الوسواس القهري

يعدّ اضطراب الوسواس القهري من الاضطرابات النفسية الشائعة، والفرد المصاب به يواجه صعوبة في متابعة أنشطة حياته المختلفة، ويشعر بالحرج لأن الاضطراب يعرقل أداءه.

وتشير الأدلة الحديثة المستقاة من بحث مموّل اتحادياً إلى أنّ هذه الأعراض قد تظهر إلى حدّ ما خلال حياة الفرد بنسبة 2% إلى 3% بين البالغين، كما أنّ هذا المرض شائع لدى الأطفال والمراهقين. (باير، 2010)

تعريف الوسواس القهري:

يُعرّف الوسواس القهري بأنه أفكار وخواطر تتكرر على ذهن الإنسان رغماً عنه، مع علمه بأنها أفكار سخيفة، وغير منطقية، إلا أنه تستمر في غزو ذهنه، مما يسب له الانزعاج الشديد، وقد يختلط على بعض الناس بسبب تسميته “الوسواس” ولكن في الحقيقة هو اضطراب نفسي لا علاقة له بالوسواس المذكور في الآيات القرآنية الكريمة.

 وبشكل عام هناك جانبان رئيسيان لاضطراب الوسواس القهري:

الأفكار الوسواسية: عندما تتكرر هذه الأفكار على ذهن المصاب، مع عدم قدرته على دفعها أو إيقافها، فهي أفكار قهرية تحشد نفسها في تفكيره رغماً عنه.

الأعمال القهرية: حيث يشعر المصاب برغبة ملحّة للقيام ببعض الأعمال السخيفة أحياناً وغير المنطقية وبالتالي يشعر بالدافع الشديد ليكرر عادات معينة، وفي كلا الجانبين يكون المريض على إدراك بالوسواس ويعرف أن هذه الأفكار والأعمال سخيفة وربما مضحكة أو غير معقولة. (مبيض، 2018)

التفسير العلمي لحدوث اضطراب الوسواس القهري:

النظرية السلوكية:

إن الأشخاص المصابين باضطراب الوسواس القهري يربطون أشياء أو مواقف معينة بالخوف، ويعمدون إلى تجنب تلك الأشياء أو المواقف التي تخيفهم، أو يمارسون طقوساً تساعدهم على الحد من هذا الخوف، وتتحول الأشياء التي كانت غالباً عادية إلى مصدر لمشاعر الخوف. فعلى سبيل المثال: الشخص الذي اعتاد دائماً استخدام المراحيض العامة قد يربط بين استخدام المراحيض والخوف من الإصابة بمرض معدٍ، وذلك عندما يكون مصاباً بالتوتر والقلق، وما إن تنشأ الصلة بين شيء ما والشعور بالخوف يفضِّل بعدها المصابون باضطراب الوسواس القهري الابتعاد عن الأشياء التي يخافون منها، بدلاً من أن يواجهوا خوفهم أو يتحملوه، فالشخص الذي يخاف من الإصابة بمرض معدٍ نتيجة استعمال المراحيض العامة سيتجنب استعمالها، وإذا ما اضطرته الظروف إلى استخدام مرحاض عام فإنه سوف يجري مجموعة من طقوس التنظيف المستفيضة، كتنظيف مقعد المرحاض ومقابض أبواب الحمام أو القيام بعملية تنظيف شاملة. (الغامدي، 2019)

النظرية المعرفية:

في حين تركز النظرية السلوكية على كيفية ربط مرضى اضطراب الوسواس القهري بين أشياء معينة والخوف الذي ينتابهم، فإن النظرية المعرفية تهتم بكيفية إساءة تفسير أولئك المرضى لأفكارهم، على سبيل المثال: قد تنتاب الوالدين اللذين يعانيان من التوتر الناجم عن العناية بالطفل وساوس قهرية حول إلحاق الأذى بالطفل، إلا أن معظم الأشخاص باستطاعتهم التخلص من هذه الوساوس، أما الأشخاص المعرضون للإصابة باضطراب الوسواس القهري فقد يبالغون في حقيقة تلك الهواجس، ويستجيبون لها كما لو كانت تهديداً حقيقياً لأطفالهم، فقد يقول أحدهم لنفسه: إذا ما راودتني هواجس حول إيذاء الأطفال فلا بد أن يكون أطفال في خطر، وهذا من شأنه أن يتسبب في الشعور بقلق بالغ ومشاعر سلبية أخرى، كالشعور بالخزي والذنب والاشمئزاز، ويحاول عادةً الأشخاص الذين تراودهم هواجس مصحوبة بالخوف تحييد المشاعر التي تنشأ عن تلك الهواجس، ومن الحيل التي يتبعونها تجنب المواقف التي قد تنجم عن تلك الهواجس، وكذلك الانخراط في ممارسة طقوس متكررة، كغسل الأشياء أو الصلاة؛ وتقول النظرية المعرفية: ما دام الأشخاص يفسرون الأفكار التسلطية التي تنتابهم على أنها “كارثية”، وما داموا لا يقلعون عن الاعتقاد بأن هذه الأفكار حقيقية فإن معاناتهم سوف تستمر وكذلك ممارساتهم للسلوكيات الانسحابية والطقوسية، ووفقاً للنظرية المعرفية لا يربط الأشخاص بين الخطر وهواجسهم إلا بسبب معتقدات خاطئة اكتسبوها في مرحلة سابقة من حياتهم. (الغامدي، 2019)

علاج الوسواس القهري:

يشير مبيض (2018) إلى أن المعالجة الرئيسية للوسواس القهري هي المعالجة المعرفية السلوكية، وخاصة في علاج السلوك القهري أكثر من معالجة الأفكار الوسواسية، ويقوم المعالج بالتعاون مع المريض في تحديد الأفكار والتصرفات القهرية التي يعاني منها، ثم يقومان معاً بمحاولة السيطرة عليها، وذلك من خلال عدة طرق، ومنها طريقة إزالة التحسس التدريجية “العلاج بالتدرج”، أو بالأسلوب المباشر للمواجهة “العلاج بالغمر”، وقد يقوم المعالج بوضع المصاب في جو يشعر فيه بالحاجة الشديدة إلى تكرار سلوك معين كغسل اليدين مثلاً، ولكن في نفس الوقت يمنعه من تحقيق ذلك، أو يشغله بأمر آخر يطلب منه القيام به، ولا شك أن المنع من غسل اليدين يزيد قلق المصاب، ولكن بعد فترة من الوقت، ومن خلال تكرار هذا الأمر على عدة جلسات، سيشعر المصاب بشيء من الارتياح والاطمئنان بأن عدم غسل اليدين لم ينتج عنه أي ضرر أو كارثة.

ينصبّ التركيز في العلاج المعرفي على كيفية تفسير المشاركين لوساوسهم، ما مدى الحقيقة في تلك الوساوس باعتقادهم، وكيف سيتصرفون حيالها، وما السبب وراء تكرار تلك الوساوس من وجهة نظرهم، فمثلاً الشخص الذي تنتابه مخاوف من المصافحة قد يظن أنها ستنقل إليه الجراثيم التي من شأنها إصابته بالمرض، ومع ذلك يمكن مواجهة تفسير هذه المخاوف وإعادة تفسيرها من منظور جديد بحيث يتوقف المريض عن اعتبارها أحد التصرفات البالغة الخطوة، وبالفعل سيستغرق تحقيق هذه النتائج قدراً من الوقت، ولكنه سيحقق نتائج فعالة في تخفيف وطأة المرض، والحقيقة أن إثبات أن هذا الظن غير صحيح يسهم في السيطرة على السلوك القهري. (الغامدي، 2019)

دور الأسرة في علاج الوسواس القهري:

ذكر سالم (2008) إرشادات مهمة للأسرة:

  1. الكف عن انتقاد المريض أو لومه إذا لم يتحسن التحسن المتوقع.
  2. عدم الحكم على المريض بناءً على تقدمه أو عدم تقدمه.
  3. قرار العلاج يجب أن ينبع من ذات المريض واختياره بدون ضغط.
  4. توقع الانتكاس رغم حصول التقدم في العلاج، يكون الأمل معقوداً على مبدأ: خطوتان للأمام وخطوة للخلف.
  5. لا بد من الثناء على المريض والفرح عند ظهور أي تحسن.

المراجع:

  • باير، لي. (2010). الوسواس القهري علاجه السلوكي والدوائي [محمد عيد خلودي، مترجم]. منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب. (تاريخ نشر العمل الأصلي غير متوفر)
  • سالم، محمد شريف. (2008). الوسواس القهري دليل عملي للمريض والأسرة والأصدقاء (ط.5). مكتبة دار العقيدة.
  • الغامدي، حصة. (2019). الوسواس القهري دليل تثقيفي للمصابين وذويهم. اللجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية.
  • مبيض، مأمون. (2018). الوسواس القهري. المجلة الصحية المغربية، (19)، 63-64.

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن علم النفس