الصدمة النفسية الناتجة عن الكوارث الطبيعية وآثارها على الأطفال
عمار مطر
مارس 23, 2023
7 دقائق
عمار مطر
مارس 23, 2023
7 دقائق
يتعرض الأطفال لأحداث حياتية صعبة وصادمة قد تسبب لهم ضغوطاً نفسيةً، وتؤثر في توافقهم النّفسي، وتؤدي إلى سوء تكيفهم؛ مما ينعكس على تحصيلهم الدّراسي، وسلوكهم الاجتماعي، وعلاقاتهم مع الآخرين، حيث توجد فروق فردية بين الأطفال في مدى تأثرهم بالصّدمة النّفسية، فبعض الأطفال لا يستطيعون تجاوزها، ويتعرضون لاضطرابات نفسية مختلفة. وثمة أطفال يستخدمون أساليب التّوافق كالدّعم الاجتماعي والأسري، وحل المشكلة كأساليب للتوافق؛ في حين يستخدم آخرون أسلوب الابتعاد عن الموقف وتجاهله، وعلى ذلك نجد أن الأطفال الذين يملكون مرونة وفاعلية في استخدام أساليب التّوافق أكثر قدرة على التّعامل مع الضّغط النّفسي. (عباس، 2016، ص.9). وتعدّ الأحداث والكوارث الطّبيعية من الأسباب المحتملة والكبيرة لحدوث الصّدمات النّفسية لدى الأطفال، وخاصة في حال سببت الجروح النّفسية أو الفقد لأحد الأقارب أو الأحبة لدى الأطفال، وتسبب الكوارث الطّبيعية سنوياً خسائر وأضرار كبيرة على الصعيدين المادي والبشري، فينشأ عنها العديد من المشكلات الاقتصادية والصّحية والاجتماعية في الكثير من الدّول الغنية والفقيرة على السّواء، إلا أن تأثيراتها تكون أكثر قسوة وتدميراً بالنّسبة للدول الفقيرة التي تكون إمكاناتها المادية والتّقنية والتّخطيطية محدودة وضعيفة. (النصر، 1995، ص.ص.4). حيث يعدّ الأطفال من الفئات الأشد تضرراً في مثل هذه الكوارث، كما حدث في زلزال سوريا وتركيا، فقد أصيب آلاف الأطفال نتيجة الزلزال وهم معرضون لحدوث أزمات وصدمات نفسية نتيجة هذه الكارثة الطّبيعية (اليونيسف، 2023، فقرة).
ونعني بها مجموعة التّظاهرات والاضطرابات ما بعد الصّدمية أو النّفسية التي تنتج على مستوى الجانب النّفسي بعد التّعرض لحادث مولد للصدمة، والحادث المولد للصدمة هو حادث عنيف أو مفاجئ يهدد الطّفل في سلامته الجسدية أو النّفسية. (الشادلي، 2017، ص.42).
كما تعرف الصّدمة النّفسية لدى الأطفال كما حددها تير terr بأنها النّتيجة العقلية للطمة مفاجئة أي حدث منفرد غير متوقع، أو سلسلة من الأحداث المتكررة التي تعود بالطّفل إلى عجز مؤقت وابتعاد عن ميكانيزمات المواجهة العادية. (ابتسام، 2017، ص.25).
أولاً: تعريف الكارثة: اضطراب خطر في الحياة العادية يمكن أن يكون مفاجئاً وغير متوقع وواسع التّأثير، على الحياة الإنسانية مثل فقدان الأرواح والمعاناة والتّأثير السّلبي على الصّحة. (مشروع دعم بناء القدرات الوطنية للتقليل من الخطر الزلزالي لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، 2009، ص.12).
أ- الكوارث التي من صنع الإنسان وهي الكوارث التي يكون الإنسان سبباً في حدوثها وتشمل انهيار المباني بسبب الإنسان، عمليات الشّغب، الحرائق، الحوادث الكيماوية، حوادث الطّرق الكبرى الإرهاب، الحروب، تلوث البيئة الأوبئة وغيرها الكثير.
ب- الكوارث الطّبيعية وهي الكوارث التي لا يكون الإنسان سبب في حدوثها وتشمل الكوارث الطّبيعية والزلازل والبّراكين والفيضانات والسّيول والعواصف والأمطار الغزيرة والانزلاقات الأرضية والجفاف والتّصحر وغيرها. (مشروع دعم بناء القدرات الوطنية للتقليل من الخطر الزلزالي لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، 2009، ص.13).
يشير يرزانو Ursano كما جاء في عبد الخالق (1998) إلى أن الأحداث الصّدمية أحداث خطيرة، ومربكة ومفاجئة تتسم بقوتها الشّديدة أو المتطرفة، وتسبب الخوف والقلق والانسحاب والتّجنب. والأحداث الصّدمية، كذلك ذات شدة مرتفعة، وغير متوقعة وغير متكررة، وتختلف في دوامها من حادة إلى مزمنة ويمكن أن تؤثر في شخص بمفرده كحادث سيارة، أو جريمة من جرائم العنف، وقد تؤثر في المجتمع كله كما هو الحال في الزّلازل أو الأعاصير (عباس،2016، ص.11).
يمكن لكثير من العوامل أن تؤثر في قوة الاضطرابات النّاتجة عن الصّدمة النّفسية: من هذه العوامل سن المصاب وخبراته السّابقة التي تلعب دوراً أيضاً، لكن بشكل خاص تكون ظروف الحياة بعد حادث الصّدمة مهمةً أيضاً، فيما إذا وجد مثلاً الدّعم من الأقرباء والمحيط الآمن. فيمكن مثلاً أن يؤثر سلبياً انعدام المساعدة له من الآخرين بشكل كلي أو عدم اعتراف محيطه بأحاسيسه ومرضه. ويمكن أن يحدث تطور للاضطراب المجهد بعد الصّدمة النّفسية PTBSالذي هو نوع خاص من الاضطراب النّاتج عن الصّدمة النّفسية. (رمضان، 2017، ص. 9).
أولاً: تبلد المشاعر، وفيها تتبلد مشاعر الإنسان، لثوان أو دقائق وربما ساعات، لا يتفاعل مطلقاً عند إخباره بالخبر الصّادم.
ثانياً: مرحلة الإنكار وتعدّ مرحلة الصّدمة حيث يتفاعل فيها الفرد بطريقة مختلفة كل حسب طريقته كالغضب أو البكاء، ومرحلة الإنكار هي إنكار حدوث الواقعة أو الحدث الصّدمي ورفض قاطع للتصديق.
ثالثاً: مرحلة الاحتجاج، وتعدّ مرحلة الأسئلة مثل لماذا أنا؟ ماذا فعلت حتى استحق كل هذا؟ وغيرها من الأسئلة.
رابعاً: مرحلة الكآبة، وهناك نوعان من الاكتئاب يظهران في فترة الحداد والألم، الاكتئاب الأول هو رد الفعل العملي لما مررنا به من فقدان لشخص نحبه أو غير ذلك، فالحزن والنّدم يصاحبان هذا النّوع من الاكتئاب ويسيطران عليه. وأما النّوع الثاني من الاكتئاب فهو أرق وأخف نوعاً ما من النّوع الأول، وربما غير واضح بشكل عام ولكنه يكتنفنا داخلياً، إنها مراحل الصّدمة التي نعد نفسنا فيها لأن ننفصل وأن نودع الأشخاص الذين نحبهم وفي بعض الأوقات كل ما سنريده هو حضن نهائي قبل الفقدان. (ابتسام،2017، ص.29-30).
خامساً: مرحلة التّقبل، والوصول لتلك المرحلة هو نعمة لا يحصدها الكل فالموت ربما يكون فجائياً وغير متوقع وليس بالضرورة علامة على الشّجاعة أن تقاوم التّقبل وأن نشعر أنه لا بد أن نحزن أكثر وأكثر، وهذه المرحلة تتميز بالهدوء والانسحاب وهي ليست مرحلة سعيدة ويجب تفريقها عن مرحلة الاكتئاب. (عمرو، د.ت، من النت).
أولاً: البُعد التّجنبي، يظهر التّجنب ذو الأصل الصّادم بحسب damiani. 1997 مباشرة بعد الحادث الصّادم، حيث ينعكس التّهديد على موضوع أو وضعية تسمح بتثبيت القلق، وإن كانت سيرة التّجنب هذه تهدف بصفة شعورية إلى تجنب الأماكن والأشخاص والمواضيع المتصلة مباشرة بالحادث الصّادم، فإنما يمكن أن تنشر فيما بعد إلى عناصر بعيدة كالأماكن العمومية والأشخاص المشابهين ويشكل التّجنب أحد الأعراض الأكثر ديمومة والمستعصية جداً على التّدخلات العلاجية.
ثانياً: البُعد العصبي الإعاشي، حيث يذكر عبد الرحمن (2002) أن الحدث الصّادم اجتياح حسي مع الشّعور بفقدان الحدود، ففي لحظة يتجمد الفضاء والزّمن، هذا الانطباع للتعبئة الزّمنية والمكانية يضاف إلى فقدان الفضاء النّفسي، إذ يصبح الشّخص عاجزاً عن التّفكير والسّلوك بطريقة متكيفة لحماية ذاته بسبب صعق وظائف الأنا، وبالتّالي فقد يصبح فريسة تهيج وذعر يتجليان من خلال هروب مستمر ونشاط عصبي إعاشي مفرط، كما يتضمن هذا البعد اضطراب النّوم، واضطراب الذّاكرة والتّركيز ونوبات حادة من القلق تنتاب الشّخص المصدوم من حين لآخر.
ثالثاً: بُعد التّكرار، كما ذكر dimiani.1997 يأخذ التّكرار طابعاً إمراضياً ساطعاً للصدمة النّفسية ويأخذ أشكالاً مختلفةً كالأحلام والكوابيس والحاجة القهرية لذكر الحادث مروراً بالذّكريات المؤلمة التي تعيد إنتاج الحادث الصّدمي، فالتّكرار إذاً هو ميكانيزم منظم يستجيب لحاجة داخلية ترمي إلى التّخفيف من حدة التّوترات، عن طريق تفريغها بكميات صغيرة، قصد إحياء حالة ما قبل الصّدمة. كما جاءت في (نعيمة، 2022، ص.28-30).
رابعاً: البُعد المعرفي: تشير الاستجابة المعرفية للصدمة، سواءً الفورية أم بعيدة المدى، إلى أساليب مميزة في معالجة المعلومات أو في فهم ما حدث، وتنطوي العمليات المعرفية، من المنظور التّفاعلي لردود أفعال الضّغوط الصّدمية، على أهمية كبيرة؛ لأنها تشمل عمليات متعددة الأبعاد تتضمن إدراك الأحداث وتقدير الموقف وعزو أسباب الحدث وتكوين مخطط معرفي للفعل والسّلوك.
خامساً: بُعد المواجهة Coping يعرف لازاروس وفولكمان المواجهة بأنها عملية من التّغيير المستمر للجهود المعرفية والسّلوكية بغية التّحكم بالمطالب الخارجية أو الدّاخلية، التي يجري تقديرها على أنها عبء على مصادر الفرد وإمكاناته أو تفوقها وتتجاوزها، استناداً إلى ذلك يمكن تحديد ثلاثة أنماط لاستجابة المواجهة للأحداث الصّدمية، وهي المواجهة الوسيلية والمواجهة التّعبيرية وإعادة البناء المعرفي. (عباس، 2016، ص. 13-15).
ويمكن أن تتعدى الآثار النّفسية ما بعد هذه الأبعاد في عدد من ردّات الفعل التي تظهر على الأطفال، مثل الشّعور بالعجز وعدم الأمان والقلق من المستقبل والخوف من التّغيير وتدني تقدير الذّات والشّعور بالذّنب والغضب والعدوان والاغتراب عن الواقع والعزلة الاجتماعية وتشوه صورة العالم وظهور أنواع مختلفة من الخوف والأحلام الصّادمة واضطرابات النّوم. (المجيدل، 2019، ص. 9-12).
أولاً: العلاج عن طريق التّحليل النّفسي، في العلاج بواسطة التّحليل النّفسي نحاول تصحيح ما حطمه الحدث الصّدمي عند العميل، وهي العملية التي تمكن من إخراج المحتوى العاطفي لإعادة إحياء الحدث بأدق التّفاصيل الممكنة والشّيء الأكثر أهمية يتمثل في شدة العواطف المتضمنة في إعادة إحياء الحدث وهي التي تمكن من التّنفيس الضّروري للشفاء.
ثانياً: العلاج السّلوكي والمعرفي، في العلاجات السّلوكية نهتم أساساً بالمشكلة المباشرة التي تزعج وتربك الشّخص المصاب بالصّدمة، وما يطمح إليه هو محاولة فهم استجابة العصاب التي تسبب في ظهورها مثير معين كالحدث الصّدمي، فحينما تشخص المشكلة تبدأ عملية التّحليل التي تكون على ثلاثة مستويات السلوكي، والفكري، والعاطفي.
ثالثاً: العلاج الكيميائي، إن طب الأعصاب يبرز أن هناك بعض مناطق المخ عند الاشخاص الذين تعرضوا إلى صدمات نفسية تكون أقل نشاطاً مما هي عليه عند الأشخاص العاديين، أما بعض المناطق الاخرى فيكون نشاطها زائداً عن الحد المعروف. وعلى العموم فإننا نلاحظ انخفاض في النّشاط المخي وبالخصوص الجّانب الذي يقع جهة الجبهة، إذ إن مما هو معروف طبياً أن الجهة الجبهية للمخ تعمل مثل المكبح الذي يراقب الاستجابات العاطفية، ونقصان عمل هذا المكبح يعطي الحرية الكاملة للأحاسيس السّلبية بالظّهور، والتي تكون عموماً ذات نشاط كبير في مرحلة الاكتئاب، ومن هذا المنطلق فإنه يستحسن إعطاء أدوية ضد اكتئابية من أجل تعديل وتوازن عمل المخ. (نعيمة، 2022، ص.32-33).
رابعاً: أسلوب حل المشكلات، كما جاء في الحلو (1999) إن المشكلات كلها بوصفها من الكفايات الرّاقية التي تتطلب استخدام مهارات التّفكير العليا التي يحتاج إليها إنسان هذا العصر الذي يتسم بسرعة التّغير والتّبديل، لما يعزوه من مثيرات ومعطيات جديدة كي يتمكن من تحقيق التوافق والتّكيف والنّماء السّوي دون إحباطات، ولما كان الإنسان العصري يواجه في مسيرته الحياتية المشكلات المختلفة، سعى إلى اكتساب المعارف والمهارات والاتجاهات المناسبة التي تمكنه من مواجهة التّحديات وحل المشكلات.
خامساً: طلب الإسناد الاجتماعي والانفعالي، هو محاولة بعضهم الحصول على مساعدة الآخرين اجتماعياً أو نفسياً، أو طبياً، أو مادياً، وفق تقديرات المعنيين أنفسهم، إذ يلجأ بعضهم إلى الأهل أو الأقرباء أو حتى العشيرة في بعض المجتمعات للحصول على الدعم الأمني عند الشّعور بالتّهديد لسبب معين. (عباس، 2016، ص. 21-22).
الخاتمة:
عطفاً على ما سبق نجد أن الكوارث الطّبيعية تعتبر عاملاً مسبباً لحدوث الصّدمات النّفسية نتيجة لما تخلفه من مواقف صادمة ومرعبة، أو أضرار وخسارات مادية وبشرية، وفقد لأشخاص مقربين من الأسرة أو الأصدقاء، ويعدّ الأطفال من الفئات الأشد تأثراً في ظل هذه الكوارث، لذلك يجب على العاملين في الحقل النفسي الانتباه لكل الدّلالات الصادرة عن الأطفال في أثناء وقوع هذه الكوارث، وتقديم ما يلزم من الأنشطة العلاجية لهم حتى لا تتفاقم حالتهم مع مرور الزمن، فلا ندري ما يختلج في نفس الطّفل نتيجة هذه الأحداث وما يمكن أن يحدث له.