التعافي من الصدمات بعد الكوارث

كيف تتأقلم عندما تتعرض لحدث صادم ساحق لدرجة أنه يتحدى معتقداتك الأساسية ويحطم نظرتك للعالم؟

بعد حدث صادم، يعتقد المرء أن الحياة لن تعود كما كانت مرة أخرى، وبطريقة ما هذا صحيح، ولهذا تسمى صدمة. إنها تجارب تهدد السلامة الجسدية أو العقلية للشخص، ويتغير تصور الشخص الذي لديه مثل هذه التجربة عن نفسه والحياة والعالم والناس.

ومع ذلك هذا لا يعني أن الحياة ستكون دائماً سلبية بعد الصدمة وأن المشاعر الإيجابية لا يمكن الشعور بها مرة أخرى. وهنا يظهر مفهوم “نمو ما بعد للصدمة”. هذا المفهوم في الأدب؛ يتم تعريفه على أنه “تجربة تغيير إيجابية كبيرة ناتجة عن التعامل مع أزمة حياة كبيرة”

قد تجعلك الصدمة تشعر بالعزلة والتبلد في المشاعر وعدم الثقة بالآخرين.

يوفر الفهم الدقيق للصدمة وعياً أكبر بالواقع ويساعد في تقبل الضيق المرافق للشدائد كأمر طبيعي. (2023,Şeker)

معلومات إضافية عن الصدمة

هناك ثلاثة أنواع أساسية من التجارب المؤلمة؛ قد تكون الصدمة أحداثاً خطيرة تحدث لمرة واحدة مثل كارثة طبيعية أو هجوم عنيف، وقد تكون ناتجة عن الإجهاد المزمن المستمر مثل سوء المعاملة أو المرض الذي يهدد الحياة أو القتال العسكري، وقد تكون سلسلة من الأحداث الصادمة المعقدة.

معظم الناس لا يعانون من مشاكل نفسية مستمرة بعد الصدمة، فالنمو والتعافي جزء من قدرة الجسم الطبيعية على الشفاء.

تأثير الصدمة شخصي وخاص ويختلف بشكل كبير من شخص لآخر اعتماداً على الخصائص الفردية وطبيعة الصدمة والعوامل الاجتماعية والثقافية، فكل شخص يتعامل مع الصدمة بشكل مختلف.

يمكن للتجارب الصادمة أن تبدد إحساسك بالخصوصية والأمان وتتركك تكافح من أجل التغلب على المشاعر المتقلبة والذكريات والأعراض الجسدية والنفسية، وقد تكون المشاكل التي تحدث بعد الصدمة أكثر صعوبة لدرجة أن أي حدث صادم تتعرض له سيضاعف عبء الإجهاد الثقيل بالفعل، مضيفاً له الصدمة السابقة، والخسارة الأخيرة، وكل الصدمات التي تعرضت لها منذ الطفولة. ( (Jerome,2023

الوصول للنمو بعد الصدمة

نمو ما بعد الصدمة هو تجربة النمو الإيجابي بعد أزمة كبرى؛ فعلى سبيل المثال قد يشعر الشخص بأنه أقوى، كما يمكنه مواجهة أي شيء، وقد يشعر بتقدير أعمق للحياة، وتتحسن علاقاته، أو يحدد تغييراً جذرياً في نظام معتقداته.

غالباً ما يحدث نمو بعد الصدمة كجزء من مسار الشفاء الطبيعي، ومع ذلك يمكن تسهيل ذلك من خلال النظر في الأمور الآتية:

  • بالنسبة للأحداث الصادمة من المتوقع حدوث الحزن والقلق والغضب وذكريات الماضي، وقد تحدث الأعراض الجسدية أيضاً مثل التعب والأرق وصعوبة التركيز.
  • كن لطيفاً مع نفسك وامنح نفسك وقتاً للجلوس مع حقيقة ما حدث، لا توجد طريقة لتجاوز هذه الخطوة الأولى. من المهم أن تتذكر أنك نجوت من الصدمة وأن ردود الفعل التي تتعرض لها هي ردود فعل طبيعية تجاه الإجهاد غير العادي الذي تعرضت له.
  • يستغرق شفاء الصدمة وتقبلها وقتاً، ويجب ألا تشكل فكرة نمو ما بعد الصدمة ضغطاً إضافياً للنكوص ولا أن تحمل توقع الانتعاش. ما أقدمه هنا هو وسيلة لتشجيع النمو دون فرض إطار زمني أو توقع تجاوزه على التأثير الشديد للصدمة.
  • المرونة: يمكن أن تسهّل مرونة الشخص بشكل استباقي الصدمات التي قد يتعرض لها لاحقاً من خلال بناء نظام دعم قوي؛ لذا تعلّم أن تكون أكثر انفتاحاً ومرونة وتكيفاً، ومارس الرياضة بانتظام، وحافظ على النوم الصحي بشكل جيد وعلى التغذية، وتجنب العادات المدمرة للذات مثل تعاطي المخدرات، وخاصة عند الاستجابة للتوتر، توفر المرونة بشكل عام حاجزاً ضد تطور اضطراب ما بعد الصدمة.

إذا تعرضت لصدمة:

  • تحدّث عن الصدمة فهذا يساعدك: لست بحاجة إلى التحدث إلى الجميع، ولكن العثور على صديق داعم أو فرد من العائلة أو معالج يمكن أن يساعد في تسوية الأمور وإبعاد ضغط الصدمة.
  • فكّر فيما مررت به وما تشعر به بشكل حقيقي: ضع في اعتبارك احتمال أن تجد تحسّناً إيجابياً في المستقبل، وبعبارة أخرى تقبل بلطف حقيقة حزنك ولكن اترك مجالاً للأمل.
  • تجنّب الانسحاب: تعطّل الصدمة توازن الجسم، وتنشط الجهاز العصبي الودي وتدفعنا إلى العنف أو الانسحاب والعزلة، ومن الطبيعي أن ترغب في الانسحاب ولكن العزلة ستزيد الأمور سوءاً، لذا سيبني التواصل مع الآخرين قوتك، ويوفر التعامل مع الآخرين التسلية والتنظيم المشترك، والشعور بالحياة الطبيعية.
  • يعد الانضمام إلى مجموعة دعم أمراً بالغ الأهمية، حتى لو كانت المجموعة افتراضية.
  • أعد وضع الروتين فهناك راحة في الألفة والعادات.
  • حاول أن تدرك أن عدم الرغبة بفعل شيء بسبب الصدمة هو أمر طبيعي، ولكن إذا استمر يكون مدمراً، لذا تساعد الحركة على إصلاح جهازك العصبي وإفراز الإندورفين، وحتى المشي لمسافات قصيرة خاصة في الطبيعة يبعث على الارتياح ومفيد.
  • قم بأعمال إبداعية مثل كتابة اليوميات أو الطهي أو الرسم الحر أو أي شكل من أشكال التعبير عن الذات. الإبداع أمر إيجابي ومشتت للانتباه ومريح.
  • مساعدة الآخرين سوف تكسر شعورك بالعجز وكونك ضحية، حتى المنشور البسيط والمشجع في مجموعة الدعم يمكن أن يقلل من التوتر ويوفر إحساساً بالانتماء والمعنى المتجدد. (Jerome,2023)

وفقاً لبحث Tedeschi and Calhoun التاريخي لعام 1996، الذي تم إجراؤه مع الأشخاص الذين عانوا من الصدمة، تم فحص التغييرات التي لوحظت في البشر على النحو التالي.

  1. تقدير أكبر للحياة وتغيير الأولويات في الحياة، وإدراك أن الحياة مؤقتة وتقليل القلق بشأن الأشياء الأقل أهمية، والحصول على مزيد من المتعة من تفاصيل الحياة اليومية.
  2. القدرة على إقامة علاقات أوثق وأكثر دفئاً مع الآخرين، والانفتاح على الحصول على المساعدة.
  3. إيماناً أكبر بقوتك، وزيادة الاعتقاد بأنه يمكنك التغلب على الصعوبات، وإدراك أنك لست ضعيفاً.
  4. تحسن القوة الروحية، والحاجة إلى الإيمان، وإلى إيجاد معنى الحياة.
  5. استكشاف إمكانيات جديدة في الحياة، وتجربة أشياء لم يسبق لها مثيل من قبل. (Lebow,2023)

يحدث نمو ما بعد للصدمة عندما يصبح الشخص الذي عانى من الصدمة قادراً على دمجها كتجربة في حياته، وإعطاءها مكاناً في حياته، وتطوير رؤية تفسح مجالاً للتطلع إلى الأمام، تذكر أن دمج الصدمات ليس مساراً خطياً، فبعض الأيام سيكون أفضل بينما سيرسلك البعض الآخر إلى دوامة من الذكريات المتعبة.

ليست الصدمة بالأمر الهين الذي تتخطاه بسرعة، فالضغط على نفسك لن يسرّع عملية الشفاء؛ لا تجبر نفسك على نسيان ما حدث، وفي المقابل حاول أيضاً ألا تسلّم نفسك للضعف والهوس بالصدمة.

 حب الذات والمرونة عمليتان نشطتان ولكنهما تدريجيتان. كن صبوراً، وفي النهاية قد تحظى بنظرة جديدة تغير رؤيتك للنمو والقوة والتقدير والمعنى.

المراجع:

وسوم

عن الكاتب

مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

مركز بحثي يختص بالعلوم التربوية والنفسية، والاستشارات الاجتماعية والتنموية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، ويعنى باحتياجات المجتمع سواء داخل سورية أو في بلدان اللجوء

اقرأ لـ مركز مداد للدراسات والبحوث التربوية

اقرأ ايضاً عن الصحة النفسية