المعاقون عقلياً تصنيفهم التربوي وخصائصهم

تعتبر الإعاقة العقلية إحدى التحديات التي تواجـه المتخصصين في مجال التربية الخاصة وذلك لأنها تشكل مشكلة مختلفة الأبعـاد مـن النـواحي النفسية والتعليميـة والطبية والاجتماعيـة، حيث إن الإعاقة العقليـة تـؤثر في مجالات النمو العقلي والجسمي، واللغوي والاجتماعي، ويظهـر هذا شكل سلبي على الجانب العقلي في كل من ضعف الانتباه، وضعف الذاكرة، وضعف القدرة على التعلم. وأما على الجانب الجسمي فإن أصحاب هذه الإعاقة يظهرون ضعفا واضحا وتأخرا في سرعة النمو ومعدله بالإضافة إلى تشوهات مختلفة في الرأس والوجه والأطراف، وكذلك يكونون عرضة للأمراض المختلفة، أما بالنسبة للجانب اللغوي فانـه تظهر عليهم بوادر التأخر اللغوي من خلال اضطرابات النطق وخاصة للذين يعانون مـن تخلف عقلي شديد، حيث يعانون من فشل في التواصل الاجتماعي وانسحابا اجتماعيـا بالإضافة إلى العديد من الاستجابات الانفعالية الاجتماعية غير التكيفية.

وقد تعددت التعريفات التي تناولت الإعاقة العقلية ونذكر منها ما يلي:

تعريف الإعاقة العقلية Mental Retardation Definition

مر تعريف الإعاقة العقلية بتطورات كثيرة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين السابق حيث كان ينظر إليها على أنها مشكلة طبية بالدرجة الأولى، ثم بدأ الاهتمام بها على أنها مشكلة اجتماعية، وتطور الاهتمام بها على أنها مشكلة تربوية وتعتبر الإعاقة العقلية مشكلة متعددة الأبعاد، ومن ثـم تعـددت وتنوعت التعريفات حول مفهومهـا وانتشرت التعريفات الطبية والاجتماعية والتربوية (بدر،2010 كما ورد في اللالا وآخرون، د.ت، ص.103).

التعريف الطبي: Medical Mental Retardation

بعد التعريف الطبي من أقدم التعريفات لحالة الإعاقة العقلية، إذ يعتبر الأطبـاء مـن أوائل الذين اهتموا بتعريف وتشخيص الإعاقة العقلية، حيث ركزوا على أسبابها، ففي عام 1900 م ركز ايرلاند Ireland على الأسباب المؤدية إلى إصابة المراكز العصبية والتي تحدث قبل وبعد الولادة، وفي عام 1908 ركـز تريد جولد Tredgold على الأسباب المؤدية إلى عدم اكتمال عمر الدماغ سواء كان تلك الأسباب قبل الولادة أم بعـد الـولادة. (الروسان،2010 كما ورد في اللالا وآخرون. د.ت، ص.104).

ويعتبر تعريف جيرفس Jervis   نموذجا للتعريف الطبي حيث ينص على أن الإعاقة العقلية حالة توقف أو عدم اكتمال نمو الدماغ الناتج عـن مـرض أو إصابة المراهقة أو بسبب عوامل جينية. (القريوتي وآخرون، 2003 كما ورد في اللالا وآخرون. د.ت، ص.104).

التعريف الاجتماعي: Social Definition

ظهر هذا التعريف نتيجة الانتقادات المتعددة لمقاييس القدرة العقلية وخاصة مقياس ستانفورد بينية ومقياس ويكسلر في قدرتها على قياس قدرة الفرد العقلية، حيث ركزت عالمة الاجتماع ميرسر Mercer  على الإطار الاجتماعي للفرد وهو الذي يحدد فيما إذا كـان معاقاً عقليا أم لا، وتؤكد أيضا ميرسر على أن الشخص الضعيف عقلياً قادر على الكسب وتحقيق مستوى من الحياة ينسجم مع ما هو متوقع في فئته الاجتماعية، إضافة إلى أنه يتمتع بسلوك مقبول، فمن غير الممكن أن نصفه بأنه معاقا عقليا، وتتفق ميرسـر إلى حد ما مع تريد جولد وسودي Tredgold & Soddy حيث تريان أن الإعاقة العقلية عبارة عـن حالة من العجز في النمو العقلي بدرجة لا تسمح للفرد بمواءمة نفسه مع البيئة العادية لأقرانه بشكل يتيح له العيش مستقلا دون الحاجة لمساعدة الآخرين وإشرافهم . (الريحاني،1985).

يركز التعريف الاجتماعي على مدى نجاح أو فشل الفرد في الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية المتوقعة منه مقارنة مع نظرائه من المجموعة العمرية نفسها، وعلى ذلك يعتبر الفرد معاقا عقليا إذا فشل في القيام بالمتطلبات الاجتماعية المتوقعة منه (الروسان، 2010 كما ورد في اللالا وآخرون. د.ت، ص.104).

التعريف التربوي: Educational Definition

يركز هذا التعريف على عدم القدرة على التعلم في مستوى العاديين وعلى أساس مدى القدرة في الاستعداد والإنجاز التحصيلي لدى الأطفال. حيث يعرف الطفل المعاق بأنـه الطفل الذي يعاني من تخلف دراسي وبطء في التعلم، فهو لا يستطيع أن يستفيد إلى درجة كبيرة من برامج المدارس العادية بسبب قصور في القدرة العقلية. أمـا بعـض التربويين فقـد أشاروا إلى أن الإعاقة العقلية تنتج عن عدم ملائمة البيئة التعليميـة وعدم قدرتها على الاستجابة للاحتياجات التعليمية للفرد بشكل مناسب. (اللالا وآخرون، د.ت، ص.104-105).

 التعريف السيكومتري:

 ويشير هذا المفهوم الى مقاييس الـقـدرة الـعـقـلـيـة عند (الفرد بينيه ووكسلر) ويعتمد على درجة الذكاء كمحك في تعريف الإعاقة العقلية.

ويصنف هذا المقياس المعاقين إلى:

معاقين قابلين للتعلم (Educable mental retarded (EMR وينحرفون انحرافاً معيارياً سالباً عن المتوسط.

معاقين قابلين للتدريب (Trainable Mental Retarded (TMR وينحرفون انحرافين سالبين عن المتوسط.

معاقين ذوي إعاقة شديده (Severe mental Retardation (SMR وينحرفون ثلاثة انحرافات معيارية عن المتوسط. (العزة،2002، ص.60-61).

تصنيف فئات الإعاقة العقلية:

تأتي أهمية تصنيف فئات الإعاقة العقلية لما تقدمه عملية التصنيف من تيسير عملية التعامل العملي والمهني بين الباحثين والمهتمين بالمعوقين عقلياً، فضلاً عن دور ذلك في رسم البرامج التربوية والخدمية اللازمة لمختلف فشات التخلف العقلي، حيث إن الخصائص العامة المميزة لكل فئة تتطلب برنامجاً تربوياً وتأهيلاً يختلف عن الفئات الأخرى، وهناك عدد من التصنيفات أبرزها:

1. تصنيف الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي الذي يقسمهم أربع فئات على النحو الآتي:

أ- التخلف العقلي البسيط:

تمثـل هـذه الفئة حوالي 85% من فئات التخلف العقلي، ويرتبط القصور في السلوك التكيفي داخل هذه الفئة بما يلقاه الطفل من معاملة أسرية ومدرسية، والتوقعات السلبية المسبقة عن استعداداته وسلوكه، ومدى تعريضه لخبرات ومواقف لا تتناسب واستعداداته مما يعرضه لمشاعر الفشل المتكرر والإحباط، ومن ثم تكون الحاجة ماسة إلى ضرورة تقادي هذه المواقف، فمعظم حالات التخلف العقلي البسيط تستطيع تحمل مسؤولياتها تجاه نفسها وتجـاه أسرها، إذا وجدت الرعاية المناسبة في سن مبكرة، لكنها تطل في حاجة إلى إرشاد وتوجيه الآخرين مدى الحياة، لأن نضوجها الاجتماعي لا يصل إلى مستوى الرشد التام.

ب- التخلف العقلي المتوسط:

تمثـل هذه الفئـة حوالي 10% تقريباً من المتخلفين عقلياً، ويعاني أفراد هذه الفئة من التأخر في النمو، وأفراد تلك الفئة معظمهم من القابلين للتدريب إذ يمكن تدريبهم على العناية بأنفسهم، إلا أنهم مع ذلك يبقون بحاجة إلى الإشراف الذي يمكن أن يستفيدوا منه في تعلم بعض المهارات الحياتية العامـة كالأعمال المنزلية، ويمكن إعداد بعضهم للقيام ببعض الأعمال البسيطة.

ج – التخلف العقلي الحاد:

تمثـل هـذه الفئة حوالي% 4-3 من فئة المتخلفين عقلياً وتتسم هذه الفئة بمحدودية النمو اللغوي والمهارات الحركية، إلى جانب أن هذا المستوى من التخلف العقلي يرتبط في معظم الأحيان ببعض الإعاقات البدنية الأخرى، ويعاني هؤلاء الأطفال عادة من القصور في القدرة على إصدار الأحكام الصحيحة على الأشياء ولا يستطيعون اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بحياتهم من تلقاء أنفسهم وبالرغم من ذلك فإنهم يستطيعون تعلم بعض مهارات العناية بالنفس.

د- التخلف العقلي التام:

تمثل هذه الفئة حوالي 1-2% من فئة المتخلفين عقلياً، ويكاد يكون التخلف العقلي تامـاً، ويصاحبه تدهـور في الحالة الصحية والتآزر الحركي، والنمو الجسمي وقصور شديد في الاستعدادات اللازمة لنمو اللغة والكلام، ومن أساليب التواصل وما يترتب على ذلك كله من عجز ونقص واضح في الكفاءة الشخصية والاجتماعية: لذا يظل المتخلفون عقليا من هذه الفئة في حاجة إلى الاعتماد المستمر على غيرهم طوال حياتهم.

2. التصنيف التربوي الذي يقسمهم إلى ثلاث فئات هي:

أ- المتخلفون عقليا القابلون للتعليم:

تتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة ما بين 70-55 وتقابل هذه الفئة – وفق هذا التصنيف – فئة التخلف العقلي البسيط، ويتم التركيز في هذه الفئة على البرامج التربوية الفردية. حيث إنهم لا يستطيعون الاستفادة من البرامج التربوية في المدارس العادية بشكل يماثل الطلبة الأسوياء، ويتضمن محتوى مناهج الأطفال القابلين للتعلم المهارات الاستقلالية، والحركية، واللغوية، والأكاديمية كالقراءة والكتابة والحساب، المهنية والاجتماعية.

ب- المتخلفون عقليا القابلون للتدريب:

وتتراوح نسبة ذكاء هذه الفئة ما بين 25 – 55، ويتميز هؤلاء الأفراد بأنهم غير قادرين على تعلم المهارات الأكاديمية، ولذا فإن برنامجهم التعليمي يهدف أساسا للتدريب على المهارات الاستقلالية كالعناية بالنفس إضافة إلى مهارات التأهيل المهني البسيطة كتعلم بعض الحرف كالنجارة مثلا.

ج- المتخلفون عقليا غير القابلين للتعلم والتدريب:

 تمثل فئات التخلف العقلي الشديـد والتام وهي أكثر مستوياته تدنيـا وتدهوراً ونقل نسبـة ذكائهـم عـن (25)، ويتسمون بأنهم يعجزون كلياً حتى عن العناية الشخصية بأنفسهم، فضلا عن حماية أنفسهم من الأخطار، لذا يعتمدون اعتماداً كليا على غيرهم طوال حياتهم ويحتاجون رعاية إيوائية متخصصة في النواحي الطبية والصحية والنفسية والاجتماعية إما داخل مؤسسات خاصة، أوفى مراكز علاجية أو في محيط أسرهم. (الفوزان، الرقاص، 2009، ص.68-70).

خصائص المعاقين عقليا:

أولاً: الخصائص الجسمية والحركية:

قد يصاحب التخلف العقلي انخفاض في معدل النمو الجسمي والحركي للمعوقين عقلياً بشكل عام، كما في حالات الأنماط الإكلينيكية (كذوي متلازمة أعراض داون) فيما عدا هذه الحالات تكون الفروق بين ذوي التخلف العقلي البسيط وبين الأسوياء في نواحي النمو الجسمي في مقابل الفروق بين الأطفال المتخلفين عقليا والأسوياء في النمو العقلي شاسعة، وفيما يتصل بالنمو الحركي فإن هؤلاء الأطفال يعانون من بطء في النمو تبعاً لدرجة الإعاقة، فهم متأخرون في الجلوس والحبو والوقوف والمشي والكلام. كما يحتاجون إلى تدريبات على التوازن الحركي والقدرات الحركية بصفة عامة.

ثانياً: الخصائص المعرفية:

يواجـه هـؤلاء الأطفال مشكلات واضحة في هـذا الجانب من قبيل أن معدل النمو العقلي أقل من معدل نمو الطفل العادي، فهم يعانون من قصور في الوظائف والعمليات العقليـة العليا كالانتباه، والتفكير وبالذات القدرة على التفكير المجرد، والإدراك، وعدم القدرة على تمييـز الألوان، وضعف القدرة على التذكر، وعدم القدرة على التقييم، عدم القدرة على الاستجابة السريعة. كما يعانون من تأخر في نمو اللغة والكلام، ومن الصعوبات الأكثر شيوعا التأتأة والأخطاء في اللفظ وعدم ملاءمة نغمة الصوت، كما يلاحظ أن المفردات التي يستخدمونها مفردات بسيطة ولا تتناسب مع العمر الزمني. وكثيرا ما يستخدم المختصون في وصف لغة المعوقين مصطلح اللغة الطفولية للإشارة إلى جمود النمو اللغوي عند المتخلفين عقليا.

ثالثا: الخصائص الانفعالية والاجتماعية:

تعد الإعاقة العقلية في كثير من الأحيان مشكلة اجتماعية فالطفل المعوق عقلياً يعاني من صعوبة القدرة على التكيف الاجتماعي، ويتسم سلوكهم بالجمـود، ولا يهتم بتكوين علاقات اجتماعية، كما يعاني المتخلفين عقلياً من قصـور في المهارات الاجتماعية مما يجعلهـم يميلون إلى الانسحاب وعدم الرغبة في مشاركة الأخرين (1990 .Drew et al  ) وفيما يتصل بالجانب الانفعالي يعاني الطفل المعوق عقلياً من التبلد الانفعالي واللامبالاة وعدم الاكتراث بما يدور حوله وفي المقابل فإن بعضهم يعاني من فرط النشاط والاندفاعية وعدم التحكم في الانفعالات. هذا بالإضافة إلى الشعور بالدونية والإحباط وضعف الثقة بالنفس والرغبة في الانسحاب، وقد يبدو المتخلف العقلي لطيفا مبتسما في بعض الأحيان بمناسبة ومن دون مناسبة، كما يعانون من صعوبة التكيف ويتسم سلوكهم بالجمود.

(الفوزان، الرقاص،2009، ص. 67-77).

الخاتمة:

وعطفا على ما سبق نجد أن الأطفال ذوي الإعاقة العقلية يعانون من مصاعب جمة في شتى مجلات الحياة بسبب انخفاض معامل القدرات العقلية والذي يسبب لهم تأخر في مجالات الحياة كافة.

المراجع:

– العزة، سعيد. (2002). المدخل إلى التربية الخاصة للأطفال ذوي الحاجات الخاصة المفهوم – التشخيص- أساليب التدريس، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع.

– الفوزان محمد، الرقاص خالد. (2009). أسس التربية الخاصة الفئات – التشخيص- البرامج التربية، مكتبة العبيكان.

– اللالا زياد، الزبيري شريفة، اللالا صائب، الجلامدة صائب، حسونة مأمون، الشرمان مأمون، العلي وائل، القبالي يحيى والعايد يوسف. (2011). أساسيات التربية الخاصة.

وسوم

عن الكاتب

عمار مطر

اقرأ لـ عمار مطر

اقرأ ايضاً عن التربية الخاصة