الروحانية وممارسات العلاج والدعم النفسي الاجتماعي

الروحانية وممارسات العلاج والدعم النفسي الاجتماعي

    إنّ المعتقدات الدينية والروحانية تأخذ جانباً مهماً في سياق التعامل مع المحن والقدرة على فهم الوقائع وإعطاء معنى لها في المجتمع السوري وخاصة بعد الثورة السورية والمنعطفات التي مر بها والتحديات والمعاناة التي تعرض لها الأفراد، وتؤكد الدراسات التي تناولت الروحانية في العلاجات النفسية أهميتها ودورها في الوصول لحالة التعافي والوقاية من الاضطرابات حيث تعمل على تشكيل المرونة النفسية.

     فقد أظهرت نتائج الدراسة التي أجراها (داستن إيه بارديني، ماجستير في جامعة ألاباما، وتوماس ج. بلانت، دكتوراه، من جامعة سانتا كلارا)، أنّ الإيمان الديني العالي والروحانية مرتبطان بزيادة التأقلم، ومرونة أكبر للتوتر، وتوجه حياة متفائل، ودعم اجتماعي أكبر، ومستويات أقل من القلق، وهذه النتائج مماثلة للدراسات السابقة التي تظهر أنّ الأشخاص الذين يتعافون من تعاطي المخدرات يميلون إلى إيلاء أهمية كبيرة للصلاة والإيمان بالله وإحساس قوي بالإيمان، وجدت الدراسة الحالية أنّ الأفراد المتعافين يميلون إلى الإبلاغ عن مستويات عالية من الإيمان والانتماء الديني (APA,2000).

    ونظراً لأهمية الجانب الروحي والديني في المجتمع السوري ودوره في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي فإنّ هذا المقال سوف يعطي نظرة عامة عن الروحانية والدراسات حول ذلك وارتباطها بالعلاجات النفسية.

ماهي الروحانيات:

    الروحانية مفهوم واسع يتسع للعديد من وجهات النظر، يتضمن إحساساً بالارتباط بشيء أكبر من أنفسنا، وعادةً ما يتضمن البحث عن معنى في الحياة، على هذا النحو، أنّها تجربة إنسانية عالمية، شيء يمسنا جميعاً، قد يصف الناس تجربة روحية بأنّها مقدسة أو متعالية أو ببساطة إحساس عميق بالحيوية والترابط، قد يجد البعض أنّ حياتهم الروحية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بارتباطهم بكنيسة أو معبد أو مسجد أو كنيس، قد يصلي الآخرون أو يجدوا الراحة في علاقة شخصية مع الله أو مع قوة أعلى (Louise, Delagran).

تعريف الروحانية:

     تؤكد كريستينا بوشالسكي، مديرة معهد جورج واشنطن للروحانية والصحة، أنّ الروحانية هي: الجانب الإنساني الذي يشير إلى الطريقة التي يبحث بها الأفراد عن المعنى والغرض، ويعبرون عنها والطريقة التي يختبرون بها ارتباطهم باللحظة وبالذات، وللآخرين وللطبيعة وللأهمية أو القداسة (Louise Delagran).

    ولقد عرفت جمعية القيم الروحية والدينية والأخلاقية للإرشاد الروحانية بأنّها: قدرة فطرية وفريدة من نوعها لدى جميع الأشخاص، تميل إلى دفع الأشخاص نحو المعرفة، والمحبة، والسلام، والرقي، والترابط (وحدة الدعم النفسي، ص3).

المرونة والروحانية:

    هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي ربطت الروحانية بمتغيرات من ضمنها المرونة النفسية والتعلم وإعادة تقييم المواقف ومنهم من ربطها بالمعنى واكتساب الأفكار وترتيب الأولويات وطرق تقبل أو مواجهة الصدمات وكانت هذه الدراسات على عينات مشابه للمجتمع شمال سوريا (التهجير واللجوء).

    يمكن للفرد أنّ يعتمد على المعتقدات والتعاليم الدينية كوسيلة للتعرف على المقدس، وعندما ينشأ شعور بالقداسة ويترسخ في الهوية، يدخل الأفراد مرحلة من الحفظ المقدس لتكوين عقد قدسية Pargament, 2007) ).

    أفاد نيف (2003) أنّ الفلسفة البوذية لديها مفهوم بديل للفرد الذي يحقق موقفاً وظيفياً تجاه نفسه، يتضمن “التعاطف مع الذات” أنّ تكون مميزاً ولطيفاً تجاه الذات في مواجهة الصعوبات أو عدم الملاءمة المتصورة، يتكون نظام الشفاء (التبتي) من الروحانية البوذية باعتبارها واحدة من أهم القدرات للتعامل مع الإجهاد وتستلزم الاعتراف بأنّ المعاناة وأوجه القصور هي جزء من الحالة الإنسانية (. (Rude et al, 2007

    كما أفاد (أوفرلاند وأند ين، 2005) أيضاً في عملهما حول لاجئي الخمير في النرويج أنّ المعتقدات الدينية والروحية لعبت دوراً في بناء المرونة بينهم.

    ويؤكد (تاراكيشوار وآخرون، 2003)، أثناء العمل مع اللاجئين السودانيين أنّ الروحانية والإيمان الديني هما أحد الموارد التي تعزز المرونة وتسمح لهم بالتعامل مع ضغوط الهجرة.

    حيث تم العثور على الدين والروحانية والممارسات ذات الصلة على أنّها موارد مهمة للتعامل مع الحياة اليومية والصدمات (براغامينت وآخرون، 2000).

    في حين أظهر (برون وآخرون، 2002) أثناء عمله مع اللاجئين في ألمانيا والسويد، أنّ أولئك الذين لديهم أقوى المعتقدات الدينية تعاملوا بشكل أفضل مع صدماتهم وحياتهم الجديدة.

     كما يمكن إعادة صياغة الأحداث المجهدة كفرص روحية تقدم فوائد التقييم والتعامل، أو إعادة التقييم (1997. (Park & Folkman,  

    ويمكن أنّ تعمل الروحانيات والدين على مستوى المعنى (Pargament, 2001)، أو تعلم الدروس ((Ersek & Ferrell, 1994، واكتساب الأفكار (Pryds et al, 2000)، أو فرصة لإعادة ترتيب الأولويات (2000 (Angen,، (. (Kashyap & Sharma, 2014                                                        

الروحانية والدور العلاجي:

    يوضح قائلاً (ويليام هاثاواي) دكتوراه من جامعة ريجنت في فيرجينيا: مجرد الحساسية لدور محتمل للدين في حياة العميل يمكن أنّ يوسع نطاق تقييمك ويقدم حلولاً مختلفة.

    أنّ القدرة على مساعدة شخص ما على التواصل مع متغير الروحانية في حياته يمكن أنّ يكون مكانا علاجياً مفيداً وهاماً، هذا الوعي المتزايد بالروحانية، أو حتى اتخاذ خطوة أخرى إلى الأمام من خلال الدمج المباشر للدين والروحانية -مفاهيم مختلفة ولكن ليست حصرية -في الممارسات العلاجية، أمر شائع لدى بعض علماء النفس، علاوة على ذلك، يؤدي التوسع في استخدامه إلى أبحاث الفعالية والتدريب المحدد وحتى التخصص الضمني (Karen، kersting, 2003).

    تقول هاثاواي: أنّ استخدام الدين كأداة علاجية أمر مثير للجدل قليلاً ولا يزال ناشئاً، تشمل الأساليب استخدام الصلاة أثناء الجلسة، وطرق توجيه العملاء للصلاة، واليوميات الروحية، والتسامح، واستخدام النصوص التوراتية لتعزيز العادات العقلية والعاطفية الصحية، والعمل على تغيير صور الله العقابية، أثناء التقييم، أسأل عن الخلفيات الدينية والروحية، واسأل العميل عما إذا كان يصلي وما إذا كان ذلك مفيداً أم لا، وإذا كان لديهم إيمان بإله شخصي، أسألهم عما يعتقدون أنّ الله يريده منهم الآن، وهذا يقودهم إلى الحديث عن تجربتهم مع الله، يقول دوهرينغ :أنّه مجموع تلك المحادثة التي تساعدني على فهم تأثير الدين على حياتهم.

    مع العملاء الدينيين أو الروحيين، فأنّ هذه الحساسية والاستعداد للتفاعل بطريقة دينية تساعدهم على الوثوق بالمعالج، كما يقول دوهرينغ: يمكن أنّه يجلب جانباً جميلاً من التجربة الإنسانية إلى غرفة العلاج.

    يسبب الاكتئاب والعزلة والشعور بالوحدة أكثر المعاناة في ثقافتنا لأنّها تحفز السلوكيات التي تؤدي إلى أمراضنا الأكثر فتكاً، كما قال خبير صحة القلب ونمط الحياة (دين أورنيش)، مدير معهد أبحاث الطب الوقائي غير الربحي في سوساليتو، كاليفورنيا، قال أورنيش: هناك الكثير من الطرق لتجاوز وقتل الألم، الجسدي والعاطفي” تسأل الناس” لماذا تدخن؟ وتمارس العمل الشاق؟ تعاطي المخدرات؟ شرب الكحول؟ مشاهدة التلفزيون؟ يقولون) ليقضي اليوم (بالنسبة لكثير من الناس، فأنّ قضاء اليوم أكثر أهمية من صحتهم، وقال أنّ سلوكهم غير الصحي في النهاية يتسبب في إصابتهم بمزيد من الأمراض ويموتون في سن أصغر من نظرائهم الأكثر سعادة والأكثر ارتباطاً اجتماعياً، ويعتقد أورنيش أنّ هذا ليس هو الحال بالضرورة، إذا تعلم الناس طرقاً لتخفيف الوحدة والاكتئاب، وقال أنّهم يستطيعون فعل ذلك بالانتقال من) أنّا) المرض إلى (نحن) العافية من خلال العلاقة الحميمة مع الآخرين والنمو الروحي t، (Bridget، murray, 2002).

لماذا تنتج العلاقة الحميمة والروحانية مثل هذه الفوائد الصحية القوية؟ 

    يعتقد أورنيش أنّها تساعد في إسقاط الدفاعات العاطفية التي تعزز الاكتئاب والعزلة التي تقوض الصحة، وأشار إلى أنّ المفارقة هي أنّ الشيء الذي نقوم به والذي نشعر بأنّه وقائي قد يكون هو نفس الشيء الذي يجعلنا نمرض ونموت مبكراً، كثير من الناس ليس لديهم مكان يشعرون فيه بالأمان الكافي ليثقوا به، مجموعة الدعم يخلق مجتمعاً حيث يبدؤون في رؤية مدى شعورهم بالرضا عن القيام بذلك -للتحدث عما يحدث بالفعل في حياتهم.

    إلى جانب الدعم الاجتماعي، يساعد التأمل أيضاً المرضى على إدارة التوتر والتعاسة وتنمية معنوياتهم، كما قال أورنيش، كما أشار متحدث آخر -خبير صحة العقل والجسم بجامعة هارفارد، (هربرت بنسيون) في الجلسة نفسها، يشعر الناس أنّ التأمل غير مهم، وأنّهم يضيعون الوقت إذا لم يستخدموه كل دقيقة.

    قال أورنيش، في الحقيقة، يزيد التأمل من استخدامنا للوقت، لأنّه يوضح لنا كيف يكون الشعور بالسلام، عندما يهدأ العقل والجسد، يمكنك سماع صوتك الداخلي، أنّه بعيد بما يكفي في التجربة المباشرة، ليس هناك تحول فقط بل تجاوز، على مستوى ما أنّت وأنّا أنّا، ولكن على مستوى آخر، نحن جميعاً جزء من شيء أكبر يربطنا، عندما نستطيع رؤية (أنّا) و (نحن) تلك الرؤية المزدوجة، ثم أعتقد أنّه يمكننا الشفاء، وغالباً ما يتم علاجنا أيضاً. (Bridget, murray, 2002)

التنشئة الاجتماعية والروحانية:

    ربطت عدة أبحاث ودراسات مواضيع التنشئة الاجتماعية والثقافات الاجتماعية بموضوع الروحية لأهمية الترابط باعتبار أنّ الأنسان يعيش ضمن الجماعة والتأثير متبادل ويضاف إلى ذلك تأثير الابوين في الروحانية وتنميتها أو تعزيزها وهذا يعتبر من الجوانب المهمة نظراً لوجود تأثير للطقوس وثقافة المعتقدات في المجتمع السوري ولا سيما بعد الثورة وتداخل الأيديولوجيات وتأثيرها بشكل مباشر أو غير مباشر على المعتقدات التي كانت سائدة ما قبل الثورة وخاصة لفئة المراهقين.

    بالنظر إلى ثلاثة أجيال، وجد الباحثون أنّ للأمهات تأثير إيجابي دائماً على الحياة الدينية لأطفالهن لأنّهم مرتبطون اجتماعياً لنقل القيم والمعتقدات والممارسات النقدية عبر الأجيال، ولأنّهم يتبنون معايير الأنّوثة التي تعزز مثل هذه الأدوار، بالإضافة إلى ذلك، يلعب الأجداد – وخاصة الجدات – دوراً مهماً في التنشئة الاجتماعية الدينية للأحفاد في العائلات الأمريكية الأفريقية، وفقاً لهذا البحث، كما يرتبط حضور الخدمات الدينية مع أحد الوالدين أو الوالدين في مرحلة الطفولة المتأخرة برفاهية نفسية أكبر مع تقدم الأطفال في العمر، وفقاً لهذه الدراسة، التي نظرت في بيانات (5739) شاباً فوق (15) عاماً، كتب المؤلف: على الرغم من أنّ حضور الخدمات مع الوالدين قد لا يعكس المعتقدات الدينية للشباب (حيث قد لا يكون لديهم خيار الحضور)، فقد يساعد ذلك في زيادة شعور المراهقين بالارتباط بكل من والديهم والمجتمع الديني الأكبر (Karen, Cresting, 2003).

العلاقة بين الدين والروحانية:

في حين أنّ الروحانية قد تتضمن عناصر من الدين، فأنّها عموماً مفهوم أوسع من الدين، فالدين والروحانية ليسا الشيء نفسه، ولا يختلفان تماماً عن بعضهما البعض، أفضل طريقة لفهم هذا هو التفكير في دائرتين متداخلتين مثل هذا:

يشير هذا السهم إلى منطقة التداخل والتي تتضمن التجربة الفردية وتأثيرها على طريقة التفكير والشعور.

  • في الروحانية، الأسئلة هي: أين أجد شخصياً المعنى والاتصال والقيمة؟
  • في الدين، الأسئلة هي: ما هو الحق والصحيح؟

حيث تتداخل الدوائر هي التجربة الفردية، والتي تؤثر على طريقة تفكيرك وشعورك وتصرفك (Louise، Delagran).

ختاماً:

    أوضحت عدة أبحاث ودراسات على دور الروحانية في العلاجات النفسية إضافة الى دورها الوقائي منذ مرحلة الطفولة واهمية التنشئة الاجتماعية في ذلك، وأيضاً لا يزال موضوع الروحانية بحاجة الى عدة دراسات وابحاث تعمل على كيفية آلية دمج الروحانية في العلاج والدعم النفسي الاجتماعي واهمية إعطاء هذا الجانب اعتبار في فهم شكايات الافراد وتعبير هم عن انفسهم، لذلك نحن بحاجة الى الاهتمام بهذا الجانب، ولا سيما أنّ ثقافتنا والادوار الاجتماعية تأخذ الروحانية بعين الاعتبار، إضافة نحن بحاجة لدمج هذا المفهوم في برامج التوعية والثقيف العام وأهمية ربط  مفاهيم الصحة النفسية برجال الدين أو المؤسسات الي تعنى بالروحانية لما لذلك من أهمية في فهم معاناة وألم الافراد وبالتالي المساعدة في التوجيه الصحيح لهم. 

المراجع:

وحدة الدعم النفسي، منظمة أرض – العون القانوني، تضمين البعد الروحي في منهجيات الدعم والعلاج النفسي، عمان، الأردن. https://www.ardd-jo.org/

APA, Religious Faith and Spirituality May Help People Recover from Substance Abuse, 2000.

Https://Www.Apa.Org/News/Press/Releases/2000/08/Faith#

Louise Delagran, What Is Spirituality? Ma,

Https://Www.Takingcharge.Csh.Umn.Edu/What-Spirituality

Ma, Louise Delagran, Develop Your Spiritual Resources. Https://Www.Takingcharge.Csh.Umn.Edu/Develop-Your-Spiritual-Resources

By Karen Cresting, Religion and Spirituality in the Treatment Room, 2003.

Https://Www.Apa.Org/Monitor/Dec03/Religion

By Bridget Murray, Getting to The Essential ‘We’ In Wellness, 2002.

Https://Www.Apa.Org/Monitor/Nov02/Wellness

Amy R. Krentzman, Seven Spiritual Needs

Https://Www.Takingcharge.Csh.Umn.Edu/Enhance-Your-Wellbeing/Purpose/Spirituality/Seven-Spiritual-Needs

Vipasha Kashyap, Sunil Kumar Sharma, Role of Spirituality and Resilience Among the Tibetan Refugees in Exile (India), 2014.

 Available Online at www.Ror. Isrj.Net

وسوم

عن الكاتب

هشام الشيخ

باحث في الإرشاد النفسي

اقرأ لـ هشام الشيخ

اقرأ ايضاً عن الصحة النفسية