مشاركة الطلاب في العملية التعليمية

يشير مصطلح ” مشاركة الطلاب” في مجال التعليم إلى درجة الاهتمام وحب الاستطلاع والشغف التي يظهرها الطلاب عندما يتعلمون، والتي تنعكس على درجة حماسهم في التعلم. وبشكل عام يستند مفهوم “مشاركة الطلاب” إلى الاعتقاد بأن التعلم يتحسن عندما يظهر الطلاب الاهتمام والفضول للتعلم، وأن التعلم يفقد فعاليته عندما يشعر الطلاب بالملل أو عدم الاهتمام، ويكونون “غير منخرطين” في التعليم.

ومن ناحية أخرى يدل مفهوم “مشاركة الطلاب” أيضاً على الطرق التي يمكن من خلالها لقادة المدارس والمعلمين وغيرهم “إشراك” الطلاب، وأخذ آرائهم في عمليات اتخاذ القرار في المدرسة، وتصميم البرامج أو في قضايا مجتمعهم.

على سبيل المثال تقوم العديد من المدارس بإجراء استطلاع للطلاب لتحديد وجهات نظرهم حول عدد من القضايا، ثم استخدام نتائج الاستطلاع لتعديل السياسات أو البرامج بطرق تحترم وجهات نظر الطلاب واهتماماتهم أو تستجيب لها.

يمكن للطلاب أيضاً وضع أسئلتهم الخاصة، واستطلاع رأي أقرانهم، ثم تقديم النتائج إلى قادة المدرسة أو مجلس إدارة المدرسة للدعوة إلى إجراء تغييرات في البرامج أو السياسات.

 نماذج أخرى من “إشراك الطلاب” في بعض المدارس يكون على شكل برامج المتطوعين (إشراك الطلاب في خدمة المجتمع والتعلم من خلال الخدمة العامة)، وتنظيم الطلاب (إشراك الطلاب في المناصرة لبعض القضايا، وتنظيم المجتمع، والاحتجاج البناء) والفرق والمنتديات والأحداث التي يقودها الطلاب (إشراك الطلاب في قيادة المجتمع والخطابة والأنشطة الأخرى التي تساهم في تنمية الشباب).

 ازياد انتشار مصطلح إشراك الطلاب في التعليم في العقود الأخيرة، ناتج على الأرجح من زيادة فهم الدور الذي تلعبه بعض العوامل الفكرية والعاطفية والسلوكية والجسدية والاجتماعية في عملية التعلم والتنمية الاجتماعية.

فعلى سبيل المثال كشفت العديد من الدراسات البحثية حول التعلم عن وجود روابط بين ما يسمى “العوامل غير المعرفية” أو “المهارات غير المعرفية” (على سبيل المثال، الدافع، والاهتمام، وحب الاستطلاع، والمسؤولية، والتصميم، والمثابرة، والتنظيم الذاتي، والمهارات الاجتماعية، وما إلى ذلك) ونتائج التعلم “المعرفية” (على سيبل المثال، التحصيل الدراسي الجيد ودرجات الاختبار، واسترجاع المعلومات، واكتساب المهارات، وما إلى ذلك). يبرز مفهوم مشاركة الطلاب عادةً عندما يناقش المعلمون أو يعطون الأولوية للاستراتيجيات التعليمية، وأساليب التدريس التي تتناول العوامل التنموية والفكرية والعاطفية والسلوكية والجسدية والاجتماعية، التي إما تعزز أو تقوض التعلم للطلاب. (edglossary.org,2016)

لماذا تعتبر مشاركة الطلاب مهمة؟

يمكن تلخيص هدف التعليم في مهمة واحدة: تعزيز التعلم والنمو لدى الطلاب من أجل إعدادهم ليعيشوا حياة منتجة وذات مغزى.

تظهر الدراسات أن مشاركة الطلاب هي عنصر ضروري لتحقيق المهام التعليمية؛

فقد وجدت دراسة أجرتها مؤسسة غالوب عام 2018 بعنوان ” المشاركة في المدرسة أكثر من مجرد حديث أن “الطلاب المندمجين أكثر احتمالاً بمقدار 2.5 مرة للقول إنهم حصلوا على درجات ممتازة ويحققون أداءً جيداً في المدرسة، ومن المرجح أن يكونوا أكثر تفاؤلاً بـ 4.5 مرات المستقبل من أقرانهم غير المندمجين”.

ووجدت دراسة أخرى لمؤسسة غالوب أن “مشاركة الطلاب تؤثر بشكل إيجابي على نمو الطلاب.”

مقارنة بالمدارس ذات مشاركة الطلاب المنخفضة، كانت المدارس ذات مشاركة الطلاب العالية تعد الطلاب بشكل أفضل للمستقبل. (Bernstein,2021)

طرق مشاركة الطلاب في المدارس:

المشاركة الفكرية:

 لزيادة إشراك الطلاب في المنهاج الدراسي أو مادة تعليمية ما، يمكن للمدرسين إنشاء دروس أو مهام أو مشاريع تجذب اهتمامات الطلاب أو تحفز فضولهم. على سبيل المثال، قد يمنح المعلمون الطلاب مزيداً من الخيارات بشأن الموضوعات التي يُطلب منهم الكتابة عنها (حتى يتمكن الطلاب من اختيار موضوع يثير اهتمامهم على وجه التحديد)، أو قد يسمحون للطلاب باختيار الطريقة التي سيبحثون بها في موضوع ما أو يوضحون ما تعلموه (قد يختار بعض الطلاب كتابة بحث، وقد ينتج بعضهم الآخر مقطعا مصورا قصيراً أو فيلماً وثائقياً صوتياً…إلخ).

يمكن للمدرسين أيضاً أن يقدموا درساً يتضمن مسألة ما يطلب من الطلاب حلها؛ على سبيل المثال قد يُطلب من الطلاب التحقيق في أسباب مشكلة بيئية محلية، وتحديد أنواع حيوان غير معروف، من خلال بعض الأوصاف القصيرة لخصائصه الجسدية وسلوكياته، أو بناء روبوت يمكنه إنجاز مهمة معينة. في هذه الحالات يمكن أن يؤدي إثارة فضول الطلاب إلى زيادة “المشاركة” في عملية التعلم.

المشاركة العاطفية:

 يمكن للمعلمين استخدام عدة طرق لتعزيز المشاعر الإيجابية لدى الطلاب، والتي تسهم في تسهيل عملية التعلم، وتقليل السلوكيات السلبية، والوقاية من تسرب الطلاب. فعلى سبيل المثال يمكن إعادة تصميم الصف وبيئات التعلم الأخرى لجعلها أكثر ملاءمة للتعلم، وقد يقوم المعلمون بمراقبة الحالة المزاجية للطلاب وسؤالهم عن مشاعرهم، أو قد تقدم البرامج المدرسية المشورة أو الإرشاد من الأقران أو الخدمات الأخرى، التي تسعى عموماً إلى منح الطلاب الدعم الذي يحتاجون إليه للنجاح أكاديمياً، والشعور بالإيجابية والتفاؤل، والحماس للمدرسة والتعلم.

استراتيجيات مثل (تقديم النصح) على سبيل المثال، تهدف إلى بناء علاقات أقوى بين الطلاب والمعلمين في المدرسة.

الفكرة الأساسية هنا هي أن الطلاب سيكونون أقرب للنجاح إذا اجتمع معلم على الأقل في المدرسة مع طالب بشكل منتظم، واستفسر منه عن القضايا الدراسية وغير الدراسية، وقدم له النصيحة عن الحياة المدرسية والاهتمامات الشخصية والتطلعات المستقبلية وتحديات التعلم واحتياجاته.

المشاركة السلوكية:

يمكن للمدرسين وضع إجراءات روتينية داخل الصف، أو استخدام إشارات وإيماءات، وتعيين أدوار للطلاب تعزز السلوكيات التي تساعد على التعلم بشكل أكبر.

فعلى سبيل المثال قد يستخدم معلمو المدارس الابتدائية الإشارات أو الإيماءات التي تساعد الطلاب الصغار على إعادة التركيز على الدرس إذا كانوا مشتتين أو صاخبين؛

قد يصفق المعلم ثلاث مرات أو يرفع يده مشيرا إلى أن الوقت قد حان للتوقف عن الكلام أو العودة إلى مقاعدهم أو بدء نشاط جديد. قد ينشئ المعلمون أيضاً إجراءات ثابتة تساعد الطلاب على الاستمرار في المهام الدراسية أو الاستمرار في المشاركة أثناء الدرس؛ فمثلاً قد ينقسم الصف بانتظام إلى مجموعات صغيرة، أو ينتقل الطلاب من مقاعدهم إلى دائرة لمناقشة جماعية. 

قدمت الأبحاث حول التعلم القائم على الدماغ أيضاً دليلاً على أن التغيير والتجديد والنشاط البدني يمكن أن يحفز التعلم ويحسنه.

المشاركة الجسدية:

 قد يستخدم المعلمون الأنشطة البدنية أو الروتينية لتحفيز التعلم أو تشجيع الطلاب. مثلا يشير مصطلح التعلم الحسي إلى استخدام الحركات والأنشطة البدنية أثناء عملية التعلم، فبدلاً من مطالبة الطلاب بالإجابة على الأسئلة بصوت عالٍ، قد يطلب المعلم من الطلاب الصعود إلى السبورة والإجابة على السؤال شفهياً أثناء كتابة الإجابة أيضاً على السبورة؛ الفكرة هنا تشير إلى أن الطلاب أكثر عرضة لتذكر المعلومات عندما يستخدمون أجزاء متعددة من الدماغ في نفس الوقت، أي الأجزاء المختلفة المخصصة للتحدث والكتابة والنشاط البدني وما إلى ذلك.

قد يقدم المعلمون أيضاً فترات قصيرة من النشاط البدني أو التمارين السريعة، خاصة خلال المرحلة الابتدائية، وذلك لتقليل السلوكيات الفوضوية أو المشتتة للانتباه. بالإضافة إلى ذلك، تلبي العديد من المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة الاحتياجات المادية للطلاب، من خلال تقديم وجبات إفطار مجانية لجميع الطلاب، لأن التراجع في التعلم والأداء الدراسي المنخفض مرتبطان بالجوع وسوء التغذية، أو بدء الدراسة في وقت هم يفضلونه لأن أنماط نوم واحتياجات المراهقين تختلف عن تلك الخاصة بالكبار، ويفضلون التعلم بشكل أفضل في فترات قبل الظهيرة.

المشاركة الاجتماعية:

هناك مجموعة متنوعة من الطرق التي للمعلمين استخدامها لتحفيز المشاركة من خلال العلاقات الاجتماعية.

على سبيل المثال قد يتم تقسيم الطلاب في مجموعات للعمل بشكل تعاوني في المشاريع، أو قد يجهز المعلمون مسابقات دراسية يتنافس فيها الطلاب.

كذلك تشكل بعض النشاطات المدرسية مثل فرق النقاش ونوادي الروبوتات ومعارض العلوم فرصاً للتعلم والعلاقات الاجتماعية.

بالإضافة إلى استراتيجيات مثل عروض التعلم أو مشاريع التخرج، قد يطلب من الطلاب تقديم عروض تقديمية عامة لعملهم إلى خبراء من المجتمع المحلي، كذلك يمكن أن تُقدم القضايا المدنية والاجتماعية في عملية التعلم، عن طريق استراتيجيات مثل التعلم المجتمعي (التعلم من خلال العمل التطوعي)، في مثل هذه الحالات تزداد مشاركة الطلاب عن طريق التعرف على المشكلات المجتمعية أو المشاركة بنشاط في القضايا الاجتماعية.

المشاركة الثقافية:

 يمكن للمدارس أن تتخذ خطوات فعالة لجعل الطلاب من خلفيات ثقافية متنوعة ولا سيما الطلاب المهاجرين أو اللاجئين يشعرون بالترحيب والقبول والأمان والتقدير. على سبيل المثال، قد يقدم المسؤولون والمعلمون وموظفو المدرسة جلسات توعية خاصة للاجئين أو يقدمون مواد إعلامية مترجمة إلى لغات متعددة.

قد يُطلب من الطلاب والأسر والقادة الثقافيين المحليين من خلفيات ثقافية متنوعة التحدث عن تجاربهم للطلاب وموظفي المدرسة، وقد يقوم المعلمون عمداً بتعديل بعض الدروس لدمج تاريخ وآداب وفنون جنسيات الطلاب الممثلة في فصولهم.

قد تتضمن الأنشطة المدرسية أيضاً أغاني ورقصات وعروضاً ثقافية، وقد تعكس الملصقات والأعلام والمواد التعليمية الأخرى الموجودة في جميع أنحاء المدرسة التنوع الثقافي للطلاب والمجتمع المدرسي.

يتمثل الهدف العام لهذه الاستراتيجيات في الحد من مشاعر الاغتراب أو الإقصاء التي قد يتعرض لها بعض الطلاب والأسر، وبالتالي زيادة مشاركتهم في الأنشطة الأكاديمية والمدرسية.

(edglossary.org,2016)

المراجع:

edglossary.org. (2016). STUDENT ENGAGEMENT. https://www.edglossary.org/student-engagement/

Bernstein, Larry, (2021). What is Student Engagement and Why Does it Matter?. https://xello.world/en/blog/what-is-student-engagement/

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن الإدارة الصفية