الاحتراق النفسي وخدمة الدعم النفسي الاجتماعي في الشمال السوري

   أثارت ظّاهرة الاحتراق النَّفسي اهتمَّاماً كبيراً في الدّراسات السيكولوجيّة على مدى السّنوات الأخيرة, نظراً لما تسبّبه من آثار سلبية تؤدي إلى سوء التّوافق, والاحتراق النَّفسي هو أعلى درجات الضّغوط النَّفسيّة, حيث يصل الفرد إلى قمّة الإنهاك العاطفيّ, والبدني, والمعاناة النَّفسيّة الشّديدة.

    وقد يواجه مقدمو الدّعم النَّفسي الاجتماعيّ خطر ظهور علامات الاحتراق النَّفسي الّذي قد ينتج عنه شعور أكبر بالعزلة, فضلاً على أنّ علاقاتهم مع بعضهم البعض قد تكون معدومة وكذلك مع بقيّة أعضاء فريق العمل, وهذا يؤدّي بالتّالي إلى عدم وجود نظام داعم ومعزّز ومساند لهم في بيئة عملهم. ويعد فقدان الدّاعم النَّفسي الاجتماعيّ اهتمامه بعمله عموماً وبالمستفيد خصوصاً من أهمّ السّلوكيّات السّلبيّة الّتي تولّد حالات الاحتراق النَّفسي, وهذا بالتّالي من شأنه أنّ يجعل الدّاعم النَّفسي الاجتماعيّ يعامل المستفيد بطريقة آليّة وبدون اكتراث, بالإضافة إلى ذلك يمكن أنّ ينتاب مقدّم الخدمة حالات من التّشاؤم, والّلامبالاة, وقلّة الدّافعية, ومقاومة التغيّر, وفقدان القدرة على الابتكار في مجال الدّعم النَّفسي الاجتماعيّ, والتغيّب غير المبرر عن العمل, وغير ذلك من الظّواهر السّلبيّة, والّتي تعد من معّوقات تقديم خدمة الدّعم النَّفسي الاجتماعيّ بشكل مهنيّ.

    لقد تعددت مصادر الضغوط وأنواعها منها ما يتعلق بالفرد ذاته كنمط شخصيته وتكيفه ووجهة الضبط لديه ( مركز التحكم )، ومنها سلوكيات مرتبطة بسوء أدارة الوقت مثلاً أو الصراعات الشخصية والصراع مع الاخرين، وبعضها مرتبط بالمنظمة التي يعمل فيها الفرد كمشكلات الأجر والتدريب والتأهيل والسياسة المتبعة داخل المنظمة، وأخيراً ظروف العمل المادية كالضوضاء والصوت والحرارة، كما تجدر الإشارة إلى أنّ من الضغوط ما هو إيجابي يحدث توترا لكنه يؤدي الى الاتزان النفسي مثل توتر الامتحان يعمل محفزاً للجد والعمل للوصول إلى النجاح، أما الضغوط السلبية على العكس فهي تحدث توتراً يؤدي إلى الشعور بالإحباط والتعاسة وفقدان الاتزان النفسي.

تفسير آلية الاحتراق النفسي:

    هناك وجهات نظر مختلفة تناولت موضوع الاحتراق النفسي وهي:

 وجهة النظر المهنية للاحتراق: والذي صاغها (House,1974) مركزا ًعلى عدة عوامل ضرورية لفهم الاحتراق النفسي تمثلت بالظروف الاجتماعية والموضوعية المؤدية للاحتراق كعبء العمل، والادراكات الفردية، والاستجابة الفردية للاحتراق المدرك.

وجهة النظر الفسيولوجية: حسب هانز سيلي (Sely,1979)، وتنظر للاحتراق كونه استجابة غير محددة تصدر من الفرد لوجود مثيرات بيئية غير مرغوب فيها، تكون مجموعة من الاعراض العامة الملحة التي توضح أن الشخص الذي يعجز عن حل مشكلة آنية، أو تفادي خطر وشيك ويلجأ لاستخدام ميكانزمات الدفاع تظهر على شكل نشاط ذهني للتوصل إلى حلول توفيقية للمشكلة.

وجهة النظر النفسية: التي تعد الاجهاد محصلة للتفاعل والعلاقة الديناميكية بين الفرد وبيئته، كما أن الشعور بالاحتراق لا يكون أوتوماتيكياً ولكنه يتوقف على تقويم الشخص له ومن القائلين بذلك لازاروس وفولكمان (Lazarus& Folkman) (علي، أسماء، 2019 ص146).

    ويتضح مما سبق أنّ النظريات او وجهات النظر تناولت الجوانب الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية في فهم وتفسير الضغوط باعتبار هذه الجوانب متداخلة ذات تأثير متبادل.

إذاً ما هو تعريف الاحتراق النفسي:

    ويرى ماسلاش (2001 , Maslach) بأن الاحتراق النفسي هو حالة من الإنهاك الجسدي والانفعالي والعقلي تظهر على شكل إعياء شديد وشعور بعدم الجدوى وفقدان الأمل واتجاهات سلبية نحو العمل والحياة والناس.

وعرفه (الزغلول وزملاؤه، 2013) على أنه حالة نفسية تصيب المهنيين والعاملين في مجالات الخدمة بسبب تراكم الضغوط والتوتر، وتتخذ مظاهر نفسية وسلوكية تشير لعدم التكيف مع ظروف العمل. (عيداروس، 2009 ص59)

من هو المعرض للاحتراق النفسي؟

   نحن جميعاً بسبب طبيعة العمل، كل من يعمل ببرامج الصحة النفسية والدّعم النَّفسي الاجتماعيّ معرض لخطر الاحتراق النفسي على مدار الوقت، من المؤكد أنّ التفاعل بين الأحداث في الحياة الشخصية والمهنية لمقدم خدمة يسبب ضغوطًا، وربما ضائقة، وربما ضعفًا، هذا الضعف أو التوتر ليس انعكاساً للعلم بالاضطرابات في علم النفس، ولكنه حقيقة واقعة تكون بمثابة تحدي لعملنا.

العوامل المساهمة في الاحتراق النفسي:

    في ظل واقع الدّعم النَّفسي الاجتماعيّ في الشمال السوري وتعدد العوامل المساهمة في الاحتراق النفسي نجد ان هناك عوامل مرتبطة بالعمل تحديداً وهذا ما وجدته في مقال في الجمعية الامريكية لعلم النفس (APA) وهي تناسب نوعاً ما الواقع الموجود في الشمال السوري ضمن برامج الصحة النفسية والدّعم النَّفسي الاجتماعيّ وخاصة بما يتعلق بمهام وقدرات مقدم الخدمة (الداعم النفسي الاجتماعي) وهي مقسمة على النحو الآتي:

طبيعة العمل:

ما مقدار الاختيار والتحكم الذي أمتلكه في عملي؟

هل عملي قصير الأمد أم أزمة أم طويلة الأمد؟

هل أقوم بهذا النوع من العمل الذي أحبه؟ الذي أنا مناسب له؟ الذي أشعر فيه بالكفاءة والتقدير؟

هل يتوافق هذا العمل مع قيمي ومعتقداتي؟

طبيعة مكان العمل:

هل لدي دعم تنظيمي كافٍ؟

هل لدي دعم جماعي؟

هل أحصل على إشراف مفيد كافٍ؟

عوامل مكان العمل الأخرى؟

طبيعة العملاء:

ما هي المجموعات السريرية التي أعمل بها؟

كم عدد العملاء الذين أراهم كل يوم؟ كل اسبوع؟

هل هناك توازن وتنوع في عبء القضايا والعمل الخاص بي؟

هل هناك بعض العملاء الذين أستمتع بالعمل معهم بشكل خاص؟ لماذا؟

مع أي العملاء أجد صعوبة في التعامل معهم؟ لماذا؟

عوامل أخرى متعلقة بالعميل؟

طبيعة شخص المعّين: (الداعم النفسي الاجتماعي)

هل تدريبي مناسب لعملي؟

ما هي ضغوطات حياتي الحالية والدعم؟

ما هو تاريخ حياتي ذو الصلة؟

ما هي استراتيجيات المواجهة المألوفة لدي؟

ما هو أسلوبي العاطفي ونقاط ضعفي؟

ما هو التوافق بيني وبين عملي؟

العوامل الشخصية الأخرى؟

طبيعة السياق الاجتماعي / الثقافي / السياسي

كيف أتأثر بالعقبات الاجتماعية التي تعترض العمل (على سبيل المثال، التخفيضات بالدولار، والرفض)؟

كيف يستجيب المجتمع للعمل الذي نقوم به؟

كيف ينظر المجتمع إلى السكان الذين أخدمهم؟

عوامل اجتماعية / ثقافية / سياسية أخرى؟ (APA,2008)

    من خلال الإجابة على هذه التساؤلات نستطيع معرفة العوامل المساهمة للاحتراق النفسي في بيئة العمل، يضاف إلى ذلك العوامل الأمنية والتي تتضمن فقدان الامن والاستقرار إضافة لعوامل التهجير الداخلي المتكرر وزيادة المسؤوليات في الأسرة والمجتمع، فالداعم النفسي الاجتماعي يعود من عمله ليشارك الأسرة والشبكة الاجتماعية بالضغوط الموجودة بحكم الشعور بالمسؤوليات وإيماناً بأهمية التعاون والمساعدة في ظل المعاناة ونقص الاحتياجات الحادة، وهذا لا يعني بشكل حتمي تعرض جميع العاملين في ميدان الصحة النفسية والدّعم النَّفسي الاجتماعيّ للاحتراق النفسي فهناك أفراد لديهم من المهارات و المرونة نفسية ما يمكنهم من العمل والتكيف والتوازن بين العمل ومتطلبات الحياة وضغوطها، وقد أُوضِح ذلك في مقال منفصل حيث تساعدهم هذه المرونة في التكيف والبقاء بخير ذاتياً واجتماعياً.

أعراض الاحتراق النفسي:

تشير (الحرتاوي، 1991) إلى أن الباحثين قد صنفوا أعراض الاحتراق النفس ي في أربع فئات هي:

 –1 الاعراض الفسيولوجية الجسمية: وتشمل ارتفاع ضغط الدم وآلام الظهر والإنهاك الشديد بحيث يفقد الشخص حماسه ونشاطه ويصاحبه شعور بالتعب وضعف عام في الجسم.

2 الاعراض المعرفية الإدراكية: وتتمثل بعدم القدرة على التركيز وتغيير في نمط الدراك وينعكس ذلك على شخصية الفرد وتصرفاته.

3 الاعراض السلوكية: ومنها رداءة الأداء وعدم الرضا عن مستواه فضلا عن التغيب وعدم الالتزام وقد يؤدي الآمر إلى ترك العمل وتوقف العطاء.

4 الاعراض النفسية: وتتمثل بتغير عواطف الفرد وانفعالاته وظهور الطابع السلبي عليها مثل الاحساس بالخوف والقلق والنسيان واليأس. (العوض، السيد، 2019 ص176)

وتتلخص الأعراض في الآتية:

1 فقدان الحماس للعمل.

2 فقدان الاهتمام بالآخرين.

3 نقص الدافعية والرغبة في البحث عن طرق جديدة للعمل في مجالات اخرى.

4 الشعور بخيبة الأمل والإحباط.

5 الاتجاه السلبي نحو الآخرين الناجم عن عدم إدراكه لطبيعة وسلوك من حوله.

6 آلام البطن.

7 آلام العضلات والعظام وبصفه خاصه آلام الظهر.

8 اضطرابات نفسيه جسمانية مثل: القرحة، واضطرابات في الجهاز الهضمي في بعض الحالات.

9 ظهور أعراض الضغط التقليدية يصاحبها التعرق والقلق.

10 نقص الدفاعات المناعية.

    وهنا اعتقد أنّه من الأهمية بمكان ذكر الاعراض التي قد تظهر على المستفيدين من الخدمة كما جاء في مقال للجمعية الامريكية لعلم النفس ((APA, 2008

الضرر الذي يلحق بالعملاء:

    سوء التصرف – انتحار- انتهاكات الحدود – فقدان الثقة في العلاج – تفاقم الأعراض – الذنب أعراض علاجي المنشأ – يأس.

 كيف نحمي أنفسنا من عواقب الاحتراق النفسي؟

  • تعامل مع هذه المخاطر بجدية.
  • قيم بصدق سلامتك العاطفية والنفسية والروحية على أساس منتظم.
  • ابحث عن العلاج النفسي الشخصي والموارد الأخرى للصحة حسب الحاجة.
  • قم بإجراء اتصالات مهنية والحفاظ عليها تتضمن فرصًا لمناقشة الطبيعة المحددة وضغوط عملنا، نموذج الانفتاح في مثل هذه المناقشات للطلاب والزملاء.
  • اطلب التشاور مع الأقران والخبراء ذوي المعرفة فيما يتعلق بالتحديات المهنية المحددة.
  • افهم أن جميع العاملون في مجال الصحة النفسية والدّعم النَّفسي الاجتماعيّ معرضون للصدمات غير المباشرة والمخاطر الأخرى المتعلقة بالأدوار، واستشيروا، أو حدوا من عبء الحالات، أو قموا بعمل ترتيبات أو تعديلات أخرى وفقًا لذلك.
  • انتبه للتوازن في العمل والراحة واللعب.
  • اجعل الرعاية الذاتية الشخصية والمهنية أولوية. 
  • اهتم بصحتك الجسدية والروحية، وكذلك صحتك العاطفية والنفسية. 
  • ابحث عن فرص التحفيز الفكري بما في ذلك خارج المهنة.
  • تحدى الافتراضات التي توصم أو تشيطن علماء النفس الذين يعترفون بالتجارب الحالية أو الماضية من الضيق أو الضعف أو الألم الشخصي.
  • تطوير توقعات معقولة وواقعية حول عبء العمل والمسؤوليات والقدرات.
  • تعرف على الأدبيات المتعلقة بالمخاطر المهنية لعلماء النفس وتابع التعليم المستمر حول هذه الموضوعات) على سبيل المثال، الإرهاق، والصدمات غير المباشرة، وإرهاق التراحم، ومساعدة الزملاء، والمهنيين في محنة).
  • حدد مصادر الدعم لعملك واستخدمها.
  • خذ إجازات منتظمة.
  • دمج مواضيع الضعف المهني والرفاهية المهنية في التعليم العالي والتدريب المهني والتعليم المستمر.

    ختاماً نستخلص جوانب تحتاج الى عناية واهتمام اكثر من غيرها قم بتقسيم حياتك لثلاث أجزاء هي: العمل – المنزل – الحياة الاجتماعية، وركز قدر الإمكان على كل جزء لوحده ولا تسمح لضغوط أحدهم أن تؤثر على الآخر، كما أنك بحاجة إلى أن تعيد فحص قيمك وأهدافك وأولوياتك، إن أهدافك غير الواقعية والمثالية سوف تؤدي بك إلى الإحباط.

الاستقرار العاطفي، إن الاستقرار العاطفي عامل مهم أيضاً؛ فهو يحميك من بيئة العمل، حيث كلما كان في حياتك أُناس يصغون إليك، ويشاركونك حياتك كلما كنت أقوى، وذلك دون أن ننسى العادات الصحية مثل النوم الجيد والأكل الصحي والراحة.

  المراجع:

المراجع العربية:

  1. العوض، السيد (2019). الاحتراق النفس ي وعلاقته ببعض المتغيرات الديموغرافية لدى عينة من عضوات هيئة التدريس في كليات التربية للبنات بجنوب المملكة العربية السعودية، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد (3)، العدد (7).
  2. علي، أسماء (2019). الاجهاد النفسي وأساليب التعامل معه وعلاقتهما بمرونة الانا لدى عينة من تدريسيات جامعة البصرة، مجلة أبحاث البصرة للعلوم الإنسانية، المجلد (44)، العدد (2).
  3. عيداروس، أحمد، (2009). آليات إدارة الاحتراق النفسي لدى القيادات الجامعية بجامعتي الطائف والزقازيق وأثرها على تأصيل ثقافة الإبداع الإداري، مجلة دراسات عربية في التربية وعلم النفس، المجلد (3)، العدد (1).

المراجع الأجنبية:

1- By Rebecca A. Clay, use these tips to keep from burning yourself out, both professionally and personally, 2019. https://www.apaservices.org/practice/business/ecp-column/avoiding-burnout.

2-Professional Health and Well-being for Psychologists by the Board of Professional Affairs’ Advisory Committee on Colleague Assistan,2008. https://www.apaservices.org/practice/ce/self-care/well-being

3-Occupational Vulnerability for Psychologists, this document was prepared by Karen Saakvitne, PhD, and the members of the Board of Professional Affairs Advisory Committee on Colleague Assistance (ACCA), 2008. https://www.apaservices.org/practice/ce/self-care/vulnerability?_ga=

وسوم

عن الكاتب

هشام الشيخ

باحث في الإرشاد النفسي

اقرأ لـ هشام الشيخ

اقرأ ايضاً عن علم النفس