الأطفال في ظل الحروب

كلمة “الحرب” ليست كأي كلمة، إنها كلمة تحمل في مطاويها معانٍ مؤلمة، فآثار الحرب تُشبَّه بآثار البركان، فالبركان يغيّر معالم الأرض وكذلك الحرب تُحدث تغييرات جذرية في حياة الأفراد والجماعات، وفي ظل الحروب لا ينجو أي فرد من حِمم تصيبه فتؤثر فيه.

كلمة “الأطفال” هي أيضاً ليست كأي كلمة، فعند ذكر هذه الكلمة يتبادر إلى أذهاننا معانٍ رائعة ولطيفة كالبراءة والنقاء والجواهر النفيسة، وللأسف تأتي الحرب لتحرم الأطفال من جمال الطفولة وتهدد نموهم، فالأطفال الذين يعيشون في ظل الحروب يتأثرون بما يجري نفسياً وجسدياً.

نشير في هذه المقالة إلى آثار الحروب في نفوس الأطفال، ونؤكد دور الأسرة في تحصين الأطفال ومساندتهم، ونختم المقالة بالقواعد التربوية العامة لصحة الطفل النفسية التي ينبغي مراعاتها حفاظاً على سلامة أطفالنا.

تأثر الأطفال بظروف الحرب:

عندما يتعرض الأطفال إلى خبرات صادمة تتعدى أحداث الحياة العادية، وتهدد الطفل بشكل كبير، فإن حاجاتهم، على الصعيدين الفيزيولوجي والنفسي، تتأثر مما يؤدي إلى زعزعة النمو المتجانس عنده، وربما يترك أثره عليه مدى الحياة، ومن ناحية أخرى وفيما يتعلق بالناحية التطورية تشير الدراسات الحديثة إلى أنّ هناك علاقة واضحة بين تعرّض الطفل الصغير للصدمات والأحداث الخطرة وتطور الوظائف الدماغية، وتؤكد على الأهمية البالغة لعاملين متكاملين هما: الخبرات التي يمر بها الطفل في سنواته الأولى وتأثيرها على شخصيته وقدراته، الدور الكبير الذي يلعبه العامل الوراثي في عملية النمو لدى الإنسان. (شيخاني، 2014)

قد تظهر الآثار النفسية عند أطفال الحرب من خلال مجموعة من الأعراض التي تنعكس سلباً على أدائهم الدراسي، وتؤدي إلى اضطراب في حياتهم الانفعالية نتيجة الحرمان الفجائي، ومن هذه الأعراض اضطراب النوم والأحلام المزعجة وقضم الأظافر وظهور بعض المظاهر العصبية على وجوههم والذعر من سماع الأصوات العالية المشابهة للطلقات النارية أو أصوات الطائرات المحقة فوق بيوتهم وأراضيهم. (فواز، 2011)

إن ردود الفعل العاطفية تختلف من طفل إلى طفل آخر في طبيعتها وحدتها، ولكن هناك بعض التشابه العام في كيفية شعور الطفل عندما يتعرض لتهديد الظروف الصعبة والنزاعات، ورد الفعل المسيطر خلال الظروف الصعبة هو الخوف على الجميع، وخوفه قد يظهر في مخيلته والتي قد تثار بشكل غير منطقي عند سماعه بعض الأخبار، مما يزيد ويفاقم خوفه، وأكثر ردود فعل الأطفال نتيجة الخوف هي الغضب وينصب غضبه عادةً على الأهل والرفاق والجيران لعدم قدرته على صبّ غضبه على مسببي المشكلة، إن الظروف الصعبة والنزاعات تقوّض الروتين اليومي للطفل مما يطور لديه الشعور بعدم الأمان وتفاقم مستوى الضغط عليه وتزداد حاجته إلى إعادة الطمأنة. (شيخاني، 2014)

دور الأسرة في مساندة الأطفال:

    آنا فرويد في دراستها مع دوروثي بيرلنغهام على الأطفال الذين عايشوا حرب الأطفال الإنجليز بالقنابل خلال الحرب العالمية الثانية، أظهرت أن العالم الطفولي يعتمد بشكل كبير على الأم، وهذه النتائج وغيرها جعلتها مؤيداً قوياً تنادي بضرورة حماية الحقوق الطبيعية والرغبات الخاصة بالطفل، وترى آنا فرويد أنّ مرحلتي الرضاعة والطفولة مهمة كمقدمة لعملية نضج جيدة، لذلك نراها تؤكد في علاجها على أهمية اتجاهات الدعم والحماية والتعليم. (انجلر، 1991)

تؤدي الأسرة دوراً مهماً في تحصين الطفل ضد الضغوط على اختلاف أنواعها من خلال سلوك الأهل المتّزن أمامه وقت الأزمات، وفي الحالات المعاكسة يدفع الأهل الخائفون والانفعاليون بالطفل إلى المزيد من الاضطراب والقلق لأنهم القدوة. (فواز، 2011)

    إن ضرورة وجود الأسرة إلى جانب الطفل هو واقع أكّد عليه مجمل العاملين في مضمار الطفولة، وهذه الضرورة تصبح أكثر إلحاحاً عندما يعيش الطفل ضمن وضعيّات تهدد طمأنينته النفسية، كوضعيّة الحرب ومختلف مظاهر العنف المرافقة لها، وهذا ما أكّدته أعمال دوروثي بيرلنغهام وآنّا فرويد لدى دراستهما لسلوك الطفل الإنكليزي خلال العرب العالمية الثانية. (نصار، 1991)

القواعد التربوية العامة لصحة الطفل النفسية:

وضعت آسيا الجري (2020) ثلاثين قاعدة تربوية للمربي (الأب، الأم، المعلم، وكل من يقوم على تربية الطفل أو مسؤول عن رعايته) هي:

  1. التقبل التام للطفل في كل حالاته أياً كان نوعه أو شكله أو لونه أو إعاقته.
  2. احترام ذات الطفل والبعد عن الإهانة بجميع أشكالها.
  3. مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال أو الأبناء وعدم المقارنة بينهم نهائياً أياً كان نوع المقارنة.
  4. إشباع الحاجة إلى الأمن والأمان النفسي والحاجة إلى الحب والاحتضان والاحتواء والمرح، ومشاركته اللعب والهوايات والحوار، وتوثيق المناسبات السعيدة (كالرحلات أو الإنجازات…) بالصور.
  5. ضرورة أن يفهم الطفل من خلال المعاملة أنه محبوب ومرغوب ومقبول لذاته (خصوصاً في الأسرة) لا بمقدار رضا الآخرين عنه وتركه يستمتع بطفولته.
  6. إعطاؤه قدراً من الاهتمام والإنصات له والحوار معه حتى يشعر بأهميته واحترامه داخل الأسرة أو المؤسسة التعليمية.
  7. توفير بيئة تسمح للطفل بتفريغ طاقته في أماكن فسيحة مثل الذهاب إلى البر أو شاطئ البحر أو الحديقة…
  8. إخبار المربي بمحبته وقبوله بصورة دائمة حتى يشعر بأهميته وتقديره لذاته.
  9. التفهم وتقديم المساندة والدعم النفسي والطبي للطفل في حين حاجته له.
  10. لعدل بين الأبناء في كل شيء وعدم تفضيل واحد على آخر في المعاملة.
  11. تقديم القدوة الحسنة من خلال التزام المربي بتنفيذ وعوده له والصدق معه.
  12. استخدام أسلوب التربية بالقصة ذات الهدف لتعزيز السلوك الحسن، أو لتعديل السلوك غير السوي.
  13. تعزيز السلوك الحسن لديه بالتشجيع والثواب وامتداحه أمام الغير، وتجاهل السلوك غير المرغوب منه إن كان صغيراً حتى يحدث له الانطفاء.
  14. استخدام التوجيه والبعد التام عن الانتقاد واللوم.
  15. الحرص على غرس القيم وحسن الخلق، وتعليمه ثقافة الاعتذار في حال الخطأ.
  16. تجنب استخدام العقاب البدني، أو المبالغة في أشكال العقاب الأخرى للطفل حتى لا يؤدي ذلك إلى تحويل المشاعر السلبية كالعدوان إلى إخوته أو الأطفال الآخرين أو نتائج أخرى غير سوية.
  17. مساعدة الطفل منخفض القدرات أو المهارات على تنمية مهاراته، والتركيز عليها حتى يتمكن من تنميتها.
  18. مساعدة الطفل في اتخاذ قراراته بنفسه بتعليمه منذ الصغر أن يختار بين شيئين كملابس أو ألعاب وتختلف الاختيارات باختلاف سن الطفل وإدراكه.
  19. تشجيعه على المشاركة الاجتماعية من خلال اللعب ضمن مجموعة من الأقران.
  20. تعزيز السلوك التوكيدي للطفل بتعليمه كيفية التعبير عن رأيه وقول “لا” عند رؤيته لتصرف خاطئ وكيفية مواجهته.
  21. تعليمه مهارات توجيه الأسئلة، والحرص على تقديم الإجابة المناسبة له.
  22. توضيح أسباب القرارات التي يتخذها المربي بشأنه.
  23. الاعتذار له عن أي قرارات أو سلوك خاطئ يصدر من المربي بشأنه.
  24. تعليمه وتدريبه على ثقافة الشكر والامتنان والتمتع بما لديه من نِعم، والسعادة بها وأن ينظر دائماً لمن هم أقل منه في النعم حتى يستشعر قيمتها ويقدرها.
  25. تعليمه وتدريبه على تقبل الآخرين.
  26. تدريبه على وضع أهداف تناسب عمره وقدرته وتوجيهه لطريقة تنفيذها.
  27. مكافأته عند تحقيق أهدافه لتعزيز دافعيته ورفع مستوى طموحه.
  28. العمل على اكتشاف مواهب وقدرات الطفل وتوجيهه لأماكن صقلها وتنميتها.
  29. الاهتمام بمعالجة المشكلات الصحية والنفسية والتربوية للطفل لدى ذوي الاختصاص.
  30. البعد عن إدخال الطفل في مشكلات الوالدين بعداً تاماً.

آثار الحروب لا تميز بين مراهق وراشد أو طفل رضيع وطفل يحبو، إنها تترك جروحاً في شخصية وحياة كل فرد، وتختلف الآثار من طفل إلى آخر، ولكننا نلاحظ بوضوح دور الأسرة في تحصين الطفل وتحسين الصحة النفسية للطفل.

المراجع:

  • انجلر، باربرا. (1991). مدخل إلى نظريات الشخصية (فهد بن عبد الله بن دليم، مترجم). مطبوعات نادي الطائف الأدبي. (تاريخ نشر العمل الأصل غير متوفر)
  • الجري، آسيا. (2020). الصحة النفسية للطفل. منشورات ذات السلاسل.
  • شيخاني، أحمد. (2014). الأطفال والحرب. مركز التفكير الحر.
  • فواز، جورية طلعت. (2011). صدمة الحرب آثارها النفسية والتربوية في الأطفال. دار النهضة العربية.
  • نصار، كريستين. (1991). واقع الحرب وانعكاساتها على الطفل. جروس برس.

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن الصحة النفسية

اقرأ ايضاً عن الطفولة المبكرة