهارات اللغويةِ، ودعمِ اكتساب المفردات، كما تُعَدُّ عاملَ جذبٍ لانتباه الأطفال، وتساعد على تزويد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالمعلومات والمعارف التي تُضاف إلى خِبراتهم، وإنّ عنصرَي التشويق والجذب الموجودين فيها يساعدان على تيسير فهمِ كثيرٍ من الحقائقِ التي ترويها، ومن ثَمَّ تساعد على تنمية المفاهيم المختلفة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة.

المراجع:

  • حمزة، إيهاب. (2014). أثر الاختلاف في نمطي تقويم القصص الرقمية التعليمية في التحصيل الفوري والمرجأ لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية. مجلة الدراسات العربية في التربية وعلم النفس، السعودية، العدد (54)، 321-368.
  • لال، زكريا. (2011). التكنولوجيا الحديثة في تعليم الفائقين عقلياً. عالم الكتاب.
  • النبهان، محمد. (2007). قضايا الطفل في المجتمعات المعاصرة، سوريا: دار التراث العربي.
  • زغلول، آمال. (د.ت). أهمية قراءة القصص لذوي الاحتياجات الخاصة. https://nosaed.com/
  • Condy, J. et.al. (2012). Pre-Service student’s Perceptions and experiences of digital storytelling in diverse classrooms, Turkish Online Journal of Educational Technology, 11(3), 278-285
  • Matthews, G. (2018). Digital storytelling: Tips and Resources, Boston, Simmons College.
  • Sylvester, R., & Greenidge, W. (2009). Digital storytelling: Extending the potential for struggling readers. Reading Teacher, 63(4), 384-395.
  • Vaughan, A. (2016). Electronic books: Are they effective educational tools for students who are deaf or hard of hearing?

وسوم

عن الكاتب

مالك عبد الحافظ

اقرأ لـ مالك عبد الحافظ

اقرأ ايضاً عن التربية الخاصة