التحيزات المعرفية: كيف يمكن أن تقودنا إلى قرارات خاطئة
مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية
سبتمبر 10, 2023
5 دقائق
مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية
سبتمبر 10, 2023
5 دقائق
هل سبق لك أن صرخت: “كنت أعلم أن ذلك سيحدث!” بعد أن تراجع فريقك الرياضي المفضّل عن تقدم كبير في الشوط الثاني وخسر؟
أو هل وجدت نفسك يوماً ما تقرأ فقط القصص الإخبارية التي تدعم رأيك بشكل أكبر؟
هذه مجرد أمثلة قليلة من حالات التحيز المعرفي العديدة التي نواجهها كل يوم في حياتنا، ولكن قبل أن نتعمق في هذه التحيزات المختلفة، دعونا أولاً أن نحدد ما هو التحيز المعرفي.
التحيز المعرفي هو عملية تفكير منهجية ناجمة عن ميل الدماغ البشري إلى تبسيط معالجة المعلومات من خلال مرشح للخبرة والتفضيلات الشخصية؛ وعملية التصفية هي آلية تكيف تمكّن الدماغ من تحديد الأولويات ومعالجة كميات كبيرة من المعلومات بسرعة، وفي حين أن هذه الآلية فعالة، إلا أن محدوديتها يمكن أن تسبب أخطاء في التفكير. (Ruhl, 2023)
والتحيزات هي عمليات غير واعية وتلقائية مصممة لجعل عملية صنع القرار أسرع وأكثر كفاءة.
يمكن أن يكون سبب التحيزات المعرفية أشياء كثيرة، مثل الاستدلال أو ما يسمى بالاختصارات العقلية، والضغوط الاجتماعية، والعواطف، والتحيزات طبيعية فهي نتاج الطبيعة البشرية، فهي تؤثر على الطريقة التي نتخذ بها القرارات ونتصرف.
في علم النفس هناك فرعان رئيسيان للتحيزات: الواعي واللاواعي؛ ويكون التحيز الواعي أو الصريح مقصوداً؛ فأنت على دراية بمواقفك والسلوكيات الناتجة عنها، ويمكن أن يكون التحيز الصريح مفيداً لأنه يقودك إلى اتخاذ قرارات جيدة، على سبيل المثال، التحيز تجاه الأطعمة الصحية.
ومن ناحية أخرى يمثل التحيز اللاواعي، أو التحيز المعرفي، مجموعة من التحيزات غير المقصودة؛ فأنت غير مدرك لمواقفك وسلوكياتك الناتجة عنها.
غالباً ما يكون التحيز المعرفي نتيجة لمحاولة عقلك تبسيط معالجة المعلومات، فنحن نتلقى ما يقرب من 11 مليون بت من المعلومات في الثانية، في حين لا يمكننا معالجة سوى حوالي 40 بت من المعلومات في الثانية.
ولذلك فإننا غالباً ما نعتمد على الاختصارات العقلية والتي تسمى الاستدلال للمساعدة في فهم العالم بسرعة نسبية. وعلى هذا النحو، تميل هذه الأخطاء إلى أن تنشأ من مشاكل تتعلق بالتفكير؛ الذاكرة، والانتباه، وأخطاء عقلية أخرى.
فيما يلي شرح لبعض أنواع التحيزات المعرفية:
التحيز للتوكيد هو الميل إلى تفسير المعلومات الجديدة على أنها تأكيد لمعتقداتك وآرائك الموجودة مسبقاً مع إعطاء اهتمام أقل بشكل غير متناسب للاحتمالات البديلة.
أمثلة من الواقع
ولكن لماذا يحدث التحيز للتوكيد؟ يرجع ذلك جزئياً إلى تأثير الرغبة على معتقداتنا، وبمعنى آخر من المرجح أن تتم معالجة بعض الاستنتاجات المرغوبة، تلك التي تدعم معتقداتنا، بواسطة الدماغ ووصفها بأنها صحيحة.
يجادل التفسير المعرفي بأنه نظراً لأن عقولنا لا يمكنها التركيز إلا على شيء واحد في كل مرة، فمن الصعب موازاة العملية مع الفرضيات البديلة، ونتيجة لذلك فإننا نعالج فقط المعلومات التي تتوافق مع معتقداتنا.
تشرح نظرية أخرى التحيز التوكيدي كوسيلة لتعزيز وحماية احترامنا لذاتنا؛ فتعمل عقولنا على تعزيز أفكارنا الموجودة مسبقاً لأن كوننا على حق يساعد في الحفاظ على إحساسنا باحترام الذات، وهو أمر مهم للشعور بالأمان في العالم والحفاظ على علاقات إيجابية.
على الرغم من أن التحيز للتوكيد له عواقب واضحة، إلا أنه لا يزال بإمكانك العمل على التغلب عليه من خلال أن تكون منفتحاً ومستعداً للنظر إلى المواقف من منظور مختلف عما قد تكون معتاداً عليه.
وعلى الرغم من أن هذا التحيز لا شعوري، إلا أن تدريب عقلك ليصبح أكثر مرونة في أنماط تفكيره سيساعد في تخفيف آثار هذا التحيز.
انحياز الإدراك المتأخر هو انحياز معرفي شائع يتضمن الميل لرؤية الأحداث، حتى العشوائية منها، على أنها أكثر قابلية للتنبؤ بها مما هي عليه بالفعل. ويُشار إليها أيضاً عادةً بظاهرة “كنت أعرف ذلك طوال الوقت”. (MSEd, 2022)
أمثلة من الواقع
من المهم أن نفعل كل ما في وسعنا لتقليل هذا التحيز لأنه عندما نكون واثقين بشكل مفرط من قدرتنا على التنبؤ بالنتائج، فقد نتخذ قرارات مستقبلية محفوفة بالمخاطر يمكن أن تكون لها نتائج خطيرة محتملة.
من المنظور المعرفي قد ينجم تحيز الإدراك المتأخر عن تشويه ذكريات ما كنا نعرفه أو نعتقد أننا نعرفه قبل وقوع الحدث.
فمن الأسهل أن نتذكر المعلومات التي تتوافق مع معرفتنا الحالية، وبالتالي تصبح ذاكرتنا مشوهة بطريقة تتفق مع ما حدث بالفعل.
تشير التفسيرات التحفيزية إلى حقيقة أننا متحمسون للعيش في عالم يمكن التنبؤ به.
عندما تظهر نتائج مفاجئة، تنتهك توقعاتنا، وقد نواجه ردود فعل سلبية نتيجة لذلك، وبالتالي فإننا نعتمد على التحيز المتأخر لتجنب هذه الاستجابات السلبية لبعض الأحداث غير المتوقعة ولطمأنة أنفسنا بأننا نعرف بالفعل ما سيحدث. (MSEd, 2022)
التحيز لخدمة الذات هو الميل إلى تحمل المسؤولية الشخصية عن النتائج الإيجابية وإلقاء اللوم على العوامل الخارجية في النتائج السلبية.
أمثلة من الواقع
من الرياضة إلى مكان العمل، يعد التحيز لخدمة الذات أمراً شائعاً بشكل لا يصدق؛ فعلى سبيل المثال يسارع الرياضيون إلى تحمل مسؤولية الانتصارات الشخصية، وينسبون نجاحاتهم إلى عملهم الجاد وصلابتهم العقلية، لكنهم عندما يخسرون يشيرون إلى عوامل خارجية مثل سوء الأحوال الجوية.
وفي مكان العمل ينسب الأشخاص عوامل داخلية عندما يتم تعيينهم لوظيفة ما، ولكن ينسبون عوامل خارجية عندما يتم فصلهم من العمل، وفي العمل نفسه يتم إعطاء الصراعات في مكان العمل سمات خارجية، ويتم منح النجاحات، سواء كانت عرضاً مقنعاً أو ترقية، تفسيرات داخلية.
بالإضافة إلى ذلك، يعد التحيز لخدمة الذات أكثر انتشاراً في الثقافات الفردية التي تركز على مستويات احترام الذات والأهداف الفردية، وهو أقل انتشاراً بين الأفراد المصابين بالاكتئاب الذين هم أكثر عرضة لتحمل المسؤولية عن النتائج السلبية.
قد يكون التغلب على هذا التحيز أمراً صعباً لأنه على حساب احترامنا لذاتنا. ومع ذلك، فإن ممارسة التعاطف مع الذات؛ أي معاملة نفسك بلطف حتى عندما تقصر أو تفشل، يمكن أن تساعد في تقليل التحيز لخدمة الذات.
التفسير الرئيسي للتحيز لخدمة الذات هو أنه وسيلة لحماية احترامنا لذاتنا (على غرار أحد تفسيرات التحيز التأكيدي).
فنحن نسارع إلى الحصول على الفضل في النتائج الإيجابية وتحويل اللوم عن النتائج السلبية لتعزيز الأنا الفردية والحفاظ عليها، وهو أمر ضروري للثقة والعلاقات الصحية مع الآخرين.
وتقول نظرية أخرى أن التحيز لخدمة الذات يحدث عندما تنشأ أحداث مفاجئة؛ عندما تتعارض نتائج معينة مع توقعاتنا، فإننا ننسب ذلك لعوامل خارجية، ولكن عندما تتوافق النتائج مع توقعاتنا، فإننا ننسبها لعوامل داخلية.
وتؤكد هذه النظرية أيضاً أننا متفائلون بطبيعتنا، لذا فإن النتائج السلبية تأتي كمفاجأة وتسند لعوامل خارجية نتيجة لذلك. (MSEd, 2022)
يرتبط تحيز التثبيت ارتباطاً وثيقاً بعملية صنع القرار، ويحدث ذلك عندما نعتمد بشكل كبير جداً على المعلومات الموجودة مسبقاً أو على الجزء الأول من المعلومات (المرساة) عند اتخاذ القرار.
على سبيل المثال إذا رأيت لأول مرة قميصاً يكلف 1000 دولار ثم رأيت قميصاً ثانياً يكلف 100 دولار، فمن المرجح أن ترى القميص الثاني رخيصاً، وهنا يؤثر سعر القميص الأول على كيفية رؤيتك للقميص الثاني.
تفسيرات لتحيز التثبيت
تقول إحدى النظريات، المعروفة باسم الإرساء والتعديل، إنه بمجرد إنشاء المرساة، لا يتكيف الأشخاص معها بشكل كافٍ للوصول إلى إجابتهم النهائية، وبالتالي فإن تخمينهم أو قرارهم النهائي يكون أقرب إلى المرساة مما كان يمكن أن يكون عليه.
وعندما يواجه الأشخاص حملاً معرفياً أكبر (كمية المعلومات التي يمكن للذاكرة العاملة الاحتفاظ بها في أي وقت محدد؛ على سبيل المثال، اتخاذ قرار صعب بدلاً من القرار السهل)، فإنهم يكونون أكثر عرضة لتأثيرات التثبيت. (MSEd, 2022)
تساعد التحيزات المعرفية البشر على إيجاد طرق عقلية مختصرة للمساعدة خلال سعيهم في الحياة اليومية، والعديد من هذه التحيزات لا مفر منها؛ فنحن ببساطة لا نملك الوقت لتقييم كل فكرة في كل قرار للتأكد من وجود أي تحيز، وإن فهم هذه التحيزات مفيد جداً في معرفة كيف يمكن أن تقودنا إلى قرارات خاطئة في الحياة.
المراجع: