الأساليب الوالدية الخاطئة في تربية الأبناء
ابتسام كوربلال
ديسمبر 20, 2022
4 دقائق
ابتسام كوربلال
ديسمبر 20, 2022
4 دقائق
تعد الأسرة أهم مؤسسة للتنشئة الاجتماعية، وتشكل المجتمع الأول الذي يتعامل معه الطفل وهو في بدايات نموه الجسمي والحركي واللغوي والحسي والاجتماعي والنفسي، ويعتمد عليها الطفل اعتماداً كبيرا لإشباع حاجاته الجسمية والنفسية، فالأسرة تحدد للطفل هويته الاجتماعية ومركزه الاجتماعي على أساس وضعها في المجتمع، وكذلك على الأنواع والأساليب التربوية التي تمارسها الأسرة وتتبعها مع أبنائها.
فالأسرة هي التي تحدد ما إذا كان الطفل سينمو نمواً نفسياً واجتماعياً سليماً في جميع مراحل النمو أو غير ذلك، وذلك من خلال أنماط أو أساليب التربية التي يتبعها الوالدان في تربية أبنائهما في مراحل العمر المختلفة، وهذا ما يؤكد الأثر الكبير للأسرة في تشكيل شخصية الأطفال.
هي مجموعة من الأساليب السلبية ذات الطابع اللفظي أو المادي التي تصدر عن أحد الوالدين أو كليهما أثناء عملية التنشئة أو التعامل مع الأبناء داخل الأسرة في مختلف المواقف اليومية، مما ينعكس سلباً على سلوكياتهم ومستوى توافقهم النفسي والاجتماعي. (فياض، 2015، ص.33).
يقوم أسلوب الحماية الزائدة على طول فترة رعاية الوالدين لطفلهم وطول فترة التعلق وعدم انفصاله عن والديه، أو منع اعتماده على نفسه، وازدياد تحكم الوالدين في الابن ورقابته، ولا يسمح الآباء المبالغون في الحماية لأي فرد أن يتدخل في واجباتهم الأبوية.
وعلى الرغم من أن الحماية الزائدة محاطة بالمحبة إلا أنها تعدّ اتجاهاً سلبياً، حيث إن المبالغة في أي شيء أمر غير مرغوب فيه، وهذا الاتجاه خليط من التشدد والحنان والعطف الذي يكون الطفل محوره، وكثير من الأولاد يرفضون هذه الحماية الزائدة ويشعرون بأنهم ليسوا عاجزين إلى هذا الحد الذي يتصوره آباؤهم، ولذلك يسعون للتخلص من ذلك بتحقيق الاستقلال. (عبد الكريم، 2014، ص.13).
وينتج عن هذا الأسلوب:
وهو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه أنهما يهملانه ولا يحفلان به، بحيث لا يعرف مشاعرهما نحوه بالضبط أهي سلبية أم إيجابية؟ ولا يعرف الطفل في هذا الأسلوب من المعاملة موقف والديه من تصرفاتهم في المواقف المختلفة، هل هما مؤيدان له أم معارضان؟ فهو لا يجد استحساناً لتصرفاته أو استهجانا منهما، وفي هذا الأسلوب لا يشعر الطفل بالوالدين كقوة تربوية موجهة. (سارة، 2012، ص.52).
وينتج عن هذا الأسلوب:
هو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه له أنهما يلجأان دائماً إلى عقابه بدنياً “الضرب” أو يهددانه به إذا أخطأ أو لم يطع أوامرهما، ويتضمن هذا الأسلوب أيضا عدم ميل الآباء إلى مناقشة الطفل في ميوله وآرائه ورغباته، بل الإسراع بالعقاب لأي بادرة تصدر من الطفل يرى الوالدان أنها خروجاً عن المفروض من ألوان السلوك أو لأنها تسبب الإزعاج لهما، وفي هذا الأسلوب يغلب على المعاملة الوالدية الشدة والعنف. (سارة، 2012، ص.53).
وينتج عن هذا الأسلوب:
هو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه، أنهما لا يساويان بين الإخوة في المعاملة وأنهما قد يتحيزان لأحد الإخوة على حساب الآخرين، فقد يتحيزان للأكبر أو للأصغر أو للمتفوق دراسياً أو لأي عامل آخر ويزيد إدراك الطفل لهذا الجانب من المعاملة إذا كان هو شخصياً هدفاً للتحيز ضده. (سارة، 2012، ص.55).
ويؤدي هذا الأسلوب إلى الإساءة إلى عملية التنشئة الاجتماعية للطفل عموماً، حيث يزرع الحقد في نفس الطفل المغلوب على أمره، ويجعل من الطفل المفضل والمدلل لدى والديه إنساناً أنانياً ومغروراً ومتسلطاً يجب أن يستحوذ على كل شيء حتى لو على حساب الآخرين. (فياض، 2015، ص.38).
ويعني أن نشجع الطفل على تحقيق معظم رغباته كما يريد هو، وعدم توجيهه وعدم كفه عن ممارسة بعض السلوكيات غير المقبولة دينياً أو خلقياً أو اجتماعياً والتساهل معه في ذلك.
وقد يتجه الوالدان أو أحدهما إلى اتباع هذا الأسلوب مع الطفل إمّا لأنه طفلهما الوحيد أو لأنه ولد بين أكثر من بنت أو العكس، أو لأن الأب قاسٍ فتشعر الأم تجاه الطفل بالعطف الزائد فتعامله بالتدليل وتحاول أن تعوضه عما فقده أو لأن الأم أو الأب تربيا بنفس الطريقة فيطبقان ذلك على ابنهما.
من نتائج تلك المعاملة أن الطفل ينشأ غير قادر على تحمل المسؤولية وبحاجة لمساندة الآخرين ومعونتهم، كما يتعود الطفل على أن يأخذ دائماً ولا يعطي وأن على الآخرين أن يلبوا طلباته وإن لم يفعلوا ذلك يغضب، ويعتقد أنهم أعداء له ويكون شديد الحساسية وكثير البكاء، وعندما يكبر تحدث له مشاكل عدم التكيف مع البيئة الخارجية (المجتمع)، فينشأ وهو يريد أن يلبي له الجميع مطالبه يثور ويغضب عندما ينتقد على سلوك ما، ويعتقد الكمال في كل تصرفاته وأنه منزه عن الخطأ، وعندما يتزوج يُحمّل زوجته كافة المسؤوليات دون أدنى مشاركة منه ويكون مستهتراً نتيجة غمره بالحب دون توجيه. (أبو رموز، د.ت، ص.120).
ويتمثل هذا الأسلوب في جميع الأفعال التي تعتمد على إثارة الألم النفسي، وقد يكون عن طريق إشعار الطفل بالذنب كلما أتى بسلوك غير مرغوب فيه، كما يكون ذلك عن طريق تحقير الطفل والتقليل من شأنه، وفي بعض الأحيان يلجأ الوالدان إلى البحث عن أخطاء الطفل ويبدون ملاحظات هدامة مما يفقد الطفل ثقته بذاته، وغالباً ما يترتب على هذه المعاملة شخصية انسحابية منطوية غير واثقة بنفسها، ولديها توجه عدواني نحو ذاتها. (أبو رموز، د.ت، ص.121).
ويتمثل في عدم الاتساق في المعاملة الوالدية للطفل، بحيث إن الوالدين لا يعاملان الطفل معاملة واحدة في الموقف الواحد، بل هناك تذبذباً قد يصل إلى درجة التناقض في الموقف الواحد، وهذا يجعل الطفل لا يستطيع أن يتوقع ردّ فعل والديه إزاء سلوكه، كذلك يدرك الطفل من خلال هذا الأسلوب أن معاملة والديه تعتمد على الحالة المزاجية والوقتية، وأنه ليس هناك أساس ثابت لسلوك والديه نحوه.
كما يؤدي اختلاف وجهات النظر التربوية بين الوالدين في تنشئة الطفل إلى مثل هذا الأسلوب، كأن يؤمن أحدهما بالصرامة والشدة والآخر باللين وتدليل الطفل، أي الاختلاف في إتباع الطريقة الحديثة أو التقليدية في التربية. فعلى سبيل المثال نجد أن الأب بالثقافة الشرقية يمثل مصدراً للعقاب والشدة والقوة لأن مفهوم الرجولة عند الغالبية هو الخشونة والقوة، أما الأم بنفس الثقافة تعامل طفلها بحنان وحب زائد باعتبارهما مصدر الحنان والحب دون أي التفات للآثار السلبية لمثل هذا الاختلاف في المعاملة بين الأم والأب على شخصية الطفل، مما يؤدي إلى أن يكره الطفل والده ويميل إلى الأم، وقد يحدث العكس بأن يتقمص الطفل صفات الخشونة من والده كما يؤدي إلى ضعف الولاء لأحد الوالدين أو كليهما.
ويؤدي هذا النمط من التعامل إلى اختلال معايير السواء والانحراف عند الطفل، فلا يعرف هل هذا السلوك صحيح أم خطأ لأنه مرة يكافأ عليه ومرة يعاقب عليه، مما يفقد الثقة في والديه وهما القدوة والمثل الأعلى أمامه على الصعيد الاجتماعي.
أمّا على الصعيد النفسي فإن التقلب في معاملة الطفل بين اللين والشدة أو القبول أو الرفض من أشد الأمور خطراً على صحته النفسية، فكثير من الانحرافات التي تظهر في الكبر ترجع إلى ما يتعرض له الطفل من صراع حاد في المواقف الطفولية ويحدث هذا نتيجة لتذبذب الكبار في معاملة الطفل بالنسبة للموقف الواحد، مما يعيق الطفل في تكوين توقعات مستقرة، بالإضافة إلى شخصية متقلبة، ازدواجية منقسمة على نفسها بالتعامل مع الآخرين. (فياض، 2015، ص.40).
ومما تقدم نؤكد على أن الأسرة هي الحضن الرئيسي لإشباع الحاجات البيولوجية والنفسية والاجتماعية للأبناء فإن حدوث أي خلل في البناء الأسري وأسلوب التربية الذي يتبعه الوالدان سيترتب عليه زيادة المشكلات الأمر الذي يتيح للأبناء الفرصة للبحث عن الحب والقبول خارج نطاق الأسرة.
فالأساليب التربوية الخاطئة التي تتبعها الأسرة تنعكس سلباً على شخصية الطفل، وهذا يؤكد على أهمية دور الوالدين في تكوين شخصية الطفل وتلبية ما يحتاجه الطفل من عناية واهتمام في التعامل معه، لما لهذا التعامل من أثر على بناء شخصيته، لذا على الوالدين أن يحرصوا على استخدام الأساليب التربوية الصحيحة والمناسبة لبناء شخصية متعاونة ومتسامحة قادرة على مواجهة الصعاب.