الكذب عند الأطفال

نعلم أن الأطفال يكذبون أحياناً للحصول على ما يريدون أو لتجنب المتاعب أو للهروب من مواجهة الحقيقة، ولكن هناك كثير من الأسباب الأخرى التي قد تجعل الأطفال لا يقولون الحقيقة. 

قد يكذب الأطفال الصغار ليروا ما سيحدث لو كذبوا، وقد يكذب الأطفال الذين يشعرون بنقص ما في شخصياتهم كي يبدوا أقوياء واثقين، وقد يكذب الأطفال المكتئبون أو القلقون لأنهم لا يريدون أن للآخرين أن يقلقوا، وفي بعض الأحيان يتحدث الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه قبل أن يفكروا.

ما يجب على الآباء فعله يعتمد على مدى سوء الكذب ومن أين يأتي؛ فإذا كان الطفل يكذب كثيراً لجذب الانتباه فمن الأفضل تجاهله، في حين إذا استمر حدوث ذلك فالأفضل أن تتحدث مع الطفل وتفهم منه الأسباب الكامنة وراء كذبه.

بغض النظر عن تصنيفك لما يقوله الطفل؛ أكذوبة أو كلام غير صحيح أو كذب صريح، فإن ما يفعله الأطفال يقع بين هذه التسميات؛ ففي حين أن الطفل الصغير قد يستحضر حكاية تفصيلية حول كيف أنه لا يمكن أن يكون قد ركل أخاً أصغر منه، قد يكذب الأطفال الأكبر سناً حول أداء واجباتهم المدرسية.

في بعض الأحيان يكون الكذب مفاجئاً وشديداً، كما يقول الطبيب النفسي Matthew Rouse: “إنه شيء جديد حيث كانوا صادقين جداً قبل ذلك في معظم الأوقات، ثم فجأة صاروا يكذبون بشأن الكثير من الأشياء”.

هذا بالطبع يهم الآباء، ولكن إذا استطاع مقدمو الرعاية فهم سبب كذب الأطفال والاستعداد للتعامل مع المشكلة، يمكن أن تظهر الحقيقة.

لماذا يكذب الاطفال

 يعتقد معظم الآباء أن الأطفال يكذبون للحصول على شيء يريدونه، أو لتجنب العواقب أو التملّص من شيء لا يريدون فعله، وهذه دوافع شائعة، ولكن هناك أيضاً بعض الأسباب الأقل وضوحاً التي قد تجعل الأطفال يكذبون أو على الأقل لا يقولون الحقيقة الكاملة ومنها: (Arky, 2023)

لاختبار سلوك جديد

يقول الدكتور Rouse إن أحد أسباب كذب الأطفال هو اكتشافهم لفكرة الكذب وتجربتها، تماماً كما يفعلون مع معظم أنواع السلوكيات أي لمعرفة ما سيحدث؛ سوف يتساءلون، ماذا سيحدث إذا كذبَ بشأن هذا الوضع؟ كيف ستؤثر الكذبة عليه؟ وما الذي سيحدث له؟

لتعزيز احترام الذات والحصول على الموافقة

يكذبُ الأطفال الذين يفتقرون إلى الثقة بالنفس أكاذيب كبيرة ليجعلوا من أنفسهم موهوبين وأكثر إثارة للإعجاب أو لتضخيم احترامهم لذاتهم وجعل أنفسهم يبدون في حالة جيدة في عيون الآخرين.

لصرف الانتباه عن أنفسهم

يشير الدكتور Rouse إلى أن الأطفال الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب قد يكذبون أحياناً بشأن الأعراض التي يعانون منها، لصرف الانتباه عن أنفسهم، وأحياناً أخرى يقللون من مشكلاتهم ويقولون شيئاً مثل “لا، لا، لقد نمت جيداً الليلة الماضية” لأنهم لا يريدون أن يقلق الناس بشأنها.

يتحدثون قبل أن يفكروا

تقول Carol Brady، الدكتورة وعالمة النفس الإكلينيكية والكاتبة في مجلة ADDitude والتي تعمل مع الكثير من الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD: إن هؤلاء الأطفال يكذبون بسبب الاندفاع. “واحدة من السمات المميزة للنوع المندفع من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه هي أنهم يتحدثون قبل أن يفكروا، لذا في كثير من الأحيان ستواجه مشكلة الكذب عندما تتعامل معهم.

ما يمكن أن يفعله الآباء حيال الكذب

يقول كل من الدكتور Rouse والدكتورة Brady إنه من المهم أولاً التفكير في وظيفة الكذب؛ يقول الدكتور Rouse: عندما أقوم بإجراء تقييم توجد أسئلة تساعد الوالدين في التحقق مما إذا كان الطفل يكذب، ويقول: إنها أسئلة قد تأخذ مني20 دقيقة مثل؛ ما هي أنواع الأكاذيب، وما هي ظروف الأكاذيب؟  ويقول إن العلاجات السلوكية تعتمد على وظيفة الأكاذيب وخطورة المشكلة، ويقول: لا توجد إرشادات صارمة وسريعة فالمستويات المختلفة تعني عواقب مختلفة.

كذب المستوى الأول

عندما يتعلق الأمر بالكذب الساعي للفت الانتباه، فمن الأفضل تجاهله.

وهذا صحيح بشكل خاص إذا كان الكذب يأتي من تدني احترام الذات؛ كأن يقول الطفل: لقد سجلت 10 أهداف اليوم في كرة القدم ووضعني الجميع على أكتافهم وكان ذلك رائعاً! فبالنسبة إلى هذا النوع من الأكاذيب منخفضة المستوى التي لا تؤذي أي شخص ولكنها ليست سلوكاً جيداً، فإن التجاهل وإعادة التوجيه إلى شيء تعرف أنه أكثر واقعية هو السبيل الأفضل.

كذب المستوى الثاني

يقول الدكتور Rouse إنه إذا لم يفلح التجاهل فيمكن للوالدين أن يكونوا أكثر شفافية حيال ذلك من خلال تقديم توبيخ لطيف؛ كأن يقول أحد الوالدين بلطف: هذا يبدو وكأنه حكاية طويلة، لماذا لا تحاول مرة أخرى وتخبرني بما حدث بالفعل؟ أي يتعلق الأمر بتوضيح السلوك وتشجيع الأطفال على المحاولة مرة أخرى.

كذب المستوى الثالث

إذا كان هناك شيء أكثر خطورة مثل كذب الأطفال الأكبر سناً بشأن مكان وجودهم أو ما إذا كانوا قد قاموا بواجبهم المنزلي، فيمكن للوالدين التفكير في إيجاد عواقب للكذب، ويجب أن يعرف الأطفال أنه ستكون هناك عواقب لهذا النوع من الكذب.

ويوصي الدكتور Rouse بأن تكون العواقب بسيطة وغير مبالغ فيها، بحيث تمنح الطفل فرصة للعودة إلى ممارسة سلوكيات أفضل. ومن أمثلة العواقب؛ الحرمان من الجوال لمدة ساعة أو الاضطرار إلى القيام بمهمة في المنزل.

واعتماداً على خطورة الكذب فلابد من إضافة عواقب لمعالجة ما كانوا يكذبون بشأنه؛ فمثلاً إذا قال الطفل إنه ليس لديه أي واجبات منزلية طوال الأسبوع ثم اكتشف الوالد أنه كان لديه واجبات منزلية كل يوم، فيجب أن يكون هناك نوع من العواقب للكذب وعليهم أيضاً الجلوس والقيام بكل الواجبات، وإذا ضرب طفلاً آخر وكذب بشأن ذلك، فهناك عاقبة للكذب وأيضاً للضرب، وفي هذه الحالة ستطلب من طفلك أن يقدم اعتذاراً إلى الطفل الآخر.

طرق لمساعدة الأطفال على تجنب الكذب

دعهم يعرفون أن الحقيقة تقلل من العواقب

يمكن للآباء مدح الطفل لقوله الحقيقة وإخباره بأن ذلك يجعله أكثر جدارة بالثقة، قد يقللون أيضاً من العواقب، مثل السماح للأطفال بمعرفة أنهم في حال قولهم الحقيقة سيحرمون من هواتفهم ليوم واحد بدلاً من أسبوع.

يضيف الدكتور Rouse تحذيراً واحداً؛ يجب ألا يعتقد الأطفال والمراهقون أن العواقب قابلة للتفاوض، ويقول: أحياناً سيقول الطفل لكنني أخبرتك بالحقيقة، أو هذا يجعلني لا أرغب بقول الحقيقة مرة أخرى. وهنا يجب على الآباء عدم الاستسلام.

استخدم عمليات التحقق من الحقيقة

لنفترض أن المعلم أخبر الآباء بأن طفلهم لم يؤد واجباتهم المدرسية، تقترح الدكتورة Brady أن يمنحوا طفلهم فرصة لقول الحقيقة؛ فيمكن للوالدين أن يقولوا سأعطيك 10 دقائق وبعد ذلك سأعود وأسألك مرة أخرى، إذا غيرت رأيك وأردت إعطائي إجابة مختلفة، فهذا مجرد فحص للحقيقة ولن تقع في مشكلة.

بهذه الطريقة، إذا أعطى الطفل إجابة غير مناسبة لأنه خائف من العواقب أو لأنه لا يريد أن يخيب آمال أحد الوالدين، فإن لديه فرصة للتفكير حقاً فيما إذا كان يريد الكذب أو الاعتراف بدون عواقب. وتؤكد الدكتورة Brady أن هذه التقنية ليست لطفل يكذب بشكل مزمن.

استخدم طريقة التمهيد

يمكن للوالدين أيضاً إعداد أطفال لقول الحقيقة من خلال تذكيرهم بأنهم لا يتوقعون الكمال منهم، كما تشير الدكتورة Brady. يمكن للوالدين أن يقولوا: سأطرح عليك سؤالاً وربما تخبرني بشيء لا أريد حقاً سماعه، لكن تذكر أن سلوكك الخاطئ لا يعني أنك طفل سيء، وأحبك مهما حدث، وأحياناً يرتكب الناس أخطاء، لذلك أريدك أن تفكر في إعطائي إجابة صادقة. قد يؤدي إعطاء الأطفال فرصة للتفكير في هذا الأمر إلى قول الحقيقة.

امنح الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مزيداً من الوقت للتفكير

تقول الدكتورة Brady إن الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه الذين يميلون إلى إعطاء إجابات متهورة والتي تظهر على أنها أكاذيب، يحتاجون إلى بعض الوقت الإضافي للتفكير في الأمور قبل التحدث.

ما يجب على الآباء تجنبه

لا تحاصر طفلك أبداً

إن وضع الطفل في قفص الاتهام يمكن أن يجعله يكذب؛ فإذا كان الآباء يعرفون القصة الحقيقية فعليهم التوجه مباشرة إلى القضية ومناقشتها. فمثلاً بدلاً من سؤال الطفل عما إذا لم يؤد واجباته المدرسية، يمكن للوالد فقط أن يقول: أعلم أنك لم تفعل ذلك، لنتحدث عن سبب عدم كونها فكرة جيدة.

لا تصف طفلك بأنه كاذب

من الخطأ الكبير وصف الطفل بأنه كاذب، لأن الجرح الذي يسببه أكبر من التعامل مع ما كذب بشأنه. إنه يجعل الطفل يفكر بطريقة أن والديه لن يصدقوه فيما يقول بعد الآن، وهذا يجعله يشعر بالسوء تجاه نفسه وقد يشكل عادةً من الكذب لديه. (Lies: why children lie and what to do?)

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن مشكلات الأطفال