ما هو معدل الذكاء IQ ؟ وما مدى ارتباطه بالنجاح الشخصي؟

معدل الذكاء IQ هو مقياس لقدرة الشخص على التفكير، وهو باختصار يقيس مدى جودة استخدام شخص ما للمعلومات والمنطق للإجابة على الأسئلة أو لعمل تخمينات للمستقبل، وتبدأ اختبارات الذكاء في تقييم ذلك عن طريق قياس الذاكرة قصيرة والذاكرة طويلة المدى، ويقيس أيضاً مدى قدرة الأشخاص على حل الألغاز وتذكّر المعلومات التي سمعوها ومدى سرعتهم في ذلك.

يمكن لكل طالب التعلم مهما كان ذكاؤه، لكن بعض الطلاب يعانون في المدرسة بسبب ضعف في مجال معين من الذكاء، وغالباً ما يستفيد هؤلاء الطلاب من برامج التربية الخاصة؛ فهناك يحصلون على دعم إضافي في نقاط الضعف التي يكافحون فيها، وتساعد اختبارات معدل الذكاء المعلمين في معرفة الطلاب الذين سيستفيدون من هذه الدعم الإضافي.

وتساعد اختبارات معدل الذكاء أيضاً في تحديد الطلاب الذين سيحققون أداءً جيداً في برامج تعليم الموهوبين، وتستخدم العديد من الكليات والجامعات أيضاً اختبارات مشابهة لاختبارات الذكاء لاختيار الطلاب، كما تستخدم حكومات بعض الدول كالولايات المتحدة اختبارات الذكاء عند اختيار من يتم توظيفه، وتساعد هذه الاختبارات في التنبؤ بالأشخاص الذين سيكونون قادة جيدين، أو يكونون أفضل في مهارات معينة.

يعتقد غير الخبراء أن الذكاء هو السبب كون الأشخاص ناجحين، لكن علماء النفس الذين درسوا الذكاء وجدوا أن هذا صحيح بشكل جزئي فقط؛ فيمكن لاختبارات الذكاء أن تتنبأ بمدى أداء الناس في مواقف معينة، مثل التفكير المجرد في العلوم أو الهندسة أو الفن، أو قيادة فرق من الناس، لكن الموضوع أكبر من ذلك؛ فالإنجاز أو النجاح يعتمد على أشياء كثيرة كالطموح والمثابرة واغتنام الفرص والقدرة على التفكير الجاد.

قياس معدل الذكاء

اختبارات الذكاء موجودة منذ أكثر من قرن، فقد تم إنشاؤها في الأصل في فرنسا للمساعدة في تحديد الطلاب الذين يحتاجون إلى دعم إضافي في المدرسة.

واستخدمت حكومة الولايات المتحدة لاحقاً نسخاً معدلة من هذه الاختبارات خلال الحرب العالمية الأولى، فقد عرف القادة في القوات المسلحة أن السماح لأشخاص غير مؤهلين بالدخول في المعركة قد يكون أمراً خطيراً، لذلك استخدموا الاختبارات للمساعدة في اختيار على مرشحين مؤهلين.

يشير Joel Schneider وهو عالم نفس إلى أن اختبارات الذكاء لها عديد من الأغراض المختلفة وقد تم تصميم بعض اختبارات الذكاء لتقييم الأطفال في أعمار معينة، وبعضها للكبار وبعضها الآخر للأشخاص ذوي الإعاقات الخاصة.

لكن هذه الاختبارات تكون ذات فائدة أكبر فقط عندما تطبق على أشخاص من نفس الثقافة أو التنشئة الاجتماعية؛ يقول Schneider: “في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من المحتمل أن يكون لدى الشخص الذي ليس لديه فكرة عن هوية جورج واشنطن ذكاء أقل من المتوسط، لكن في اليابان عدم معرفة هوية واشنطن يكشف القليل جداً عن ذكاء الشخص”.

غالباً ما تركز اختبارات الذكاء الحديثة على القدرات مثل المهارات الرياضية والذاكرة والإدراك المكاني والقدرات اللغوية، وتعد القدرة على فهم العلاقات وحل المشكلات وتذكر المعلومات مكونات مهمة للذكاء، لذلك غالباً ما تكون هذه هي المهارات التي تركز عليها اختبارات معدل الذكاء. (Cherry,2022)

تطرح اختبارات الذكاء أيضاً أسئلة أصعب لقياس معرفة الشخص؛ مثلاً ما هو الفن التجريدي؟ ماذا يعني التخلف عن سداد القرض؟ ما هو الفرق بين الطقس والمناخ؟ ويوضح Schneider أن هذه الأنواع من الأسئلة تختبر ما إذا كان شخص ما يعرف أشياء ذات قيمة في ثقافته.

مثل هذه الأسئلة القائمة على المعرفة تقيس ما يسميه العلماء بالذكاء المتبلور، لكن بعض فئات اختبارات الذكاء لا تتعامل مع المعرفة على الإطلاق.

يقيس النوع الآخر من الذكاء ما يسمى بالذكاء السائل؛ ويعبر عن قدرة الشخص على استخدام المنطق والعقل لحل مشكلة ما، على سبيل المثال، قد يتعين على المتقدمين للاختبار معرفة كيف سيكون شكل ما إذا تم تدويره بطريقة معينة.

الذكاء السائل وراء لحظات “آها” أي عندما تقوم فجأة بتوصيل النقاط لرؤية الصورة الأكبر.

الذكاء الشخصي

يلاحظ Scott Barry Kaufman وهو عالم نفس في جامعة بنسلفانيا أن اختبارات الذكاء تقيس مجموعة من المهارات المهمة للمجتمع، لكنه يضيف أن مثل هذه الاختبارات لا تخبر القصة الكاملة عن إمكانات شخص ما، وأحد الأسباب لذلك هي أن اختبارات الذكاء تفضل الأشخاص الذين يمكنهم التفكير في الحال، وهي مهارة يفتقر إليها الكثير من الأشخاص الأكفاء.

يدرس Kaufman الآن ما يسميه الذكاء الشخصي؛ وهو الطريقة التي تتحد بها اهتمامات الناس وقدراتهم الطبيعية لمساعدتهم على العمل للوصول أهدافهم. معدل الذكاء هو أحد مكونَي الذكاء الشخصي، وضبط النفس هو المكوّن الآخر، وكلاهما يساعد الناس على تركيز انتباههم عندما الحاجة كما هو الحال في المدرسة.

يجمع علماء النفس انتباه الشخص المركّز وضبط النفس وحل المشكلات معاً في مهارة يسمونها الوظيفة التنفيذية، وتُعرف خلايا الدماغ المسؤولة عن الوظيفة التنفيذية بشبكة التحكم التنفيذية، ويتم تشغيل هذه الشبكة عندما يقوم شخص ما بإجراء اختبار الذكاء، وتشارك العديد من مناطق الدماغ نفسها في الذكاء السائل.

لكن الذكاء الشخصي هو أكثر من مجرد وظيفة تنفيذية؛ إنه مرتبط بأهداف شخصية، فإذا كان الناس يعملون نحو هدف ما فسيكونون مهتمين ويركزون على ما يفعلونه، وقد يحلمون في أحلام اليقظة حول مشروع ما حتى أثناء عدم العمل عليه، وعلى الرغم من أن أحلام اليقظة قد تبدو مضيعة للوقت، إلا أنها قد تكون لها فوائد كبيرة للشخص الذي يقوم بذلك.

تحويل الإمكانات إلى إنجاز

“مجرد كون الشخص ذكياً لا يعني بالضرورة أنه سيكون ناجحاً، ومجرد أن شخصاً ما أقل ذكاءً لا يعني أن هذا الشخص سيكون فاشلاً”، هذا ما ذكرته Angela Duckworth عالمة النفس في جامعة بنسلفانيا، ومثل العديد من علماء النفس الآخرين تساءلت Duckworth ما الذي يجعل شخصاً ما أكثر نجاحاً من شخص آخر؟

في عام 2007 أجرت مقابلات مع أشخاص من جميع مناحي الحياة وسألت كل منهم عما يعتقد أنه يجعل شخصاً ما ناجحاً، وكانت أجوبة معظم الناس أن الذكاء والموهبة مهمان، لكن الأشخاص الأذكياء لا يرتقون دائماً إلى مستوى إمكاناتهم.

عندما بحثت Duckworth بشكل أعمق، ووجدت أن الأشخاص الذين حققوا أفضل أداء، كأولئك الذين تمت ترقيتهم في وظائفهم مراراً وتكراراً، أو الذين جنوا الكثير من المال، يشتركون في صفة لا علاقة لها بالذكاء وهي الإصرار، وبحسب Duckworth يتكون الإصرار من جزأين هما الشغف والمثابرة؛ ويشير الشغف إلى الاهتمام الدائم بشيء ما، والأشخاص الذين يثابرون يعملون رغم العقبات لإنهاء مهامهم، وقد طورت Duckworth مجموعة من الأسئلة لتقييم الشغف والمثابرة.

في إحدى الدراسات التي أجريت على أشخاص يبلغون من العمر 25 عاماً أو أكثر، وجدت Duckworth أنه مع تقدم الأشخاص في العمر يصبحون أكثر ميلاً للالتزام بالمهام، ووجدت أيضاً أن الإصرار يزداد مع التعليم؛ فقد سجل الأشخاص الذين أنهوا دراستهم الجامعية درجات أعلى على مقياس الإصرار مقارنة بالأشخاص الذين تركوا الدراسة قبل التخرج.

ثم قامت بدراسة أخرى مع طلاب جامعيين، فقد أرادت Duckworth أن ترى كيف أثر الذكاء والإصرار على الأداء في المدرسة، لذا قارنت الدرجات في امتحانات الالتحاق بالجامعة (مثل SAT) والتي تقدر معدل الذكاء، بالدرجات المدرسية ودرجات شخص ما على مقياس الإصرار، وأوضحت النتائج أن الطلاب الحاصلين على درجات أعلى يمتلكون إصراراً أكبر، وهذا ليس مفاجئاً إذ يتطلب الحصول على درجات جيدة اجتماع الذكاء مع العمل الجاد، لكن Duckworth وجدت أيضاً أن الذكاء والإصرار لا يسيران دائماً جنباً إلى جنب، في المتوسط يميل الطلاب الحاصلون على درجات أعلى في الامتحانات إلى أن يكونوا أقل إصراراً من أولئك الذين حصلوا على درجات أقل.

لكن بعض الناس يعترضون على أن الإصرار ليس بالأهمية التي يروّج لها، ومن بين هؤلاء الناس Marcus Credé وهو عالم نفس في جامعة ولاية Iowa؛ حيث قام مؤخراً بتجميع نتائج 88 دراسة حول الإصرار، تضمنت تلك الدراسات معاً ما يقرب من 67000 شخص، ووجد أن الإصرار لا يتنبأ بالنجاح.

ومع ذلك فهو يعتقد أن الإصرار يشبه إلى حد بعيد الاجتهاد؛ أي قدرة هذا الشخص على تحديد الأهداف والعمل على تحقيقها والتفكير في الأمور قبل التصرف، ويلاحظ Credé أن هذه سمة أساسية في الشخصية وليست شيئاً يمكن تغييره.

ويخلص Credé إلى أن عادات ومهارات الدراسة وقلق الاختبار والحضور في الفصل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنجاز أكثر من ارتباطها بالإصرار، ويردف قائلاً: “يمكننا تعليم الطلاب كيفية الدراسة بفعالية، ومساعدتهم في تجاوز قلق الاختبارات لديهم، لكن لست متأكداً من أنه يمكننا فعل ذلك مع الإصرار”.

في الختام فإن دور الاجتهاد في تحقيق النجاح لا يقل أهمية عن دور معدل الذكاء.

المراجع:

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية