أطفالنا والرسوم المتحركة

مرحلة الطفولة تعدّ من أهم المراحل في حياة الإنسان، فهي القاعدة التي ينطلق منها الفرد إلى المراحل التالية.

 يقول الإمام الغزالي – رحمه الله – في كتابه إحياء علوم الدين: “والصبيّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهرُ جَوْهرةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ، خالِيةٌ عَن كلِّ نَقْشٍ وصُورةٍ، وهُوَ قابِلٌ لِكُلِّ مَا نقش، ومائلٌ إلى كُلِّ ما يُمَالُ بِه إليْهِ، فإنْ عُوِّدَ الخيْرَ وَعُلمَهُ، نَشَأَ عليهِ وسَعِدَ فِي الدُّنْيا والْآخِرَة وشاركه في ثوابه أبواه وكُلّ مُعَلِّمٍ له ومُؤَدِّبٍ، وإنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وأُهْمِلَ إِهْمَالَ البَهَائِم، شَقِيَ وَهَلَكَ وكَانَ الوِزْرُ في رقبة القيم عليه والوالي له”.

السنوات الأولى من عمر الطفل هي التي تُحدد شخصيته في المستقبل، وتُوجه سلوكه وتُغذي أفكاره من خلالها، وبما أنّ الإعلام المرئي مُتاح لكل فئات المجتمع؛ لذلك وجب الاهتمام بهذه المرحلة ومحاولة ملء وقت فراغ الطفل بما ينفعه، وبما أنّ الرسوم المتحركة هي أهم البرامج التي يشاهدها، فمن الأحرى تَتَبُّع ما فيها من قصص وقيم. (عليوات، 2018)

الشاشات، بأنواعها المختلفة، تُزاحم الأسرة والمدرسة في تربية الأولاد، والرسوم المتحركة أو الأفلام الكرتونية تعدّ من أبرز ما يجذب الأطفال، فيشاهدونها بشغف ويتأثرون بها.

أصبح الوصول إلى الرسوم المتحركة، في هذا العصر، سهلاً من خلال الهاتف المحمول الذي دخلَ البيوت، وصار جليساً مؤنساً لكل أفراد الأسرة، وتكمن المشكلة في ترك الطفل أمام الشاشات دون متابعة لمحتواها، ودون تحديد لمدة المشاهدة.

وتعد البرامج الكرتونية بيئة خصبة تسهم في بناء وتشكيل قيم وأفكار الأطفال، والتي ستنعكس عليهم لاحقاً على هيئة معتقدات وسلوكيات، ويعتمد ذلك على كثافة المشاهدة وتراكم الأيام. (القضاة، 2019)

أولاً: تعريف الرسوم المتحركة والبرامج الكرتونية:

مجموعة من الصور المرسومة المتحركة ذات الألوان الجذّابة المُعدة مسبقاً، معروضة على القنوات الفضائية، ويتم الحصول عليها من عدة مصادر مثل التلفاز أو الأجهزة الإلكترونية. (بدير، 2018)

          البرامج الكرتونية: هي برامج مخصصة للأطفال وتجلب انتباههم لما فيها من تشويق ومتعة وألوان ومثيرات سمعية وبصرية، وهذه البرامج قد تحوي موضوعات إيجابية أو سلبية. (القضاة، 2019)

ثانياً: تأثير الرسوم المتحركة في الطفل:

          تتميز الرسوم المتحركة بخصائص كثيرة تجعلها تحظى باهتمام الأطفال، فتجذبهم بما تحتويه من مؤثرات وحركات وأصوات وصور.

إيجابيات مشاهدة الرسوم المتحركة:

تشتمل الرسوم المتحركة على مصالح ومنافع عظيمة، فهي وسيلة تربوية مؤثرة تصل إلى العقول والقلوب بأبلغ الأثر وأعمقه، وهي وسيلة لتوجيه أهداف الأطفال واتجاهاتهم، فيتجاوز الكرتون بذلك كونه عنصر لهو وترفيه فقط إلى مرتبة توجيه وتثقيف. (محمود، 2017)

ومن أبرز إيجابياتها:

  1. تنمية ملكات الطفل العقلية وتنشيط مداركه وتنمية معلوماته، فتفتح أمام الطفل آفاقاً معرفية إذ تنتقل به إلى عوالم جديدة، لم يكن ليتعرف على خباياها من خلال خبراته الحياتية؛ إذ تنقله إلى البحار والمحيطات، وعالم الحيوان والشعوب الأخرى.
  2. تلقين وتعليم الطفل مجموعة من القيم الإيجابية، كالصدق والتعاون.
  3. تُلبّي الرسوم المتحركة بعض احتياجات الطفل النفسية كحب الاستطلاع.

(الشريف، 2019)

  • تحتوي الرسوم المتحركة على الحكايات، التي يمكن أن تساعد الطفل على تفهم طبيعة العلاقات الاجتماعية، وإكسابه المهارات والخبرات، مثل: النظافة الشخصية، وآداب الحديث، وآداب المرور، والتعاون مع الآخرين.
  • تُعلّم الطفل لغة عربية فصيحة لا يجدها في محيطه الأسري، مما يُيسر له تصحيح النطق وتقويم اللسان وطريقة الكلام.

(الراشد، 2019)

سلبيات مشاهدة الرسوم المتحركة:

  1. تؤدي المشاهدة الكثيفة للبرامج الكرتونية إلى ما يُسمى بالكسل الذهني، وجعل الطفل يدرك واقعه الحقيقي من خلال ما يشاهده في الواقع الافتراضي. (القضاة، 2019)

وفي دراسة بدير (2018) أشارت الأمهات إلى أنّ مشاهدة أطفالهم (أطفال الروضة) للرسوم المتحركة، تؤثر إلى حد ما في تشكيل السلوك السلبي لديهم.

  • تعرض بعض هذه الرسوم المتحركة أفلاماً تحثّ الطفل على العنف والإجرام، وتجعله يميل إلى العدوانية في تصرفاته.
  • يضرّ الجلوس لفترات طويلة أمام التلفاز لمتابعة هذه الأفلام بصحة الطفل.

(الراشد، 2019)

  • التشبّع بمفاهيم الثقافة الغربية، فعندما يشاهد الطفل الرسوم المتحركة التي في غالبها من إنتاج الحضارة الغربية، لا يشاهد عرضاً مُسلياً فحسب، بل يشاهد عرضاً ينقل له أفكاراً انحرافية أو نسقاً قيمياً مُشبعاً بمشاهد تثير لديه الغرائز بشكل فوضوي واستعجالي. (عليوات، 2018)
  • اضطراب نظام الطفل اليومي، وعدم التزامه بأوقات النوم والطعام، مما ينمي لديه الاستهتار بالوقت.
  • التأثير في التحصيل الدراسي للطفل بشكل سلبي.
  • إصابة الطفل ببعض المشكلات النفسية كالفزع والخوف، مما قد يؤدي إلى تبوله ليلاً خلال نومه.

(إبراهيم، 2014)

  • الخيال المبالغ فيه المتجسد في العديد من الرسوم المتحركة، يجعل الطفل يعيش في عالم الأوهام والخيالات بعيداً عن الخبرات الواقعية، وذلك مثل الرسوم المتحركة المُجسّدة لأشكال غريبة تخزّن القوة والطاقة ولها قدرات خارقة. (عليوات، 2018)

ثالثاً: مقترحات لأولياء الأمور:

  1. فيما يتعلق بالوقت المسموح به للجلوس أمام الشاشات والأجهزة الإلكترونية، توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بالآتي:
العمرالتوصيات
أقل من سنتينيُمنع استخدام الأجهزة الإلكترونية والجلوس أمام الشاشات
سنتانيُسمح ببعض الوقت مع أحد الوالدين
2 – 5يجب ألّا يزيد عن ساعة واحدة في اليوم، مع وجود البالغين لمساعدتهم على فهم ما يرونه
6 – 18يجب على الآباء وضع حد ووقت معين، بحيث لا يتجاوز ساعتين يومياً

        (وزارة الصحة السعودية، 2019)

  • الحرص على بناء علاقة إيجابية مع الأطفال والاحتواء الأسري.
  • الاهتمام بما يتابعه الأطفال من الرسوم المتحركة، وانتقاء المفيد والهادف وتوجيه الطفل نحوه.
  • تنظيم وقت الأطفال، وتقليل مدة مشاهدتهم للرسوم المتحركة، ومتابعتهم برفق.
  • حثّ الأطفال على مناقشة ما يشاهدونه، وتنمية التفكير الناقد لديهم.
  • تشجيع الأطفال على ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية المختلفة، والألعاب الحركية المتنوعة المناسبة لسنّهم.
  • توجيه الأطفال إلى اكتساب عادات ومهارات مفيدة وتشجيعهم على ذلك، كالقراءة، والخط العربي، والرسم، والأعمال اليدوية المختلفة.

المراجع:

  • إبراهيم، مدحت. (2014). مظاهر العنف في الرسوم المتحركة وتأثيرها على التعبيرات الفنية لعينة من الأطفال. جمعية أمسيا مصر. 67-81.
  • بدير، كريمان. (2018). تأثير مشاهدة برامج الرسوم المتحركة على سلوك أطفال الروضة من وجهة نظر الأمهات. مجلة جامعة أسيوط. 4(4). 101-121.
  • الراشد، نجم. (2019). التلفاز: أثره على اللبنة الأساسية للمجتمع “الأطفال”. مجلة فكر وإبداع. (126). 341-377.
  • الشريف، داليا. (2019). القيم في برامج الرسوم المتحركة المدبلجة ومدى توافقها مع قيم المجتمع العربي “مسلسل حكايات جنجر أنموذجاً”[رسالة ماجستير منشورة، جامعة الشرق الأوسط]. موقع AskZad. {ص19}
  • عليوات، سميحة. (2018). تأثير الرسوم المتحركة على شخصية الطفل وسلوكه. مجلة التواصل في العلوم الإنسانية والاجتماعية. 24(53). 27-37.
  • الغزالي، أبو حامد محمد. (2005). إحياء علوم الدين. دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع. {ص955}
  • القضاة، شروق. (2019). القيم في البرامج الكرتونية الموجهة للفتيات: دراسة تحليلية من منظور تربوي إسلامي [رسالة ماجستير منشورة، جامعة اليرموك]. جامعة اليرموك. {ص7، 160}
  • محمود، ساجدة. (2017). الرسوم المتحركة من منظور شرعي. مجلة كلية التربية للبنات بجامعة بغداد. 28(1). 71-91.
  • وزارة الصحة السعودية. (2019، 20 أغسطس). الوقت المسموح للجلوس أمام التلفاز والأجهزة الإلكترونية [صورة] [تغريدة]. تويتر. استرجع في 22 / 7 / 2021 من https://twitter.com/SaudiMOH/status/1163752258074554368/photo/1

وسوم

عن الكاتب

أحمد حمشو

باحث في التربية والإرشاد النفسي

اقرأ لـ أحمد حمشو

اقرأ ايضاً عن الطفولة المبكرة

اقرأ ايضاً عن علم النفس