الصمت الانتقائي: لماذا أطفالنا قد يتوقفون عن الكلام فجأة؟

    قد يصمت أطفالنا في لحظات معينة، مع قدرتهم على الكلام، وهذا ربما ينطبق عليه ما يسمى الصمت الانتقائي، فما هو الصمت الانتقائي؟ وما هي أعراضه وأسبابه، وكيف أتعامل معه؟ وما دور المدرسة هنا؟

مفهوم الصمت الانتقائي:

تشير التقديرات حسب كونسيك Cuncic (2022) إلى أن أقل من 1٪ من الأطفال يعانون من الخرس الانتقائي، تعود الحالات الأولى الموصوفة إلى عام 1877 عندما وصف الطبيب الألماني (أدولف كوسماول) Adolph Kussmaul الأطفال الذين لا يتحدثون بأنهم يعانون من “الحبسة التطوعية” (para.1)

وحسب شيبون (2020) ليس كل الأطفال يظهرون حالة القلق بنفس الطريقة، فبعضهم قد يكون صامتاً تماماً وغير قادر على الكلام أو التواصل مع أي شخص في البيئات الاجتماعية، وآخرون قد يكونون قادرين على التحدث إلى عدد قليل مختار أو ربما يهمسون، وبعض الأطفال قد يقفون بلا حراك خائفين عندما يواجهون وضعيات اجتماعية معينة، وقد يجمدون في أماكنهم، لا يعبرون عن أي مشاعر، وغير عاطفيين، ويمكن أن يكونوا معزولين اجتماعياً. بينما الأطفال الأقل حدة في هذه الحالة قد يبدون مسترخين وخالين من الهم، وقادرين على التفاعل اجتماعياً مع واحد أو عدد قليل من الأطفال ولكن غير قادرين على الكلام والتواصل بفعالية مع المعلمين أو مع أغلب الأقران أو كلهم (الفقرة.3).

تعريف الصمت الانتقائي:

يعرفه الصباح وجابي (د. ت) هو فشل الطفل في التحدث في ظروف اجتماعية معينة بينما يتحدث بطلاقة في ظروف أخرى، بحيث يتفاعل الطفل مع البيئات اليومية كالمدرسة والبيت، ولكنه في بعض الأحيان لا يكون تفاعله على ما يرام فيها، وهو ما أكدته الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين (ص.85).

وتــرى Bergman Lindsey (كما ورد في الهواري، طه، أحمد، العوضي، 2022) أن الصــمت الانتقائي حالــة سلوكية متـدهورة، يفشـل فيها الطفـل فـي الكـلام فـي بعـض المواقـف الاجتماعية، علـى الـرغم مـن وجـود قدرة التحدث الطبيعية لديه فـي حـالات أخـرى، ويعد حالـة ضـعف ومشـكلة-+صـحية عقليـة، بسـبب تأثيرها على الأداء الاجتماعي والعاطفي والأكاديمي للأطفال في مرحلة حرجة من تطورهم (ص.2358)

مسببات اضطراب الصمت الانتقائي:

    يذكر كل من الهواري، طه، أحمد، العوضي (2022) أن سبب الصمت الانتقائي غير محدد، وربمـا متعـدد العوامـل ومختلـف بين الأشـخاص، حيث أن الصـمت الانتقـائي ينشأ مـن مجموعـة متنوعـة مـن العوامل (وراثي، ومزاجي، وبيئي، ونمو عصبي). وقســم مسببات الصمت الانتقائي هايدن (Hayden) إلــى أربعــة أنــواع فرعـيـة وهــي تســاعد علــى فهــم المســببات المحتملة وهي:

الصمت التكافلي mutism Symbiotic: ويمكن تفسير هذه الظاهرة بطبيعـة العلاقـة بين الطفل والأم (المتورطـة)، حيث يسـتخدم الطفـل التشـبث والخجـل للتلاعـب والسيطرة على بيئته.

الصـمت السـلبي العدواني mutism aggressive-Passive: وهنـــا الطفـــل يكون رافضاً ومتحدياً وهو دليل على عدائيته.

الصــمت التفــاعلي mutism Reactive: وهــو نتيجة حــدث صــادم، مــن المدرســة، أو الهجـــرة، أو العـــلاج فـــي المستشـــفى، أو الأمـــراض الشديدة أو الطويلـــة والنفســـية المبكـــرة، أو التجارب الجسدية التي تشمل الاعتداء الجنسي.

صـمت رهـاب الكـلام phobia speech: وهـو الخـوف مـن سـماع صـوت الشـخص لنفسه (ص. 2358-2359).

أعراض الصمت الانتقائي:

    حسب النجار (2015) تتفاوت أعراض الصمت الانتقائي من طفل لآخر وفقاً لشدة الاضطراب لديه والتـي قـد تتضح فيما يلي:

  • الأعراض الجسمانية وتتضح من خلال: توتر العضلات، والهز والرجفة، والتعرق، وسرعة التنفس، والتسارع في دقات القلب، والغثيان، والدوار، واحمرار الوجه وغيرهـا من الأعراض التي تشبه نوبات الذعر وقد يصعب اكتشاف هذه الأعراض فكثير من الأطفال من ذوي الصمت الانتقائي لا يكشفون عن وجود هذه الأعراض لديهم.
  • تدني المهارات الاجتماعية لدى الطفل وإحجامه عن التواصل الاجتماعي: كالتـشبث بالآباء، والاختباء أو الهروب أثناء التعامل مع الغرباء، والبكاء، والتجمد، ونوبات الغضب عندما يطلب منه التحدث في الأماكن العامة.
  • الأعراض السلوكية: تجنب الطفل للتواصل البصري وغالباً ما يتجه نظر الطفل لأسفل.
  • يميل الطفل الصامت إلى العزلة واللعب بمفرده، وعدم المشاركة حتى في الأنشطة التي لا تعتمد على التواصل اللفظي.
  • تنتاب الطفل حالة من الوجوم والعبوس، فلا يمكن أن يراه معلمه أو أهله مبتسماً، ويمكنه التعبير عن مشاعر عدم الـسعادة مـن خلال بعض الإيماءات وتعبيرات الوجه.
  • الوجه الجليدي أو المقنـع وسـيطرة علامـات الحزن على الطفل أحياناً.
  • قلة النـوم والطعام.
  • رفض الطفل المدرسة: هذا السلوك يدل على أن المشكلة شديدة تحتاج لمجموعة من العلاجات المقدمة من قبل الأخصائي النفسي والطبيب النفسي (ص.442-443).

معايير تشخيص الصمت الانتقائي:

    لقد حدد الدليل التشخيصي الإحصائي الخامس (DSM5) للاضـطرابات النفسية خمسـة معايير يمكن من خلالها تشخيص الطفل بأنّه يعاني من اضطراب الصمت الانتقائي، وهي علـى النحو الآتي حسب كامل (2013):

يفشل الطفل بالكلام في مواقف اجتماعية محددة بشكل مستمر كالمدرسة أو مع الأصـدقاء فـي اللعب، بحيث يكون من المتوقع أن يتكلم في هذه المواقف، لكنه يبقى صامتاً رغم قدرته علـى الحديث في مواقف أخرى.

يتعارض هذا الاضطراب مع التحصيل التربوي والإنجاز المهني والتواصل الاجتماعي.

يجب أن يستمر هذا الاضطراب لمدة شهر على الأقل، وقد لا يكون من الشهر الأول للذهاب إلى المدرسة، حيث يمكن أن يكون ذلك بعد وقت غير محدد، نتيجة أحداث معينـة تسـببت للطفـل بالخجل والرغبة في عدم الذهاب.

لا يتم تشخيص الصمت الانتقائي على أنه فشل في الكلام الناتج عن نقص المعلومات ونقـص المساعدة والبطء، بل بحاجة إلى موقف اجتماعي.

لا يتم تشخيص الصمت الانتقائي على أنه اضطراب في حال كان ناتجاً عن خلل نطقي مثـل التأتأة، ولا يجب أن يرتبط بالاضطرابات النمائية أو انفصام الشخصية أو اضـطرابات ذهانية أخرى (ص.13).

العمل مع المدرسة في الصمت الانتقائي:

    يشير معهد عقل الطفل childmind (2021) كجزء من برنامج العلاج الشامل، إلى أنه من المهم للغاية أن تحصل مدرسة الطفل على العلاج. غالباً ما تكون الخطوة الأولى هي مساعدة المعلمين والإداريين في المدرسة على فهم الصمت الانتقائي، حيث لم يسمع الكثير من المعلمين عن الاضطراب، ويمكن أن يُفهم صمت الطفل على أنه عدم فهم أو عناد أو حتى سلوك معارض، ومثل الوالدين، يمكن للمدرسين التكيف مع صمت الطفل الانتقائي أو التعود على رد الأطفال الآخرين له، مما يقلل من المساعدة على التحسن.

    يجب أن يفهم المعلمون ماهية الصمت الانتقائي وأن يتم تدريبهم على المهارات والاستراتيجيات التي تساعد الأطفال المصابين بالصمت على التحدث، يجب أن يكون هناك مختصون قادرون على تقديم نصائح محددة حول أفضل طريقة للعمل مع صمت الطفل الانتقائي بالاشتراك مع المدرسة.

هل تبديل الصفوف في المدرسة يساعد؟

    في بعض الأحيان، قد يساعدك التبديل إلى فصل دراسي أو مدرسة مختلفة، حيث لا يكون للطفل تاريخ في الصمت الانتقائي هناك. ومع ذلك، لا يعمل تبديل الفصول دائماً، خاصة إذا كان هذا هو التغيير الوحيد الذي تقوم به، فإذا قررت تبديل الصفوف أو المدارس، فمن الأفضل أن يكون لديك استراتيجيات وتقنيات قبل أن تقوم بالتغيير، قد يعني هذا القيام بأشياء مثل زيارة الفصل الدراسي الجديد ومقابلة مدرسها الجديد قبل بدء المدرسة، في موقف لا يُتوقع فيه على الفور الإجابة عن الأسئلة أو التحدث، من الناحية المثالية، سيتم تدريب المعلم الجديد أيضًا على ماهية الصمت الانتقائي وكيفية مساعدة الأطفال الذين يعانون منه (.(para.6

التعامل مع الصمت الانتقائي عند الأطفال:

    لخص الصباح وجابي (د. ت) عدة خطوات للتعامل مع الصمت الانتقائي عند الأطفال وهي الآتي:

  • التعزيز المستمر للطفل خاصة إذا ظهر منه أي رد فعل كلامي.
  • عدم إخبار الطفل على الإجابة والكلام.
  • استشارة المرشد أو الاخصائي النفسي في المدرسة في حال لاحظوا أي ردة فعل منه لم يعرفوا كيفية التصرف معها.
  • إشراك الطفل داخل الصف في الإجابات أو غيرها من الفعاليات، وخصوصاً الفعاليات التي يكون فيها الكلام قليلاً.
  • وضع الطفل ضمن مجموعة عمل ملائمة له في الصف، ووضعه في نفس المجموعة دائماً.
  • مساعدة الطفل على بناء علاقات اجتماعية مع الزملاء من خلال الأنشطة المشتركة.
  • إعطاء المجال للطالب ليعبر عن نفسه بوسائل غير الكتابة التقليدية، كالكتابة على الحاسوب أو الألوان وغيرها.
  • السماح للطفل باستخدام الإشارة في توصيل ما لديه من أفكار.
  • عدم قمع الطالب في حال التحدث.
  • وضع طالب كشريك للطالب الذي يعاني من الصمت الانتقائي في داخل المجموعات (ص.92).

نصائح للوالدين حول الصمت الانتقائي:   

    ويقدم موقع الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا NHS (2019) عدة نصائح للوالدين مع حالات الصمت الانتقائي لأطفالهم وهي:

  • لا تضغطوا على الطفل أو ترشوه لتشجيعه على الكلام.
  • دع الطفل يعرف أنك تفهم أنه يخاف التحدث ويواجه صعوبة في التحدث في بعض الأحيان، وأخبره أن بإمكانه اتخاذ خطوات صغيرة عندما يشعر بالاستعداد وطمأنه بأن الحديث سيصبح أسهل.
  • لا تمدح الطفل علانية لتحدثه لأن هذا قد يسبب الإحراج، انتظر حتى تكون بمفردك معه، وفكر في معاملة خاصة لإنجازه.
  • طمئن الطفل أن التواصل غير اللفظي، مثل الابتسام والتلويح، لا بأس به حتى يشعر بتحسن في التحدث.
  • لا تتجنب الحفلات أو الزيارات العائلية، ولكن ضع في اعتبارك التغييرات البيئية الضرورية لجعل الوضع أكثر راحة للطفل.
  • اطلب من الأصدقاء والأقارب منح الطفل وقتًا للإحماء بوتيرته الخاصة، والتركيز على الأنشطة الترفيهية بدلاً من حمله على التحدث.
  • امنح الطفل الطمأنينة اللفظية والحب والدعم والصبر.

ختاماً:

    استناداً لما تقدم يمكن القول إن الصمت الانتقائي عند الأطفال شكل من أشكال القلق، يتجلى في توقف الطفل عن الكلام في مواقف اجتماعية معينة، ويحدث نتيجة أسباب مختلفة، منها ما هو ناتج الوراثة والبيئة وأساليب التربية السلبية المتبعة، ويمكن التعامل معه من خلال منح الطفل مساحة أمان للتعبير عن مشاعره، وعدم إجباره على الكلام، إضافة لطلب المساعدة من المختصين وقت الحاجة، والصمت الانتقائي إذا لم يُعتنَ به في البداية قد يتطور لاضطرابات نفسية أخرى.

المراجع:

  • شيبون، إليسا. (2020). الصمت الاختياري. ترجمة عدنان الحاجي. Blogspot http://adnan-alhajji.blogspot.com/2020/03/blog-post_11.html
  • الصباح، سهير، جابي، أنطوان. (د. ت). الصمت الانتقائي لدى الأطفال، أعراضه، أسبابه ووسائل التعامل معه. مجلة حقائق للدراسات النفسية والاجتماعية، 7، 83-105.
  • كامل، أنطوان. (2013). الصمت الانتقائي لدى الأطفال، أعراضه، أسبابه ووسائل التعامل معه (دراسة حالة) [رسالة ماجستير]. جامعة القدس https://dspace.alquds.edu/server/api/core/bitstreams/edc892be-b1a3-4db9-a46e-9c8eb644d761/content
  • النجار، فاطمة. (2015). فعالية برنامج علاجي مقترح في تخفيف حدة أعراض الصمت الانتقائي “دراسة حالة لطفلة بالمرحلة الابتدائية”. مجلة كلية التربية بجامعة الأزهر، 162 (4)، 433-482.
  • الهواري، شيماء، طه، نوره، أحمد، مروة، العوضي، هبة. (2022). اضطراب الصمت الانتقائي لدى الأطفال في ضوء بعض المتغيرات الديموغرافية. مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، 16 (9)، 2352-2385.
  • Childmind. (2021). Selective mutism. Childmind

https://childmind.org/guide/parents-guide-how-to-help-a-child-with-selective-mutism/

https://www.nhs.uk/mentalhealth/conditions/selectivemutism/#:~:text=Selective%20mutism%20is%20a%20severe,untreated%2C%20can%20persist%20into%20adulthood

وسوم

عن الكاتب

هشام الشيخ

باحث في الإرشاد النفسي

اقرأ لـ هشام الشيخ

اقرأ ايضاً عن الإرشاد النفسي

اقرأ ايضاً عن مشكلات الأطفال