نظرية التعلق Attachment Theory

نظرية التعلق من النظريات المهمة، وتتجلى أهمية التعلق في مرحلة الطفولة بكونه يؤثر في النمو الاجتماعي، ولعل سلوك الفرد مع الآخرين في مراحل حياته يكون انعكاساً لنمط تعلقه في مرحلة الطفولة.

نظرية التعلق Attachment Theory هي نظرية قام بتطويرها “جون بولبي Bowlby” وتعدّ لغاية يومنا هذا إحدى النظريات المؤثرة، التي تشكّل قاعدة بحثية لأبحاث كثيرة في العقود الأخيرة، ولقد اعتمد “بولبي” في نظرية التعلق على أبحاث في علم سلوكيات الحيوانات. (مرعي، 2016)

مفهوم التعلق:

التعلق: صلة عاطفية مهمة – رابطة وجدانية – بين شخصين، فالطفل أو الراشد المتعلق بشخص آخر، يعدّه “قاعدة أمان” يمكنه الانطلاق منها لاستكشاف العالم، ويعدّه مصدر راحة عند الإحباط أو التعرض للضغوط كما أنه مصدر للتشجيع. (عبد الرحيم، 2001)

كان اهتمام “بولبي” بالتعلق اهتماماً منبثقاً من اهتمامه بنمو الطفل والعلاج النفسي والإثيولوجيا، فهو أول من أشار إلى ظاهرة التعلق كرابطة انفعالية بين الطفل ومن يقوم برعايته، إذا لاحظ أن الأطفال يقتربون من الأشخاص الذين يقومون برعايتهم، واقترح أن هذا السعي نابع عن حاجة فطرية لدى الإنسان تؤدي وظيفة بيولوجية مهمة، وهي حماية الطفل من الخطر المحتمل حدوثه في البيئة وتأمين بقائه البيولوجي، وذلك من خلال اقترابه من مربٍ يقدم له الرعاية والحماية اللازمة. (العتيبي، 2010)

وقد وجد “سبيتز” نوعاً من الانهيار العصبي عند بعض الأطفال المحرومين من عاطفة الأم، وتدل الدراسات العيادية أن الأسرة المضطربة تنتج أطفالاً مضطربين. (سليم، 2002)

طبيعة علاقة الطفل بأمه:

ثمّة أربعة اتجاهات تناقش طبيعة علاقة الطفل بأمه:

  1. الاتجاه الأول: حاجات الطفل الفيزيولوجية وخاصة الحاجة للغذاء والرعاية… تتطلب من يرضيها، فالطفل يقيم علاقة بشخص ما (الأم غالباً) لأنه يرضي حاجاته، فالطفل يتعلم أن الأم عي مصدر منح وعطاء بالنسبة له.
  2. الاتجاه الثاني: يروّج هذا الاتجاه إلى الاعتقاد القائل بأن الطفل يشعر بالندم بعد الولادة بسبب مغادرته لرحم أمه الذي يمقل له بنية آمنة وخالية من أي تهديدات، فهو يرغب في العودة إليه، وعليه تفسر هذه النظرية علاقة الطفل بأمه وتعلقه بها على أنها نتيجة لرغبته في العودة إلى رحم الأم.
  3. الاتجاه الثالث: يتجه أصحاب هذا الاتجاه في تعليل علاقة الطفل بأمه إلى حاجة الطفل إلى الثدي وأنها حاجة غريزية، فهو بحاجة إلى مصّه وامتلاكه -حسب التحليل النفسي- تلبيةً لمتطلبات نمائية؛ حيث يلاحظ أن الثدي جزء من الأم وبسبب ذلك عليه إقامة علاقات تبادل مع الأم والتعلق بها.
  4. الاتجاه الرابع: يرى هذا الاتجاه أن الطفل يميل إلى التواصل والتشبث بشخص ما، وأن هذه الحاجة مستقلة عن التغذية وعن الحاجات الأخرى.

(مدوري، 2015)

أنماط التعلق:

التعلق الآمن (التعلق الإيجابي):

هنا يكون الطفل متعلقاً بأمه كمصدر للأمن، ولكنه يجعلها كمنطقة انطلاق، ينطلق من خلالها لاستكشاف ما حوله، ثم يرجع الطفل إلى أمه (قاعدة الأمان) ليستمتع بحنانها والشعور بالأمان معها، وهنا تؤدي الأم دوراً مهماً جداً في الوصول بالطفل إلى ذلك النوع من التعلق فتدعمه نفسياً، من خلال تشجيعه لاكتشاف الأشياء والأشخاص، فالأم المتمتعة بحساسية عالية في استجابتها للطفل تمكّنه من أن ينمي تعلقاً آمناً.

التعلق القلِق (التعلق السلبي):

فيه يكون الطفل متعلقاً بأمه بشدة، ويبدي مقاومة للشخص أو الموقف الذي يريد أن ينتزعه من حضن أمه، وبذلك يفشل في استكشاف المحيط الذي يحيط به، بل ويبدي غضباً وانفعالاً عند عودة الأم له، كأنه يعاقبها على ما فعلته معه مِن تركها له، وهنا الأم لم تدعمه نفسياً وستجعل انفصاله عنها صعباً، وفيه يكون الطفل غير متأكد من أن الأم سوف تكون متواجدة ومتجاوبة ومتعاونة عند الاحتياج (أي تعرض لحرمان جزئي من الأم أو أن يكون اتجاه الأم غير ودود نحو طفلها)، حيث يشير “بولبي” إلى أن الطفل يعدّ محروماً من الأمومة حتى لو كان يعيش مع أسرته إذا لم تكن لدى أمه القدرة على منحه رعاية الحب التي يحتاج إليها.

التعلق القلِق التجنّبي:

فيه لا يكون لدى الطفل أي ثقة بأنه سوف يجد التجاوب والتعاون عند الاحتياج للرعاية، بل الرفض والصد، وعند درجة معينة يحاول الطفل أن يكتفي بنفسه عاطفياً فيحتفظ بوالديه بعيداً عنه، ويصبح منشغلاً بأنشطته وألعابه الشخصية متجاهلاً أي مبادرات قد تنشأ من الوالدين وهذا النمط ينشأ من الرفض والصدّ المستمر للأم عند احتياج الطفل إليها، ويشير “بولبي” إلى أن الآثار الضارة للحرمان الأمومي تختلف في درجتها، فالحرمان الجزئي يصحبه القلق والحاجة الملحة إلى الحب والمشاعر القوية بالانتقام، وبسبب هذه الأخيرة ينتج الشعور بالذنب أو الاكتئاب، أما الحرمان التام فتأثيره أعمق وقد يعوق تماماً قدرة الطفل على إقامة علاقات مع غيره من الناس. (مدوري، 2015)

التعلق وبعض العوامل المرتبطة به:

أشار كفافي (2009) إلى أهم العوامل التي قد تُضعف التعلق كالآتي:

  1. إن عمل الأم لا يضعف الروابط بينها وبين الوليد، ولا يسبب ظواهر غير مرغوبة بشرط أن توفر الأم الرعاية البديلة المناسبة فترة غيابها.
  2. إن الانفصال عن القائمين بالرعاية لمدة أيام إلى عدة أسابيع يمكن أن يسبب الكدر Stress للأطفال إذا ما تركوا في رعاية الآخرين غير المألوفين لهم.
  3. على الرغم من رأي “بولبي” بأن عدم التعلق ربما ينتج من الانفصالات المستمرة لمدة أسابيع أو شهور، فإن استجابة الطفل الفعلية للانفصال طويل المدى تعتمد على خصائص الرعاية البديلة.
  4. وفي حالة موت أو فقدان أحد الوالدين فإن الأطفال يجب أن يستبدلوا بهذا أحداً يقوم بالرعاية ممن يألفهم الطفل.
  5. على الرغم من أن معظم الأطفال الرضّع والآباء ينمّون تعلقات قوية، فإن خصائص الآباء وحدّة مزاج الطفل أو تأخر إشباع حاجاته يمكن أن تعوق عملية التعلق، وعندما لا يتم التعلق الكامل فإنه لا يترتب على ذلك إهمال الطفل وسوء معاملته من أوجه كثيرة.

تؤدي الأم دوراً رئيساً في حياة الطفل، وفي ضوء علاقتها بالطفل تنمو شخصية الطفل، فالأم المتزنة انفعالياً المهتمة بطفلها يكون أثرها إيجابياً، أم الأم المضطربة انفعالياً والتي لا تهتم بطفلها أو تهجره أحياناً يكون أثرها سلبياً؛ وكلما زاد الحرمان العاطفي، زادت الندوب في شخصية الطفل؛ فالطفل يحتاج إلى الاهتمام والرعاية لينمو نمواً سليماً.

المراجع:

  • مرعي، ابتسام. (2016). نظرية التعلق من منظور ثقافي. مجلة النبراس، (9)، 197-207.
  • سليم، مريم. (2002). علم نفس النمو. دار النهضة العربية.
  • مدوري، يمينة. (2015). إشكالية التعلق لدى الطفل. مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية، (13)، 66-80.
  • كفافي، علاء الدين. (2009). علم النفس الأسري. دار الفكر.
  • عبد الرحيم، محمد محمد السيد. (2001). علم نفس النمو قضايا ومشكلات. مكتبة زهراء الشرقية.
  • العتيبي، أسماء. (2010). أنماط التعلق في ضوء نظرية بولبي وعلاقتها بجودة الحياة لدى طالبات المرحلة الثانوية بمدينة الرياض [رسالة ماجستير منشورة، جامعة محمد بن سعود الإسلامية]. https://2u.pw/vNhkK

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن علم النفس