الدمج المجتمعي لذوي الاحتياجات الخاصة

وجد الأطفال غير العاديين منذ أقدم العصور، ولكن برامج التربية الخاصة لم تظهر في كل العصور، فلو رجعنا قليلاً إلى الوراء، وخاصة إلى القرن الثامن عشر، بعد الثورة الفرنسية والأمريكية لوجدنا اهتماماً متزايداً في تعليم بعض فئات التربية الخاصة كالمكفوفين والصم.

وبعد ذلك أي في القرن التاسع عشر، بدأ بالاهتمام بتعليم الأطفال المعوقين عقلياً، وكانت الخدمات المقدمة لهم تتمثل في الحماية والإيواء على شكل ملاجئ لحمايتهم من المجتمع الخارجي الذي يصعب عليهم التكيف معه، ولكن بعد ظهور الأفكار الديمقراطية والإصلاحية التي اجتاحت فرنسا وأمريكا، فقد بدأت بالظهور بعض الأفكار التي تنادي بتعليم الأطفال غير العاديين مهارات الحياة اليومية، في مدارس أو مراكز خاصة بهم.

وعلى ذلك تعود جذور التربية الخاصة إلى بدايات القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن تطورت الخدمات المقدمة للأطفال غير العاديين، ممثلة في ظهور الجمعيات الخاصة بالتربية الخاصة والتشريعات والبرامج التربوية وأدوات القياس والتشخيص الخاصة بكل فئة من فئات التربية الخاصة.

وقد نما ميدان التربية الخاصة بشكل واضح في أواخر القرن العشرين وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبية ودول شرق آسيا، والدول العربية، وتمثل ذلك النمو في العديد من المظاهر، منها صدور التشريعات والقوانين الخاصة بالأطفال غير العاديين، والتي تنظم برامجهم وتحدد الكوادر والمؤهلات اللازمة لكل فئة من فئات التربية الخاصة، ومنها على سبيل المثال القانون العام المعروف باسم التربية لكل الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية. (الروسان ،2013، ص15).

تعريف الدمج المجتمعي:

ويقصد به دمج الأفراد ذوي الإعاقة مع الأفراد العاديين في المجتمع، أي دمجهم في المجال الوظيفي والسكن والعمل ويطلق عليه الدمج الوظيفي، ويهدف هذا النوع إلى توفير الفرص المناسبة للتفاعل الاجتماعي والحياة الاجتماعية الطبيعية بين الأفراد من ذوي الإعاقة وغير العاديين، وإعطاء الفرص للمعوقين للاندماج في مختلف أنشطة وفعاليات المجتمع وتسهيل مهمتهم في أن يكونوا أعضاء فاعلين ويضمن لهم حق العمل باستقلالية وحرية التنقل والتمتع بكل ما هو متاح في المجتمع من خدمات. (السعيد، د.ت، ص.79).

الدمج الاجتماعي:

مفهوم الدمج الاجتماعي (Normalization):

ظهر مفهوم الدمج الاجتماعي للأفراد غير العاديين نتيجة للاتجاهات الإيجابية التي رافقت عملية الدمج الأكاديمي، ونتيجة للاتجاهات الاجتماعية الإيجابية نحو الأفراد غير العاديين ويقصد بالدمج الاجتماعي دمج الأفراد غير العاديين في الحياة الاجتماعية العادية، وتبدو عملية الدمج هذه في مظهرين رئيسيين الأول هو الدمج في مجال العمل وتوفير الفرص المهنية المناسبة للأفراد غير العاديين للعمل كأفراد منتجين في المجتمع وقبول ذلك اجتماعياً، ويعرف هذا المفهوم باسم الدمج في مجال العمل (Vocational Integration)، أما المظهر الثاني لهذا المفهوم فيبدو في دمج الأفراد غير العاديين في الحياة الاجتماعية العادية مع الأفراد العاديين ما يسمى بالدمج في مجال السكن والإقامة (Social Integration) وخاصة بعد تأهيل الأفراد غير العاديين مهنياً واجتماعياً للعيش بشكل مستقل في الأحياء السكنية والتجمعات السكنية العادية، وتقبل ذلك لدى الأفراد العاديين، مما يعمل على تحقيق هذا المفهوم بشكل عملي ويحقق الأهداف المتوخاة من هذا المفهوم. (الروسان ،2013، ص.30).

الدمج الأكاديمي:

 مفهوم الدمج الأكاديمي: (Mainstreaming)

ظهرت العديد من التعريفات لمفهوم الدمج الأكاديمي، وأشكاله، إذ يعرف لينج وزملاؤه 1981 ,.Lynch et al الدمج على أنه مفهوم يتضمن مساعدة الأطفال المعوقين على التعايش مع الأطفال العاديين في الصف العادي، في حين يعرف مجلس الأطفال غير العاديين الدمج على أنه اعتقاد أو مفهوم يتضمن وضع الأطفال غير العاديين مع الأطفال العاديين في الصف العادي أو في أقل البيئات التربوية تقييداً للطفل غير العادي، وبحيث يكون الدمج إما بشكل مؤقت أو بشكل دائم، بشرط توفير عوامل تساعد على نجاح هذا المفهوم، كما قدم هالاهان وكوفمان تعريفاً آخر للدمج، يتضمن وضع الأطفال غير العاديين مع الأطفال العاديين بشكل مؤقت أو دائم في الصف العادي، في المدرسة العادية، مما يعمل على توفير فرص أفضل للتفاعل الأكاديمي والاجتماعي، وبحيث يبنى هذا المفهوم على أساس توضيح للشروط التي يتم فيها الدمج وعوامل نجاحه، وخاصة المسؤوليات المترتبة على كل من إداريي ومعلمي المدرسة العادية ومعلمي التربية الخاصة. (الروسان ،2013، ص.29).

أنواع الدمج:

أشار الروسان 1998 إلى ثلاثة أنواع من الدمج هي كالتالي:

1. الصفوف الخاصة الملحقة بالمدرسة العادية حيث تعتبر هذه الصفوف شكلاً من أشكال الدمج الأكاديمي، ويطلق عليه اسم الدمج المكاني حيث يلتحق الطلبة غير العاديين مع الطلبة العاديين في نفس البناء المدرسي. (الروسان (1998).

2. الدمج الأكاديمي (Mainstreaming): يقصد بالدمج الأكاديمي التحاق الطلبة غير العاديين مع الطلبة العاديين في الصفوف العادية طوال الوقت في برامج تعليمية مشتركة.

3. الدمج الاجتماعي (Normalization): يقصد بالدمج الاجتماعي، دمج الأفراد غير العاديين مع الأطفال العاديين في مجال السكن والعمل، ويطلق على هذا النوع الدمج الوظيفي ويهدف إلى توفير الفرص المناسبة للتفاعل الاجتماعي والحياة الاجتماعية الطبيعية بين الأفراد العاديين وغير العاديين (الروسان، 1998).

4. الدمج الشامل (Inclusion) وتعرف مدرسة الدمج الشامل بالمدرسة التي لا تستثني أحدا حيث تبنى على ما يعرف بفلسفة عدم الرفض، وهذا يعني عدم استبعاد أي طفل بسبب وجود أي إعاقة لديه، ويفترض الدمج الشامل تقبل جميع الطلاب كأعضاء في بيئة المدرسة وغرفة الدراسة. (القمش والسعايدة،2014، ص.299-300).

فوائد وإيجابيات الدمج المجتمعي:

وقد ذكر (مصطفى والظاهر،2013، ص.50) مجموعة من فوائد وإيجابيات الدمج ومنها:

  • تعود الطفل على التقبل والتوجه الإيجابي نحو زميله المعوق.
  • تعرف الطفل العادي على مجتمعه وما به من فئات مختلفة عنه مما يساعده على التعايش الإيجابي في الحياة.
  • تعود الطفل على العطاء وتقديم يد المساعدة والعون لزميله المعوق.
  • كسر حاجز الخوف لدى الطفل العادي عند التعامل مع زميله المعوق.
  • إعداد آباء المستقبل وتأهيلهم، فربما يصبح، طفل اليوم السوي أباً لطفل مصاب بالإعاقة في المستقبل، ومن واجبنا إعداده وإمداده بالخبرات الضرورية بالإعاقة للتعامل مع الأطفال المصابين بالإعاقة.
  • إن الدمج المبكر للمعوقين مع الأطفال العاديين يساعد على إعداد المتخصصين في (الطب، الاجتماع، التربية علم النفس التمريض، العلاج الطبيعي) للتعامل الأطفال المعوقين، وتأهيلهم لكيفية التعامل معهم، من خلال فهمهم والتعرف على مشكلاتهم، وسوف ينعكس ذلك في تقديم أفضل خدمة لهم.
  • يؤثر الدمج على مفهوم الذات لدى الطفل السوي، حيث يساعده على تقبل ما به من عيوب جسمية طفيفة، حيث تتضاءل هذه العيوب إذا ما شعر الطفل السوي بمدى الفرق بين قدراته وإمكاناته.

مقترحات للدمج المجتمعي:

ويذكر (شاش،2016، ص.73) مجموعة من المقترحات للدمج المجتمعي ونذكر منها:

  • استثارة المجتمع الخارجي من خلال الندوات واللافتات وزيارة المؤسسات التعليمية والثقافية، وتنظيم لقاءات عن الإعاقة وفتح قنوات لمشاركة المجتمع في أنشطة الجمعيات ومعاهد التربية الخاصة.
  • تنظيم المسابقات البحثية عن ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك المسابقات الفنية التي تعبر عن احتياجاتهم ودمجهم في المجتمع.
  • تنظيم زيارات للقيادات البارزة في المجتمع لزيارة مؤسسات الإعاقة ومعاهد وبرامج التربية الخاصة.
  • تنظيم دورات وبرامج تدريبية للعاملين في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لرفع الكفاءات بصفة مستمرة.
  • دعوة المهتمين بالإعاقة للمشاركة في أعمال الجمعيات وبرامج التربية الخاصة ونشاطاتها.
  • منح أسر ذوي الاحتياجات الخاصة منحاً مالية وعينية وتقديم المساعدات لهم وغير ذلك في حالة احتياجهم.
  • تدريب أسر ذوي الاحتياجات الخاصة على طرق التربية والرعاية بالمنزل وأن الممارسة المجتمعية في إطار الدمج ما هي إلا رسالة تثقيف وتوعية وتعديل للرأي المجتمعي عن الآثار الاجتماعية لعملية الدمج.

الخاتمة:

إن دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع العاديين سوف يكون له آثار إيجابية، حيث إن الطفل المعاق عندما يشترك في فصول الدمج ويلاقي الترحيب والتقبل من الآخرين فإن ذلك يعطيه الشعور بالثقة في النفس، ويشعره بقيمته في الحياة ويتقبل إعاقته، ويدرك قدراته وإمكاناته في وقت مبكر، ويشعر بانتمائه إلى أفراد المجتمع الذي يعيش فيه.

كما أن الطفل المعاق من خلال الدمج يكتسب مهارات جديدة مما يجعله يتعلم مواجهة صعوبات الحياة، ويكتسب عدداً من الفرص التعليمية والنماذج الاجتماعية، مما يساعد على حدوث نمو اجتماعي أكثر ملاءمة، ويقلل من وصم العلاقات التي سوف يحتاج إليها للعيش والمشاركة في الأعمال والأنشطة الترفيهية، ويشجعه على البحث عن ترتيبات حياتية أكثر عادية.

والدمج يمد الطفل بنموذج شخصي اجتماعي سلوكي للتفاهم والتواصل، وتقليل الاعتماد المتزايد على الأم، ويضيف رابطة عقلية وسيطة أثناء لعب ولهو الطفل المعاق مع أقرانه العاديين.

قائمة المراجع:

  • الروسان، فاروق. (٢٠١٣). قضايا ومشكلات في التربية الخاصة. عمان دار الفكر.
  • السعيد، هلا. (د.ت). الدمج بين جدية التطبيق والواقع. مكتبة الأنجلو المصرية.
  • شاش، سهير محمد سلامة. (٢٠١٦). استراتيجيات دمج ذوي الاحتياجات الخاصة. زهراء الشرق.
  • القمش، مصطفى نوري. السعايدة، ناجي منور. (٢٠١٤). قضايا ومشكلات معاصرة في التربية الخاصة. دار المسيرة.
  • مصطفى، علي أحمد السيد. الظاهر، عبد الله عبد. (٢٠١٣). التدخل المبكر واستراتيجيات الدمج. دار الزهراء.

وسوم

عن الكاتب

أحمد عبد الله

اقرأ ايضاً عن التربية الخاصة