لماذا تعتبر السنوات من 2 إلى 7 مهمة جداً لتنمية الدماغ؟

  • عندما كان ألبرت أينشتاين طفلاً، توقع القليل من الناس، إن وجدوا، المساهمات الرائعة التي سيقدمها في مجال العلم، فقد تأخرّ النمو اللغوي لديه لدرجة أثارت قلق والديه ودفعتهما لاستشارة الطبيب، واعترفت أخته ذات مرة بأن أينشتاين يواجه صعوبة في اللغة لدرجة أن المحيطين به يخشون أنه لن يتعلمها أبداً، فكيف انتقل من طفل يحتمل أن لديه تأخر في النمو إلى أن يصبح أينشتاين؟
  • جزء من الإجابة على هذا السؤال يعود إلى هديتين تلقاهما أينشتاين من كل من والديه عندما كان في الخامسة من عمره؛ كان حينها مريضاً فأعطاه والده بوصلة، بالنسبة لآينشتاين كانت جهازاً غامضاً أثار فضوله في مجال العلم، وبعد بعد فترة وجيزة أعطته والدته التي كانت عازفة بيانو موهوبة آلة كمان. هاتان الهديتان تحدتا دماغ أينشتاين بطرق متميزة في الوقت المناسب تماماً.
  • تتطور أدمغة الأطفال في طفرات تسمى الفترات الحرجة؛ يحدث التطور الأول في سن الثانية تقريباً، بينما يحدث التطور الثاني خلال فترة المراهقة.

في بداية هذه الفترات يزداد عدد الوصلات (المشابك) بين خلايا الدماغ (الخلايا العصبية)، ويتضاعف عددها في عمر العامين ونظراً لأن هذه الروابط بين خلايا الدماغ هي المكان الذي يحدث فيه التعلم، فإن ذلك يمكّن الدماغ من التعلم بشكل أسرع من أي وقت آخر في الحياة، لذلك فإن خبرات الأطفال في هذه المرحلة لها تأثيرات دائمة على نموهم. (Rishi,2020)

  • منذ الولادة، يطور الأطفال روابط دماغية من خلال تجاربهم اليومية، لقد تم بناؤها من خلال التفاعلات الإيجابية مع والديهم ومقدمي الرعاية وباستخدام حواسهم للتفاعل مع العالم.

تحدد التجارب اليومية للطفل الصغير أي روابط دماغية تتطور وأيها ستستمر مدى الحياة، ويُحدث مقدار وجودة الرعاية والتحفيز والتفاعل الذي يتلقونه في سنواتهم الأولى كل الفرق. (firstthingsfirst.org)

طرق الاستفادة من هذه المرحلة العمرية

تبدأ الفترة الأولى لنمو الدماغ في حوالي سن الثانية وتنتهي في سن السابعة، وهي توفر فرصة ممتازة لوضع الأساس لتعليم شامل للأطفال.

هناك أربع طرق للاستفادة القصوى من هذه الفترة تشمل: تشجيع حب التعلم، والتركيز على التنوع بدلاً من التخصص، والاهتمام بالذكاء العاطفي(1)، والتعامل مع تعليم الأطفال الصغار على أنه مهم للغاية.

شجع حب التعلم

يحتاج الأطفال الصغار إلى الاستمتاع بعملية التعلم أكثر من التركيز على الأداء فقط، فيمكن للمعلمين وأولياء الأمور التأكيد على متعة تجربة أنشطةٍ جديدة وتعلم شيء جديد، ومن المهم أيضاً أن نساعد الأطفال على فهم أن ارتكاب الأخطاء خلال التعلم هو أمر مقبول وطبيعي.

هذه الفترة هي أيضاً الوقت المناسب لتأسيس “عقلية النمو”(2) والتي تعني أن المواهب والقدرات يتم تطويرها من خلال بذل الجهد ولا تتطور تلقائياً.

يجب أن يتجنب اختصاصيو التوعية تصنيف الأطفال أو إطلاق الأحكام حول قدراتهم، حتى المجاملات مثل “أنت ذكي جداً” قد تأتي بنتائج عكسية، وعلينا بدلاً من ذلك أن نركز على التشجيع وتوفير مساحات آمنة للتعلم.

بعبارة أوضح سيتعلم الأطفال حب التعلم إذا أظهرنا حماساً لعملية التعلم بدلاً من التركيز على النتائج.

ركّز على التنوع وليس على التخصص

تتمثل إحدى طرق تجنب التركيز على النتائج خلال هذه المرحلة العمرية في التأكيد على اتساع نطاق المهارات وتنوعها بدلاً من التركيز في نشاط محدد.

إن تعريض الأطفال لمجموعة متنوعة من الأنشطة يضع الأساس لتنمية المهارات في مجموعة من المجالات، لذا فهذه هي المرحلة الأنسب لإشراك الأطفال في أنشطة الموسيقى والقراءة والرياضة والرياضيات والفنون والعلوم واللغات.

في كتابه Range يوضح David Epstein بأن اتساع الخبرة غالباً ما يتم تجاهله وعدم تقديره، صحيح أن التركيز على التميز في نشاط واحد يكون مناسباً في مرحلة ما من العمر، لكن الأشخاص الذين ينجحون في عالمنا المعاصر هم أولئك الذين يتعلمون أولاً كيفية الاستفادة من مجالات متعددة والتفكير بشكل إبداعي وتجريدي، وبمعنى آخر يحتاج مجتمعنا إلى أفراد ذوي خبرة جيدة.

إن التنوع والتكامل مهم بشكل خاص للأطفال من سن 2 إلى 7 سنوات، فأدمغتهم النامية جاهزة للانخراط بقوة في مجموعة واسعة من المهارات. “فترة أخذ العينات” هذه، كما يسميها Epstein، هي فترة جوهرية فهي النافذة التي يتم من خلالها توسيع آفاق الأطفال، في حين أن هناك متسع من الوقت بالنسبة لهم للتخصص لاحقاً.

لا تُغفل الذكاء العاطفي

صحيح أننا نريد للأطفال أن يتقنوا القراءة وأساسيات الرياضيات، لكن لا ينبغي أن نتجاهل الذكاء العاطفي. يجب أن تتعدى فوائد التعلم خلال هذه المرحلة العمرية إلى مهارات التعامل مع الآخرين مثل اللطف والتعاطف والعمل الجماعي.

يشرح كل منDaniel Siegel and Tina Payne Bryson أهمية تنمية التعاطف لدى الأطفال في كتابهما The Whole-Brain Child؛ يبدأ التعاطف بالاعتراف بمشاعر الغير، لذلك يقترحان مساعدة الأطفال في هذا العمر على وصف مشاعرهم أولاً كقول الطفل “أنا أشعر بالحزن”، ثم سرد الموقف الذي جعلهم يشعرون بهذه الطريقة “أشعر بالحزن لأنني أردت المثلجات وأنت رفضت”.

بمجرد أن يتدرب الأطفال على وصف مشاعرهم يمكن للمعلمين البدء في طرح الأسئلة التي تشجعهم على التفكير في مشاعر الآخرين.

تتمثل إحدى طرق تشجيع الأطفال على الاعتناء بالآخرين أن نطلب منهم أن يشاركوا الكبار في مساعدة الآخرين، كذلك فالسماح للأطفال الصغار بالمساعدة في الأعمال المنزلية يمكن أن يجعلهم أكثر فائدة ومراعاةً لهم.

التعليم في الطفولة المبكرة هو أمر مهم للغاية  

يمكن لأدمغة الأطفال أن تستوعب المعلومات بشكل لا نظير له خلال هذه المرحلة العمرية، وإذا تم تعريف الذكاء على أنه القدرة على التعلم، فإن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و7 سنوات هم أكثر البشر ذكاءً على هذا الكوكب.

يدعم ذلك الأبحاث التي تبين أنه لا يمكن تعلم بعض المهارات بنفس القدر تقريباً بعد هذه الفترة من نمو الدماغ.

على سبيل المثال تظهر الأبحاث أن الأطفال في هذا العمر هم الأنسب لتعلم أنماط تطور اللغة، وهذا يمكنهم من إتقان لغة ثانية بنفس مستوى اللغة الأم.

ومع ذلك بمجرد أن يبلغ الأطفال سن الثامنة، تقل كفاءة تعلم اللغة لديهم، ولا يتم التحدث باللغات الأخرى كتحدثهم باللغات الأصلية، وقد وجد نفس التأثير عند تعلم بعض المهارات الموسيقية.

  • من الجدير بالذكر أن والدي أينشتاين لم يسجلاه في دروس الفيزياء، وهو المجال الذي سيقوده إلى جائزة نوبل، بل قام والده بإشراكه في عمله كمهندس، وقامت والدته بتسجيله في دروس الكمان لأنها أرادته أن يحب الموسيقى ويقدرها. عمل كلا النشاطين على تنمية عقله الشاب بشكل كامل.
  • من السهل التفكير في أن التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة هو مجرد مقدمة للتعليم الفعلي الذي سيكون في السنوات التالية، لكن قد تكون هذه هي السنوات الأكثر أهمية في التعليم. (Rishi,2020)

…………………

(1)الذكاء العاطفي: هو القدرة على فهم وإدارة عواطفك وعواطف الأشخاص من حولك

(2)عقلية النمو: هي الإيمان بأنه يمكنك تطوير مواهبك وقدراتك من خلال العمل الجاد والأساليب الجيدة ومساعدة الآخرين. إنه يتعارض مع العقلية الثابتة، وهي الاعتقاد بأن المواهب والقدرات هي سمات غير قابلة للتغيير، ولا يمكن تحسينها أبداً.

المراجع:

Sriram, Rishi, (2020). Why Ages 2-7 Matter So Much for Brain Development. https://www.edutopia.org/article/why-ages-2-7-matter-so-much-brain-development

firstthingsfirst.org, Brain Development. https://www.firstthingsfirst.org/early-childhood-matters/brain-development/

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن علم النفس التربوي