التعاطف وخدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي

    انطلاقاً من أهمية التعاطف في مجال العلاج والدعم النفسي حيث تؤكد منظمة الأمم المتحـدة للتربيـة والعلـوم والثقافـة United Nations Educational، Scientific and Cultural Organization، (2015) أن انخفاض التعاطف الوجداني ينتج عنه العديد من الاضطرابات النفسية باعتبار الآلام لغة عالمية، وأفضل دواء للآلام هـو التعاطف، وأن نجاحنا في حياتنا الاجتماعية ونوعية علاقاتنا مع الآخرين يعتمد على مدى فهمنا للجوانب العاطفية للآخرين. (شحادة، 2015)

    سوف يتطرق المقال لبحث مفهوم التعاطف، علاقته ببعض المصطلحات، ودوره في العلاج والدعم النفسي، وكيف يمكن تقديمه؟ ودور الرعاية الذاتية في تعزيزه.

مفهوم التعاطف:

    يشتق التعاطف لغوياً حسب (الزمخشري،1984) من (عطف) يقال عطفت عليه عطفا وعطفه تعالى عليه عطا وفلان أهل أن يعطف عليه ويتعطف، وخير الناس العطاف عليهم، العطوف على صغيرهم وكبيرهم، أما عن تعريفه في علم النفس فإن المجال يموج بخلافات شديدة تزيد من صعوبة تعريف مفهوم التعاطف، ويتمركز جوهر عدم الاتفاق على التعريف حول ما إذا كانت العمليات المعرفية أم الخبرات الوجدانية هي التي تشكل أو تكون الاستجابات التعاطفية؟ بمعني هل الاستجابة التعاطفية دالة للعمليات المعرفية أم للخبرات الوجدانية؟ “وبالرغم من ذلك يتفق معظم علماء النفس على أن التعاطف يتضمن كلا العنصرين (العمليات المعرفية والخبرات الوجدانية)؛ فالتعاطف في هذا الصدد كما يرى (1989، Gallo) هو استجابة تتضمن أبعاداً معرفية وأبعاداً وجدانية في نفس الوقت، ويستخدم على الأقل بطريقتين؛ إما ليعني عملية معرفية تفضي إلى تفهم ما يشعر به الآخرون، أو ليعني التواصل الوجداني مع الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم سلوكياً (عبد الاحد، 2020).

    في حين عرّف روجرز (1951/1965) التعاطف بأنه القدرة على الإدراك الدقيق للأطر الداخلية للمرجعية للآخرين. يسلط تعريفه الضوء على التعاطف باعتباره عملية عاطفية ومعرفية. في هذا الصدد، كان حريصاً على التمييز بين الهوية والتعاطف، ورأى أن الأول يشير إلى فقدان الحدود التي تم تصورها على أنها عدوى عاطفية، كما استخدم روجرز (1959، 1975) وكوهوت (1971، 1977) المصطلح لوصف طريقة للتواجد مع الآخرين لتعزيز الشفاء في العلاج النفسي، استند هذا الاستخدام إلى معنى الكلمة التي أكدت على القدرة على فهم تجارب وأفكار ومشاعر الآخر، رأى العديد من المنظرين التعاطف كمهارة علاقة أساسية مطلوبة لفهم الآخرين حتى على المستوى الأساسي Watson، J. C. 2016)).

التعاطف وعلاقته ببعض المصطلحات الأخرى:

العطف والتعاطف مصطلحان يظهر أحيانا أنهما متداخلان، حيث يميز بينهما على النحو الآتي حسب (1986,Wispe):

  • يشير العطف إلى الوعي التام بمعاناة شخص آخر. ويمكن أن يظهر العطف من خلال الشعور بالشفقة وإن كان الشخص غير قادر على مساعدة الآخر، وقد يشير العطف إلى الرغبة في التخفيف والإلحاح في المساعدة من آلم الذات عندما تواجه المحن والمصائب.
  • تكون الذات في حالة التعاطف أداة لفهم الآخر.
  • ينصب العطف على الاتصال أكثر من الدقة في الاستدلال على أفكار الآخر ومشاعره.
  • ينشد المتعاطف في حالة التعاطف الوصول إلى الشخص الآخر، ليستبدل نفسه بالآخر. فالمتعاطف يعرف كيف يشعر لو كان هو الآخر، ويتصرف كما لو كان هو المستهدف بالتعاطف. وينشد من تعاطفه أن يفهم الآخر.
  • يستبدل العاطف في حالة العطف الآخر بنفسه؛ فالعاطف يعرف كيف لو كان الآخر هو، ويتصرف فكما لو أنه الشخص نفسه، وينشد من عطفه على الآخر إسعاده (شحادة، 2015).

التعاطف والتعاطف الذاتي:

    يشير التعاطف الذاتي حسب (Neff, 2003) هو الرحمة الموجهة إلى الداخل وكما يمكننا أن نعبر عن تعاطفنا مع معاناة الآخرين، يمكننا أن نعبر عن الرحمة تجاه الذات عندما نكون في معاناة، بغض النظر إذا كانت المعاناة نتيجة ظروف خارجية أو نتيجة اخفاقاتنا أو أخطاءنا وأوجه القصور الشخصية (العصافرة، 2018).

تعريف التعاطف sympathy:

    لغةً:

يشير مصطلح التعاطف في قاموس الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA, 2021) إلى:

  • مشاعر القلق أو الرحمة الناتجة عن إدراك معاناة أو حزن شخص آخر.
  • بشكل عام، القدرة على المشاركة والاستجابة لمشاعر أو مخاوف الآخرين انظر أيضاً.
  • تقارب بين الأفراد على أساس المشاعر المتشابهة أو الميول أو المزاج.

    وفقاً لقاموس Merriam-Webster، فإن التعاطف هو فعل الفهم، والإدراك، والحساسية، والتجربة المباشرة لمشاعر وأفكار وتجارب شخص آخر من الماضي أو الحاضر دون أن يكون لديك مشاعر وأفكار وتجارب، يتم توصيلها بشكل كامل بطريقة صريحة موضوعية (Joaquín، Selva, 2021).

   اصطلاحاً:

    التعاطف هو القدرة على معرفة مشاعر وأفكار الآخرين والارتباط بها، وغالباً ما يوصف التفكير التعاطفي على أنه الرغبة والقدرة على وضع نفسه في موقف شخص آخر، أو الشعور بمشاعر شخص آخر، أو إدراك أن شخصاً آخر قد يواجه مشاعر بنفس الطريقة التي يشعر بها المرء، إن التعاطف من جانب المعالج مع من يخضعون للعلاج هو أيضاً سمة مهمة للعلاقات العلاجية (good therapy, 2015.)

 بينما يعرف ديسيتي ويودر (2016) حسب أوراق علم الأعصاب التعاطف بأنه بنية متعددة الأوجه تُستخدم لحساب القدرة على مشاركة وفهم مشاعر الآخرين (شحادة، 2015).

    في حين يعرف العاسمي (2015) الدخول الكلي للفرد في مشاعر وأحاسيس الآخرين نتيجة لفهمـه لمـا يمرون به من خبرات فسيعد لسعادتهم ويتألم لألمهم (المرجع السابق نفسه).  

مكونات التعاطف ومستوياته:

    ويتكون التعاطف الوجداني حسب (Leonardo and Mall, 2009) من مكونات ثلاثة هي:

  1. المكون المعرفي: كيف نفهم ما يفكر به الآخرين (أي الحالة العقلية للآخرين).
  2. المكون الديناميكي: ما يتعلق بالروابط الاجتماعية مع بيولوجيا الأعصاب.
  3. المكون الوجداني: كيف نستجيب عاطفيا عنـد مواجهتنـا للوضـع الانفعـالي للـشخص الأخر.

     وللتعاطف الوجداني مستويان هما:

أفقي: تعاطفنا مع كل مشاعر الطرف الآخر الحزينة والمؤلمة والسعيدة أيـضاً، أي لا يشترط أن يكون التعاطف مع الجانب المؤلم والحزين فقط.

العمودي: يشمل مدى التعاطف مع الآخرين من الناحية الخارجية كنوع الساعة التـي يرتديها أو نوع ملابسه أو عطره، وكذلك النواحي الداخلية التي تتعلق بتفاصيل حياتـه الشخصية (شحادة، 2015).  

دور التعاطف في العلاج والدعم النفسي الاجتماعي:

    يعتبر التعاطف ضرورياً للعلاج لأنه لكي ينجح أي تكنيك علاجي، يجب على المعالج أن يجعل الشخص الخاضع للعلاج يشعر بأنه مفهوم للقيام بذلك، يجب ألا يفهم المعالج فقط ما يقوله الشخص في جلسة العلاج ولكن أيضاً فهم ما لا يقوله الشخص وإيصال هذا الفهم، يمكن للمعالجين المتعاطفين للغاية مساعدة الأشخاص في العلاج على مواجهة التجارب السابقة والحصول على فهم أكبر لكل من التجربة والمشاعر المحيطة بها.

يختلف التعاطف عن العطف، والذي يمكن أن يشير إلى الشفقة، كما أن التعبير عن التعاطف ليس عملية سلبية سيكون المعالج الجيد بشكل عام قادراً على الشعور بمشاعر شخص آخر من خلال التركيز والاستماع الفعال، لكن العملية تتطلب مشاركة مستمرة، نظراً لأنه يمكن التعبير عن التعاطف بعدة طرق، لا سيما في العلاج، فلا توجد طريقة “صحيحة” للمعالج لإظهار فهمه وقبوله لمن يخضعون للعلاج ((good therapy, 2015.

    وافترض باريت لينارد (1993) نموذجاً للتعاطف كعملية دورية نشطة تتميز بثلاث مراحل: الرنين التعاطفي، والتواصل التعاطفي، وإدراك أو تلقي التعاطف، في المرحلة الأولى، يتردد المعالجون في تجارب عملائهم باستخدام المعلومات من ردود أفعالهم الجسدية وخبراتهم الداخلية لفهم كيف يشعر عملاؤهم لحظة بلحظة وفهم أهمية ومعنى الأحداث بالنسبة لهم، في المرحلة الثانية، ينقل المعالجون فهمهم لعملائهم، وفي المرحلة الثالثة، يتعرف العملاء على تعاطف المعالجين ويتلقونه ليشعروا بالفهم، (Watson J. C. 2016).

لماذا التعاطف مهم؟

  1. يرى (Zuroff & Blatt, 2006) في حين أن التعاطف هو شرط تيسيري للعلاج، فهو أيضاً جزء مهم من التحالف العلاجي، يتضمن التحالف العلاجي اتفاقاً بين المعالج والعميل على أهداف العلاج، والتعاون في المهام المحددة التي يتعين تحقيقها، ومشاركة رابطة عاطفية.
  2. يسمح التعاطف للمعالج ببناء تحالف علاجي من خلال فهم منظور العميل وأهدافه، وفهم أسلوب شخصيته الفريدة وتفضيلاته، والتواصل معهم بطريقة مناسبة، كما أنه يسمح للمعالج بالاستجابة بطريقة تبني ثقة العميل وعدم الدفاع والاستعداد للإفصاح أثناء جزء العمل من العلاقة العلاجية.
  3. في حين أن التعاطف مهم خلال العلاج، إلا أنه ضروري في المراحل المبكرة من العلاقة العلاجية (هورفاث، 2001). من المحتمل أن يكون هذا بسبب أهمية الاتصال المبكر والعلاقة عند الكشف عن المشكلات الإشكالية أو الإصابة بتوعك حاد.
  4. التعاطف ليس مهماً فقط لمتلقي المساعدة، دعمت مراجعة منهجية حديثة العلاقة بين التعاطف العالي لدى أخصائيين الصحة العقلية (الممرضات والمهنيين الطبيين) وانخفاض الإرهاق المهني المبلغ عنه (ويلكينسون، ويتينغتون، بيري، وإيمز، 2017). هناك عدد أقل من الدراسات الحديثة التي تتناول التعاطف والإرهاق لدى علماء النفس، ومع ذلك أفادت دراسة لعلماء النفس والأخصائيين الاجتماعيين (العدد = 532) أن الرضا العالي عن التعاطف (التقييمات الإيجابية للعمل مع العملاء) كان مرتبطاً بمستويات أقل من إجهاد التعاطف والإرهاق. (Watson, J. C. 2016)

كيف نستخدم التعاطف؟   

    يمكننا تحديد خمسة أشكال من الاستجابة التعاطفية، والتي يقوم بها المعالج في أوقات مختلفة في عملهم مع العميل، وهي:

  1. الفهم: ويتضمن أن يحاول المعالج أن يأخذ أو يفهم وجهة نظر العميل وأن يوصل هذا الفهم.
  2. الاستحضار: ويتضمن المعالج الذي يساعد العميل على إظهار عواطفه ووضعه وتجربته بوضوح.
  3. الاستكشاف: وينطوي الاستكشاف على قيام المعالج بتسهيل العميل للنظر والتركيز على جوانب من حالتهم التي ربما كانت حتى الآن أقل استكشافاً ومراعاة.
  4. التخمين: حيث يقدم المعالج تحليلاً مبدئياً محتملاً لتجربة العميل.
  5. التفسير: ويتضمن معلومات جديدة للعميل بناءً على المعالج باستخدام وجهة نظره الخاصة حول ما اختبره العميل. (Watson, J. C. 2016)

دور الرعاية الذاتية في تعزيز التعاطف:

    في حين أنه من المهم التركيز على زيادة التعاطف مع العملاء، فمن الأهمية بمكان أن يبني المعالجون قدراتهم على التعاطف من خلال الانخراط في الرعاية الذاتية، تشير الدراسات إلى أن مناهج اليقظة الذهنية والممارسات الأخرى مثل التأمل والاسترخاء، يمكن أن يعزز التعاطف مع الذات والاهتمام بالآخرين، وهو أمر مهم لتقليل الإرهاق وتوليد المشاعر عند العمل مع العملاء الذين لا يدفعهم القلق الشخصي والضيق، بل التعاطف والرغبة في المساعدة، عندما يعرف المعالجون أنفسهم وعملائهم ويشعرون أن لديهم الموارد للتعمق في منظور الآخر، مع الحفاظ على منظورهم الخاص، يتم إطلاق العنان لقوة التعاطف).   (Watson, J. C. 2016)

المراجع:

شحادة، أنس (2015). التعاطف والنرجسية وعلاقتهما بالرضا المهني لدى عينة من المرشدين النفسيين في مدارس محافظة دمشق الرسمية. كلية التربية، قسم الإرشاد النفسي، جامعة دمشق: سورية. (324-22-322-326-322)

العصافرة، أيهاب (2018). التعاطف الذاتي وعلاقته بالاهتمام الاجتماعي لدى طلبة الجامعة الأردنية. مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، المجلد (27)، العدد (6). (480)

عبد الاحد، خلود (2020). الذكاء الثقافي وعلاقته بالتعاطف الوجداني لدى طلبة المرحلة الاعدادية واقرانهم النازحين (دراسة مقارنة). مجلة كلية التربية، جامعة المنصورة، العدد (111). (432)

Watson, J. C. (2016). The role of empathy in psychotherapy: Theory, research, and practice. In D. J. Cain, K. Keenan, & S. Rubin (Eds. ), Humanistic psychotherapies: Handbook of research and practice (p. 115–145). American Psychological Association. https://doi. org/10. 1037/14775-005

Empathy, (2015). https://www. goodtherapy. org/blog/psychpedia/empathy

The power of empathy, (2018). https://www. psychology. org. au/formembers/publications/inpsych/2018/October-Issue-4/The-power-of-empathy

APA, (2021). https://dictionary. apa. org/sympathy

Joaquin, Silva, (2021). Understanding Empathy: What is it and why is it Important in Counseling. https://positivepsychology. com/empathy

وسوم

عن الكاتب

هشام الشيخ

باحث في الإرشاد النفسي

اقرأ لـ هشام الشيخ

اقرأ ايضاً عن الصحة النفسية