التنمُّر على التلاميذ ذوي الاحتياجاتِ الخاصَّة في مدارس التعليم العامّ

تمهيد:

يُعَدُّ التنمُّرُ على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصّة في مدارس التعليمِ العامِّ من المشكلاتِ السلوكيةِ الخطيرةِ التي اجتاحَت المدارسَ في الآونة الأخيرة، والتي تظهرُ بين الأطفالِ والمراهقينَ على السواء، في كلِّ المجتمعات، ولا يخلو مجتمعٌ منها، وتتسبَّب بإحداثِ العديد من الآثار السلبية في الجوانبِ المعرفية والانفعالية والاجتماعية والشخصية والأكاديمية كافّةً، للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تؤثِّر على كلٍّ من الشخصِ المتنمِّر وأيضاً الشخصِ المتنمَّرِ عليه أو ما يسمَّى (ضحيّة التنمُّر)، وتحمل هذه المشكلة في أثنائها أضراراً، يتعرَّض لها نسبةٌ كبيرة من التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة في شتَّى أنحاء العالم، دون استثناء، فتترتَّب عليها أثارٌ مدمِّرة للتلاميذ والأسرة والمجتمع ككل، لذا يمكن تصنيفُها مشكلةً، تتصدَّر البحوثَ والدراساتِ الحديثةَ في مجال علم النفس؛ نظراً لخطورتها على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة داخلَ المدرسة، والتي من الممكن أن تتسبَّب في مَيلِ كثيرٍ من التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة المُدمَجين بالمدارس العاديّة إلى الانتحار كمحاولة للتخلُّص من حياتهم.

مفهوم التنمُّر على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصّة:

عُرِّف التَّنمُّر بأنّه: أفعالٌ سلبية متعمَّدة من جانب طالبٍ أو أكثر، تتضمن إلحاقَ الأذى بطالبٍ آخر، تتمُّ بصورةٍ متكرِّرة طوال الوقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعالُ السلبية بالكلمات، مثل: التهديدِ والتوبيخِ والإغاظةِ والشتائم، ويمكن أن تكون جسديَّةً كالضربِ والركلِ والدفع، ويمكن أن تكون كذلك بدون استخدام الكلمات أو التعرُّض الجسدي، مثل الإشاراتِ غيرِ اللائقة (2010,P.380 ,Olweus & Limber).

وتعرِّفُ منظمةُ الصحة العالميةOrganization,2020) World Health)‏ التّنمُّرَ بأنّه: شكلٌ متعدِّدُ الوجوه من أشكال سوءِ المعاملة، يتَّصفُ بتعرُّض الضحية إلى الإيذاء البدني أو النفسي، بما في ذلك المضايقة والاستهزاء، والتهديد والتحرّش، والإهانة، والسخرية والاستبعاد الاجتماعي. ويؤكِّد هذا التعريف ثلاثَ سماتٍ تشير إلى التنمّر: القصد والتكرار والقوة، وذلك إلى جانب أنّ مرتكبَ التَّنمر يتعمَّد أن يُلحِقَ الأذى إمّا جسدياً وإمّا لفظيّاً، ويكون بصفة متكرِّرة.

كما تُعرِّفه منظمة يونسكو (2019) بأنّه: سلوكٌ متعمَّد وعدوانيٌّ بين الأقران، ويحدث بشكل متكرِّر، حيث يوجَد خللٌ حقيقي أو تصوُّرات بأنه سلوك مصدر قوّة.

ويعرِّفُه الكاتب بأنّه: تعرُّضُ التلاميذِ من ذوي الاحتياجات الخاصة لسلوك سلبيٍّ متعمَّد من قِبَلِ أقرانهم تلاميذ التعليم العام في مدارس التعليم العام الملحقِ بها فصولُ دمجٍ، عن طريق تنمُّر لفظي أو جسدي؛ وإلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بهم.

أشكال التنمُّر المدرسي على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة

التنمُّر اللفظي

ويُعدُّ من أشهر أنواع التنمّر على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، ويظهر على شكل إطلاق أسماءٍ غيرِ مرغوبة على الآخرين والسخرية منهم، والتوبيخ والإيماءات، أو التلميحات والقذف والسبّ، بصورة متعمَّدة، والقدح في عِرقهم، أو دياناتهم، أو مكانتهم الاجتماعية، أو الاستخفاف بهم؛ للتقليل من مكانتهم، وإطلاق بعض الألقاب البذيئة على أساس الجنس أو العِرق أو الدِّين، أو الطبقة الاجتماعية، أو الإعاقة. (2002,p.62 ,Roland).‏

ويرى الباحثُ أن التنمّر اللفظيَّ متكرِّر ومتعمَّد، يَلحَق بالتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال الكلمات والعبارات التي يوجِّهها التلميذ المتنمِّر إليهم، ويشمل التهديدَ والإغاظةَ والتعليقاتِ القاسيةَ وإيذاءَ مشاعرِ الآخَرين من خلال المضايَقة، والسبِّ والتحريض والصراخ، والمعايرة بالألفاظ القبيحة.

التنمُّر الجسدي

يعدُّ من أكثر الأنواع انتشاراً بحقِّ التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتَّخذ أشكالاً مختلفة، ويتضمَّن هذا النوعُ من التنمّر أيَّ اتصالٍ بدَني يُقصَد به إيذاء الضحية جسدياً، ويأخذ أشكالاً مختلفة؛ منها الدفع، واللطم، والضرب، والركل، والهجوم على الضحية، وتحطيم ممتلكاته الخاصة، وهو أقلُّ شيوعاً بين الإناث اللاتي يستخدمنَ وسائلَ كثيرةً غيرَ مباشرة (الدسوقي، 2016، ص.20).

ويرى الباحثُ أن التنمُّر الجسديَّ ضررٌ متكرِّر ومتعمَّد، يلحق بالتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال كلِّ شكلٍ من أشكال الإساءة التي يقوم بها التلميذ المتنمّر، ويلحق بها الأذى بالتلميذ الضحية، ويشمل: اختلاق المشاكل، والركل، واللكم، والصفع، والعضَّ، وشدَّ الشَّعر، والضرب، والقَرص.

التنمُّر الاجتماعي

يعدُّ أكثرَ أشكالِ التنمر ضرراً، ويتضمن عزلَ الضحيةِ عن مجموعة الرفاق، ومراقبةَ تصرفاته، ومضايقتَه، ورفضَ صداقتِه، أو مشاركته في ممارسة الأنشطة المختلفة، والتجاهل المتعمَّد، وإبعاد الضحية عن الأقران، واستخدام لغة الجسد العدوانية (الدسوقي، 2016، ص.20).

ويرى الباحث أن التنمّر الاجتماعي ضررٌ متكرِّر ومتعمَّد يلحق بالتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال قيام التلميذ المتنمر باستبعاد التلميذ ذي الاحتياجات الخاصة من المشاركة في الأنشطة مع المجموعة، والتجاهل المتعمَّد، وغرس الكراهية في نفوس الأقران تُجاه التلميذِ ذي الاحتياجات الخاصة، والغمز واللمز، وإشعال الفتن، ونشر الشائعات، والتوبيخ، والسخرية؛ مما يؤدِّي إلى شعور التلميذ الضحية بالألم.

التنمُّر الجنسي:

يُعرَّفُ التنمّرُ الجنسي بأنه نوعٌ من أنواع الإيذاء، ويحدث جسدياً، ولفظياً واجتماعياً، ويشمل التلميحات برسائلَ غيرِ مرغوبٍ فيها، والمضايقة الجنسية بالكلمات، وسلوكيات الاحتكاك بدنياً، مثل إجبار تلميذ ما على الانخراط في السلوكيات الجنسية (Williams & Pearson,2016,p.17).

ويتمثَّل في استخدام أسماءٍ جنسية، أو كلمات خادشةٍ للحياء، أو لمسِ أعضاءٍ بطرقٍ غيرِ لائقة، ويشمل النكات والصور والشائعات الجنسية، أو تهديدَ وإجبارَ شخصٍ ما على الانخراط في سلوكيات جنسية، وكذلك الاحتكاك البدني (مسعد أبو الديار، 2012، ص.46).

ويرى الباحث أن التنمُّر الجنسيَّ ضررٌ متكررٌ ومتعمَّد يلحق بالتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال محاولة التلميذ المتنمر التحرُّشَ الجنسي بالتلميذ ذي الاحتياجات الخاصة والملامسة غير اللائقة للأعضاء، واستخدام أسماء جنسية ينادى بها، والمضايقة الجنسية بالكلام، ونشر الشائعات الجنسية، والتوعُّد بفضح الضحية بممارسته للجنس كذباً، وإجبار التلميذ ذي الاحتياجات الخاصة على الكلام الجنسي.

التنمُّر الإلكتروني

يُعرَّف التنمّرُ بواسطة الإنترنت على أنه سلوك عنيفٌ متعمَّد يُنفَّذ من قِبَل مجموعةٍ أو فرد بواسطة استخدام الوسائل الإلكترونية؛ مثل توجيه تهديدات من خلال البريد الإلكتروني، أو عبرَ مواقعِ التواصل الاجتماعي، أو تصويرٍ بالهاتفِ الجوال في مواقفَ غيرِ لائقة؛ لابتزاز الضحية، ونشر الشائعات عنها (الصبحين والقضاة، 2013، ص 11).

ويرى الباحث أن التنمر الإلكتروني ضررٌ متكرر ومتعمَّد يلحق بالتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال قيام التلميذ المتنمر بإيذاء التلميذ الضحية عبر وسائل الاتصالات والهواتف النقالة والرسائلِ الشخصية البذيئة والمكالمات الدنيئة، ورسائلِ التهديد، وعرضِ الصور الفاضحة.

التنمُّر بأخذِ الممتلكات

إنّ التنمّر على الممتلكات يتعلق بالابتزاز والتهديد والسرقة، وتدمير ممتلكات الضحية، ويمكن أن ينطويَ على إكراهِ الضحية على أعمالٍ غيرِ مرغوب فيها، ومعادية للمجتمع، ويشمل التنمُّرُ على الممتلكات أخذَ ممتلكاتِ الآخرين أو إنكارَها، أو تمزيقَ ملابسِ الضحية أو إتلافَ كتبِه وأدواتِه المدرسية أو مقتنياته الخاصة، أو إحداثَ ضررٍ بالممتلكات المدرسية أو استخدام ممتلكات الآخرين عنوة (الدسوقي، 2016، ص.22)

ويرى الباحثُ أن التنمّر على الممتلكات ضررٌ متكرِّرٌ ومتعمَّد، يلحق بالتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال قيام التلميذ المتنمِّر بإيذاء التلميذ ذي الاحتياجات الخاصة، ويشمل تمزيقَ ملابسِ الضحية، وإتلاف الكتب وأدوات المدرسة، وأخذَ مقتنيات الآخرين دون علمهم، وإخفاء الممتلكات الخاصة بالزملاء، وإنكارها، وإلقاءَها على الأرض، وأخذَ أطعمتِهم.

الآثار الناتجة عن التنمُّر على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة:

يرى أبو الديار (2012) أنّ ضحايا التنمُّر أكثرُ شعوراً بالاكتئاب من أقرانهم الذين لم يقعوا ضحيةً للتنمّر، كما أنّهم يتَّصفون بتدنِّي التكيُّفِ الاجتماعي، ويصبح من الصعب جداً عليهم تكوينُ صداقات، بعكسِ الأفراد الذين لم يتعرَّضوا إلى التنمر، كما يظهر عليهم تدنٍّ في مستوى التحصيل الدراسي، ونقصِ الاندماج في المدرسة، ولوحظ عليهم المشاعر السلبية واكتسابهم للسلوك العدواني، كما أنهم يميلون إلى العُزلةِ والخجل والانسحاب الاجتماعي؛ نتيجةَ عدمِ تقبُّل الجماعة والأفراد لهم، ونبذ المجتمع المحيط به للضحية؛ وبذلك يصبح عُرضة للتنمّر من أقرانهم. هذا بالإضافة إلى كراهية المدرسة، وكل ذلك يتعلق بشخصية الطفل ضحية التنمر. (ص.89).

وقد أوضح المركز الإقليمي للتخطيط التربوي – اليونسكو (2019) أن التنمّر من أهمِّ العوامل التي تؤدِّي إلى تدنِّي المستوى الأكاديمي، وإهمال الواجبات المدرسية والشعور باللامبالاة من المدرسة والمعلِّمين، والغياب والتسرُّب من المدرسة.

ومن هذه الوجهة، لفتت ويرف (2014) Werf الانتباه إلى أنّ الضحايا يعدُّون المدرسة والصف مكاناً مُنفّراً، وعلى الرغم من ذهابهم إلى المدرسة يتّضح انخفاضُ مستواهم الأكاديمي، وبدلاً من تركيزهم على العلم، فإنهم يركِّزون على كيفية تجنُّب المتنمّرين، ويفكِّرون في مشاعرهم السلبية بسبب التنمر عليهم. والجدير بالذكر أنهم لاحظوا بعد فترةِ متابعةٍ بعد تعرض الضحايا للتنمر؛ أنهم يتوقَّفون عن التعلُّم، حيث يهدرون طاقاتِهم وجُلَّ تفكيرهم في كيفية التعامل مع التنمر. وعلى المدرسة أن تعيَ أنّ الأسرة هي أوّلُ مؤسسة اجتماعية للطالب، ولها دورٌ بالغُ الأهمّيةِ، فيجب أن تكون المدرسة مدركةً للضغوط التي تتعرَّض لها الأسرة، فتعمل على مساعدتها لتجاوزِ هذه الصعوبات التي قد يكون سببها في أغلب الأوقات حدوث سلوكِ التنمُّر، ويكون طفلهم الضحية (أبو الديار، 2012، ص.95).

الخاتمة:

واستخلاصاً ممّا سبق تعدُّ مشكلةُ التنمُّرِ على التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس التعليم العام من المشكلات الخطيرة التي تهدد الأمن المدرسي بأسْرِه، وهي ظاهرة متزايدة الانتشار، ومشكلة تربوية واجتماعية وشخصية بالغة الخطورة ذات نتائج سلبية على البيئة المدرسية العامّة والنموِّ المَعرفيِّ والانفعالي والاجتماعي للطفل.

وقد تفشَّت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة بين التلاميذ العاديين وذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس الدمج داخل أسوار المدارس وحتى خارجها، وتحمل هذه الظاهرة في أثنائها أضراراً نفسيةً وجسديةً تتعرض لها نسبةٌ كبيرة من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في شتَّى أنحاء العالم دون استثناء، فتترتَّب عليها أثارٌ مدمِّرة، تطالُ التلاميذَ ذوي الاحتياجات الخاصة وأُسَرَهم والمجتمعَ، حيث تقود في بعض الأحيان إلى وضعِ حدٍّ لحياتهم.           

المراجع:

  • أبو الديار، مسعد نجاح. (2012). سيكولوجية التنمر بين النظرية والعلاج. (ط.2). مكتبة الكويت الوطنية.
  • الدسوقي، مجدي محمد. (2016). مقياس السلوك التنمري للأطفال المراهقين. دار جوانا للنشر والتوزيع: القاهرة.
  • الصبحين علي موسى، والقضاة، محمد علي. (2013). سلوك التنمر عند الأطفال والمراهقين (مفهومه أسبابه علاجه). جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض: السعودية.
  • منظمة يونسكو. (2019). اليوم الدولي لمكافحة كل أشكال العنف الإنترنت والتنمر في المدارس، ومنها التنمر الالكتروني.‏ www.unesco.org
  • Olweus, D. A., & Limber, S. P. (2010). Bullying in School: Evaluation and Dissemination of the Olweus Bullying Prevention Program. American Journal of Orthopsychiatry, 80(1), 377-401.
  • Rolond, E. (2002). Bullying, depressive, symptoms and suicidal thought, Education research, Vol. 44(1), pp. (55-67).
  • Williams, M., & Pearson, O. (2016). Hate crime and bullying in the age of social media. [Project Report]. Welsh Government. Available at: http://social datalab.net/wp content/uploads/2016/0.
  • World Health Organization. (2020). Definition: Intellectual disability. http://www.euro.who.int/en/health-topics/noncommunicable.

وسوم

عن الكاتب

مالك عبد الحافظ

اقرأ لـ مالك عبد الحافظ

اقرأ ايضاً عن التربية الخاصة