حاجات الطفل النفسية

إن مرحلة الطفولة تعد من المراحل المهمة في حياة الإنسان باعتبارها القاعدة القوية والأساس المتين التي يتم فيها تشكيل الشخصية، فالطفل في هذه المرحلة يمر بمراحل نمائية متعاقبة، ولكل مرحلة حاجاتها ومتطلباتها بشكل يحقق لها التوازن والاستقرار النفسي، وتعتبر الحاجات النفسية المحرك الأساسي لكل سلوك سوي أو مرضي.

وللطفل حق كبقية البشر أن تراعى مشاعره وأحاسيسه وتحترم شخصيته وحاجاته وميوله، ومن ضمن حقوق الطفل حقه في إشباع حاجاته النفسية التي تمثل مطلباً نمائياً ونفسياً واجتماعياً، بينما إحباطها يكون سبباً من أسباب الانفعالات الإنسانية الوجدانية السلبية مثل مشاعر القلق والتوتر والاكتئاب.

ومن هنا يقع على عاتق الوالدين والمربين العبء الأكبر في تلبية هذه الاحتياجات حسب ظروف كل أسرة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وفي ضوء القيم الدينية والمجتمعية السائدة، حيث أن تلبية هذه الاحتياجات تساعد في تجنب المشاكل النفسية والسلوكية في المستقبل.

وقد جمع هذا المقال بعضاً من الحاجات النفسية الهامة للطفل، وذلك لمساعدة المربين على الاستبصار بها وبكيفية إشباعها والتعامل معها بغية تحقيق التوازن النفسي للطفل.

مفهوم الحاجات النفسية:

فالحاجة النفسية هي: الحاجات التي يترتب على حرمان الطفل من إشباعها شعوره بالتوتر والقلق النفسي، مما يترتب عليه عدم تكيفه مع نفسه ومع الآخرين، ومعاناته من الصراعات النفسية، وتعرضه للاضطرابات الانفعالية الحادة خلال هذه الفترة وشعوره المستمر بعدم الرضا النفسي، مما يؤدي إلى سوء صحته النفسية. (الجري، 2020، ص.97).

ومن أهم الحاجات النفسية للطفل:

أولاً: الحاجة للحب والقبول:

هي من أهم الحاجات الانفعالية التي يسعى الطفل إلى إشباعها، فهو بحاجة إلى أن يشعر بأنه محب ومحبوب، والحب المتبادل المعتدل بينه وبين والديه وأخواته وأقرانه حاجة لازمة لصحته النفسية.

وهو يريد أن يشعر أنه مرغوب فيه وأنه ينتمي إلى جماعة وإلى بيئة اجتماعية صديقة.(بطرس، 2007، ص.137).

وهذا الأمان شرط أساسي لانتظام حياة الطفل النفسية واستقرار مشاعره الاجتماعية، وبدونه يفشل الأطفال في التفتح والازدهار بل أكثر من هذا أنه تنمو فيهم اتجاهات شخصية معينة تعوق النموين العقلي والنفسي السليمين.

فإنه بناء على حب الطفل الأول هذا لوالديه وإخوته والأسرة عموماً سيقوم حب لا يشوبه الخوف بل التقدير والاحترام النابع من الود وعرفان الجميل سوف يحب معلمه، يتقبل للتعاون معه والاستجابة له وسيحب رئيسه في العمل، وسيحب الناس جميعا ويبدأ معاملته لهم بالحب وافتراض حسن النية لا بالشك والكراهية ولن يكون عدوانياً أو متهيباً الاجتماع بالآخرين أو متخوفاً منهم.

ويجب ألّا يتأثر إشباع هذه الحاجة بظروف الأبوين كأن يتعدد أبناء الأسرة وبناتها بحيث يصعب المساواة بينهم في الحب، أو كأن يكون الطفل غير مرغوب فيه من الأصل لفشل والديه…. الخ.

كل هذه الظروف لا شأن لها، يكون الطفل حين ولادته كائناً واقعياً له حق الحياة والحب وحسن الاستقبال والرعاية.(داود، 2004، ص.90).

ثانياً: الحاجة إلى الانتماء:

تتمثل في حاجة الطفل إلى الشعور بالأمن الناتج عن الارتباط بالآخرين، وإن شعور الطفل بالانتماء كفيل بأن يشعره بالرضا عن حياته فهو يحتاج للالتقاء بأشخاص يحبهم ويحب أن يوجد معهم، وذلك لأن إحساسه بالانتماء يشعره بأنه مرغوب فيه، كما يولد لديه إحساس أنه جزء من المجموعة، ومثل هذا الشعور يزيد من الأمان الداخلي له.(الجري، 2020، ص.98).

فالطفل بحاجة إلى مجتمع يحس من انضمامه تحت لوائه بدوره فيه وتتأكد من خلال هذا الدور شخصيته وذاتيته وأول انتماء يكون للأسرة.(آدم، 2003، ص.195).

ثالثا: الحاجة إلى التقدير:

يحتاج الطفل منذ نعومة أظفاره إلى شيء من التقدير والاهتمام ممن هم حوله ويكبر الطفل ويزداد ميله للتقدير ممن هم حوله في المدرسة من أقرانه ومدرسيه وتجده يبذل الكثير ليحظى بهذا التقدير، فيعمل ويجد وينشط في مجالات كثيرة في الدراسة وفي أوجه النشاط المدرسي وفي النظام حتى يلفت إليه الأنظار ويحظى بالتقدير الاجتماعي المطلوب، ونجد ذلك أيضا في البالغين حيث يميل الفرد إلى أن يثاب على عمل أجاده أو مشروع قام به إثابة مادية كما هو الحال في جوائز الدولة أو استلام شهادة أو غير ذلك من أوجه التقدير التي يحتاج إليها الفرد ويسعى لتحققها جهد طاقته.(زيدان، 1972، ص.59).

وإشباع هذه الحاجة يعني قبوله اجتماعيا وزرع الثقة فيه واكتساب ثقته، وقد حفلت السّنة بمظاهر احترام الطفل: كسلام النبي صلى الله عليه وسلم على الصبيان ومناداتهم بكُنى جميلة واحترام حقوقهم في المجالس فقد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم الغلام أن يعطي الأشياخ قبله وكان هو الجالس عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها من الأمثلة الكثيرة.(حجازي، 2009، ص.57).

رابعاً: الحاجة إلى الاستقلال:

يحتاج الطفل في مرحلة الطفولة وحتى مرحلة المراهقة للشعور بالحرية في القول والفعل، ليتمكن من التعبير عن الرأي دون خوف أو كبت ويتمكن من اختيار ما يرغب القيام به دون ضغط أو إحباط، وفي كل  لحظة من خلال التوجيه الأبوي السليم، كما يحتاج إلى الشعور بالمسؤولية وتحمل الأعباء الحياتية الأسرية المختلفة والاشتراك في القيام بالأعمال المنزلية المناسبة واللعب مع الرفاق مما ينمي لديهم الثقة في الذات ويشعرهم بدورهم وأهميتهم كأفراد في أسرتهم، أما الحرمان من ذلك فيؤدي إلى معاناة الطفل مستقبلاً من التبعية، حيث يعتاد على أن يكون تابعاً لغيره وأن يعتمد على الآخرين وألا يقدم على القيام بعمل وهذا ينقص من تكامل شخصيته ويهز كيانه أمام من يتعامل معهم.(الجري، 2020، ص.99).

خامساً: الحاجة إلى تأكيد الذات:

 يميل الطفل وحتى مراهقته إلى معرفة وتأكيد وتحقيق ذاته بدافع من الحاجة إلى التقدير والمكانة والاعتراف والاستقلال والاعتماد على النفس وتدفعه هذه الحاجة إلى تحسين الـذات والسعي دائما للإنجاز والتحصيل لإحراز المكانة بين الأقران والرفاق.(الجري، 2020، ص.99).

حيث يسعى دائما للحصول على المكانة المرموقة التي تعزز ذاته وتؤكد أهميتها، وهو هنا يحتاج إلى عمل الأشياء التي تبرز ذاته ويحتاج إلى استخدام قدراته استخداماً بناءً.

 إن النمو السوي للذات وتنمية مفهوم صحي موجب للذات يحتاج إلى إشباع هذه الحاجة الأساسية.(زهران، 1986، ص.270).

سادساً: الحاجة إلى تقبل المعايير السلوكية:

ويحتاج الطفل إلى مساعدة في تعلم المعايير السلوكية نحو الأشخاص والأشياء، ويحدد كل مجتمع هذه المعايير السلوكية، وتقوم المؤسسات القائمة على عملية التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام وغيرها بتعليم هذه المعايير السلوكية للطفل مما يساعد في توافقه الاجتماعي.

إن الطفل يحتاج إلى مساعدة في تعلم حقوقه، ما له وما عليه، وما يفعله وما لا يفعله، ما يصح وهو في خلوة وما يصح وهو في جماعة، وما يصح وهو في حدود الأسرة، وما يصح وهو خارج نطاقها……إلخ. ويحتاج إشباع هذه الحاجة من جانب الكبار إلى كثير من الخبرة والصبر والثبات والفهم.(زهران، 1986، ص.269).

سابعاً: الحاجة إلى النجاح:

يحتاج الطفل أيضاً منذ نشأته لأن يحقق بنجاح بعض الأعمال التي يقوم بها، فالنجاح دافع هام للفرد ويقوده هادة إلى نجاح آخر، فدافع النجاح وإشباع يعطي الثقة بالنفس والاعتداد بها، ويشجع الشخص على أن يتابع سلسلة النجاح فيما يوكل إليه من أعمال وتبعات و مسؤوليات.(زيدان، 2001، ص.59).

ثامناً: الحاجة إلى اللعب:

إن للعب أهميته النفسية في التعليم والتشخيص والعلاج ونؤكد هنا على أهمية إشباع هذه الحاجة إلى اللعب عند الطفل والاستفادة من اللعب في هذه النواحي، ويتطلب إشباع هذه الحاجة إتاحة وقت الفراغ للعب وإفساح مكان للعب واختيار اللعب المتنوعة المشوقة وأوجه النشاط البناء وتوجيه الأطفال نفسياً وتربوياً أثناء اللعب.(زهران، 1986، ص.270).

وللعب فوائد للطفل منها:

  1. استنفاد الجهد الفائض والتنفيس عن التوتر الذي يتعرض له الطفل.
  2. تعلم الخطأ والصواب وبعض الأخلاق كالصدق والأمانة وضبط النفس عن طريق تعلم اللعب الجماعي، وبناء العلاقات الاجتماعية.
  3. يدل اللعب بكثرة على توقّد الذكاء والفطنة ويساعد على نمو العضلات وتجديد النشاط وتنمية المهارات المختلفة.(حجازي، 2009،ص.60).

تاسعاً: الحاجة إلى الأمن:

يحتاج الطفل إلى الشعور بالأمن والطمأنينة بالانتماء إلى الجماعة في الأسرة والمدرسة والرفاق في المجتمع، إن الطفل بحاجة إلى الشعور بالأمن من العوامل الخارجية المهددة حتى وإن لم يشعر بها هو بنفسه ليشعر بالأمن في حاضره ومستقبله ويجب مراعاة إشباع هذه الحاجة لدى الطفل حتى لا يشعر بتهديد خطير لكيانه مما يؤدي إلى أساليب سلوكية قد تكون عدوانية.(بطرس، 2007، ص.137).

وهكذا يتبين أن مسؤولية إشباع الحاجات النفسية للطفل التي تم ذكره آنفا تقع على عاتق المربين والمشرفين القائمين على رعاية الطفل حيث تعتبر مرحلة الطفولة مرحلة هامة جداً لأن من خلالها يتم تحديد ورسم شخصية الطفل المتكاملة وإكسابها العديد من القيم وغرس فيها بذور المحبة والإخاء وتحديد اتجاهاتها السليمة والتي من خلالها يصل الطفل لنمو نفسي وعقلي واجتماعي سليم وبالتالي   الوصول إلى تحقيق صحته النفسية .

وللوصول بالطفل إلى صحة نفسية سليمة تضع( آسيا الجري،2020) للمربين بعضاً من القواعد التربوية التي تساهم في ذلك:

  1. التقبل التام للطفل في كل حالاته أيا كان نوعه أو شكله أو لونه.
  2. احترام ذات الطفل والبعد عن الإهانة بجميع أشكالها.
  3. ضرورة أن يفهم الطفل من خلال المعاملة أنه محبوب ومرغوب ومقبول لذاته (خصوصاً في الأسرة) لا بمقدار رضي الآخرين عنه وتركه يستمتع بطفولته.
  4. إعطائه قدراً من الاهتمام والإنصات له والحوار معه حتى يشعر بأهميته واحترامه داخل الأسرة أو المؤسسة التعليمية.
  5. إخبار المربي له بمحبته وقبوله بصورة دائمة حتى يشعر بأهميته وتقديره لذاته.
  6. تشجيعه على المشاركة الاجتماعية من خلال اللعب ضمن مجموعة من الأقران.
  7. تعزيز السلوك التوكيدي للطفل بتعليمه كيفية التعبير عن رأيه وقول لا عند رؤيته لتصرف خاطئ وكيفية مواجهته. 

المراجع:

آدم،  حاتم (2003). الصحة النفسية للطفل.  ط(1) . دار اقرأ.  القاهرة.

بطرس، بطرس (2007). التكيف والصحة النفسية للطفل. دار الميسرة.

الجري، آسيا (2020). سيكولوجيا الطفل. ط(2). ذات السلاسل. الكويت .

حجازي، سناء (2009). علم النفس الإكلينيكي. ط(1). دار المسيرة. عمان . الأردن.

داود. عبد الباري (2004). الصحة النفسية للطفل. ط(1). إيتراك للنشر. القاهرة .مصر.

زهران، حامد (1986). علم النفس النمو.  دار المعارف. ط(4).  القاهرة.  مصر.

زيدان، محمد (1972). النمو النفسي للطفل والمراهق. ط(1).منشورات الجامعة الليبية. البيضاء .لبيا.

وسوم

عن الكاتب

ابتسام كوربلال

اقرأ لـ ابتسام كوربلال

اقرأ ايضاً عن علم النفس

اقرأ ايضاً عن علم النفس التربوي