طرق تعليم الأطفال الصغار مهارات ضبط النفس

السنوات الخمس الأولى من العمر هي فترة نمو كبير للدماغ، لكن بعض مناطق الدماغ تنضج بشكل أبطأ من غيرها. قشرة الفص الجبهي وهي القاعدة الرئيسية للوظيفة التنفيذية(1) المسؤولة عن (التحكم والضبط) هي إحدى هذه المناطق، وهو ما يفسر صعوبة تحكم الأطفال الصغار في انفعالاتهم وعواطفهم.

ومع ذلك، يمكن تحسين جوانب الوظيفة التنفيذية، بما في ذلك القدرة على تركيز الانتباه وتحسين الذاكرة العاملة(2) والتحكم بالذات من خلال التدريس الواضح والدعم والتدريب حتى بين الأطفال في سن ما قبل المدرسة.

 وهناك سبب وجيه يدعو الآباء ومعلمي الطفولة المبكرة لمساعدة الأطفال الصغار على تطوير هذه القدرات، حيث تُظهر العديد من الدراسات أن الأطفال الذين يظهرون سلوكيات ضبط الذات في سن ما قبل المدرسة يحققون نجاحات متتالية في المدرسة ويكونون أقدر على تجنب السلوكيات المحفوفة بالمخاطر في مرحلة المراهقة من أقرانهم الذين يجدون صعوبة في ضبط ذواتهم.

الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات لهم القدرة على تحمل مسؤولية سلوكياتهم وعواطفهم ومن هذا المنطلق يمكن للكبار مساعدة هؤلاء الأطفال على تحقيق أقصى استفادة من عقولهم النامية من خلال إرشادهم ومساندتهم، وهذا يعني 

أنه يمكن للأطفال أن يصبحوا مستمعين أفضل، وأن يتعلموا تركيز انتباههم، ومواصلة مهام التعلم، والتواصل بإيجابية مع أقرانهم إذا فكروا في أفعالهم وحاولوا السيطرة عليها.

الاستراتيجيات التي تمكّن الأطفال الصغار من تطوير قدراتهم على ضبط الذات:

تحدث بوضوح وبساطة وبشكل دائم عن السلوكيات المهمة:

ومثال على السلوكيات المهمة: “وقت القراءة هو وقت هادئ” “َتبادل الأدوار بالألعاب المفضلة مع أصدقائك” “حان الوقت للاستماع واتباع التوجيهات” ” المساعدة تشعرك أنت والآخرين بالسعادة.” 

أنشئ إجراءات روتينية:

 قد لا يدرك الأطفال الصغار مفهوم الوقت، لكنهم يعتادون على إيقاع جدول منتظم وإجراءات ثابتة. فعندما يعلمون أن درس القراءة يتبعه لعب في الهواء الطلق، يساعدهم هذا على الجلوس بهدوء بينما يقرأ معلمهم.

تشكيل السلوك خطوة واحدة في كل مرة:

الانضباط الذاتي هو عملية تستغرق سنوات لصقلها. استخدام استراتيجيات الانضباط المناسب لعمر الطفل لتشكيل السلوك خطوة واحدة في وقت واحد.

وبدلاً من توقع أن يتمكن طفل يبلغ من العمر 6 سنوات فجأة من أداء روتينه الصباحي بالكامل دون أي تذكيرات، استخدم مخططًا للصور على الحائط يصور تمشيط الشعر وتنظيف الأسنان وارتداء الملابس. يمكنك حتى التقاط صور لطفلك وهو يقوم بهذه الأنشطة وإنشاء مخططك الخاص.

عند الضرورة، قدم تذكيرات لطفلك للنظر في المخطط حتى يتمكن من إلقاء نظرة على المخطط والقيام بكل مهمة بمفرده. في النهاية، سيحتاجون إلى تذكيرات أقل ولن يحتاجوا إلى المخطط على الإطلاق.

في أي وقت يتعلم فيه طفلك مهارة جديدة أو يكتسب المزيد من الاستقلالية، ساعده على القيام بذلك خطوة واحدة صغيرة في كل مرة. ( Morin,2021)

اجذب الانتباه:

 إن القدرة على مساعدة الأطفال على تركيز انتباههم في مهام التعلم هي وظيفة أساسية لنجاح المدرسة في المستقبل. ينجذب الأطفال حديثي الولادة إلى المثير الأكثر وضوحًا في بيئتهم، وفي سياق النمو الطبيعي يبدأ الأطفال في تركيز انتباههم على مثيرات معينة يؤكدها الوالدان ومقدمو الرعاية الآخرون.

 لدى الأطفال الصغار ومرحلة ما قبل المدرسة اهتمام بالأنشطة التي يستمتعون بها مثل البناء باستخدام المكعبات والرسم أو المشاركة في الألعاب الحركية المفضلة. يتمثل التحدي في تقديم أنشطة التعلم الأخرى بطرق تحفز نفس المستوى من الإثارة والتفاعل مثل القراءة بعاطفة وحماس، وجعل أنشطة الدرس ممتعة وعملية، وتوفير الاهتمام والدعم الفردي لإشراك الأطفال والحفاظ على انتباههم.

استفد من الألعاب:

 بعض ألعاب التركيز كألعاب الكمبيوتر وألعاب الورق تساعد الأطفال الصغار على تطوير ذاكرتهم العاملة في حين أن الألعاب التي تركز على النشاطٌ الحركي -كلعبة التجمد مثلاً حيث يرقص الأطفال أثناء تشغيل الموسيقى ويتجمدون عند توقفها-تتطلب من المشاركين ممارسة ضبط النفس. يمكن للمعلم أن يوفر للأطفال مجموعة متنوعة من الألعاب والأنشطة التي تعطيهم فرصًا للتحكم في أجسادهم وأصواتهم وعقولهم في الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم يستمتعون فقط.

شجع السلوكيات الاجتماعية الإيجابية: 

شكل آخر لاكتساب مهارة ضبط النفس هو تعلم مراعاة مشاعر الآخرين واهتماماتهم فعند القيام بذلك يتواصل الأطفال بطرق أكثر إيجابية مع أقرانهم. يمكن للوالدين ومعلمي الطفولة المبكرة تشجيع الأطفال الصغار على تبني سلوكيات اجتماعية إيجابية من خلال وضع توقعات واضحة بشكل متكرر لمشاركة الآخرين ومساعدتهم بأن يكونوا هم قدوة في ممارسة هذه السلوكيات، ومن خلال إعطاء كل طفل اهتمامًا فرديًا. وعلى الدوام أكِّد على الرسالة التي مفادها أننا عندما نساعد الآخرين نشعر نحن وهم بالسعادة.

اغرس العقلية الصحيحة لمواجهة التحديات والتعلم من الفشل

يعتقد الكثير من الناس أن الذكاء والموهبة “هدايا” نرثها ولا يمكننا تطويرهما. عندما يفشل هؤلاء الناس، فإنهم يشعرون بالعجز والاستسلام.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الأشخاص الذين يعتقدون أن الجهد يشكل الذكاء والموهبة هم أكثر مرونة، وهم أكثر عرضة لمواجهة التحديات والتعلم من أخطائهم.

يمكننا مساعدة الأطفال على تطوير هذا النوع من المرونة والتصميم من خلال توخي الحذر في ملاحظاتنا.

تُظهر التجارب أن مدح الأطفال على السمات العامة (“أنت ذكي جدًا!”) يجعلهم يتبنون العقلية الخاطئة. وكذلك النقد العام (“أشعر بخيبة أمل فيك”).

ما يفيد بشكل أفضل هو الثناء على الجهد والتغذية الراجعة التي تشجع الأطفال على تجربة استراتيجيات مختلفة (“هل يمكنك التفكير في طريقة أخرى للقيام بذلك؟”).

(Dewar,2019)

تتقلب أمزجة الأطفال الصغار -كما الكبار-بين السعادة والحرن، وهذا يؤكد أهمية اهتمام الكبار في مساعدة الأطفال على التعامل مع مشاعر الحزن أو الغضب؛ فلا ننكر هذه المشاعر ولا نتجاهلها، بل نطلب منهم التعبير عنها، ونستكشف معهم طرقاً تجعلهم يتجاوزون تلك المشاعر دون إيذاء الآخرين.

…………………….

 (1) الوظيفة التنفيذية: هي مجموعة من المهارات العقلية التي تشمل الذاكرة العاملة والتفكير المرن وضبط النفس. نستخدم هذه المهارات كل يوم للتعلم والعمل وإدارة الحياة اليومية. يمكن أن تؤدي مشاكل الوظيفة التنفيذية إلى صعوبة التركيز واتباع التوجيهات والتعامل مع المشاعر.

(2) الذاكرة العاملة: هي القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات في الدماغ ومعالجتها معاً.

المراجع:

-Valenzuela, Jorge, (2021). A Simple Tool to Help Teachers Regulate Their Emotions.  https://www.edutopia.org/article/simple-ways-to-help-young-kids-develop-self-control-donna-wilson-marcus-conyers

-Dewar, Gwen, (2019). Teaching self-control: Evidence-based tips. https://parentingscience.com/teaching-self-control/?__cf_chl_captcha_tk__=mMjqrnecbmuFXwcX1CBIB6QcjBs1.cX9eads2CNjrH4-1638100856-0-gaNycGzNIVE

-Morin, Amy, (2021). 8 Ways to Teach Kids Self-Discipline Skills. https://www.verywellfamily.com/teach-kids-self-discipline-skills-1095034

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن علم النفس التربوي