يستحوذ اللعب عند الأطفال على حيز كبير من حياتهم، واللعب ليس أمراً ثانوياً في حياة الأطفال إنما هو حاجة أساسية، ويسهم في النمو المتكامل لشخصية الأطفال، وحدود أثر اللعب لا تقف عند هذا الحد بل تتسع دائرة أثره فيكون علاجاً ناجعاً للأطفال في حالات كثيرة.
من السمات التي تميز اللعب أنه حر لا قسر فيه، فقد يكون موجهاً أو غير موجه، ويشتمل على المتعة والتسلية بالنسبة لمن يقوم به، كما أنه يعدّ نشاطاً يقوم به الأفراد أو الجماعات بدافع الاستمتاع، كما أن اللعب يعدّ استغلالاً لطاقة حركية ونفسية، إضافة إلى أنه يمتاز بالسرعة وبالخفة في تناول الأشياء واستخدامها والتصرف بها، واللعب هو الحياة لدى الأطفال يتعلمون من خلاله، وبه يحققون مطالب النمو وحاجاته فلا يمكن الاستغناء عنه. (عبد الهادي، 2004)
أهمية اللعب في حياة الطفل:
ينطوي اللعب على أهمية كبيرة لأنه يحقق للطفل فوائد عدة ويقوم بوظائف متنوعة تعمل على تنمية الطفل فهو يعدّ أداة ترويض، وتعلم واكتشاف، وتعبير وتواصل، وأداة للتنشئة الاجتماعية، وأداة تعويض وتطهير، وهو يساهم في بناء شخصية الطفل المتكاملة. (العناني، 2014)
اللعب حاجة من حاجات الطفل الأساسية، ومظهر مهم من مظاهر سلوكه كما أنه استعداد فطري لديه وضرورة من ضرورات حياته، ويتعلم الطفل عن طريق اللعب أشياء كثيرة عن البيئة المحيطة به ويحقق التواصل معها، كما ينمو جسمياً وعقلياً ولغوياً وانفعالياً واجتماعياً، ويكتسب العديد من المهارات والمعلومات التي تساعده في التكيف النفسي الاجتماعي، فاللعب ليس مجرد وسيلة لقضاء وقت الفراغ، إنه وسيط تربوي يساهم في نمو الشخصية والصحة النفسية للأطفال، كما أنه وسيلة لتعلم الكثير من المفاهيم العلمية والرياضية واللغوية والدينية والاجتماعية. (العناني، 2014)
يعدّ اللعب ذا أهمية كبيرة في نمو الطفل، إذ ينمي مهاراته اليدوية، ويكتشف عن طريقه مشاعره الداخلية، ويشارك غيره ويتعاون معه، وتنمو معارفه، وتزداد خبراته، وبالتالي فاللعب طريقة ووسيلة مهمة للتعلم تتعاظم أهميته خاصة في مرحلة الرياض وفي المرحلة الابتدائية حيث يتيح الفرص للطفل كي ينطلق ويلعب، ليشبع حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية، وهذا يتطلب توفير أدوات وأجهزة ومواد اللعب المختلفة وتوجيهها التوجيه السليم حتى يحصل النمو الشامل والكامل. (حنا، 1999)
القوة العلاجية للعب:
اللعب حاجة غريزية بالنسبة للطفل، وتلبيتها تيسّر للطفل عملية التعرف على ذاته وخصائصه الداخلية، ولهذا يعدّ علماء النفس والأطباء النفسانيون اللعبَ منهجاً طبيعياً لمعالجة الاختلالات والانحرافات السلوكية لدى الطفل، لأن اللعب يتيح للطفل الفرصة للكشف عن عواطفه ومشاعره المؤلمة وعما يعانيه من مشاكل داخلية نفسية. (موثقي، 2004)
تبرز القوة العلاجية للعب بمجموعة من العوامل، وأهمها:
التعبير عن الذات: يتمكن الأطفال من التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم الواعية بشكل أفضل من خلال أنشطة اللعب.
التعلم المباشر وغير المباشر: يمكّن اللعب الطفل من تجاوز النقص في المهارات والمعرفة من خلال التعلم المباشر وغير المباشر.
التنفيس الانفعالي: من خلال تكرار اللعب وإعادة اختبار الخبرات المؤلمة، فإن الطفل يتمكن بشكل تدريجي من اكتساب السيطرة على الأفكار والمشاعر المؤلمة.
التسامي: يسمح اللعب بتحويل الدوافع غير المقبولة إلى أنشطة وسلوكيات مقبولة اجتماعياً، فالطفل الذي يضرب الآخرين للتعبير عن مشاعره السلبية يتمكن من إعادة توجيه هذه المشاعر بتكرار الوسائل المقبولة مثل التنافس الرياضي.
التعلق وتحسين العلاقات: أشارت نتائج الدراسات بأن اللعب يقوي روابط العلاقات الإيجابية بين الأطفال ووالديهم.
التعاطف: فمن خلال لعب الدور يتمكن الأطفال من تطوير قدرتهم على التعاطف ورؤية الأشياء من منظور الآخرين.
التعويض بالخيال: الأطفال يمكن أن يحصلوا على إرضاء بديل فوري لرغباتهم، فالطفل الخائف يمكن أن يكون شجاعاً والطفل الضعيف يمكن أن يكون قوياُ.
اختبار الواقع: يتيح العلاج باللعب للأطفال قراءة المؤشرات الاجتماعية ويمكنهم من التفريق بين الخيال والواقع.
(شايفر 2010، كما ورد في شيخاني، 2014)
وفي دراسة نظرية لحسن (2018) حول دور اللعب في النمو النفسي لدى الأطفال، توصل إلى استنتاجات، وفيما يأتي بعضها:
في المراحل المبكرة من حياة الطفل اللعب يؤدي وظيفة ثلاثية تتمثل في: تنفيس المخاوف، استياق المسرات، التعويض عن الإخفاقات.
يساعد اللعب على التخلص من التوتر واستعادة الاتزان والهدوء.
يؤدي اللعب دوراً مهماً في النمو الانفعالي لدى الأطفال، إذا يخفض اللعب الخوف والقلق ويعمل على تطوير المرونة الانفعالية واحترام الذات.
المهارات العلاجية الأساسية لتطبيق العلاج باللعب:
نذكر فيما يأتي بعض المهارات العلاجية الأساسية لتطبيق العلاج باللعب كما وردت في الغامدي وآخرين (2019):
عكس السلوك غير اللفظي: مهارة تتضمن الرد لفظياً على سلوك اللعب لدى الطفل، ومثال ذلك عندما يقوم الطفل بترتيب مجموعة من السيارات من الأكبر إلى الأصغر فإن المعالج يظهر انتباهه بقوله” “قمت بترتيبها من الأكبر إلى الأصغر”، وتتطلب هذه المهارة من المعالج الولوج في عالم الطفل؛ ليفهم أن المعالج مهتم بلعبه.
عكس المحتوى اللفظي: وتتطلب هذه المهارة إظهار قبول خبرات الطفل وأفعاله، وبنفس طريقة العلاج النفسي عن طريق الكلام مع الراشدين، فإنه يتم صياغة ألفاظ الطفل أثناء جلسة العلاج باللعب، فمثلاً عندما يقوم الطفل بتمثيل مشهد باستخدام دمية ليعبّر عن فرحته بزيارة صديق له في منزله، ثم يعبّر عن غضبه من صديقه عندما اختلفا حول لعبته المحببة؛ فإن المعالج سيقول: “كنت تتطلع لزيارة صديقك ولكن لم تتم الزيارة كما توقعت”.
عكس المشاعر: مهارة مهمة في بناء العلاقات تتطلب انتباهاً دقيقاً لعواطف الطفل الحالية، ومثال ذلك استغراق الطفل وقتاً طويلاً في بناء برج من المكعبات؛ وعند سقوط بعضها قام الطفل بالصراخ عالياً وإسقاط بقية المكعبات بعنف؛ فردّ عليه المعالج بقوله: “أنت محبط جداً من المكعبات”.
تسهيل اتخاذ القرارات وإعادة المسؤولية: يستطيع الأطفال الإحساس بالقوة والقدرة عندما نستجيب لهم بطريقة تشجعهم على صنع القرار وإظهار المسؤولية الذاتية، فمثلاً عندما يقوم الطفل بالاستئذان من المعالج من أجل إضافة ماء للرمل؛ فإن المعالج يساعده في صنع القرار بالرد عليه: “الأمر متروك لك” أو “هنا يمكنك أن تقرر”.
تسهيل الإبداع والعفوية: من أهم أهداف العلاج باللعب خلق بيئة تسمح للطفل بالاستفادة من مهاراته الداخلية وإمكاناته الإبداعية؛ لتطوير قدرته على الاستجابة بعفوية ومرونة، فمثلاً عندما يقوم الطفل بتعداد طرق مختلفة لصنع بيت (بغض النظر عن قابلية تطبيقها)؛ فإن المعالج المحفز للإبداع يستجيب له بقوله: “أنت تعرف طرقاً عديدة لبناء البيت”.
بناء الثقة والتشجيع: تزرع الثقة والتشجيع التي تبنيها ملاحظات المعالج القوةَ والقدرة والقيمة الذاتية في الطفل، وتركز هذه المهارة على جهود الطفل وليس على مدح الإنجازات، فمثلاً إذا لم يستطع الطفل فتح علبة الصلصال فإن رد المعالج قد يكون: “كنت تعمل بجد لفتح العلبة لقد كنتَ مصراً”، وإذا تمكن من فتحها فيكون رد المعالج “كنت مصمماً على فتح العلبة وتمكنت من فتحها”.
تسهيل العلاقة: تعدّ تجربة الطفل العلاقة العلاجية العاملَ العلاجي الأساسي في شفاء الطفل، وبالتالي فإن الملاحظات عن العلاقة العلاجية بين الطفل والمعالج مهمة أثناء معالجة الطفل، فعندما يقوم الطفل بتحضير أكل للمعالج أثناء جلسة اللعب، فإن رد المعالج يكون: “صنعت هذا خصيصاً لي”.
ضبط الحدود: يتم في العلاج باللعب (المتمركز حول الطفل) وضع الحدود حسب الحاجة؛ لتوفير السلامة الجسدية والعاطفية للطفل والمعالج، ولحماية غرفة اللعب، والربط بالواقع.
يعدّ العلاج باللعب ناجعاً؛ لأن اللعب حاجة أساسية لدى الأطفال ويؤدي دوراً مهماً في نموهم وتكوين شخصيتهم، ونستطيع من خلال اللعب أن نصل إلى العلاج النفسي المطلوب كون اللعب يتسم بسمات تعطيه أهمية كبيرة في حياة الأطفال، وبوساطة اللعب يمكن أن تعالج مشكلات الطفل، لكن لا يمكن لأي شخص تطبيق العلاج باللعب؛ فلا بد من أن يكون مؤهلاً ومدرَّباً.
المراجع:
– حنا، فاضل. (1999). اللعب عند الأطفال. دار مشرق-مغرب.
– حسن، حيدر فاضل. (2018). دور اللعب في النمو النفسي لدى الأطفال. مجلة البحوث التربوية والنفسية، (59)، 505-522.
– شيخاني، أحمد. (2014). الأطفال والحرب. مركز التفكير الحر.
– عبد الهادي، نبيل. (2004). سيكولوجية اللعب وأثرها في تعلم الأطفال. دار وائل للنشر.
– العناني، حنان. (2014). اللعب عند الأطفال. دار الفكر.
– الغامدة، حصة، الكشكي، مجدة، الزهراني، سعيد، العويشز، موضي، خياط، عبير، وبو سعيد، نرجس. (2019). العلاج النفسي للأطفال. المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية.
– موثقي، هايدة. (2004). علم نفس اللعب. دار الهادي.
وسوم
عن الكاتب
مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية
مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء