العواطف الأولية والعواطف الثانوية
مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية
ديسمبر 4, 2023
4 دقائق
مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية
ديسمبر 4, 2023
4 دقائق
وفقاً لأبحاث العواطف يُعتقد أن هناك نوعين من العواطف التي يشعر بها البشر؛ العواطف الأولية والعواطف الثانوية.
العواطف الأولية هي استجابات فورية وغريزية للمنبهات (مثل الفرح والخوف والحزن)؛ إنها مشتركة بين كل البشر وغالباً ما ترتبط بأحداث أو مواقف محددة. أما العواطف الثانوية فهي ردود فعل على العواطف الأولية وهي أكثر تعقيداً، وغالباً ما تتأثر بالتجارب الشخصية والمعتقدات والأفكار. (Guy-Evans, 2023)
كما يوحي الاسم فإن العواطف الأولية هي العواطف الأولى التي يتم الشعور بها عندما يحدث شيء ما. تخيل أنك اكتشفت أنك فزت في مسابقة، قد يكون شعورك الأولي هو الشعور بالفرح الشديد، أما إذا تلقيت بعض الأخبار السيئة التي لم تكن تتوقعها فقد تشعر بموجة من الحزن.
هذه العواطف الأولية هي الاستجابة الأولى للجسم وهي ترتبط مباشرة بالحدث أو الحافز.
العواطف الأولية قابلة للتكيف لأنها تجعلنا نتفاعل بطريقة معينة دون أن تتشوه العواطف أو يتم تحليلها بالأفكار أو العادات.
حدد عالم النفس Paul Ekman ستة عواطف أولية: الغضب والاشمئزاز والخوف والسعادة والحزن والمفاجأة، لقد افترض أن هذه العواطف الإنسانية فطرية ويتقاسمها جميع البشر عبر الثقافات، وقد قام Ekman لاحقاً بتوسيع هذه القائمة لتشمل مشاعر مثل الفخر والعار والإحراج والإثارة. (Guy-Evans, 2023)
العواطف الثانوية هي العواطف التي غالباً ما يتم الشعور بها بعد تجربة العواطف الأولية؛ إنها ردود أفعال لعواطفنا الأولية وغالباً ما تكون استجابات معتادة أو مكتسبة.
على سبيل المثال بعد الشعور بالعاطفة الأولية للغضب قد تشعر بالعاطفة الثانوية للخجل بعد ذلك، وبدلاً من الشعور بالبهجة قد تشعر بالارتياح أو الفخر، وبدلاً من الشعور بالخوف قد تشعر بالكراهية.
يُعتقد أن العواطف الثانوية تنشأ من العمليات المعرفية العليا وتأتي بعد العاطفة الأولية.
الغرض من العواطف الثانوية هو إخفاء العواطف الأولية الحساسة بشيء أقل حساسية، وهي وبهذه الطريقة وسيلة لحماية الذات من الضعف.
يمكن أن تؤدي بعض العواطف الثانوية إلى الكثير من الأذى والألم مع تراكمها لفترة طويلة، خاصة إذا كانت مشاعر مثل الذنب والعار والاستياء والإحباط والندم. غالباً ما نتعلم هذه العواطف في مرحلة الطفولة من الآباء أو الأشخاص الآخرين في حياتنا.
غالباً ما تكون تسمية العواطف الثانوية أصعب من تسمية العواطف الأولية لأنها تشبع العواطف الأولية بردود فعل معقدة، ويمكنها أن تؤثر على سلوكك، وتزيد من شدة ردود أفعالك، وتستمر لفترة أطول بكثير من العواطف الأولية.
بدلاً من طرح السؤال “لماذا أشعر بهذه الطريقة؟” اسأل ما الذي أشعر به حقاً؟. سؤال “لماذا؟” يقودك إلى التحدث عن الموقف بدلاً من الحديث عن مشاعرك الأساسية. إنه يدفعك إلى أن تصبح أكثر غضباً أو قلقاً بشأن الظروف، وهذا ما نحاول تجنبه، لذا اسأل نفسك “ما” الذي تشعر به حقاً بسبب الغضب أو القلق الذي ينتابك، وسيساعدك هذا على تحديد مشاعرك الأولية.
إذن الفرق الرئيسي بين العواطف الأولية والثانوية هو أن العواطف الأولية تظهر في كيفية تفاعلنا مع الأحداث والمواقف، في حين أن العواطف الثانوية هي ردود أفعال لما نشعر به.
على سبيل المثال الشعور بالخجل (شعور ثانوي) بسبب الشعور بالخوف (شعور أولي) في موقف معين. يساعدنا هذا التمييز في فهم ردود أفعالنا العاطفية وأسبابها الكامنة بشكل أعمق.
إذا لم تكن متأكداً مما إذا كنت تشعر بمشاعر أولية أم ثانوية، فاسأل نفسك ما إذا كانت هذه العواطف هي رد فعل مباشر أم لا، إذا كانت رد فعل مباشر فمن المرجح أن تكون أولية، وإلا فمن المرجح أن تكون ثانوية.
يمكنك أيضاً أن تسأل نفسك ما إذا كانت العواطف قد انحسرت بعد مرور الحدث الأولي؛ فإذا كانت العواطف قوية في البداية ثم تضاءلت منذ ذلك الحين فمن المحتمل أن تكون مشاعر أولية، أما إذا استمرت العواطف لفترة طويلة بعد الحدث وتداخلت مع قدراتك في الوقت الحاضر فمن المحتمل أن تكون ثانوية.
يوضح الجدول أدناه بعض الأمثلة على العواطف الأولية والعواطف الثانوية المرتبطة بها التي يمكن أن تنشأ عنها:
العواطف الأولية | العواطف الثانوية |
المرح | التفاؤل، الفخر، الحماس، السرور |
الخوف | القلق، عدم الأمان، الدونية، الذعر |
الغضب | الاستياء، الكراهية، الحسد، الغيرة، الانزعاج |
الحزن | الخجل، اللامبالاة، الاكتئاب، الشعور بالذنب، العزلة |
مفاجأة | الصدمة، الفزع، الارتباك، الحيرة |
تميل العواطف الثانوية إلى الحدوث لأن لدينا أحكام أو معتقدات حول مشاعر معينة؛ فربما نشأ شخص ما في منزل تعرض فيه لانتقادات بسبب انزعاجه وإظهاره لمشاعر فظة، وربما لم يتعلم طرقاً صحية للتعبير عن غضبه وربما شهد والديه يظهرون الغضب بطرق غير صحية مثل التصرف بشكل سلبي أو غيور.
العواطف الثانوية هي وسيلة للتفاعل وليست شكلاً من أشكال ضبط النفس؛ هذا يعني أننا لا نأخذ الوقت الكافي لملاحظة أو استكشاف العواطف التي نشعر بها بل نسعى إلى زوالها أو دفنها بأي ثمن.
من المحتمل أن نختار العواطف الثانوية عندما نشعر بالتهديد أو الإرهاق أو عدم الأمان، وعندما نتصرف بناءً على مشاعر ثانوية فإننا نميل إلى مهاجمة الآخرين وانتقادهم وإلقاء اللوم عليهم والاستياء منهم، وهذه السلوكيات وقائية وتمنعنا من كشف عواطفنا الحقيقية.
إن إخفاء عواطفنا الحقيقية بالعواطف والسلوكيات الثانوية يمكن أن يكون ضاراً بمرور الوقت، ويمكن أن يؤدي إلى انهيار العلاقات وابتعاد الآخرين من حولنا. على سبيل المثال إذا آذاك شخص مقرب منك فقد تحول هذا الأذى إلى كراهية، مما يعني أنك قد تلومه وتنتقده.
إن إبعاد العواطف الصعبة مثل الحزن والخوف وعدم القدرة على التعرف عليها يمكن أن يجعل الشخص أكثر عرضة لخطر الإضرار بصحته العقلية.
قد يصاب الأشخاص بمشاكل القلق أو الاكتئاب بعد سنوات من دفن مشاعرهم الحقيقية، على أمل أن تختفي دون معالجة. قد تتطور مشكلات الصحة العقلية الأخرى نتيجة لعدم قدرتهم على التعامل مع عواطفهم.
يعد التعرف على العواطف الأولية أمراً مهماً لأنها مليئة بالمعلومات المفيدة؛ فيمكنها إخبارنا:
إذا لم نتعلم كيفية التعرف على عواطفنا الأولية فقد نتوصل إلى طرق غير صحية للتعامل مع عواطفنا الثانوية المعقدة، ومن الشائع أن يلجأ العديد من الأشخاص إلى المخدرات أو الكحول أو السلوكيات الضارة بالنفس كطرق للتكيف.
قد نبقى أيضاً في علاقات أو وظائف غير صحية لأننا لا نعرف ما نشعر به حقاً، مما قد يضر بالصحة العقلية بمرور الزمن.
من المهم التعرف على العواطف الأولية من أجل:
1. فهم المحفزات العاطفية: يساعد التعرف على العواطف الأولية على تحديد ردود الفعل العاطفية الفورية تجاه المحفزات، ويمكن أن يساعد هذا الوعي في تنفيذ التدخلات المبكرة قبل تصاعد العواطف.
2. معالجة الأسباب الجذرية: يمكن أن يساعد فهم العواطف الأولية في تحديد أحداث أو محفزات معينة، مما يسمح للأفراد بمعالجتها أو إعادة صياغتها.
3. تعزيز الوعي الذاتي: التمييز بين العواطف الأولية والثانوية يعزز وضوحاً عاطفياً أكبر، ويساعد في تنظيم العواطف بشكل أكثر فعالية.
4.تحسين التفاعلات بين الأشخاص: إن التعرف على ما إذا كانت العاطفة هي استجابة أولية أو رد فعل ثانوي متعدد الطبقات يمكن أن يوجه المحادثات الأكثر إنتاجية ويقلل من سوء الفهم
الخطوة الأولى في تقليل المشاعر الثانوية هي زيادة الوعي العاطفي بشكل عام؛ قد تساعد تمارين المراقبة الذاتية، في هذه التمارين يمكنك تحديد وتقييم استجاباتك العاطفية للمواقف، ومحاولة التقاط أنواع المشاعر الثانوية التي تنشأ من مشاعرك الأولية.
الهدف هو أن تتعلم كيفية تحدي أفكارك أو أن تكون أكثر وعياً بأفكارك، إنك تتدرب على عدم التعامل مع مشاعرك الثانوية بظاهرها أو كأنها حقيقة، ولكن ببساطة كمشاعر، تشعر بها فقط لأنك مررت بها من قبل في نفس النوع من المواقف، وقد أصبحت هذه عادة.
مع مرور الوقت يمكن أن يساعدك الاعتياد على التعرف على مشاعرك الثانوية وتحديها في تقليل آثارها. بهذه الطريقة يمكنك البقاء على اتصال بمشاعرك الأولية لفترة كافية للتعامل معها بطرق صحية. (Tull, 2021)
ختاماً:
يُظهر الفهم العميق للعواطف الأولية والثانوية أهمية كبيرة في حياتنا وتفاعلاتنا مع الآخرين؛ على الرغم من أن العواطف الأولية قد تكون أساسية وملموسة، إلا أن العواطف الثانوية تلعب دوراً حاسماً في توجيه سلوكنا واتخاذ قراراتنا. إن فهمنا لهذا التوازن بين العواطف يمكن أن يسهم في تحسين علاقاتنا الشخصية والاجتماعية وتعزيز تفاهمنا مع أنفسنا ومع من حولنا. وبالنهاية يجب أن نسعى إلى توجيه عواطفنا بحكمة والسعي لتحقيق التوازن بين العواطف الأولية والثانوية لنعيش حياة أكثر سعادة ورضا.
المراجع: