التدريس التشاركي ومعوقاته في التربية الخاصة

تمهيد:

شهد مجال التربية الخاصة تطوراً ملحوظاً في تعليم الطلاب ذوي الإعاقة خلال السنوات الماضية، فقد تم التدرج في العمل مع ذوي الإعاقة من بيئة العزل إلى البيئات الأقل تقييداً، ومنذ فترة ظهر توجه جديد ينادي بإدماج الطلاب ذوي الإعاقة داخل الصفوف العادية، حيث يتلقون تعليمهم بجانب أقرانهم من الطلاب العاديين.

ويعد التعاون بين المعلمين من خلال استراتيجية التدريس التشاركي أحد المكونات الأساسية في صفوف الدمج، والتي تساعد على تحقيق الأهداف المشتركة بطريقة فعالة، ومن خلال التدريب وتطوير مهارات التعاون يستطيع المعلمون الاستمرار في مواجهة المعوقات عند تعليم طلابهم بمختلف قدراتهم.

مفهوم التدريس التشاركي:

يمكن تعريف التدريس التشاركي على أنه شراكة لمعلم التربية العامة ومعلم التربية الخاصة أو متخصص آخر، لغرض تقديم التعليمات بشكل مشترك لمجموعة متنوعة من الطلاب، بما في ذلك ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة الأخرى، في بيئة تعليمية عامة وبطريقة مرنة ومتعمدة تلبي احتياجاتهم التعليمية (Friend et al., 2010,p.11)

أشكال التدريس التشاركي:

للتدريس التشاركي العديد من الأشكال، من أهمها كما يذكرها فريند وآخرون

 (Friend et al., 2010,p.12):

· واحد يدرّس، واحد يراقب One Teaching One Observing:

وفيه يقوم أحد المعلمين بالتدريس لمجموعة كبيرة من الطلبة، بينما يقوم الآخر بالملاحظة وجمع البيانات الأكاديمية أو السلوكية أو الاجتماعية الخاصة بمجموعة معينة من الطلاب أو جميع الطلاب.

ويمكن للمعلمين استخدام هذه البيانات لتحليل أداء الطالب وتتبع مستوى إنجازه وتقدمه وتحديد أهدافه، واختيار الاستراتيجيات المناسبة.

· المحطات التعليمية Station Teaching:

يتم في المحطات التعليمية تقسيم عملية التدريس على ثلاث محطات، كما يتم تقسيم الطلاب إلى ثلاث مجموعات وينتقلون من محطة إلى أخرى، ويقوم المعلمون بالتدريس في اثنتين من المحطات الثلاثة، بينما يعمل الطلاب بمفردهم في المحطة الثالثة.

· التدريس المتوازي Parallel Teaching:

يتضمن التدريس المتوازي تقسيم الطلبة إلى مجموعتين، ويتعين على كل معلم تدريس مجموعة من الطلاب نفس المحتوى الذي يقوم بتدريسه المعلم الآخر، ويعد هذا النموذج ملائماً عندما يريد المعلمان أن يتأكدا من إتقان الطلاب لمجموعة من المهارات التي يصعب على الطلبة فهمها واستيعابها.

· التدريس البديل Alternative Teaching:

وفيه يقوم معلم واحد بالعمل مع معظم الطلاب بينما يعمل المعلم الآخر مع مجموعة أصغر، وينبغي أن تكون المجموعة الصغيرة غير متجانسة ولا تتضمن نفس الطلبة في كل مرة، حتى لا يُعرف أن هؤلاء الطلاب لديهم صعوبات أكاديمية أو سلوكيات غير مرغوبة مما يسبب لهم الحرج بين زملائهم الآخرين، إن هذا النموذج من التدريس يتيح الفرص لمشاركة الطلاب في المجموعة الصغيرة أو المجموعة الكبيرة باختلاف مستويات تحصيلهم.

· التدريس كفريق Team Teaching:

وفيه يشترك المعلمان بشكل نشط في تخطيط وتدريس وتقييم العملية التعليمية لجميع الطلاب في نفس الوقت، وتعتبر هذه الطريقة الأكثر تعاونية في التدريس التشاركي.

إلا أنها من أصعب أشكال التدريس التشاركي، حيث يجب أن يكون معلم التعليم العام ومعلم التربية الخاصة على حد سواء على استعداد ومعرفة تامة بالمحتوى الخاص بالدرس.

· واحد يدرّس/ واحد يساعد One Teaching, One Assisting:

وفيه يقوم أحد المعلمين بقيادة عملية التدريس بينما يدور الآخر بين الطلاب ويقدم المساعدة لمن يحتاجها، وغالباً ما يتم استخدام هذا النموذج عند تدريس مفاهيم جديدة، أو عندما يكون لدى أحد المعلمين خبرة في تقديم المحتوى أكبر من المعلم الآخر.

مزايا التدريس التشاركي

هناك العديد من المزايا لهذا النوع من التدريس الذي يقدم الخدمات للطلاب من ذوي الإعاقة في صفوف الدمج مثل: التخطيط للدروس بشكل تعاوني بين معلم التربية الخاصة ومعلم التعليم العام، وتلقي الطلاب العاديين والطلاب ذوي الإعاقة التعليم في الغرفة الصفية ذاتها، وإعطاء معلمي التعليم العام معلومات حول الطلبة ذوي الإعاقة، تساعدهم في تكييف وتعديل الأنشطة والتدريس الصفي، كما يمتلك معلم التربية الخاصة ومعلم التعليم العام أدواراً متفق عليها تخص التدريس وإدارة الصف.

وفي نفس السياق ذكر Roberson في دراسته مجموعة من المقومات الضرورية لنجاح التدريس التشاركي، أهمهـا التفاهم والتعاون بين معلمي التربية الخاصة ومعلمي التعليم العام، بالإضافة إلى الإعداد الجيد لكل الدروس قبل دخول غرفة الصف.

ويعد نموذج التدريس التشاركي من النماذج التي صممت لتساعد الطلاب ذوي الإعاقة بمن فيهم الصم وضعاف السمع في البقاء في صفوف التعليم العام، مع وجود معلم مدرب ومؤهل في التربية الخاصة ومعلم تعليم عام يعملان بالتعاون فيما بينهما في إعداد وتخطيط الدروس والأنشطة والإستراتيجيات وتوزيع الأدوار.

وأشار إلى أن التدريس التشاركي يساهم في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص ويساعد الطلاب ذوي الإعاقة على التقدم مثل الطلاب العاديين والحضور في بيئة تعليمية طبيعية. وذكر أن استخدام التدريس التشاركي يؤدي إلى رفع وتحسين المستوى التحصيلي للطلاب بصفة عامة داخل صفوف الدمج. (Roberson,2014,p.35).

أدوار وكفايات معلم الصف العادي ومعلم التربية الخاصة:

في نموذج التدريس التشاركي يعد الطلاب سواء من ذوي الإعاقة أو من التعليم العام طلاباً لكلا المعلمين داخل الصف الواحد، وتبرز أهمية أدوار وكفايات كل من معلم الصف العادي ومعلم التربية الخاصة بالصف العادي كمرتكز أساسي في نجاح عملية التدريس التشاركي، وذلك من خلال قيامهما بالآتي كما ذكره (هارون، 2013، ص.139 -140):

  • اكتشاف الاحتياجات الخاصة للتلميذ بوضوح.
  • تحديد الأهداف التعليمية طويلة المدى وقصيرة المدى بحيث تشتمل على قدرة التلميذ على أداء عمله مع نهاية العام، بينما تشمل قصيرة المدى السلوك الذي سوف يتم تحصيله
  • تحليل المهمة التعليمية التي سيتم تعلمها بحيث يجب تجزئة أي مهارة يتم تعلمها إلى مهام فرعية مما يعطي المعلم فهماً أكثر للخطوات التي يجب أن يتعلمها التلميذ.
  • تصميم التعلم في مستوى يناسب التلميذ بمعنى تدريس ما يستطيع التلميذ أن يستجيب له أولاً، ومن ثم زيادة تعقيد المهمة بشكل تدريجي.
  • إعداد الدرس بشكل يجنب التلميذ الوقوع في الأخطاء، بمعنى أن يكون اختياره للمواد التعليمية والكتب الدراسية اختياراً دقيقاً يناسب قدرات التلميذ حتى يستجيب لها دون أخطاء أو العمل على تقليلها للحد الأدنى.
  • تعليم التلاميذ الذين في حاجة إلى المساعدة لتنمية مهارات معينة كالقراءة والحساب، داخل غرفة الدرس، لمدة ساعة أو ساعتين يومياً.
  • إرشاد معلم الفصل العادي إلى كيفية برمجة وتعزيز وإعادة تكييف المنهج العادي بشكل يسمح بتعليم المعاقين داخل الفصل العادي كل حسب قدراته.
  • تعليم بعض التلاميذ المضطربين سلوكياً أثناء اليوم المدرسي حتى يتم تعديل سلوكهم وينتظمون بالفصل العادي.
  • عمليات التشخيص وإحالة ووضع الخطة التربوية الفردية.
  • الاتصال بالآباء والهيئات والأجهزة العاملة في مجال الإعاقة.

معوقات التدريس التشاركي:

على الرغم من أهمية التدريس التشاركي لجميع المشاركين في العملية التعليمية من معلمين وطلاب، إلا أن هناك مجموعة من المعيقات التي تحد من فعالية هذه الإستراتيجية ويرى (الباش والماجد، 2018، ص.21-22) أنه بالنظر إلى العديد من الدراسات ذات الصلة بالتدريس التشاركي يتضح من نتائجها المعيقات الآتية:

  • عدم تخصيص وقت للتخطيط للتدريس التشاركي وتنفيذه.
  • عدم تقديم تفاصيل كافية له أثناء تقديم الدروس.
  • عدم امتلاك المعلمين المعلومات كافية حول التدريس التشاركي.
  • عدم وجود محتوى ثابت لإمداد المديرين والمعلمين بالمعرفة والمهارات المرتبطة بتسهيل التدريس التشاركي.
  • المشكلات المرتبطة بالفرق التعاونية وعدم الاتفاق بين المعلمين للعمل معاً، والحاجة إلى مزيد من التدريب في توفير أماكن الإقامة والتعديلات.
  • الأدوار غير المتساوية بين المعلمين والغموض حول الأدوار والمسؤوليات التعليمية للمعلمين.
  • هيمنة خطاب التعليم العام والمناهج الدراسية التي ترتبها الدولة في الفصول الدراسية مما يؤدي إلى استبعاد ممارسات التدريس التشاركي.
  • الافتقار إلى الجوانب الشخصية والمعيارية للتنمية في فرق التدريس التشاركي.
  • عدم وجود الفائدة الكبيرة لجميع نهج التدريس التشاركي للفئات المدمجة من ذوي الإعاقة على الرغم من إمكانية تطبيقها مع تلك الفئات.
  • الفرص المحدودة للتطوير المهني للمعلمين.

خاتمة:

إن التدريس التشاركي ليس حلاً سحرياً لتعليم الطلاب ذوي الإعاقة بشكل فعال، ولكنه يحمل وعداً كبيراً، إنه دليل على أن المدارس تتبنى بشكل متزايد التعاون كمعيار للممارسة بنفس الطريقة التي يتطور بها في التخصصات الأخرى، إنه يوضح أنه من خلال التعاون، يمكن للمهنيين إنشاء خيارات مبتكرة ضمن نظام تعليمي واحد يكون أكثر استجابة لتنوع المتعلمين اليوم.

المراجع:

  • الباش، نورة والماجد، فاطمة. (2018). التدريس التشاركي بين معلمي التربية الخاصة والتعليم العام في مدارس الدمج الشامل: مراجعة أدبيات. مجلة التربية الخاصة والتأهيل، 6 (24)،1-30.
  • هارون، صالح عبد الله. (2013). آفاق مستقبلية لدمج ذوي الاعاقات البسيطة في الفصل العادي. مجلة التربية الخاصة، العدد (3)،128-146.
  • Friend, M., Cook, L., Hurley-Chamberlain, D., & Shamberger, C. (2010). Co-teaching: An illustration of the complexity of collaboration in special education. Journal of educational and psychological consultation, 20(1), 9-27.‏
  • Roberson, G. (2014). Do teachers perceive co-teaching as an effective instructional model? (Order No. 3622606). Available from ProQuest Dissertations & Theses Global. (1547165661).

وسوم

عن الكاتب

مالك الحافظ

اقرأ ايضاً عن التربية الخاصة