المبادرة مقابل الشعور الذنب لدى الأطفال

المبادرة مقابل الشعور بالذنب هي المرحلة الثالثة من نظرية إريك إريكسون للتطور النفسي والاجتماعي. تحدث هذه المرحلة خلال سنوات ما قبل المدرسة بين سن 3 و5 سنوات؛ فخلال مرحلة المبادرة مقابل الشعور بالذنب يبدأ الأطفال في إثبات قوتهم وسيطرتهم على العالم من خلال اللعب والتفاعلات الاجتماعية الأخرى.

ماذا يحدث خلال هذه المرحلة؟

هذه السنوات مفعمة بالحيوية وسريعة التطور في حياة الطفل. ووفقاً لـ (Bee, 1992)فإنه “وقت النشاط والسلوكيات التي قد يراها الوالدان على أنها عدوانية”.

السمة الأساسية في هذه الفترة تتضمن تفاعل الطفل بانتظام مع الأطفال الآخرين في المدرسة، ويعد اللعب أمراً أساسياً في هذه المرحلة، حيث يتيح للأطفال استكشاف مهاراتهم الشخصية من خلال الأنشطة.

يبدأ الطفل في إثبات السيطرة والسلطة على بيئته من خلال تخطيط الأنشطة، وإنجاز المهام، ومواجهة التحديات. (Mcleod,2023)

فوائد المبادرة

الأطفال الذين يطورون المبادرة حريصون على تجربة أنشطة وتجارب جديدة دون خوف شديد من الفشل، إنهم يتعلمون ما يمكنهم وما لا يمكنهم السيطرة عليه، وعندما يرتكبون أخطاء فهم لا يشعرون بالذنب وإنما يتفهمون أنهم يحتاجون فقط إلى المحاولة مرة أخرى، ومن خلال تجربة الأشياء بمفردهم واستكشاف قدراتهم الخاصة، يمكنهم تنمية طموحاتهم.

كيف يطور الأطفال المبادرة؟

في هذه المرحلة يلعب اللعب والخيال دوراً مهماً، وإن إعطاء الحرية والتشجيع على اللعب يساعد الطفل على الشعور بالحماس تجاه ممارسة السيطرة على ما يفعله. (Cherry, 2023)

بالمبادرة قد يأتي الطفل بلعبة جديدة للعبها، وقد يكون الطفل هو من يقترح أن الوقت قد حان للعب أو لفعل شيء آخر، ويمكن لأعضاء مجموعة اللعب المتابعة أو الانسحاب، وقد يقاتل أعضاء مختلفون في مجموعة اللعب أيضاً من أجل المركز الأول.

هذه النزاعات والتفاعلات مفيدة لنمو الطفل؛ فهي تساعدهم على تنمية حس المبادرة، يمكن للأطفال أيضاً تجربة التخطيط وتنفيذ هذه الخطط والمساومة مع الآخرين. إذا كنت قد مررت بعمر ثلاث إلى خمس سنوات، فأنت تعلم أن هناك الكثير من الأسئلة التي طُرحت خلال هذه الأعمار، لكن هذه الأسئلة تساعد الطفل فقط على فهم كيفية تولي المسؤولية، ووضع الخطط، وجعل الأشياء تحدث عندما يريدون حدوثها. (Initiative vs Guilt: Psychosocial Stage 3)

ما هو الشعور الذنب؟

الشعور بالذنب هو الخوف من الفشل في إكمال المهمة بنجاح، أو الخوف من انزعاج الكبار والشعور بالحرج من محاولة القيام شيء ما. الأطفال الذين يعانون من الشعور بالذنب يفسرون الأخطاء على أنها علامة على الفشل الشخصي، ويشعرون بأنهم سيئون إلى حد ما، والطفل الذي يشعر بالذنب أكثر من المبادرة في هذه المرحلة يتعلم مقاومة تجربة الأشياء الجديدة خوفاً من الفشل.

كيف يتطور الشعور بالذنب؟

يتم تنمية الإحساس بالمبادرة إذا تم تشجيع الطفل على وضع الخطط أو تولي المسؤولية، فإذا تم إحباط الطفل أو إبعاده عن اللعب الجماعي، فقد يبدأ في تطوير الإحساس بالذنب، وإذا تم رفض أسئلة الطفل أو تركت دون إجابة فقد يبدأ في الشعور بالذنب لطرح هذه الأسئلة، وقد يندمون للتعبير عن رأيهم أو طلب الأشياء التي يريدون.

يمكن أن يكون للشعور بالذنب عواقب طويلة الأمد مثل عدم الثقة أو الشعور بالخزي، وإذا تعلم الطفل أن الأخذ بزمام المبادرة هو أمر يشعر بالذنب تجاهه، فسوف يفشل في وضع الخطط لنفسه أو تولي أدوار قيادية، وقد يختار بدلاً من ذلك الاعتماد على الوالدين أو على الآخرين عند اتخاذ القرارات المتعلقة بحياته، وهذا له عواقب في مراحل لاحقة من التطور النفسي والاجتماعي، حيث يجب على الشخص أن يقرر من يكون وكيف يريد أن يعيش حياته.

قد يجد الآباء أنه ليس من السهل دائماً تشجيع الاستكشاف لدى الأطفال، ومن المرجح جداً أن يرتكب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3-5 سنوات أخطاء وقد يختارون اللعب مع الأصدقاء الخطأ أو الانغماس في أنشطة لا يعتقد الوالدان أنها مناسبة لهم، ولكن عندما يحاول أحد الوالدين التحكم في طفله، فقد يبدأ الطفل في الشعور بالذنب لأنه تحرر من هذه السيطرة. (Initiative vs Guilt: Psychosocial Stage 3)

النجاح والفشل في هذه المرحلة

يعتمد النجاح في هذه المرحلة على توازن صحي بين المبادرة والشعور بالذنب، ففي هذه المرحلة يبدأ الأطفال في تخطيط الأنشطة وتكوين الألعاب وبدء الأنشطة مع الآخرين، وإذا أتيح لهم ذلك، فإن الأطفال يطورون إحساساً بالمبادرة، ويشعرون بالأمان في قدرتهم على قيادة الآخرين واتخاذ القرارات.

وعلى العكس من ذلك إذا تم سحق هذا الميل، إما من خلال النقد أو المنع، فإن الأطفال يطورون إحساساً بالذنب.

عندما يخنق مقدمو الرعاية الجهود للانخراط في اللعب الجسدي والتخيلي، يبدأ الأطفال في الشعور بأن جهودهم الذاتية هي مصدر إحراج. (Cherry, 2023)

كيف نبني المبادرة

يحتاج الأطفال إلى البدء في إثبات السيطرة والسلطة على البيئة من خلال الأخذ بزمام المبادرة؛ كتخطيط الأنشطة وإنجاز المهام ومواجهة التحديات، وخلال هذه المرحلة، من المهم لمقدمي الرعاية تشجيع الاستكشاف ومساعدة الأطفال على اتخاذ الخيارات المناسبة.

قد يتسبب مقدمو الرعاية الذين يثبطون عزيمتهم، أو يرفضون الأطفال، في الشعور بالخجل من أنفسهم، ويصبحون معتمدين بشكل مفرط على مساعدة الآخرين.

قد تكون هذه المرحلة محبطة للآباء ومقدمي الرعاية في بعض الأحيان، حين يبدأ الأطفال في ممارسة كثير من السيطرة على الأصدقاء الذين يلعبون معهم، والأنشطة التي يشاركون فيها، والطريقة التي يتعاملون بها مع المهام المختلفة. وقد يرغب الآباء في توجيه الأطفال نحو خيارات معينة، ولكن قد يقاوم الأطفال ويصرون على اتخاذ خياراتهم بأنفسهم.

على الرغم من أن هذا قد يؤدي إلى الصراع في بعض الأحيان، فمن المهم إعطاء الأطفال فرصة لاتخاذ خياراتهم بأنفسهم، وبالطبع يجب على الآباء الاستمرار في فرض حدود آمنة وتشجيع الأطفال على اتخاذ خيارات جيدة من خلال استخدام القدوة والتعزيز.

كيفية الحد من الشعور بالذنب

للمساعدة في الحد من الشعور بالذنب، يمكن لمقدمي الرعاية تشجيع الأطفال على رؤية أخطائهم كفرص للتعلم، ومن المهم جداً أن يتجنب الآباء والمعلمون النقد المفرط والسخرية والتجاهل في هذه المرحلة، ومن المهم أيضاً تشجيع الأطفال على الاستمرار في المحاولة من خلال التمرين والمثابرة.

خاتمة

مرحلة المبادرة مقابل الشعور بالذنب هي مرحلة أساسية في نمو الأطفال، حيث يتعلمون الاستكشاف والمجازفة، مع تطوير شعورهم بالاستقلالية والسيطرة على حياتهم.

خلال هذه المرحلة يُعدّ الكبار القوة الدافعة للأطفال نحو الأخذ بزمام المبادرة وفي تعزيز بيئة داعمة تشجع على الثقة بالنفس.

يمكن أن يؤدي النقد أو العقاب المفرط إلى الشعور بالذنب والذي بدوره يمكن أن يعيق النمو الشخصي.

وبالتالي، يجب على البالغين أن يسعوا جاهدين لتوفير بيئة حاضنة وداعمة تشجع على المبادرة والثقة بالنفس، وتضع الأساس للنجاح في المستقبل.

المراجع:

https://www.verywellmind.com/initiative-versus-guilt-2795737#citation-1

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن الصحة النفسية