الذكاء العاطفي

كثير من الناس يسيؤون تفسير ردود أفعالهم العاطفية، ويفشلون في السيطرة على انفعالاتهم العاطفية، أو يتصرفون بغرابة عندما يتعرضون إلى ضغوط الحياة المختلفة، وهذا يؤدي إلى عواقب وخيمة على أنفسهم وعلى الآخرين وعلى المجتمع، في حين يتمتع أشخاص آخرون بقدرة أكبر على فهم المعلومات المتعلقة بالعواطف والمحفزات المرتبطة بها واستخدام هذه المعلومات كدليل لأفكارهم وسلوكياتهم وللآخرين بشكل عام.

ما هو الذكاء العاطفي؟

الذكاء العاطفي هو القدرة على التعرف على عواطفك وفهمها وإدارتها، بالإضافة إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتأثير عليها، إنه ينطوي على إدراك أن العواطف تقود السلوكيات وتؤثر على الناس إما إيجاباً أو سلباً.

ما هي المكونات الأربعة للذكاء العاطفي؟

1. الوعي العاطفي:

يعد الوعي الذاتي أو القدرة على التعرف على مشاعر المرء وفهمها مهارة حيوية للذكاء العاطفي، ويأتي بعد فهم المرء لمشاعره إدراك تأثير أفعاله وحالاته المزاجية وعواطفه على الآخرين.

ووفقاً لبحث أجرته أخصائية علم النفس التنظيمي Tasha Eurich، يعتقد 95 % من الأفراد أنهم مدركون لذواتهم، لكن في الحقيقة فإن النسبة هي من 10 إلى 15 % فقط! الأمر الذي قد يسبب مشاكل للأشخاص الذين يتفاعل المرء معهم، فقد يكون التعامل مع أشخاص غير مدركين لذاتهم أمراً محبطاً، ويؤدي إلى زيادة التوتر وتقليل التشجيع. (Frothingham,2022)

لكي يصبح المرء مدركاً لذاته يجب أن يكون قادراً على مراقبة مشاعره والتعرف على ردود أفعاله العاطفية المختلفة، وتحديد كل عاطفة مميزة بشكل صحيح، فالأشخاص المدركون لذواتهم يستطيعون التعرف على الروابط بين الأشياء التي يشعرون بها وكيف يتصرفون بحكمة، ويعترف هؤلاء الأشخاص أيضاً بنقاط القوة والضعف لديهم، وهم منفتحون على الخبرات الجديدة، ويتعلمون من تبادل خبراتهم مع الآخرين، وهم، علاوة على ذلك، يتمتعون بروح الدعابة ويثقون في أنفسهم وقدراتهم.

2. التنظيم الذاتي العاطفي (إدارة العواطف)

بالإضافة إلى إدراك المرء لمشاعره وتأثيره على الآخرين، يتطلب الذكاء العاطفي من المرء تنظيم وإدارة عواطفه.

هذا لا يعني إخفاء المشاعر أو كتمها، إنه يعني فقط اختيار الوقت والمكان المناسبين للتعبير عنها، ولأن رد الفعل بطبيعته لا إرادي، يعمل التنظيم الذاتي على توصيل مشاعر المرء بالشكل المناسب.

وكلما كان الشخص أكثر تناغماً مع الذكاء العاطفي، كان من الأسهل له الانتقال من رد الفعل الفوري إلى الاستجابة المدروسة جيداً، ومن الأهمية بمكان أن يتذكر الشخص أن يتوقف ويتنفس ويفعل ما يلزم لإدارة عواطفه، مثل المشي أو التحدث إلى صديق، بحيث يمكن للمرء أن يستجيب بشكل أكثر ملاءمة للتوتر والشدائد.

أولئك الذين يتقنون التنظيم الذاتي يتمتعون بمهارات المرونة والتكيّف مع التغيير، ويتقنون التعامل مع الخلافات ونزع فتيل المواقف المزعجة أو الصعبة، ويفكرون في كيفية تأثيرهم على الآخرين ويتحملون المسؤولية عن أفعالهم.

3. التعاطف الاجتماعي (إدراك المشاعر)

التعاطف أو القدرة على معرفة وفهم ما يشعر به الآخرون أمر بالغ الأهمية لإتقان الذكاء العاطفي، وهو ينطوي على أكثر من مجرد القدرة على تحديد الحالات العاطفية للآخرين، كما أنه يؤثر على استجابات المرء للأشخاص بناءً على هذه المعرفة؛ أي كيف يستجيب المرء عندما يشعر أن شخصاً ما يشعر بالحزن أو اليأس؟ قد يقدم له العناية والاهتمام أو قد يرفع من معنوياته.

4. المهارات الاجتماعية (استخدام العواطف)

تعد القدرة على التفاعل الجيد مع الآخرين جانباً حيوياً آخر من جوانب الذكاء العاطفي، وتسمح المهارات الاجتماعية القوية للناس ببناء علاقات هادفة مع الآخرين، وتطوير فهم أقوى لأنفسهم وللآخرين.

يتضمن الفهم العاطفي السليم أكثر من مجرد فهم المرء لمشاعره ومشاعر الآخرين؛ فلا بد أن يطبق هذه المعلومات في التفاعلات والاتصالات اليومية.

في المجال المهني يستفيد المديرون من خلال قدرتهم على بناء علاقات واتصالات مع الموظفين، ويستفيد العمال من تطوير علاقة قوية مع القادة وزملاء العمل.

تشمل المهارات الاجتماعية الأساسية الاستماع النشط والتواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي والقيادة والإقناع.

لماذا يعدّ الذكاء العاطفي بالغ الأهمية؟

القدرات الفكرية مهمة للنجاح في الحياة اليومية في العديد من مجالات الحياة المختلفة، ويعد الذكاء جانباً مهماً من جوانب العقل، يتضمن الكثير من القدرات المعرفية مثل قدرات المرء في المنطق والتخطيط وحل المشكلات والتكيف والتفكير المجرد وفهم الأفكار واستخدام اللغة والتعلم، ومع ذلك هناك بعض المكونات الهامة الأخرى التي تساهم في النجاح المذكور أعلاه، بما في ذلك القدرات الاجتماعية، والتكيف العاطفي، والحساسية العاطفية، والتعاطف.

ويركز الذكاء العاطفي أيضاً على شخصية وجوانب ضبط النفس، مثل القدرة على تأخير الملذات، والتسامح مع الإحباطات. (Drigas AS. 2018)

يساعدك امتلاك ذكاء عاطفي على تجنب تلك المواقف التي قد تتصرف فيها بناءً على الاندفاع بدلاً من معرفة الحقيقة، ويمكن أن يساعدك فهم وإدارة عواطفك وعواطف الآخرين على أن تكون أكثر نجاحاً في حياتك الشخصية والمهنية.

كيفية استخدام الذكاء العاطفي

يمكن استخدام الذكاء العاطفي بعدة طرق مختلفة في حياتك اليومية. تتضمن بعض الطرق المختلفة لممارسة الذكاء العاطفي ما يلي:

  • القدرة على تقبل النقد.
    • القدرة على المضي قدماً بعد ارتكاب الخطأ.
    • القدرة على قول لا عندما تحتاج إلى ذلك.
    • القدرة على مشاركة مشاعرك مع الآخرين.
    • القدرة على حل المشكلات بالطرق التي تناسب الجميع.
    • التعاطف مع الآخرين.
    • امتلاك مهارات استماع رائعة.
    • عدم الحكم على الآخرين.

العلاقة بين معدل الذكاءIQ  والذكاء العاطفيEQ ؟

أشارت الأبحاث الشاملة إلى الدور المهم الذي تلعبه العواطف في حياتنا في العديد من المجالات، وقد وجد الباحثون أن الذكاء العاطفي يساوي أو في بعض الأحيان أكثر أهمية من معدل الذكاء، وترتبط العاطفة والذكاء ارتباطاً وثيقاً؛ فإذا كنت على دراية بمشاعرك ومشاعر الآخرين فسيساعدك ذلك على إدارة السلوكيات والعلاقات والتنبؤ بالنجاح في العديد من المجالات.

ما هي طرق تحسين الذكاء العاطفي؟

بينما قد يأتي بعض الأشخاص بمهاراتهم العاطفية بشكل طبيعي، تشير بعض الأدلة إلى أنه بإمكانك تطوير هذه المهارة وتحسينها؛ فعلى سبيل المثال وجدت تجربة عام 2019 أن تدريب الذكاء العاطفي يمكن أن يحسن القدرات العاطفية في أماكن العمل. (Frothingham,2022)

1. كن مصغياً

إذا كنت تريد أن تفهم ما يشعر به الآخرون فإن الخطوة الأولى هي الانتباه، كن مصغياً إلى ما يحاول الناس إخبارك به بشكل لفظي وغير لفظي، فيمكن أن تحمل لغة الجسد قدراً كبيراً من المعاني، وحين تشعر أن شخصاً يمر بحالة شعورية معينة، ففكر في العوامل المختلفة التي أفضت به إلى هذه الحالة.

2. تعاطف مع الآخرين

أن تمتلك القدرة على وضع نفسك مكان شخص آخر كي تفهم وجهة نظره هو أمر مهم في الذكاء العاطفي، لذا تدرب على التعاطف مع الآخرين، وتخيل كيف ستشعر لو كنت في مكانهم، فيمكن أن يساعدك مثل هذه التدريب على بناء فهم عاطفي لموقف معين بالإضافة إلى تطوير مهارات عاطفية أقوى على المدى الطويل.

3. كن أكثر وعياً بنفسك

الوعي بمشاعر المرء والاستجابات العاطفية للآخرين تؤدي إلى تحسين الذكاء العاطفي بشكل كبير، لذا فإن معرفة متى يشعر المرء بالقلق أو الغضب يمكن أن يساعد في التعرف على تلك المشاعر وإيصالها بطريقة تعزز التواصل الجيد.

4. تواصل بوضوح

مهارات الاتصال القوية ضرورية للذكاء العاطفي. إن معرفة ما يجب التعبير عنه أو كتابته ومتى تقدم المعلومات أمر بالغ الأهمية لبناء علاقات قوية.

كيف يتم قياس الذكاء العاطفي؟

ظهر عدد من التقييمات المختلفة لقياس مستويات الذكاء العاطفي، وتنقسم هذه التقييمات عموماً إلى نوعين: اختبارات التقرير الذاتي واختبارات القدرة.

تعد اختبارات التقرير الذاتي هي الأكثر شيوعاً لأنها أسهل في الإدارة والنتيجة. في مثل هذه الاختبارات، يستجيب المستجيبون للأسئلة أو العبارات بتصنيف سلوكياتهم. على سبيل المثال، في عبارة مثل “غالباً ما أشعر أنني أفهم كيف يشعر الآخرون”، قد يصف المتقدم للاختبار العبارة بأنه غير موافق أو غير موافق إلى حد ما أو موافق أو موافق بشدة.

من ناحية أخرى تتضمن اختبارات القدرة جعل الأشخاص يستجيبون للمواقف ثم تقييم مهاراتهم، وغالباً ما تتطلب مثل هذه الاختبارات من الأشخاص إثبات قدراتهم، والتي يتم تصنيفها بعد ذلك من قبل طرف ثالث.

المراجع:

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية