ماهي السيكو دراما

    تعتبر السيكو دراما أو التمثيل النفسي المسرحي أو السيكو دراما وهناك من يطلق عليها الإرشاد الجماعي التمثيلي من أشهر أساليب وأهم تقنيات الإرشاد والعلاج الجماعي التي تعتمد على التصوير التمثيلي المسرحي لمشكلات نفسية أو سلوكية أو اجتماعية أو حتى لمواقف حياتية.

    وتتلخص فكرة السيكو دراما بقيام المسترشد في شكل تعبيري حر وفي ظل جماعة إرشادية تسودها أجواء الأمن والطمأنينة بإعادة تمثيل مشكلاته السلوكية أو النفسية أو الاجتماعية أمام المرشد والمجموعات الإرشادية مما يتيح له من خلال هذا الأداء التمثيلي فرصة التنفيس الانفعالي عن مشاعره وانفعالاته والتوترات المختلفة ذات الصلة بالمشكلة، وكذلك فرصة الاستبصار الذاتي والتقمص والمحاكاة من أجل إحداث تغيير السلوك الإنساني غير سوي وتعديلها إعادة تشكيله وكذلك من أجل تحقيق التوافق النفسي.

    يرى (Kellermann, 1992) أن بعض المهنيين الذين لم يسبق لهم تجربة السيكو دراما لفترة طويلة من الزمن، يخافون منها كطريقة علاجية، يميل الكثيرون إلى المبالغة في تصوير العملية والتأكيد على مخاطرها المفترضة، يبالغ آخرون في فضائله بطريقة ساذجة وسطحية تنتهك أبسط مبادئ علم النفس الاجتماعي، كلا المجموعتين غير مدركتين للمحاولات الحديثة نسبياً التي تم إجراؤها للتحقيق علمياً في الإمكانات العلاجية للدراما النفسية، أظهرت مثل هذه الدراسات الخاضعة للرقابة أنه، باستخدام متخصصين مدربين على دراية بحدودها، يمكن للدراما النفسية أن تقدم مساهمة إما بمفردها أو كمساعد للعديد من فروع العلاج النفسي، سواء كانت سلوكية أو تحليلية نفسية أو إنسانية وجودية  (Marcia, Karp).

تاريخ وتطور السيكو الدراما

    طور جاكوب مورينو، وهو طبيب نفسي من القرن العشرين، السيكو دراما في أوائل القرن العشرين، وعقد الجلسة الأولى في عام 1921، ولدت هذه الطريقة من إدراكه لأهمية نهج المجموعة للعلاج، واهتماماته المشتركة في الفلسفة والمسرح والتصوف، في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، أسس مستشفى بيكون، الذي يضم مسرحاً علاجياً حيث يمكن ممارسة السيكو دراما كجزء من العلاج، وفي عام 1942، أسس الجمعية الأمريكية للعلاج النفسي الجماعي والسيكو دراما، بعد وفاته في عام 1974، واصلت زوجته زركا السفر وتعليم وتدريب الآخرين على هذا النهج، ومن الشخصيات البارزة الأخرى مارتن هاسكل الذي عمل مع مورينو في الخمسينيات وكان من أوائل الرواد في هذا النهج، وإيا فيشينين برانهام المدربة في الجنوب الغربي، وآن أنسيلين شوتزنبرجر، التي ساعدت في الريادة في السيكو دراما في فرنسا وفي جميع أنحاء أوروبا، وجريتيل Leutz، عالم السيكو دراما الأوروبي الأوائل، ومارسيا كارب التي كانت رائدة في السيكو دراما في بريطانيا good, therapy, 2016)).

مفهوم السيكو دراما:

        تلقب السيكو دراما بالتمثيل النفسي المسرحي أو الإرشاد الجماعي من خلال التمثيليات النفسية وذلك للمشكلات النفسية في شكل تعبير حر في موقف جماعي (زهران، 1997). وتؤدي السيكو دراما إلى زوال سيطرة المشكلة التي كان يعاني منها المريض وحدث لها تنفيس أدى إلى زوالها (قناوي، 1988). ويرى Coreyأن السيكو دراما أحد أنواع العلاج الجماعي يقوم فيها المريض بتجسيد بعض المواقف الحياتية التي تدور حول الماضي والحاضر والمستقبل وذلك في محاولة لفهم أعمق لمشكلاته (خضر، 1990).

    ويعرفها (المحمدي) بأنها وسيلة من وسائل الإرشاد النفسي الجماعي يقوم فيها الطفل بلعب دور يرتبط بالواقع بصورة تلقائية بدون نص مكتوب (المحمدي، 1998).

    وتعرف (مارسيا كارب) السيكو دراما على أنها طريقة لممارسة العيش دون معاقبة لارتكاب أخطا (Marcia, Karp).

مراحل السيكو دراما

تمر السيكو دراما بثلاث مراحل هي:

  1. التسخين (الإحماء).
  2. التشريع (الفعل أو الحدث).
  3. المشاركة.

1- التسخين (الإحماء): يعمل الإحماء على خلق جو من الإمكانيات الإبداعية. هذه المرحلة الأولى تنسج سلة من الأمان يمكن للفرد من خلالها أن يثق بالمدير والمجموعة والطريقة. هناك طرق عديدة لتسخين المجموع، وفعل مورينو ذلك من خلال “مقابلة” الجميع وجعل الناس يتحدثون بسهولة مع بعضهم البعض، الشخص الذي لديه موضوع تم قبوله من قبل المجموعة كبطلهم طريقة أخرى للمخرج هي اختيار بطل الرواية من يعتقد أنه مستعد للعمل، البديل الآخر هو من خلال تمرين جماعي إبداعي ينبثق منه موضوع الجلسة وهذا ما يسمى الإحماء المتمحور حول بطل الرواية. في عملية الإحماء الخاصة بالترشيح الذاتي، يمكن للناس طرح أنفسهم ليكونوا الموضوع، هذه الاقتراحات هي طرق لاختيار البطل والتي تأتي من الإحماء في حين أن الإحماء نفسه يجعل من الممكن للناس أن يشعروا بحرية أكبر للثقة في المجموعة، والشعور بالتماسك والأمان في المجموعة وعرض مشاكلهم في جو من الحب والرعاية والابداع.

2- التشريع (الفعل أو الحدث): في هذا الجزء من الدراما، ينقل المخرج والبطل العمل للأمام من محيط المشكلة إلى جوهره. السيكو دراما تعني حرفياً فعل العقل، وهي تبرز الدراما الداخلية، بحيث تصبح الدراما داخل الدراما خارج الذات، يستخدم المخرج أعضاء المجموعة للعب دور الأنا المساعدة الذين هم أشخاص مهمون ممثلون في الدراما، كانت مرحلة السيكو دراما الأصلية عبارة عن ثلاث دوائر متحدة المركز، المستوى الأول كان للجمهور، والثاني للمفردات وتمثل الفضاء خارج حرارة الدراما، وكان المستوى الأعلى للدراما التي سيتم سنها، كان التصميم للعمل أن ينتقل من المحيط إلى جوهر المشكلة، يتم التشريع في معظم جلسات السيكو دراما في منطقة مرحلة معينة، أثناء الدراما أعضاء المجموعة الآخرين لا يجلسون في تلك المساحة إلا إذا كانوا يلعبون دوراً، تبدو المرحلة وكأنها مساحة طقسية بمجرد أن تبدأ الدراما، وهذا يعني أن الحدث الذي من المفترض أن يحدث في تلك المساحة يحدث هناك فقط، السيكو دراما التي تتم تجربتها داخل مساحة المجموعة مع عدم وجود منطقة مسرح محددة غالباً ما تسقط بسبب عدم وجود حدود مكانية أو منهجية.

3- المشاركة: فإن المشاركة هي وقت التنفيس الجماعي والتكامل، كان من المفترض أن يكون “رد الحب” بدلاً من ردود الفعل، مما يثبط تحليل الحدث ويشجع على تحديد الهوية يتم، تحديد النقاط الأكثر مشاركة من قبل أعضاء المجموعة الفردية، ويكتشف كل عضو كيف هو أو هي مثل البطل، في كثير من الأحيان، كما هو الحال في الدراما اليونانية، يتم تطهير الجمهور من خلال مشاهدة تمثيل قصة حياة شخص آخر، تهدف المشاركة إلى التقاط عملية التعلم هذه والسماح لأعضاء المجموعة بتطهير أنفسهم من المشاعر أو الأفكار المكتسبة، ويهدف أيضاً إلى تطبيع تجربة البطل من خلال سماع كيف يشارك الآخرون بالمثل على مستويات مختلفة من نفس العملية، في بعض الأحيان، يمكن قياس فعالية الجلسة الإجمالية بعمق جلسة المشاركة، تبرز السيكو دراما الدراما الداخلية بحيث تصبح الدراما في الداخل الدراما الخارجية، بالنسبة للمديرين في التدريب، يسمى جزء إضافي من الجلسة المعالجة، هذا هو المكان الذي تتم فيه مناقشة المنطق الواضح والافتراضات النظرية والعقد كجزء من التوجيه، تتم مراجعة الجوانب الفنية من قبل المدير والمدرب وأعضاء المجموعة، يتم بشكل عام مناقشة كيف انتقل المخرج من مشهد إلى آخر، وكيف يمكن تعظيم الجوانب، وما الذي نجح ولماذا، وما الذي كان يمكن القيام به بشكل مختلف، ملاحظات المتدرب والمدير والتقييم الذاتي وتقييم الزملاء لا تقدر بثمن .(Marcia, Karp)

التقنيات الأساسية في السيكو دراما

1. المرآة: يعمل شخص في المجموعة كبديل لبطل الرواية لرؤية الموقف من منظور خارجي أكثر موضوعية، يوفر فرصة أفضل للشخص لرؤية نفسه كما يفعل الآخرون.

2. المضاعفة: وظيفة “المضاعفة” هي توعية أي أفكار أو مشاعر لا يستطيع شخص آخر التعبير عنها سواء كانت بسبب الخجل أو الذنب أو التثبيط أو الأدب أو الخوف أو الغضب، إلخ، في كثير من الحالات يكون الشخص غير مدرك من هذه الأفكار أو على الأقل غير قادر على تشكيل الكلمات للتعبير عن شعورهم لذلك، يحاول “المضاعف” أن يجعل الوعي ويعطي شكلاً للاوعي و تحت المادة المعبر عنها، و الشخص الذي تتم مضاعفته له الحق الكامل في التبرؤ من أي من بيانات “Double” وتصحيحها حسب الضرورة بهذه الطريقة، لا يمكن أن تكون مضاعفة نفسها خطأ.

3. عكس الأدوار: يحصل المشاركون في على إعادة تمثيل المشهد عدة مرات، ويلعبون أدواراً مختلفة في كل مرة حتى يتمكنوا من تجربة الموقف بطريقة جديدة وجديدة.

4. الإسقاط المستقبلي: تدور العديد من المشاهد حول القضايا والتجارب التي عاشها المشاركون بالفعل، مشهد الإسقاط المستقبلي هو المشهد الذي سيختبره المشارك قريباً أو سيختبره في المستقبل، يمنح هذا النهج المشاركين فرصة لإظهار كيف سيتصرفون عند حدوث الموقف.

5. لعب الأدوار: يصور العميل شخصاً أو كائناً يمثل مشكلة بالنسبة له.

6. المناجاة: يتحدث العميل عن أفكاره بصوت عالٍ من أجل بناء معرفة الذات.

7. مسرح التشغيل: تقوم المجموعة بشكل عفوي بتمثيل قصة حياة شخص معين أو تجربة حياته، يسمح المعالج للدراما أن تتكشف بطرق غير متوقعة، تسمح هذه العملية للمجموعة بفهم أن المواقف قد تكون مختلفة، لقد أوجدتنا التجارب السابقة التي مررنا بها لتصبح أفراداً كما نحن غالباً ما تنبع المشكلات والقضايا الحالية من أشياء حدثت أثناء الطفولة (Toni, Hoy, 2021).

أهمية العلاج بالسيكو دراما:

   تتعدد أهمية العلاج باستخدام السيكو دراما وبصفة خاصة للمرضى الذي يصعب الاتصال اللفظي معهم؛ إذ تقوم بتدريبهم على مواجهه مواقف واقعية يخافون مواجهتها، الأمر الذي يشعرهم بقدرتهم على فهم الآخرين ومشاركتهم ومتابعتهم ومن ثم يفيد ذلك في تنمية قدراتهم على التعبير عن دواتهم وتنميه ثقتهم بأنفسهم (زهران، 1997). ويبرز مورينوMoreno الهدف الأسمى لهذا النوع من العلاجات والذي يمكن في الاستبصار بالواقع إذ أن ممارسة المريض لبعض الأدوار تساعد على اكتشاف مشكلاته الشخصية وأخطأ أثناء تفاعله مع الآخرين ومن ثم يفيد ذلك في حل صراعاته وتخلصه من القلق والإحباط وذلك يتم من خلال مواقف تشبه مواقف الحياة الواقعية بما يؤدى إلى تحقيق التوافق والتفاعل الاجتماعي السليم والتعلم من الخبرة الجماعية (إبراهيم، 1994).

    وتظهر كيفية حدوث التفريغ الانفعالي في السيكو دراما من خلال التمثيل يتقمص الطفل لأدوار الكبار حيث أن الطفل الذي يعاقبه الكبار بالضرب  يعجز عن الرد على ذلك فإنه من خلال السيكو دراما يمارس الضرب والعقاب بنفس الطريقة التي كان يوجهها الكبار له وفي هذه الحالة تصبح السيكو دراما أداة تعويض يستثمرها الطفل لصالحة وذلك للقيام بما لا  يتمكن من  القيام به في الواقع حيث يخرج الكتب من داخله وينسب إحباطا ته إلى غيرة من أدوار المسرحية فيعمل ذلك على تحسين تكيفه مع نفسه ومع الآخرين، ولذا فإن السيكو دراما كعلاج جماعي ترتكز على شبكة العلاقات البين شخصية، إذ ينظر للفرد باعتباره عضواً في جماعه أو جزء من كيان أكبر وليس وحدة مستقلة، ولهذا يتم من خلالها علاج مجموعة من المرضى في وقت واحد، فالفرد لا يتحدث عن خبراته السابقة ولا يحكمها فتشعره بأنه سوف يتعامل مع الموقف بالطريقة التي يرغبها وليس بما تملية علية ظروف الواقع كما حدث من قبل (راجح، 1973) .

    وفي إطار ذلك التنفيس الانفعالي تهيئ السيكو دراما فرصة انفتاح المريض على زملائه وتعاطفه مع مشكلاتهم وخروجه من وحدته واتصاله الفعلي بالآخرين، وكذا تتيح له تركيزاً داخلياً نشطاً يؤدي إلى استكشاف وتجربة سلوكيات بديلة، وأيضاً تعطي السيكو دراما الفرصة لاستخدام الإسقاط كميكانزيم دفاعي له دور كبير في العملية العلاجية، فضلاً عن كونها غنية بالفنيات التي تلائم كافة المستويات التعليمية والثقافية وصلاحيتها لعلاج العديد من الاضطرابات، بالإضافة لانفرادها بعملية التهيئة وبذلك يمكن تمثيل الأدوار من خلال فنياتها بصورة صامته مجسدة للآخرين، وكذا تساهم في طرح العديد من الحلول الواقعية لمشكلات العملاء (سليمان، 1999).

تحذيرات:

    يرى (Goldman and Morrison, 1984) أن هناك العديد من التحذيرات فيما يتعلق باستخدام السيكو دراما والعديد من التقنيات الفردية، أولاً وقبل كل شيء، من المهم أن يكون لديك هدف لاستخدام تقنية معينة، لا تستخدم أسلوب بدون هدف مدروس، يمكن أن يكون خطيراً على بطل الرواية، قد تكون بعض التقنيات قوية جداً بالنسبة لفرد معين، وقد يكون بعضها مقصوراً على فئة معينة وبعضها مخيف جداً، من المهم أن تكون على دراية بالسهولة التي يمكن بها للفرد الانفتاح باستخدام هذه التقنيات، وكذلك الصعوبة والضرورة في تحقيق الخاتمة ويجب على المسرحي النفسي أن يحرص على عدم تقديم نهاية سعيدة خيالية للجلسة عندما تكون قاعدة الواقع غير موجودة، هناك مشاهد تتطلب حساسية شديدة في تنفيذها، نواجه يومياً مشكلات مثل الإجهاض والاغتصاب والتحرش الجنسي، من أجل تحقيق ما هو ضروري للبطل مع الحفاظ على سلامته، يجب علينا توخي الحذر وحسن التقدير.(Marcia, Karp)  

المراجع:

  1. إبراهيم، أسماء (1994). استخدم السيكو دراما لخفض الاضطرابات الانفعالية لدي الأطفال. رسالة دكتوراه، كلية البنات، جامعة عين شمس: مصر. (31)
  2. المحمدي، ايمن (1998). مدى فاعلية السيكو دراما والمسرح المدرسي في تعديل السلوك العدواني لدى الأطفال الصم بمرحلة التعليم الأساسي. رسالة ماجستير، معهد الدراسات والبحوث التربوية جامعة القاهرة. (9)
  3. قناوي، هدى (1988). الطفل تنشئته وحاجاته. ط2، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية. (37)
  4. سليمان، عبد الرحمن (1999). السيكو دراما مفهومها عناصرها استخدامها. مجلة كلية التربية، جامعة قطر، العدد (11). (206)
  5. زهران، حامد (1997). الصحة النفسية والعلاج النفسي، الطبعة الثالثة، القاهرة: عالم الكتب. (318-319-328)
  6. راجح، أحمد (1973). أصول علم النفس. ط9، القاهرة: المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر. (19-20)
  7. خضر، عبد الباسط (1990). دراسة فعالية أسلوبي اللعب الجماعي الموجه والسيكو دراما في علاج مخاوف الأطفال من المدرسة. مجلة كلية التربية جامعة الزقازيق، العدد (12). (213)

1- good, therapy (2016). https://www.goodtherapy.org/learn-about-therapy/types/psychodrama

2- Marcia, Karp. What is Psychodrama. https://www.fepto.com/about-fepto/what-is-psychodrama

3- Toni, Hoy, (2021). What Is Psychodrama Therapy and What Does It Help with?

https://www.regain.us/advice/therapist/what-is-psychodrama-therapy-and-what-does-it-help-with/

وسوم

عن الكاتب

هشام الشيخ

باحث في الإرشاد النفسي

اقرأ لـ هشام الشيخ

اقرأ ايضاً عن الإرشاد النفسي

اقرأ ايضاً عن علم النفس