دور المعلم في تعزيز الصحة النفسية للطلاب

المدرسة هي المنزل الثاني للطلاب يقضون فيها معظم وقتهم، إنهم لا يدرسون فحسب بل يمرون بالكثير من المشاعر والأحداث المتغيرة في حياتهم المدرسية، ويكوّنون صداقات ويكافحون وينجحون ويفشلون وبذلك يتطور رصيدهم العاطفي.

ولتحقيق النهج الجديد للتعليم الذي يدعم رفاهية الطالب وصحته النفسية، كان على المدارس إعادة التفكير في طرق عملها وفي دور المهنيين الذين يواجهون هذا الهدف الجديد مع الطلاب، وصحيح أن الدور الأهم للمعلمين هو في مجال التدريس، إلا أن عليهم في الوقت الحاضر استكشاف احتياجات طلابهم في المجالات الأخرى أيضاً.

ووفقاً لمور وآخرون. (2007) إحدى الخصائص التي تجعل دور المعلمين بالغ الأهمية هو أن لديهم اتصالاً يومياً مع طلابهم على عكس غيرهم من المهنيين، وعلاوة على ذلك فإن العلاقة بين الطلاب والمعلمين هي الأكثر وضوحاً ويمكن ملاحظتها على الفور، وتمنحهم هذه الحقيقة إمكانية تقديم وتلقي معلومات مباشرة حول الجوانب المختلفة للطلاب مثل رفاهيتهم وصحتهم النفسية. (Núñez Díaz.2020)

لذلك عندما نعيد التفكير في دور المدارس في الصحة النفسية للأطفال والشباب، من الضروري إعادة التفكير في الدور والنتائج والإمكانيات التي يقدمها المعلمون لدعم طلابهم فيما يتعلق بالقضايا الأكاديمية.

تقع على عاتق المعلم مسؤولية اكتشاف الطلاب الذين يعانون من مشاكل أو تحديات تتعلق بالصحة النفسية، وتعد ملاحظة الطلاب واحدة من أكثر المهارات أهمية التي يمكن للمعلم استخدامها عند اكتشاف مشكلات الصحة النفسية لدى الطلاب، وتعد ملاحظة العلاقات بين الطلاب ومراقبة السلوكيات الفردية مؤشراً رئيساً عند تحديد ما إذا كانت التغييرات تحدث بين المجموعات الاجتماعية أو في الحياة الشخصية للفرد، وتقع على عاتق المعلم أيضاً مسؤولية تشكيل بيئة إيجابية وآمنة ومرحبة للطلاب يشعرون فيها بالراحة الكافية ليثقوا في معلميهم وأقرانهم في أي تحديات قد يواجهونها، وإذا لم يكن لديهم نظام الدعم هذا في مجتمعهم المدرسي، فالأمر متروك للمعلم لملاحظة أي تغييرات مهمة في الحضور والمشاركة والعمل المدرسي والسلوك.

الأطفال والشباب الأصحاء نفسياً هم الذين لديهم القدرة على:

  • النمو النفسي والعاطفي والإبداعي والفكري والروحي.
    • إقامة علاقات شخصية سليمة وتطويرها والمحافظة عليها.
    • فهم الآخرين والتعاطف معهم.
    • اللعب والتعلم.
    • تنمية حس الصواب والخطأ.
    • حل المشاكل والأخطاء والتعلم منها.

وعلى الرغم من أن المعلمين غير قادرين في الغالب على تقديم تعريف واضح للاضطرابات النفسية والسلوكية، إلا أنهم يفهمون الأعراض والمؤشرات التي تدل على خلل في الصحة النفسية لطلابهم ومنها:

  • السلوك غير المناسب للعمر أو السلوك الذي يبدو غير مناسب اجتماعياً أو غريب.
  • السلوك الذي يتعارض مع تعلم التلميذ أو تعلم أقرانه كالصراخ المستمر في الفصل ورفض العمل والمضايقة المستمرة للأقران.
  • علامات الاضطراب العاطفي مثل البكاء غير المعتاد أو الانسحاب من المواقف الاجتماعية.
  • الصعوبات في تكوين علاقات إيجابية والحفاظ عليها كالعزلة عن الأقران، والعدوانية تجاه الأقران والبالغين.

ما هو دور المعلم في تنمية الصحة النفسية؟

أولاً: يجب على المعلمين تحديد أعراض الصحة النفسية المذكورة أعلاه وكذلك متابعة التقدم الدراسي لكل طالب.

ثانياً: إذا أظهر أي طالب علامة أو أي تغييراً غير طبيعي في السلوك فيمكن للمعلمين التحدث إلى الطفل شخصياً، لذا من الضروري للمعلمين بناء علاقة ثقة مع طلابهم كي يتمكنوا من الانفتاح عليهم ومشاركة ما يزعجهم.

بعد التحدث إلى الطفل يمكن للمعلم رفع المشكلة إلى مدير المدرسة والتحدث إلى الوالدين، أيضاً يمكن للمعلمين التواصل مع أولياء الأمور وتوعيتهم بحقيقة أن الألم العاطفي يشبه الألم الجسدي تماماً ولا بأس في اصطحاب الطفل إلى معالج نفسي إن اضطر إلى ذلك في بعض الحالات، ويمكن للمعلمين أيضاً اعتماد استراتيجيات تعليمية مبتكرة للطلاب المصابين بأمراض نفسية.

إنّ دور المعلم في تطوير الصحة النفسية مهم، ويمكن أن ينقذ الطفل من الوقوع فريسة لمخاوفه وهواجسه.

تدخلات التعلم الاجتماعي العاطفي

يُعرّف التعلم العاطفي الاجتماعي بأنه العملية التي يكتسب من خلالها الأطفال والبالغون المعرفة والمواقف والمهارات اللازمة لفهم المشاعر وإدارتها وتحديد الأهداف الإيجابية وتحقيقها والشعور وإظهار التعاطف مع الآخرين وإنشاء علاقات إيجابية والحفاظ عليها واتخاذ قرارات مسؤولة. (Kay et al., 2022)

مع ظهور مشاكل الصحة النفسية لدى الأطفال في سن المدرسة الابتدائية، يجب على المعلمين التأكد من أن لديهم جميع الأدوات التي يحتاجونها للمساعدة في دعم الطلاب وإنشاء استراتيجيات وقائية فعالة في قاعة الدراسة، وتتمثل إحدى الطرق في تنفيذ تدخلات التعلم الاجتماعي والعاطفي؛ إذ يقضي المعلمون معظم اليوم مع الطلاب ولهم تأثير كبير على صحتهم النفسية، ولدعم الصحة النفسية للطلاب من المهم تعليمهم ماهية الصحة النفسية والطرق المختلفة التي يمكنهم من خلالها تحسينها، يهدف هذا التعلم إلى تطوير المهارات المعرفية والعاطفية والسلوكية؛ كالوعي الذاتي والإدارة الذاتية والوعي الاجتماعي ومهارات بناء العلاقات واتخاذ القرارات المسؤولة، ويتمثل دور المعلم في إيجاد فرص التعلم على هذه المهارات للمساعدة في دعم الصحة النفسية للطلاب في قاعة الدراسة.

هل يمكن للمعلمين القيام بذلك بمفردهم؟

لا ليس من السهل على المعلمين فهم سيكولوجية كل طفل دون مساعدة ومشاركة نشطة من إدارة المدرسة، لأن دور المدرسة في تعزيز الصحة النفسية أمر حاسم مثل المعلمين وأولياء الأمور.

يجب على المدارس تنظيم ورش عمل تدريبية للمعلمين المعينين حديثاً؛ حيث يمكنهم دعوة علماء نفس الأطفال الذين يمكنهم شرح ما يحتاج المعلمون إلى معرفته حول الصحة النفسية، ويمكن للمدرسة أيضاً تدريب المعلمين جميعاً على مواضيع علم نفس الطفل وأنواع الاضطرابات النفسية عند الأطفال وكيفية ملاحظة أعراضها لتحديد تدابير الشفاء التي يجب اتخاذها، ولابد من تدريب المعلمين على التعامل مع الأطفال الذين يعانون من أي اضطراب مع عدم إهمال الأطفال الآخرين.

يجب أن تنظم المدارس عرضاً للأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة التي تتحدث عن الصحة النفسية وكيف يمكن للطلاب الخروج علناً لمناقشة الأمر بحرية.

يمكن للمدرسة أيضاً تعيين معالج نفسي مدرسي يمكنه مساعدة الطلاب على التعامل مع التوتر وتنمر الأقران وأي مشاكل أخرى يتعاملون معها، وبالطبع سيساعد هذا الطلاب في إزالة المخاوف المرتبطة بزيارة المعالج إذا كان في المدارس معالجون بدوام كامل يعملون في المدرسة نفسها.

علينا جميعاً أن نفهم أن المدارس ليست مجرد مراكز للتعليم وتقديم الامتحانات، وإنما هي مكان يتطور فيه الطفل ويبدأ في فهم الحياة لبناء مستقبل سعيد وصحي.

وفي دراسة استخدمت مجموعات التركيز من المعلمين لفهم أفضل لرغبات المعلمين واحتياجاتهم وآرائهم فيما يتعلق بالصحة النفسية في المدارس (Shelemy et al، 2019). كانت أهداف الدراسة هي:

  • فهم أفضل لما يريده المعلمون من التدريب والموارد في مجال الصحة النفسية.
  • استكشاف آرائهم حول الطرق المختلفة لتقديم التدخلات.
  • تحديد العوامل التي تساعد المعلمين والعوامل التي تعيقهم في تقديم دعم جيد للطلاب.

وخلصت الدراسة لما يلي:

أولاً: تحسين تدريب المعلمين

1. محتوى التدريب: تحديد ودعم بدلاً من تقديم العلاج

أعربت مجموعات التركيز عن قلقها من أنه من المتوقع أن يقوموا بدور المعالجين، مؤكدين أن أولويتهم يجب أن تظل تعليمية، ومع ذلك كانت هناك رغبة لديهم في التمكن من تحديد المؤشرات الدقيقة التي تدل على وجود مشكلات في الصحة النفسية حتى يتمكنوا من الاستجابة بطريقة لا تؤدي إلى تفاقم الأمور، وشعر عدد من المعلمين بعدم اليقين بشأن ما يجب عليهم قوله أو لا يجب عليهم قوله، وأرادوا توجيهات بشأن الأشياء المناسبة لقولها وفعلها لمنع تدهور الصحة النفسية للطلاب.

2. أسلوب التدريب: الحاجة إلى التدريب الذي له تطبيق واقعي

شعرت مجموعات التركيز أنه من المهم أن يرتبط أي تدريب بالسيناريوهات الصفية والتعليمية مع أمثلة ودراسات حالة تتعلق بدورهم اليومي في التدريس، وعبّر المعلمون عن الحاجة إلى استراتيجيات واضحة وعملية للفصل الدراسي يمكنهم استخدامها حسب الحاجة، بدلاً من معلومات عامة غير مجدية حول الصحة النفسية.

3. الحاجة إلى التدريب التشاركي النشط:

تم الاتفاق على أن أي تدريب يجب أن يستخدم مزيجاً من أساليب التدريس، ويجب أن يكون تفاعلياً ويشجع المناقشة ويتضمن تعليقات وآراء المعلمين، وكانت هناك ردود فعل متباينة حول الموارد عبر الإنترنت ولكن كان هناك اتفاق على أنها بحاجة إلى أن تكون مباشرة وموجهة بسبب ضيق الوقت، وبالإضافة إلى ذلك شعرت المجموعة أن التدريب على الصحة النفسية يجب أن يحظى باهتمام أكبر؛ بحيث يكون قائماً على الأدلة ويقدمه خبير مختص وأنه يجب أن يشكل جزءاً من التطوير المهني المستمر للمعلم.

ثانياً: التغييرات الخارجية

أكدت مجموعات التركيز على أن أي تدخل خارجي يجب أن يكون أوسع من مجرد ما فعلوه هم داخل الفصل الدراسي، كما اعتبرت تطوير التواصل مع خدمات الصحة النفسية للأطفال والشباب أمراً حيوياً، سواء من حيث تقديم المشورة أو في طرق الإحالة للطلاب الذين تم تحديدهم، كما أكد المعلمون أهمية دعم الوالدين وطلبوا النصيحة فيما يتعلق بذلك. (Symons,2019)

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن الصحة النفسية