العلاج بالضحك وتأثيره على الصحة النفسية
هشام الشيخ
مايو 20, 2023
8 دقائق
هشام الشيخ
مايو 20, 2023
8 دقائق
قد تمر بلحظات أو مواقف تحوي على الفكاهة والضحك، وتشعر نتيجة ذلك بالراحة وتغير في المزاج، وتخبر الآخرين أنك ترغب في هذه الأجواء، وخاصة عندما يواجه الفرد ضغوطاً وتحديات تؤدي لتوتره وانزعاجه، فيلجأ لتلك المواقف لعلها تساهم في تحسين تعافيه ولو مؤقتاً، من هنا سنحاول توضيح فكرة العلاج بالضحك، وأنواع الضحك، وكيف يؤثر في كل من العافية الجسدية والنفسية الاجتماعية؟
حسب كرومي (كما ورد في بدران، 2021) قد ساعد المسرح الكوميدي القديم، كأحد مولدات الضحك، المجتمع الإنساني في تفريغ شحنة الغضب والحزن، والتنفيس عن المأساة والكوارث والاضطهاد، وساهم في تأكيد حرية الإنسان والتفكير بتغيير واقعه نحو الأفضل، وطهّر الإنسان من أحزانه، وخفف عنه قسوة الواقع، وساهم في خلق حالة التوازن بين الإنسان وواقعه المجتمعي (ص.28).
ويشير شارمين ليبيرتز Charmaine, Liebertz (2005) أن الضحك يبدأ كرد فعل لا يمكن السيطرة عليه عندما يبلغ الأطفال حوالي أربعة أشهر من العمر، وسرعان ما قد يضحكون ما يصل إلى 400 مرة في اليوم، وبمجرد دخول المدرسة التمهيدية، يتعلم الأطفال الذين يلعبون بالهراء اللفظي والتورية وأعاصير اللسان أنه عندما يقولون أشياء تجعل الأطفال الآخرين يضحكون، يصبح الآخرون مهتمين بهم ويحبونهم (para.1)
حسب جونغاون ييم JongEun Yim (2016) فالعلاج بالضحك هو نوع من التواصل الذي يثير الضحك والابتسام والمشاعر الممتعة ويتيح التفاعل، وهو يستخدم الضحك لغرض العلاج لتعزيز عيش حياة مرغوبة، من خلال الحفاظ على الوظائف الجسدية والنفسية والاجتماعية والعقلية والروحية واستعادتها ومنعها من خلال الضحك التلقائي وغير التلقائي، وهذا نهج مختلف عن العلاجات الطبية العامة، إنه يركز على النهج القائل بأن كلاً من الجسم والعقل يمكن أن يكونا بصحة جيدة عندما تتغير الجوانب النفسية للدماغ، بما يتجاوز العلاج الطبيعي فقط (para.1).
ويشير المعهد الوطني للصحة National Institutes of Health (د.ت) التابع لوزارة الصحة الامريكية بأن العلاج بالضحك: نوع من العلاج يستخدم الدعابة للمساعدة في تخفيف الألم والتوتر وتحسين إحساس الشخص بالرفاهية، يمكن استخدامه لمساعدة الأشخاص على التعامل مع مرض خطير مثل السرطان، قد يشمل العلاج بالضحك تمارين الضحك والمهرجين والأفلام الكوميدية والكتب والألعاب والألغاز، إنه نوع من العلاج التكميلي، يُسمى أيضاً العلاج بالفكاهة.
للضحك أنواع بمعاٍن متعددة، تلك الأنواع من الممكن تلخيصها في عشرة أنواع، وهي حسب (Seaward، كما ورد في بدران، 2021):
التحليل النفسي: اعتبر فرويد Freud حسب (عبد الحميد وآخرون، كما ورد في بدران، 2021) الضحك آلية يمكن للفرد من خلالها منع مضايقات شخص آخر، وذكر أنه يقلل الاستجابات العاطفية السلبية أو المشاعر غير السارة، وأشار “فرويد” أيضاً إلى أن الفكاهة واحدة من أرقى الإنجازات النفسية للإنسان، وهي آلية نفسية دفاعية في مواجهة العالم الخارجي المهدد للذات، وقسمه إلى نوعين، هما: النكتة اللفظية Joke Verbal، والنكتة التصورية Conceptual، وتقوم هذه الآلية الدفاعية على أساس تحويل حالة الضيق إلى حالة من الشعور الخاص بالمتعة أو اللذة، كما صنف فرويد النكتة إلى نوعين:
نظرية الإثارة والتناقض والتفوق: وحسب جونغاون ييم JongEun Yim (2016) توجد ثلاث فئات في نظريات الضحك: الإثارة والتناقض والتفوق وهي:
أولاً: تهتم نظرية الإثارة بالجوانب النفسية للضحك، يزيد التوتر من الإثارة، بينما الضحك قادر على تقليل التوتر عن طريق تخفيف الإثارة والتوتر، تقول هذه النظرية أنه إذا ضحك الناس في موقف مرهق، فإن حالة الاستثارة الجسدية لديهم تنخفض، ولم يعد الموقف المجهد سلبياً أو بغيضاً، وهذا يعني أن النظرية تقترح أن الضحك يُظهر تفاعلاً معقداً للعقل والجسد بين الإدراك والعاطفة، متجذراً في الدماغ والجهاز العصبي، وقد عدّ فرويد (1928) الضحك آلية يمكن أن تمنع هجمات الآخر، وذكر أنه يقلل من الاستجابات العاطفية السلبية أو المشاعر غير السارة.
ثانياً: تهتم نظرية التناقض بالجانب المعرفي، الذي يقول إن الضحك يبدأ من العملية أو الموقف أو التفكير المتذبذب بصرف النظر عن المعرفة أو المنطق الذي يعرفه الناس عموماً تقول هذه النظرية أن الناس يضحكون عندما يدركون أن هناك تناقضاً بين الوضع الفعلي ومعرفتهم العامة به، النظرية لها وجهة نظر تؤكد على الجوانب المنطقية واللغوية والمعرفية، يحدث الضحك في الوقت الحالي، ويثير سوء الفهم الحيرة في التواصل، وينحرف عن المسار السلس للعملية الإدراكية، يحدث الضحك في اللحظة التي يختفي فيها الخلل المعرفي، أي نقطة التناقض أو التنافر، ويستعاد التوازن، والضحك في هذه اللحظة هو تعبير عن التنوير اللطيف وفقاً لنظرية التناقض.
ثالثاً: تقول نظرية التفوق أن الضحك يحدث عندما ينظر الناس إلى الآخرين بازدراء أكثر مما هم في الواقع، أو عندما يكون لديهم شعور أنهم متفوقون على الآخرين، تقول النظرية أن الضحك يقيد البيئة الخارجية ويزيد الثقة، من خلال رفع الرضا دون التعارض مع التيار، يسمح الضحك للناس باتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التوتر ويزيد التقدير للذات (p.244).
نظرة بيولوجية: ويشير شارمين ليبيرتز Charmaine, Liebertz (2005) أن الضحك ليس مثل الفكاهة، الضحك هو الاستجابة الفسيولوجية للفكاهة، يتكون الضحك من جزأين؛ مجموعة من الإيماءات وإنتاج الصوت، عندما نضحك يضغط علينا الدماغ للقيام بهذين النشاطين في وقت واحد، عندما نضحك من القلب، تحدث تغيرات في أجزاء كثيرة من الجسم، حتى عضلات الذراع والساق والجذع، وفي ظل ظروف معينة، تؤدي أجسادنا ما تصفه الموسوعة البريطانية بأنه “أفعال إيقاعية، ونطق، وزفير، لا إرادي”، وهو ما يُعرف بالضحك، تتقلص خمسة عشر عضلة من عضلات الوجه ويحدث تحفيز للعضلة الوجنية الرئيسية (آلية الرفع الرئيسية للشفة العليا)، في هذه الأثناء يضطرب الجهاز التنفسي بسبب إغلاق لسان المزمار نصف الحنجرة، بحيث يحدث دخول الهواء بشكل غير منتظم، مما يجعلك تلهث، في الظروف القصوى يتم تنشيط القنوات الدمعية، بحيث يصبح الوجه رطباً وغالباً ما يكون أحمر أو أرجوانياً، وفي أثناء فتح الفم وإغلاقه واستمرار النضال من أجل تناول الأكسجين، تتراوح الضوضاء التي تصاحب هذا السلوك الغريب عادةً من الضحك الخافت إلى القهقهات الصاخبة (para.1)
حسب جونغاون ييم JongEun Yim (p.245, 2016) هناك نتائج فسيولوجية ونفسية للضحك وهي:
النتائج الفسيولوجية | النتائج النفسية |
يمرن ويرخي العضلات | يقلل من التوتر والقلق وأعراض الاكتئاب |
يحسن التنفس | يرفع المزاج واحترام الذات والأمل والطاقة والحيوية |
ينشط الدورة الدموية | يقوي الذاكرة والتفكير الإبداعي |
يقلل من هرمونات التوتر | يحسن التفاعل بين الأشخاص |
يزيد من دفاعات جهاز المناعة | يزيد من الود والمساعدة |
يرفع عتبة الألم والتسامح | يعزز الرفاه النفسي |
يعزز الأداء العقلي | تحسين نوعية الحياة ورعاية المرضى |
ويشير شارمين ليبيرتز Charmaine, Liebertz (2005) إلى أن الضحك يحسن الذاكرة، فقد قرأت عالمة النفس كريستي نيلسون من جامعة ماركيت قائمة من 30 كلمة للمواضيع وعرضت على بعضهم مقطع فيديو مضحكاً بعد ذلك، بعد أسبوع واحد تذكر المشاركون الذين تعرضوا للمقطع في غضون 30 دقيقة من سماع القائمة كلمات أكثر بنسبة 20 في المائة مثل أولئك الذين لم يفعلوا ذلك (para.1)
يعد الضحك حسب بدران (2021) وسيلة للتعبير عن الانفعال الداخلي، سواء كان حزناً أم فرحاً، ولكل شخص طريقته في الضحك، وفي الوقت الذي يعتبر الاختصاصيون الضحك مفيداً للصحة، ويرى بعض علماء النفس أنه قد يقود الأشخاص إلى اكتشاف بعض خبايا الشخصية، والضحك ارتكاسة فسيولوجية مسجلة في الجسم البشري، يزود الخلايا بالأوكسجين، كما يعمل على تدليك الأعضاء الباطنية العميقة، فضلاً عن تحسين جهاز المناعة، ويرى اختصاصي علم النفس “أحمد الشيخ” أن الضحك يؤدي وظيفة نفسية من الممكن أن تكون تلقائية عفوية أو مجاملة، كنوع من التواصل الاجتماعي مع الآخرين (ص.29).
حسب نورال ومحمد Nuraly and Mohammed (2021) للضحك مجموعة واسعة من الفوائد وهي:
وحسب مولي إدموندز Molly Edmonds (2022) وجدت العديد من الدراسات أنه في حين أن الضحك ليس بالضرورة أفضل دواء، حيث وجدت دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس أن مشاهدة العروض المضحكة تزيد من تحمل الأطفال للألم، مما قد يكون مفيداً عندما يضطر المرضى الصغار إلى الخضوع لإجراءات كبيرة، في جامعة ميريلاند وجد الباحثون أن المجموعات التي شاهدت أفلاماً فكاهية شهدت زيادة في تدفق الدم مقارنةً بالمجموعات التي شاهدت أفلاماً غير مضحكة.
إن فعل الضحك يحفز هرمونات تسمى الكاتيكولامينات، والتي بدورها تطلق العصير السعيد؛ الإندورفين، فمع ارتفاع الإندورفين في مجرى الدم، نكون أكثر عرضة للشعور بالسعادة والاسترخاء، لذلك، مع كل ضحكة، نخفف التوتر ونحد من القلق ونزيد مخزوننا من الطاقة الشخصية، كل هذه النتائج النفسية والفسيولوجية هي أدوات رائعة للتعامل مع المرض أو الإقامة في المستشفى (para.3)
وتشير إندا جنكينز Enda Junkins (د.ت) إلى شكل أكثر جوهرية من الضحك في العلاج في مجتمع الصحة النفسية، حيث يطلق الضحك ثلاثة مشاعر رئيسية؛ القلق والغضب والملل، عندما يتم تشغيله بشكل مناسب مع معالج ضحك مدرب، فإنه يمكّن الشخص من حل المشكلات بسرعة وفعالية إلى حد ما .(para.1 )
وحسب نورال ومحمد Nuraly and Mohammed (2021) هناك تفسير بيولوجي لكيفية تقليل الضحك للتوتر والقلق والاكتئاب، لقد ثبت أن الضحك يمارس تأثيرات تقليل التوتر عن طريق قمع الأنشطة الحيوية للإبينفرين والكورتيزول و3،4-ثنائي هيدرو فينيل أسيتيك (وهو مادة تادبوليت دوبامين رئيسية)، ترتبط أنشطة النواقل العصبية المنخفضة، بما في ذلك النوربينفرين والسيروتونين والدوبامين بالاكتئاب، ويظهر أن الضحك يعزز أنشطة الدوبامين والسيروتونين، العاطفة هي تعبير من مزيج النواقل العصبية الأحادية الأمين الثلاثة: النوربينفرين والدوبامين والسيروتونين، يُقترح نموذج ثلاثي الأبعاد للناقلات العصبية أحادية الأمين والعواطف الأساسية، حيث يكون لكل عاطفة أساسية مستوى تركيز خاص بها من الناقلات العصبية، اعتمد النموذج على نظرية مفصلة وشاملة للعواطف الأساسية، حيث تم تقسيم المشاعر البشرية إلى واحدة محايدة (مفاجأة / جفل)، واثنتان إيجابيتان (الاهتمام / الإثارة والمتعة / الفرح)، وخمس سلبيات (الضيق / الكرب، الخوف / فئات الرعب والعار / الإذلال والازدراء / الاشمئزاز والغضب / الحزن)، ويربطهم كذلك بتعبيرات الوجه والموقف بالإضافة إلى المظاهر الفسيولوجية النموذجية اقترح “نموذج الألوان الأساسية الثلاثة” من المشاعر الأساسية: النوربينفرين مسؤول عن مشاعر الخوف والغضب، ويخمد الدوبامين الفرح، بينما يخفف السيروتونين العقوبة (P.136)
ختاماً: عطفاً على ما تقدم فإن العلاج بالضحك نوع من أنواع العلاجات يستخدم لتخفيف الألم والتوتر من خلال استخدام الفكاهة والضحك، وهناك عشرة أنواع للضحك، يساهم الضحك في تعزيز العافية النفسية والجسدية من خلال التأثير المتبادل فيما بينهما، فالضحك يؤثر في الجوانب العضوية ويطلق هرمونات تؤدي للشعور بالراحة والعافية النفسية وبالوقت ذاته ينعكس ذلك إيجاباً على صحة الجوانب العضوية للجسم، لذلك اغتنموا أوقات المرح ولو كانت قليلة وقصيرة.
https://doi.org/10.1016/j.crphys.2021.04.002
https://www.cancer.gov/publications/dictionaries/cancer-terms/def/laughter-therapy