استراتيجيات التدريس المتمحور حول المتعلم

كثيراً ما نسمع أن الفصول الدراسية يجب أن تتضمن المزيد من الاستراتيجيات التعليمية المتمحورة حول المتعلم، وأنه يجب على المعلمين استخدام المزيد من التعليمات التي تركز على المتعلم، فماذا يعني ذلك؟ هل يعني ذلك أن كل طالب يستخدم استراتيجية تعليمية تؤمّن مساراً تعليمياً شخصياً؟ هل يعني ذلك أن الطلاب يشاركون في التعلم القائم على المشاريع؟ أم ماذا؟

في الحقيقة تم استخدام التعليمات التي تركز على المتعلم لتعني أشياء كثيرة، لكن هناك مبادئ تعلم متفق عليها تشكل الأساس للفصل الدراسي المتمحور حول المتعلم وهي بمضمونها تعني؛ لكي يحدث التعلم الحقيقي يجب أن يشارك الطلاب فيما يتم تعلمه وفي الكيفية التي يتم فيها تعلمه وفي تحديد شكل مخرجات التعلم، وبعبارة أخرى فالتدريس المتمحور حول المتعلم هو التدريس الذي يفهم الطلاب واحتياجاتهم فوق أي شيء آخر، ويضع الطلاب في مركز عملية التعلم.

فوائد نهج التعلم المتمحور حول المتعلم

يختلف النهج المتمحور حول المتعلم اختلافاً كبيراً عن النموذج التعليمي التقليدي المتمحور حول المعلم، ففي نهج التعلم المتمحور حول المتعلم تنتقل الفصول الدراسية من التعليم المباشر إلى بيئة أكثر توجهاً تجاه المجتمع، بيئة تدعم تمكين الطلاب والمحادثات ومهارات التفكير النقدي والاستقلالية وتقنيات حل المشكلات.

المهارات الحياتية الأساسية

لا يقتصر تأثير التعليمات التي تركز على المتعلم بشكل إيجابي على الدرجات فحسب، بل إنها تلعب أيضاً دوراً مهماً في التطور الشخصي للمتعلمين، ففي الواقع بفضل طريقة التدريس هذه يمكن للطلاب تطوير مهارات حياتية محورية يمكنهم لاحقاً استخدامها في حياتهم الشخصية والمهنية.

  • يكتسب الطلاب مهارات التعاون حيث يعطي التعلم المتمحور حول المتعلم الأولوية للعمل الجماعي، بالطبع يمكن أن تكون هذه المهارة حاسمة في نظر صاحب العمل؛ حيث يُنظر إلى العمل الجماعي الناجح في الوقت الحاضر على أنه أحد أعمدة المؤسسات الناجحة.
  • كما أن التعاون يسمح بتطوير مهارات التواصل، وهذا يرجع إلى حقيقة أن العمل في فريق يجعل الطلاب يتواصلون من أجل إكمال المهمة الموكلة إليهم.
  • وعلاوة على ذلك يتمكن الطلاب من تطوير مهاراتهم القيادية، حيث يتم منحهم الفرصة لتوجيه المشاريع والأبحاث الجماعية، وبالتالي اكتساب الثقة واحترام الذات أيضاً.
  • وفيما يتعلق بالحياة الشخصية، يقوم المتعلمون بتحسين مهارات التواصل لديهم ويتعلمون بناء علاقات قوية وطويلة الأمد، تماماً كما يفعلون مع زملائهم في الفصل.

أهم الاستراتيجيات التعليمية المتمحورة حول المتعلم

يبدأ التعليم المتمحور حول المتعلم بموقف يضع الطلاب في محور الخبرة التعليمية، ولا توجد استراتيجية واحدة تحدد تماماً الفصل الدراسي المتمحور حول المتعلم، إلا أن هناك بعض الاستراتيجيات الشائعة التي تركز على المتعلم ومنها:

  1. دعم صوت المتعلم واختياره

مفتاح النهج الذي يركز على المتعلم هو السماح للطلاب بالمشاركة في صنع القرار في الفصل الدراسي، مثل السماح للطلاب بتحديد شكل المخرجات التعليمية، وكمثال عليها وبعد أن يقرأ الطلاب درسهم، أعطِ خياراً للتنسيق الذي يريدون استخدامه لعرض تقريرهم النهائي؛ كعرضه على شكل مقال تقليدي أو رسم أو فيديو قصير أو تقرير إخباري أو منشور على الإنترنت.

2. تقديم التمايز

تستند الاستراتيجيات التعليمية المتمحورة حول المتعلم على حقيقة أن الطلاب ليسوا متماثلين؛ فالطلاب يدخلون الفصل الدراسي بشخصيات مختلفة وخلفيات مختلفة، وتقبل وجهة النظر المتمحورة حول المتعلم في الفصل هذه الاختلافات كأصل في عملية التدريس وليس كمجموعة من أوجه القصور لدى الطلاب يجب معالجتها.

ويعني التمايز أن الطلاب يستخدمون طرقاً مخصصة لاكتساب الكفاءة في المهارات الأساسية اللازمة، ومن أشكال التمايز:

  • السماح للطلاب باختيار السياق المناسب لهم ضمن مجموعة متنوعة من السياقات.
  • تقديم المعلومات والمفاهيم بطرق مختلفة، على سبيل المثال باستخدام الكتابة أو المحاكاة أو الرسوم المتحركة.
  • أن تكون بعض أنشطة التعلم فردية وبعضها الآخر تعاوني..

3. تعزيز التعاون

يتطلب النهج الذي يركز على المتعلم أن يتفاعل المتعلمون مع بعضهم بعضاً، ويدعمون بعضهم بعضاً في التعلم والمشاركة في حل المشكلات، وهناك العديد من الطرق لتعزيز التعاون المثمر منها:

يقوم الطلاب بتوجيه بعضهم بعضاً بناءً على نقاط القوة التي تميّز كل طالب؛ فقد يكون المتعلم الذي يكون أداؤه ضعيفاً في الفصل خبيراً في تحرير الفيديو.

يشارك الطلاب في عمل مشترك بحيث يكون كل طالب مسؤولاً عن جزء رئيسي من المهمة ويعلّم الآخرين ما تعلمه.

4. إشراك الطلاب في التعلم النشط أو البنائي

تظهر الأبحاث أن التعلم هو عملية نشطة تحدث عن طريق بناء الطلاب للمعرفة، ولإشراك الطلاب بشكل كامل في تعلمهم بطرق عميقة وذات مغزى قم بما يلي:

  • ساعد الطلاب على تنشيط معارفهم وخبراتهم السابقة، وتتضمن أمثلة تنشيط المعرفة السابقة طرح سؤال عن رأيهم حول موضوع الدرس، أو إكمال مخطط KWL (ماذا تعرف؟ وماذا تريد أن تعرف؟ وماذا تعلمت؟ )، أو جعلهم يطرحون حلولاً للأفكار المطروحة.
  • شجع الطلاب على البناء على اهتماماتهم الخاصة، على سبيل المثال من خلال جعلهم يقررون كيفية تطبيق تعلمهم على مشروع أو مهمة.
  • عيّن المشاريع المفتوحة بدلاً من المهام الإجرائية المباشرة.

5. استخدم التقييمات التشخيصية والتكوينية

تعتبر التقييمات النهائية أداة لتقييم ما يعرفه الطلاب وما يمكنهم القيام به بعد حدوث التعلم، لكنها ليست سوى نوع واحد من التقييم، ففي الفصل الدراسي المتمحور حول المتعلم يجب عليك استخدام أنواع متعددة من التقييمات من أجل:

  • تشخيص نقاط قوة الطلاب والمجالات التي يحتاجون فيها إلى الدعم قبل تعلم مفاهيم أو مهارات جديدة وهذه تسمى بالتقييمات التشخيصية.
  • تقديم معلومات عن تقدم المتعلم أثناء التعلم وتدعى التقييمات التكوينية.

يمكن أن تتخذ كل من التقييمات التشخيصية والتكوينية أشكالاً عديدة، ويجب أن يعدها كل من المعلمين والطلاب فرصاً لمساعدة الطلاب في رحلات التعلم، ومن المهم أن يشارك الطلاب في تحديد شكل التقييم وتحليل نتائجه.

6. الاستفادة من التكنولوجيا لتنفيذ الاستراتيجيات المتمحورة حول المتعلم

استخدم التكنولوجيا لتنفيذ جميع الاستراتيجيات الأخرى لإنشاء فصل دراسي يركز على المتعلم بشكل فعلي، ويمكن استخدام التكنولوجيا من أجل:

  • تخصيص المهام بناءً على النقاط التي يحتاج فيه الطلاب إلى المساعدة.
  • تقديم أشكال مختلفة من الواجبات والتقييمات لطلاب مختلفين في نفس الفصل الدراسي.
  • دعم التعاون الطلابي المثمر من خلال مشاركة المستندات.
  • زيادة مشاركة الطلاب في مجموعة متنوعة من الأنشطة التعليمية.

إن جعل الفصل الدراسي أكثر تركيزاً على المتعلم هو عملية تدريجية تتضمن عناصر مترابطة؛ فيمكنك أولاً البدء بالجوانب التي يشعر معها المتعلم براحة أكبر مثل السماح للطلاب بتحديد أنشطة التقييم التكويني أو إعداد الفصل الدراسي بطريقة تسمح بمزيد من التعاون الطلابي، وعندما تصبح أنت وطلابك مرتاحين لهذه الخطوات الصغيرة يمكنك البدء في دمج مزيد من التغييرات المهمة حتى تختبر أنت وطلابك فوائد تجربة التعلم المتمحورة حول المتعلم حقاً. (Long, 2020)

ختاماً: يعد الانتقال من فصل دراسي يركز على المعلم إلى فصل دراسي يركز على الطلاب من ضمن التحولات الحديثة في التعليم، وهذا يعني أنه بدلاً من الدروس التي تتضمن محاضرات في أغلب الأحيان، والقراءة من الكتب المدرسية والعمل بصمت على أوراق العمل، فإن الدروس تنبض بالحياة من خلال التعاون والمناقشات والتجارب العملية واستكشاف الأفكار الكبيرة، وإذا أراد المعلمون من الطلاب التواصل والتعاون والتفكير النقدي والتعبير عن الإبداع بشكل فعال فإن هذا التحول يعد خطوة أولى رائعة.

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن استراتيجية التدريس